سلمية .. سلمية ..
الثورة
فعل ايجابي يؤدي حتما الى احداث تغيير يعود بالمنفعة على الناس حينما يشعر كل واحد
منهم ان حياته تتغير الى الأفضل على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية
والامنية وغيرها .. وهذه مسألة أولية لا بد من ذكرها ..
وفي
هذا الصدد ، فان ما يحدث في تونس والوطن العربي منذ ثورة 17 ديسمبر الى اليوم ،
تتجلى فيه حقيقة واضحة تتمثل في عدم قدرة القوى الثورية الحقيقية على المسك بزمام
الأمور لجني ثمار الفعل الثوري الذي تحدثه في الواقع من اجل تحقيق أهداف الثورة
مثلما حدث في تونس سنة 2010 .. والحاصل في مثل هذه الظروف أن الثورة يقودها
الثوريون ، ويختطفها بعد ذلك الرجعيون ، لاسباب ذاتية وموضوعية منها ان القوى
الثورية تقدم بدائل ومشاريع غير واضحة ، وغير مفهومة شعبيا مثل فكرة العدالة
الاجتماعية ، التي لا يمكن ان تقوم دون تدخل ايجابي للدولة في جميع المجالات ،
ودون وقفة جدية لمحاربة الفساد لاحداث التغيير المطلوب في موازين القوى داخل
المجتمع الذي اختل فيه التوازن على مدى عقود طويلة لصالح فئات مستفيدة من الوضع ،
على حساب الاغلبية الساحقة من الشعب ، لذلك يستحيل ايجاد الحلول بتلك العقلية الاصلاحية
التي تتعامل مع الواقع بحيادية مفرطة ، ودون تدخل في الهيكلة الاقتصادية
والاجتماعية ، باتخاذ قرارات جريئة في كل الميادين التي ينخرها الفساد ..
ومنها
ايضا قدرة القوى الرجعية على المناورة والتدخل لارباك المشهد ، بفضل ما تتملكه من
وسائل وامكانيات هائلة تصل الى حد امتلاك السلاح الذي تستطيع بواسطته فرض خياراتها
بالقوة ، على غرار ما يقع في اماكن عديدة مثل سوريا وليبيا ..
ومن هذه الزاوية يمكن القول أن الاحتجاجات الشعبية في هذه اللحظة ، لها وجهين مختلفين ، وجه ايجابي ووجه سلبي لا بد من الوقوف عند كل منهما ..
ومن هذه الزاوية يمكن القول أن الاحتجاجات الشعبية في هذه اللحظة ، لها وجهين مختلفين ، وجه ايجابي ووجه سلبي لا بد من الوقوف عند كل منهما ..
الوجه
الايجابي هو أن هذا الحراك الشعبي يعطي انذارا للمسؤولين في السلطة والمواقع
العليا للدولة ، وللذين يطمحون في الوصول مثلهم ، أو بدلا منهم لتلك المناصب ، حتى
يعرف ـ مستقبلا ـ كل واحد " علاش قادم " .. وحتى يراجع كل مسؤول نفسه
ويعدل افكاره واهدافه من الوصول الى أي موقع يطمح اليه ..
فان
كان يسعى الى السلطة من أجل منصب قيادي فله ذلك ، لكن عليه ان يكون في المستوى
المطلوب بتقديم الاضافة اللازمة لحل مشاكل الناس ، وتحمل المسؤولية ، أو الانسحاب
وترك الفرصة لمن هو اقدر منه ..
وان
كان يطمح الى المناصب من أجل الجاه والامتيازات والكراسي المريحة ، فعليه ان يعلم
بانه مخطئ في تقديره ، لان السلطة بعد الثورة لم تعد كما كان يراها قبل ذلك .. فهي
مسؤولية ، ومشاريع ، وحلول ، وقرارات جريئة تساهم في تغيير الواقع وخدمة المصلحة
العامة قبل كل شئ ، وان لم يفعل سيداهمه الطوفان ..
ومن
هذه الزاوية فان الاحتجاجات لها اثر ايجابي ظاهر، رأيناه في تلك الاجتماعات
الفورية المغلقة للوزراء ، وفي تلك الحزمة من الاجراءات والوعود التي ظهرت بقدرة
قادر ، فكانت الاحتجاجات بمثابة الـ " كبسة " اللازمة للحكومة
والمسؤولين والاحزاب الحاكمة لتحمّل المسؤولية قبل ان يجرفهم السيل مرة اخرى ..
أما
الوجه السلبي فهو في امكانية خروج الاحتجاجات من السيطرة ، واختطافها بعيدا عن
اهدافها في المطالبة بالعدالة الاجتماعية والتشغيل ، لتحل الفوضى باسم الثورة ،
وخاصة في ظل التهديدات التي نراها على الحدود ، وفي مدينة القصرين بالذات ، التي
يسيطر فيها الارهابيون على مواقع حيوية هامة ، توفر لهم الحماية و حرية التنقل
والمناورة .. وهو ما يرفع درجة المسؤولية الى اقصاها بالنسبة للمحتجين ، والقوى
الحية المشاركة فيها ، من اجل المحافظة على سلميتها ، وتحديد اهداف واضحة لها وسقف
زمني ينهي الاحتجاجات باتخاذ تعهدات من الحكومة لحل بعض المشاكل المعلقة منذ خمس
سنوات .. وذلك لقطع الطريق امام من يبحث عن الفوضى ، وغياب الأمن ، لتحقيق أغراض
لا علاقة لها بمطالب الناس ونضالهم وتضحياتهم ، خاصة وان الحد الادنى للتعبير عن
الرأي والرفض والاحتجاج متوفر ومكفول دستوريا ، وهو مكسب لا بد من المحافظة عليه ،
ودعمه بمكاسب اخرى حقيقية عن طريق النضال السلمي الديمقراطي ..
( القدس ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق