بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 19 أغسطس 2012

حصاد الثورة ..

حصاد الثورة . .

منذ وقت مبكّر وبالتحديد في اليوم الثاني للثورة الموافق لـ  15 جانفي 2010 راجت اخبار مفادها ان الموسوعة الحرة ويكيبيديا ادرجت ثورة تونس ضمن  تعريفاتها ، فاكـتشف كل من تابعها بانها تطلق عـليها ثورة الياسمسن .. و قد كانت  الجهات الفرنسية أوّل من تحدثت عن ثورة تونس ووصفتها بهذه الصفات ، التي تلقــّــفتها العديد من المنابر الاعـلامية  في تونس و العالم ، كما ظهـر في نفس الوقت  رفـض واسع لتـلـك التسمية  .. حيث كان الراي السائد - منذ البداية  - يرى بان ترويج مثل هذه  المسميات  و الصاقها بالثورة لم يكن بريءا .. و ان الحديث عن ثورة الياسمين في ذلك الوقت لم يكن مجـرد وصف للحدث ، بقدر ما كان توجـيها مقصودا و تاثيـرا على مستقـبل الثورة و مجرى الاحداث .. كما كان انتقاصا من شانها قـبل ان يكون تمجـيدا لها  .. اذ ان المعـنى كان يوحي بانها ثورة ناعمة الى ابعد الحدود ، و ليس لها اي نوع من الاظافـر والمخالب او الانياب  ..  وانها ايضا  ثورة بدون دماء . او كأنهم يريدون القول بان  بضع مئات من الشهداء ليس كافيا لتصبح ثورة " بالفم المليان "... او كأن متطلبات الثورة  كما حدث في جميع الثورات و كما يجب ان يحدث في ثورة تونس غير وارد و غير مطروح على الثوريين ..  ثم ماذا يعـني القول بان ثورة ما .. هي ثورة ياسمـين ، هل يعـني مثـلا انها ثورة بـدون ثوارحـقـيقـييـن ؟ ام انها بدون تـلك الحالة الدمـوية والانتـقام  والفوضى التي يمكن ان تتواصل سنوات و ربما عـقودا كاملة حتى تهدأ العاصفة وتـتـضح الرؤية ، لا تعتبر  ثورة مثل بقية الثورات ..؟
في الواقع ان  استعمال مثل هذه الالفاظ  و الاوصاف حتى و ان اسـتـُــعـمل للتــّــقـليل من شأن العمل الثوري ، يُـعتبر امر طبيعي و ليس هو المشكلة  . و في اقصى الحالات وحتى عندما يكون ذلك لا يخدم مسار الثورة ، فانه يــُــحسب - دون عناء كبير - على الثورة المضادة و على الجـهات التي تعمل جاهـدة للانحـراف بمسارها وكفى .. 
اما المشكل الحقيقي فعلا هو ان تظهر اطراف افرزتها الثورة نفسها ، و هي تعـمل بوعي تام على تحويل الثورة الفعـلية الى ثورة فارغة تماما من اي محتوى .. و تسعى بملء ارادتها  لـتحويلها الى ثورة ناعـمة الى ابعـد الحدود و بالخصوص تجاه اعدائها الحقـيين ..  فيصبح المسؤولون الذين اعطاهم الشعب ثـقــته  متورّطون ليس فقط  في تجاهل محاسبة من ثار عليهم  ،  بل ايضا في تـــعــيـيــنهم في  مناصب  حسّساسة للدولة ، او قـبول استمرارهم في مناصب تركهم فيها راس النظام الفاسد ..      
ان الثورة لا تتحوّل من ثورة حقيقية الى شبه ثورة من خلال ما يقال عنها في الخارج ، بل انها تصبح كذلك بـيد ابنائها عندما يقـبلون بها  - بعد مدة وجيزة - كـثورة انجـزت مهامها ..  فيعتبـرون مثلا ان الزخم الثوري انـتهى بمجرد انتخاب ممثـلين لصياغة الدستور الجديد ، و تكوين حكومة سـُـمـّـيت حكومة شرعـية ، ثم تعيين  رئيس بلا صلاحيات قـيل انه رئيس شرعي .. و كفى المؤمنين شر القتال  ...  
ان الثورات الحـقـيقية لا تـنـتهي بانتخاب ، بل تستمر اجـيالا بعد اجـيال .. و تـظل  عبر مسيرتها منتصرة للمضلومين و المحـرومين الذين قامت الـثـورة من اجلهم لتـنـصفهم  و تستعيد  لهم حـقـوقهم و كرامـتهم  المسلوبة بكل اسلوب متاح او ممكن .. لذلك فهي لا تهادن المـفـسدين و المستغلــّـين و لا تتحالف معهم ، كما تعمل على ان توفـّـر للضعفاء مستلزمات الحياة الاساسية بالدرجة الاولى ، مثل الصحة و التعليم و الغذاء ،، وصولا الى تحريرهم نهائيا من القهر المادي و المعـنوي الذي عاشوه على مدى عقود طويلة .. 
ثم ان الثورة لا تـنكـفئ على نفـسها بل تـنـفـتح على محـيـطها  فـتـقوده الى الافـضل و ليس الى الهاوية .. وهي تتحالـف مع القوى التـقـدمية و التحـررية وليس مع الـرجـعـية و الاستعـمار ... 
واخيرا و ليس آخرا فان النجاح الحقيقي لاي ثورة في المجتمعات المتخلفة يــُــقاس أولا بمدى ما يتحـقق للضعـفاء و المهمّـشيـن الذين يمثـلون أغـلبية الشعـب عـندما يشعـر كل فـرد منهم بان هناك تغييرا ايجابيا في حياته ، فيصبح قادرا على تـلبـية حاجاته الضرورية  دون عـناء ... ثم يقاس نجاحها ثانيا بقدر بعدها عن الجهات المشبوهة و الاعداء بكل انواعهم ، اعداء الله و الوطن و الامة جمعاء ..  هكذا يكون حصاد الثورات الناجحة ، فاين نحن من هذا الحصاد  ؟   


 ( نشرية القدس عدد 33 ) .  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق