يطل علينا الاسبوع الثاني من شهر جانفي في العام الخامس للثورة سنة 2016 ، فتمر علينا كل اللحظات العصيبة التي عشناها منذ 17 ديسمبر الى 14 جانفي 2011 ، ليتذكر كل واحد منا ـ لا شك أنه يتذكر ـ مواقفه ، ومواقعه ، وعواطفه ، وامنياته وتتطلعاته ، وحسراته أيضا .. وفيها بلا شك المواقف المتضاربة ، والمواقع المتباعدة ، وحتى المشاعر والعواطف والامنيات المتباينة ، وهذا طبعا حسب المصلحة التي كانت تتحكم في الميولات والتطلعات لدى كل فرد ، وحسب الوعي أيضا الذي كان يحدّد المواقع والعلاقات الاجتماعية بين الناس ..
وقد كان بالامكان أن تساهم الثورة في انصاف الفئات المهمشة والجهات المنسية على مدى خمسة عقود ، لاعادة الثقة بين كل فئات المجتمع ، غير أن الانتكاسة الحاصلة في مسار الثورة التي فرضت نفسها في كل مجالات الحياة ، قد أفرزت في النهاية عودة المنظومة السابقة بكل ما فيها من انتهازيين وتجمعيين ، وكبار اللصوص ، والمطبّعين وغيرهم .. لينفذ كل هؤلاء الى المربع الأول ، بعد حالة السكون والركود التي انتهى اليها الوضع ، فاصبحنا نراهم في المواقع الاولى للسلطة ، ومؤسسات الدولة سواء خلال المرحلة الاولى ، أو المرحلة الحالية ، بالرغم من وضعياتهم المختلفة التي لا تسمح لهم باي منصب سيادي في الدولة ، ومنهم المرتبطون بعقود اقتصادية في مؤسسات الدول الكبرى ، ومنهم اصحاب الجنسيات الاجنبية ، ومنهم حتى المرتبطين بعلاقات مباشرة مع الكيان الصهيوني قبل الثورة ، على غرار وزيرة السياحة السابقة ، ووزير الخارجية الجديد ..
من هذه الزاوية التي يمكن النظر من خلالها الى المشهد الحالي بعد خمس سنوات كاملة في ظل ما سمي بالمرحلة الانتقالية ، يمكن أن نفهم لماذا أصبح البعض يشكك في كلمة ثورة ، ويرفض اعتبار ذلك اليوم الذي هرب فيه اللطاغية مناسبة تعبر فعلا عن طموحات الشعب الذي خرج ابناؤه منذ 17 ديسمبر رافعين شعار " الشعب يريد .." ، مصمّمين على اسقاط النظام والخيارات والسياسات بالكامل ، وليس مجرد تغير شكلي لأشخاص بأشخاص آخرين .. ولهذا وجدناهم يرفضون كل الحلول التي جاءت بعد 14 جانفي في اعتصامات مليونية شهدتها القصبة في مرحلتين ، كما شهدتها جميع المدن دون استثناء .. والواقع أن حالة الفشل والارتباك في العملية السياسية الحالية ، لم يعد خافيا على أحد ، بل هو واقع موجود يعبر عن نفسه داخل الاحزاب الحاكمة أكثر من غيرها ، حينما نرى الحزب الأول في صفوفها يتحول الى مسرح للصراعات الحادة ، والاستقالات والانقسامات والتصريحات والاتهامات ، وهو ما يؤكد فعلا أزمة الرباعي الحاكم وهشاشة تحالفاته من ناحية ، ثم الازمة الحقيقية التي ستشهدها البلاد في المرحلة القادمة من ناحية ثانية ، في ظل ميزانية خالية من أي حصص للتنمية والتشغيل ، والنهوض بالبنية التحتية المتردّية ، وفي غياب أي سياسات أو أهداف واضحة ، و أي تخطيط للمستقبل ، وفي ظل مناخ سياسي يخلو من اي ارادة حقيقية لمواجهة أهم المشاكل المستعصية في جميع المجالات التي اصبح ينخرها الفساد في العظام ، مثل مجالات الجباية التي يعفى منها الغني دون الفقير ، والتهريب المرتبط عضويا بالارهاب .. الى جانب كل المجالات الحيوية المتعلقة بالتنمية ومعيشة المواطن مثل الفلاحة ، والصحة والتعليم ، .. اضافة الى ميدان العلاقات الدولية والتحالفات التي يظهر فيها التخبط والتبعية منذ حكومة الترويكا الى الآن .. وحتى هامش الحريات الذي يبدو ثمرة من ثمار الثورة هو في الحقيقة هامش ضعيف بالنسبة لعامة الشعب الذي تعوزه كل الامكانيات للاستفادة من هذا المنجز اليتيم ، الذي نجده يتحول مع الايام الى سيف مسلط على رقاب الشعب حينما تصبح الحريات مجالا مستعملا لقصف العقول وصناعة الراي العام لا غير ..
( القدس ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق