بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 30 مايو 2017

ضد التيار .. !!


ضد التيار .. !!

في الظاهر تبدو حملة " محاربة الفساد " التي بدأها  رئيس الحكومة يوسف الشاهد خلال الأيام الأخيرة استكمالا وتجسيدا لشعار " يلزم ناقفوا لتونس " الذي أعلنه من داخل مجلس النواب عشية تنصيبه على رأس الحكومة وبالتالي هي  خطوة جدية تستحق المساندة والتأييد من أجل انجاحها واستمرارها كما يقول البعض ، وحتى لا يتم الحكم على النوايا بل على الأفعال والحال أن الحملة جارية فعليا على أرض الواقع بالايقافات وتجميد الارصدة ومصادرة الاملاك كما يقول آخرون .. وهكذا يبدو الظاهر مقبولا من حيث الشكل ، غير أن المضمون له أحكام غير الأحكام الظاهرة ، وقد يثير التعمق فيها كثيرا من الشكوك حول الحملة يمكن ايجازها في العناصر التالية ..
1 ـ ان رئيس الحكومة يتحدث عن "حملة " لمكافحة الفساد في حين أن مثل هذا الأمر الخطير لا يمكن أن يكون مجرد حملة مبنية على ردود أفعال تجاه تصريحات صادرة من أحد الرموز الفاسدين هو في الواقع لم يصرح الا بما هو معروف لدى العام والخاص ، كما أن الحملة تأتي في ظروف خاصة عاشت فيها البلاد مناخا من الاحتقان تحول الى موجات متتالية من  الاحتجاجات المتصاعدة شملت كل المدن المهمشة والفئات الشعبية المحرومة بسبب تصاعد وتيرة الفساد الذي أصبح يعصف باستقرار تونس وأمنها على جميع الاصعدة ..
2 ـ ان مكافحة الفساد لا يمكن ان تتجه بشكل فردي الى بعض الرموز الفاسدين دون التوجه الى شبكات الفساد على مستوى الادارة والمؤسسات العمومية والخاصة التي تمثل الحاضنة الاساسية لهذه الآفة ، في اطار خطة شاملة على المدى القريب والبعيد قصد تفكيك منظومة الفساد بالكامل وليس بشكل جزئي يعلق المسؤولية على بعض الافراد دون غيرهم من ذوي القربى المتحصنين بأصحاب النفوذ من السياسيين والامنيين وغيرهم ..
4 ـ هذه الحملة يشوبها كثير من الغموض في توقيتها وأهدافها حيث لم تكن وليدة ارادة سياسية واضحة المعالم منذ البداية ، خاصة انها تطرح بالتوازي مع محاولات الحكومة وأحزابها الحاكمة تمرير قانون المصالحة الذي هو في النهاية مشروع لتبييض الفساد لا غير ..
5 ـ ان السيد رئيس الحكومة هو سليل مدرسة اقتصادية واجتماعية وفكرية تؤمن بمقولة " دعه يعمل دعه يمر " وتعلق تحقيق المصلحة الوطنية بالنسبة للدولة على دور الشرطي المحايد ، وبالنسبة للمواطن على المبادرة الفردية أي كان اتجاهها وأساليبها في تحقيق المصلحة ..
6 ـ ان الحكومة تقودها أحزاب تقيس خطر الفساد بمدى تأثيره على المصلحة الحزبية ذات الصلة  بكرسي الحكم والنفوذ وهو ما يجعل مثل هذه الحملات موجهة احيانا لتدعيم المصلحة السياسية التي تجبر الحكام على خوض صراعات متعددة الأشكال من أجل البقاء .
7 ـ ان الاحزاب الحاكمة مرتبطة بعلاقات خارجية طرفها دوائر متنفذة في السياسة الدولية التي يديرها رجال المال والأعمال الذين يغذون الفساد في الداخل ويحركون شركاءهم من داخل تلك الأحزاب ومن داخل السلطة ذاتها ..
8 ـ ان الحملات الانتخابية للأحزاب الحاكمة مولها رموز فاسدون  الكثيرون منهم يتولون مسؤوليات عليا في الدولة أوفي مجلس النواب  ..
9 ـ ان الحكومة الحالية بمكوناتها القديمة والجديدة تتحمل المسؤولية الكاملة في اتساع شبكة الفساد من خلال الدخول في نهج التوافق المصلحي الذي أفضى في البداية الى اسقاط قوانين تحصين الثورة وعودة الفاسدين ثم الى الدفاع عن قانون المصالحة الذي يهدف الى التغطية عليهم للافلات من العقاب ..
10 ـ ان الحكومة الحالية كما الحكومات السابقة المتعاقبة لم تقم باي خطوة جدية لمحاربة الفساد داخل المؤسسات الاقتصادية في جميع القطاعات التي يعبث بها الفاسدون ، بما في ذلك اصدار تشريعات جديدة لمحاربة التهريب ، والاستيلاء على المال العام ، والتهرب الجبائي ، كما لم تتدخل جديا للحد من التوريد العشوائي للسلع الاستهلاكية التي تهدد المنتوج الوطني وتتسبب في البطالة ، وافلاس الحرفيين ، وانخفاض السيولة ، ولم تتحرك بشكل جدي لمحاربة الاحتكار والتحكم في مسالك التوزيع المتسببة  في غلاء الاسعار  ..
11 ـ لم نر الى حد الآن ولم نسمع عن بدائل واضحة وخطط مدروسة من الحكومة والأحزاب الحاكمة تتوجه لتفكيك منظومة الفساد التي تنخر الدولة من " ساسها لراسها " كما يقول المثل الشعبي ، بل وجدناها بين عشية وضحاها وبقدرة قادر تشرع في حملة عشوائية غير مفهومة الاتجاه والأهداف فاجأت حتى أصحاب السلطة والنواب فضلا عن الناس العاديين ..
12 ـ ان الحكومة ـ كما لا يخفى على أحد ـ تبقي على شعرة معاوية بينها وبين رجال الأعمال الفاسدين الذين تعول عليهم في التنمية لاخراجها من أزماتها وهو ما يتجلى بوضوح في دفاعها عن قانون المصالحة سيئ الذكر ..

لكل هذه الأسباب وغيرها يصعب تصديق الحملة بتلك السذاجة التي نسمعها في وسائل الاعلام .. ويبقى المشكل ليس في كونك تسبح "ضد التيار" .. بل في معرفة اتجاه الماء "وين يصب" .. !! 

( القدس ) .   


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق