بين الثورة .. والانقـلاب ..
حين قامت ثورة 23 يوليو قـبل ستة عقود لم
تـنـتـظـر طويلا حتى يخرج الناس غاضبين مطالبين بحقوقهم ، لكي تعمل على تغـيـيـر
واقعهم ، ولم تستسلم للقيود التي كانت تكبّل مصر في الخمسينات ، في ظل الحكم
الملكي الفاسد والاستعمار البريطاني الجاثم ، بل بادرت بعد حوالي شهـر ونصف ، وبالتحديد
في 9 سبتمبر 1952 ، باصدار قوانين الاصلاح الزراعي ، معـلـنة عن تخفيض الملكية
الزراعـية للاقطاعـيين من آلاف الفدادين الى مئاتيْ فدان ...
و في الأثناء ، ومنذ وقت مبكّـر أيضا ، تحديدا في 18 أكتوبـر 1952 وقع
الشروع - بناءًَ على قرار مجلس قيادة الثورة - في دراسة مشروع السّد العالي من قـبـل وزارة
الأشغـال العمومية وسلاح المهندسين بالجيش ومجموعة منتـقاة من أساتذة الجامعات ،
حيث استـقـرّ الرأي على أن المشروع قادر على توفـيـر احتياجات مصر المائية ...
وبعد فتـرة قصيرة ، وفي اطار هذا التوجّه الذي اتـّبعـته الثورة بدأ
التفكـيـر في امكانية ربط مشروع السّد العالي - الذي يتطلب أموالا طائلة - بمداخـيل
قـنـاة السّويس اذا ما وقع استرجاعها لصالح مصر .. وقد انطلقت دراسة مشروع تأميم
قناة السويس فعـليا منذ سنة 1954 حين قام عبد الناصر بانشاء ادارة التعـبئة
لمتابعة المشروع ، أي قـبـل سنتـيـن من اعلان التاميم في 26 يوليو سنة 1956 بعد أن أعلن البنك
الدولي عن سحب تمويله للسّد العالي في
19 يوليو من نفس السنة ..
|
تلك اذن ثلاث مشاريع عملاقة شرعت الثورة في انجازها منذ
الاشهر الأولى ، اضافة الى التمسّـك بالجلاء التام للقوات البريطانية التي ظلت
جاثمة على أرض مصر طوال 73 سنة ، فكان ذلك تعبيرا صادقا عن حجم الارادة السياسية
القادرة على مجابهة الصعوبات والانتصار لطموحات الشعـب ، الذي هـبّ بدوره للذود عـنها
والالتفاف حولها وحمايتها ، ابان العدوان الثلاثي سنة 1956..
وهكذا حدث في
تاريخـنا انقلاب من بين عشرات الانقلابات ، لكنّه سرعان ما تحوّل الى ثورة حقيقية
غـيـّرت وجه الحياة ليس في مصر وحدها ، بل وعلى المستوى القومي والعالمي بفضل تلك
الارادة الثورية المتوهّجة ..
في حين أن ثورات حقيقـية وقعـت في كل من تونس ومصر سنة 2011 ،
ولكن سرعان ما حوّلها الانتهازيون الى مجّرد انقلبات في موازين القوى ، حين
أخذوها بعيدا عن تلك المضامين الثورية التي قامت من أجلها .. وصدق الـزعـيم الراحل
جمال عـبد الناصرعـندما قال : " ان الجـبـناء لا يصنعـون التاريخ "..
( نشرية القدس العدد 111 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق