" سايكس بيكو"
الثورة العربية ..
ان المتأمّل في جغرافيا "
الثورة العربية " التي انطلقت من تونس ثم اتجهت الى مصر واليمن ، وكادت أن تغـمـر كل الساحات العربية فعلا ، يستطـيع ان يلاحظ دون عـنـاء ما يجري طبخه للمنطقة بعد ان
اندلعت فيها ثورات حقيقـية على الاستبداد والتهميش والظروف المعـيشية السيئة
التي يعـيشها المواطن العربي في كل الاقطار .. لكن القوى الكبر التي ظلت على مدى
عقود تعمل على واجهتين لتحقيق أهدافها : وهما دعم الانظمة العميلة الشريكة معها في
نهب الثروات من جهة ، وتغذية الصراعات الطائفية والعـرقـية لتفتيت الامة واضعافها من جهة ثانية ، استيقضت ذات يوم على هدير الثورة
في تونس ، وقادة تلك الدول عاجزة حتى عن اصدار التصريحات ، متذبذبين بين موقف
الدعم للثورة او الدعم للنظام المتهاوي ..
غير أنهم بعد نجاح الثورة الام ، استوعـبوا الدرس جيدا و تـنبـّـهوا للخطر المحدق
بهم من كل جانب ، اذ سرعان ما بلغـت ارتدادات الزلزال الذي اطاح باعـتـى نظام
ديكتاتوري في الوطن العربي ، لتبلغ جحور الافاعي في الخليج العربي ، في البحرين واليمن .. فلم يكن امام القوى الاستعمارية والرجعـية التي تهددها الثورات ، الا خيارين
: اما ايقاف هذا التيار الجارف من خلال دعم الانظمة ، او ركوب الثورات من خلال دعم
قوى بديلة لها تكون مستعـدة للعـب نفس
الدور.. و لما كانت تلك الدول تدرك ان الانظمة قد فقدت شرعيتها و لم تعد المراهـنة عليها تجدي نفعا ،
كان الخيار الثاني المتمثل في الانحراف بالـثـورات عن اهدافها مثلما حصل في تونس ومصر
، ثم استغلال تلـك الاوضاع لـزعـزعة استقـرار بعض الدول على خلفية مواقـفها
الممانعة والرافضة للهيمنة الغربية ، و الصلح مع اسرائيل ، فكان أولا السيناريو الليبي
الذي فرضه حلف النيتو ، ثم السيناريو السوري الذي لعبت فيه كل من قطـر والسعودية وتركيا
الدور الاكبر بمعاضدة اميركية وغربية .. حيث مكنهم ذلك من وضع ليبيا تحت الانتداب
المقـنّع من جديد .. ثم التفـتوا الى سوريا لدفعها للحرب
الاهلية التي تؤدي الى تفتـيتها وتقسيمها الى دويلات طائفية بعد ان يقع تدميرها نهائيا
لفائدة المشروع الصيوني والامريكي ..
باختصار ان الدول
الاستعمارية التي قسّمت الوطن العربي سنة 1916 في مشروع سايكس بيكو الذي قام على
القطرية في ذلك الوقت ، قد ركبت الثورات
العربية لتجزئة المجزء على اسس
طائفية وعرقية وقبلية متخلفة .. انها اذن سايكس بيكو جديدة تخدم اعداء
الامة وتـتـزعـّـمها الرجعـية ..
( نشرية القدس عدد 50 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق