الثـورة المـزعـومة
..
الثورة باختصار فعل
ايجابي يتحقق من خلاله التغيير الى الافضل
. والفعل الثوري يقاس بمدى ما يحققه في الواقع من تقدم نحو غايته . لذلك فان
الثوار الحقيقيين في أي مكان يحرصون خلال سعـيهم لانجاح مهامهم الثورية ، وتحقيق
أهدافهم على تجنيب أوطانهم وشعـوبهم الوقوع في الخسائر والضحايا والفوضى والدمار ..
فأين نحن ممّا يحدث في سوريا ؟ وأي ثورة يكون فيها المواطن هوالضحـية الأولى ، والمجتمع
هو المهدّد بالزوال ؟ أي ثورة كل ما يُـقـتـرف باسمها يؤدّي الى الهدم والتخـريب
وتهديد الوجود بأكمله ؟
لا يشك عاقل اذن ولا
يخطأ في وصف ما يحدث بالعدوان البيّن والصريح والواضح ليس على سوريا وحدها ، بل على الامة العربية
قاطبة .. ومهما وعدت قطـر والسعودية وأمريكا وجميع ثوار الناتو بالديمقراطية
ومقاومة الاستبداد ، فلن يصدّقهم غير المغفلين .. لأنهم جميعا اعداء تلك المبادئ
الانسانية النبيلة ، لا يفهمونها ولا يعـرفونها ، ولا يعملون اطلاقا على تحقيقها
.. ورغم أن الثورة الحقيقية التي تحقق العدل والمساواة والحرية والديمقراطية أمر
مشروع ، فان ما يؤدّي الى التبعـية وخراب المجتمعات لا يمكن أن يكون ثورة ، ولا
يمكن للثوار أن يكونوا آداة بيد الأعداء ، كما لا يمكن للثورة أبدا أن تستهدف
المقاومة في الامة مهما اختلفت معها .. ولا تقايض الحرية في الداخل - اذا
كان لها مشروعا تحرّريا - بالعبودية الى الخارج ، ولا ترضى أبدا بتخريب وطنها
وتشريد شعـبها حتى وان تراجعت عن فعلها الثوري الى حين ..
لا يختـلط الامر الا
على السّذج .. الذين يتكلمون كلاما كبيرا عن الثورة والحرية والديمقراطية ولا
يقولون كيف تتحقق كل هذه المطالب في ظل الفوضى التي تـُـحدثها المليشيات وهي ترفع
نفس الشعارات .. لا يصدّق الوعود
الخارجة من أفواه القتـلة والمجرمين والعملاء ، الا المخدوعـين والمثاليين
والأغبياء .. فهذه سوريا التي يقولون ان نظامها ديكتاتوري وسفاح و مجرم حرب ، فكيف
ستـتحرّر من قبضته على يد من هم أكثر منه شرا ودموية وطائفية متعـفـنة ؟؟
وكيف ستتحقق
الديمقراطية على يد من يقولون ان الديمقراطية كفر ؟ أو على يد جلبي سوريا وكرزايها
؟ اذا كان في سوريا ثوار حقيقيون فعلا ، فعليهم أن يفضحوا
العملاء ، ويكشفوا مخططات الرجعـية العـربية ، ويعملوا على تخليص بلدهم من
مستـنـقع العنف والطائفية بطرد المليشيات المأجورة ، المتكوّنة من آلاف الارهابيين
الغرباء القادمين من كل صوب لتدمير سوريا ، بقطع النظر عن مزاعمهم ودوافعهم وأفكارهم
ومعتقداتهم وأهدافعهم المعـلـنة ، لأن العـبـرة - كما يقولون - بالنتائج ، وبما يجري على الارض
، حيث اتخذت الاحداث منعرجا خطيرا منذ أن خرج الفعـل العفـوي الذي انطلق في البداية
على مساره الصحيح ، فاستغـل تجار الحروب
المحترفون ، من القوى الرجعـية والاستعمارية والصهيونية تلك الاحداث ليجعـلوا منها
مستـنـقعا تغـرق فـيه سوريا والمنطقة العـربية بأكملها .. وها قد أصبح شبح الفوضى
يتجاوز اطاره الاقليمي ليشمل الامة بأكملها مستهدفا وجودها ذاته من خلال زعـزعة
استقـرارها ، وهدم الاسس التي تقوم عليها
وحدتها منذ أربعة عشر قرنا .. وها قد أصبح امتداد تلك الفوضى حقيقة تهدد الأمن في لبنان ومصر وليبيا وتونس
.. فعـن أي ثورة يتحدّثون ..؟؟
( نشرية القدس العدد 109 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق