بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 27 أغسطس 2012

لا يصحّ الا الصّحيح ..

لا يصحّ الا الصّحيح ..


منذ ان خلق الله الانسان على وجه الارض وُجدت الانتهازية ، و الانانية ، و بدأ الصراع بين الخير والشر و قد كان ابليس - منذ تلك اللحظة - زعيما  للاشرار .. وهو لا يكتفي باغواء الناس و ايقاعهم في الخطيئة وارتكاب المحرّمات و الكبائر بل انه يعـمل على تجنيدهم لنشر الفساد .. قال تعالى :  "  فـَكُـبْكِـبُـواُ  فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ، وَجُـنُـودُ إِبْلِـيسَ أَجْمَعُـونَ  " ( الشعراء / 94 و 95 ) . وقد كان اوّل الخلق ، آدم عليه السلام  ، اوّل من ارتكب خطيئة بسسب ابليس الـلـّــعين ثم تاب عـنها ، وهو اوّل ضحية من ضحاياه ..  كما كان  قابيل احد ذرية آدم ، اوّل مجـنّد و اوّل جـندي من جـنود ابليس عـندما ارتكب جريمة قـتـل اخـيه هابيل بسبب غـبائه وانانيته ووقوعه في فخ  الغواية فكان من اصحاب النار ، قال تعالى و هو يخبرنا عن قصتهما :"  لـَئِن بَسَطـتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَـقــْتُــلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيـْكَ لَأَقْــتُــلـَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَـبـُوءَ بِإِثْـمِي وَإِثْـمِكَ فَـتَـكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الـنَّارِ وَذَلِكَ جَـزَاء الظَّـالِمِينَ "( المائدة  / 28 و 29  )   . 
هكذا كان مصيـر الانسان منذ البداية مرتبطا مباشـرة باختياره و بارادته الحـرّة ، كما كانت سنـّـة  الحياة  منذ الفجـر الاوّل للبشرية تعـلــّــمنا ان نجاحنا و فلاحنا في الدنيا و الآخـرة رهـيـن  حسـن الاختيار  .. قال تعالى : " قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ  " ( الانعام / 104 ) . و قال تعالى : " وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ  " ( الشورى / 30 ) . 
واننا لو تأملنا صراع الخير مع الشر لادركنا أولا ان هذا الصراع لا يكون منسوبا الا الى البشر .. ويترتب عن ذلك انه حيثما يكون وعي الناس متجها  تتجه الكفــّــة الى احدهما ، فيعمّ الخير او الشر، ويكون ذلك دائما باختيار الناس و طـبقا لوعـيهم السائد في زمانهم .. وعـليه فان الباطل يمكن ان يسود في مرحلة ما لكنه لا يلبث ان يـُـكشف في النهاية و يصبح عاريا  فينـتصر الحق ولو بعد حين .. قال تعال : " وَقـُلْ جَاء الْحَـقُّ وَزَهَـقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِـلَ كَانَ زَهُـوقاً "  ( الاسراء / 81 ) ، و قد حدث هذا فعلا حتى في زمن الرسالات التي يقودها رسل و انبياء ، وفي كثير من الاحيان كان فشل بعض الانبياء في اقناع الناس  يتطلب تدخل الخالق لحسم الامر ، حيث كان الله ينصر انبياءه في البداية عن طريق المعجزات ثم  يتم الحسم النهائي  بتنزيل العقاب على مـُـستحقيه كما حصل لكثير من الاقوام الذين رفضوا رسالات ربـهم  وعـصـوا امـره عـنـدما أعـرضـوا عن دعـوة الانـبـياء الذيـن بعـثـهم الله .. فـكان لهـم عـقـاب شديد في الدنـيا (الطوفان ، الريح ، الغرق ، ... ) و في الآخـرة لهم نار جهنم  حتى يكونوا عبرة لمن يعـتبـر .. ولعلّ فكرة العقاب سواء بالاسلوب  العاجل الجماعي الذي اختاره الله  ضد كثير من الاقوام ، الذين لم ينجُ  منهم الا المؤمنين ، او بتاجيله  ليوم الحساب  بالنسبة للبقية ، يبيـّـن باكثر قدر من الوضوح مسؤولية الانسان في عملية الاختيار .. وقد عـبّـر سبحانه عن ذلك  بما لا يدع مجالا للشك . قال تعالى : " وان كان كبر عليك اعراضهم فان استطعت ان تبتغي نفقا في الارض او سلــّــما في السماء فتاتيهم بآية ولو شاء الله لجعلهم على الهدى فلا تكوننّ من الجاهلين  " ( المائدة / 36 ) ... يضاف الى هذا كله الحكمة من بعث الرسل ، التي قال عنها سبحانه :" وما كنّا معذّبين حتى نبعث رسولا " ، ثم الانتقال التدريجي للاديان السماوية و هي تخرج  من اطار القوم الى الانسانية جـمعاء في مستوى مخاطبة الناس ، ثم التقـدم البطـيئ الذي شهدته جميع الاديان السابقة على الاسلام في مستوى الانتشار و كل ذلك يؤكد دائما مبدأ الاقناع و حرية الاختيار الذي تكرّر الحسم فيه في العديد من الآيات القرآنية المحكمة ، قال تعالى :  ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين "   ( يونس / 99) . وقال ايضا : " أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا " الفرقان / 43 )  .  
لو كان هذا صحيحا لاستطعـنا ان نعـمّم ثم نستـنـتج بان فكـرة الجزاء على الاعمال بشكل عام  و التوبة و المغـفـرة .. كلها مرطبة باختيار الفرد ، بل و ليس لها اي معـنى من دون حرية الاختيار الذي يمكن ان يكون صائبا  ( حسن اختيار ) ،  او غير صائب ( سوء اختيار ) ،   ويترتــّــب عن  ذلك حتما ان الاختيار بنوعـيه لا يمكن ان يــُـطبخ الا على نار هادئة خاصة اذا كان الامر متعلــّــقا بمسائل مصيرية ، اي ان الانسان لا بد ان يعيش مرحلة اخذ وعطاء بينه و بين نفسه ( صراع ) حتى يختار .. وهذا معناه ان ذلك لا يتم الا داخل كل انسان .. ومعـناه ايضا ان ذلك الصراع الذي لا يكون في البداية بين الناس بل داخل كل واحد منهم  ، سيتحول  لاحقا الى قيم و مواقف و آراء متداولة بينهم .. كتعبير عن انتـقال الجدل من جدل فردي ( جدل الانسان ) الى جدل جماعي في المجتمع  ( الجدل الاجتماعي )  .. وما معاقبة الناس بشكل جماعي الا لان كل واحد مـنهم قد اختار بارادته نفـس الاخـتيار الذي اختاره الآخرون مكوّنين رأياواحدا فيما بينهم من خلال الجدل .. فاهـلـكهم الله حتى  و ان كان من بينهم بعض اقارب الانبياء ، لكن المؤمنين منهم كانوا دائما من الناجين حتى و ان كانوا من اقارب المشركين ..  
اذا كان هذا بعـض ما حدث في تاريخ الاديان السماوية المقدّسة التي يقف وراءها الله سبحانه و الانبياء المكلــّــفين برسالته منذ الفجر الاول للبشرية ،  فماذا يمكن ان يحدث للمواقف والآراء والافكار البشرية اذن ؟  
 لا شيئ جديد .. بل صراع داخلي و جدل متجدد أبدا  .. لا يتوقـف ،  يعيشه الانسان من خلال بحثه عن حلول لمشاكله .. لان مشاكله لا تنتهي بسبب تجدد حاجاته .. و بقدر فهمه للظروف  و وعيه وادراكه للعلاقات التي تربط تلك المشكلات  بعضها بعض يستنبط الأفكار والحلول التي يعتبرها مناسبة وصحيحة فيختارها عن قناعة و يكون ذلك الاختيار نتاجا او نتيجة للمعاناة التي عاشها قبل ان يختار .. وبما ان الانسان لا يعيش وحده في مجتمع فان ما يختاره يمكن ان يختاره غيره .. فيـُـكـوّنان معا رايا جماعـيا بعد ان كان رايه فرديا  .. و هكذا بتعدد الناس تتعدد كـُـتـل الآراء و تكبر في آن واحد حتى تبرز كتلة اغلبية .. قد تكون صائبة أو خاطـئة و تبقى اغـلبية حتى و لو كانت غير قادرة على تقديم حلول جذرية للواقع .. غير ان الناس وقـتها لا يمكن ان يستمروا في اختيارهم بحكم استحالة قدرتهم على التقدم في ظل تلك الآراء  والمواقف التي ستـصـبح  عائـقا امام تطـوّرهم ..  وعـندها سـيعـود الناس من جـديد لدراسة واقـعـهم .. فـيعـيشون  فـرادى او جماعات  معاناة جديدة و صراعا جديدا  وحيـرة جديدة .. تطول او تقصر ،  لكنهم سيصلون في النهاية الى اكتشاف ما كان خافيا عنهم .. قد يكون ثمن التاخير والتجريب باهضا في حياة الشعوب .. لكنه و في النهاية لا يصح دائما الا الصحيح ... 

( القدس ) . 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق