سقط الحاكم ..واستمرّ
النظام ..
لقد سميت الثورة بثورة الكرامة ، وثورة الحرية ، وثورة الفقراء والمهمشين ،
وثورة الشباب .. وقد كان ذلك تعبيرا صادقا
عن هوية الثورة وآداتها وأهدافها .. حيث كانت الظروف التي عاشتها تونس منذ مطلع
الثمانينات تنذر من فترة الى أخرى بحدوث
التغيير المنشود .. لذلك عرفت البلاد هزات قوية كادت أن تعصف برأس النظام في عدة
انتفاضات شعبية سنة 1978 و1980 و1984 و 2008 .. وصولا الى سنة 2010 التي شهدت
انتفاضة الفلاحين بسيدي بوزيد خلال شهر ماي ، وانتفاضة بنقردان في شهر أوت ، ثم
انتهت بثورة عارمة انطلقت في 17 ديسمبر ولم تتوقف الا بفرار الطاغية في 14 جانفي
2011 ..وقد كان وقود هذه الثورة جموع الشباب الذين اضطهدهم بن علي وهمّشهم
وحاول تغـيـيـبهم بالكامل عن الواقع ، بتغـيـيـب وعـيهم وصرف اهتمامهم كليا عن الانشغال بالشأن العام ،
من خلال سياسة ممنهجة تستهدف وعي الانسان وشخصيته منذ الطفولة وسنّ الشباب حتى
الخروج من الجامعة ، وهي فـترة حساسة ومهمة في تشكل شخصية الانسان ، يقع خلالها
توظيف كل الوسائل ،التي تبدأ بالتعليم والثقافة والدعاية والاعلام ، والفن
والرياضة والترفيه ، ولا تنتهي الا بوسائل
الترغيب والترهيب والابتزاز ..
ورغم تلك المحاولات الجاهلة فان الاجيال التي حملت الوعي ، وراكمت الاحتقان
باساليـبها النضالية من فـتـرة الى أخرى ، قد وجدت الارضية المناسبة التي مهّدها
بن علي نفسه حين قضى نهائيا على الطبقة الفقيرة وأنهك الطبقة الوسطى ، وحاصر
الجميع في أرزاقهم وسلبهم حرياتهم .. فكانت تلك الحادثة يوم 17 ديسمبر بمثابة القطرة
التي أفاضت الكأس .. والتي التقطها المثقفون بدورهم وحوّلوها الى حدث تاريخي حينما
أصروا على التصعيد ، وعملوا على توسيع رقعة الانتفاضة لتشمل بقية الجهات حتى تخرج
من دائرة السيطرة والحصار .. وفعلا كان النجاح حليف المناضلين بفضل تنقلاتهم بين
الجهات ، لضخ دماء جديدة في الحراك الثوري حتى أفلت نهائيا من امكانيات الاجهاض..عند
ذلك أدرك رأس النظام خطورة الموقف ودخل بدوره في التصعيد .. ليحصل منعـرجا جديدا في
الفعل والشعارات .. وقد كان الفعل العفوي كافيا لاسقاط الحاكم ، لكنه لم يكن كافيا
لاسقاط النظام ..
( نشرية القدس العدد 105 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق