الى اين
..؟
هل تهنا فعلا و فقدنا البوصلة ،
فسرنا الى الضياع و حِدنا عـن الطريق ؟
ولماذا بتـنا نشعـر بالخوف
والحذر ولم يعد أحدنا يثق في الآخر ، فلا يصدّقه اذا استمع اليه ، ولا يصدقه القول اذا تحدث معه ثم لا يصدق معه اذا تحدث عـنه ، حتى صرنا نرى
بعضنا أعداء بعض ، الكل يتهم بعضه ، والكل ينتظر سقطة الأخـرين حتى صارمجتمعـنا
على فوهة بركان ، نسوق بعضنا الى الهاوية ، ونحـن نكابر ونصمّ آذانـنا ، واحيانا نضع رؤوسنا في الرمال .. !!
ثم عـندما نستـفـيق ونعود الى رشدنا من حين الى حين ،
تجدنا نبرّر أقوالنا وافعالنا كأنها منزّهة ، أو منزّلة من السماء .. وعـندما
تعُـوزنا الحجة على الاقناع ، نتحصّن جميعا بالمقدّس ، فنتجاذبه بيننا ليكون
ملك أحدنا وحده يواجه به الآخرين .. والحال أنه القائل سبحانه : " وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " ( سبا 28 ) .
والغريب ان من يريد منا ان يكون مدافعا عن الدين ، ينسى
انه في مواجهة مجتمع مسلم جاءه الاسلام منذ خمسة عشر قرنا .. وأنه ليس في مجتمع
جاهلي كالذي واجهه المسلمون عـند بدأ الرسالة .. و ان الدين لا يجعـل البشر مهما
كانت أجناسهم وألوانهم في مواجهة بعضهم بعضا مهما اختـلفوا ، بل على العكس من ذلك
فانه يدعوهم للتعارف والتعاون في اطار المعروف والتقوى : قال تعالى مخاطبا جميع
الناس : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقـْنَاكُم
مِّن ذَكَـرٍ وَأُنثَى وَجَعَـلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِـندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَـلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات13 ) .
ثم نجد من يعـتـقد ان الدين ملكه وحده ، فيسمح لنفسه - و
هو في مجتمع مسلم - باتباع اساليب لم يـُسمح بها حتى للرسول وهو يواجه أعداء
الاسلام . قال تعالى :" ادع إلى سبيل ربك
بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله
وهو أعلم بالمهتدين " ( النحل 125 ) . وقال
: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَـنِي ( يوسف 108 ) . وجاء في تـفسير بن كثير بأن قوله " على بصيرة
" أي " على يقين و برهان "، كما ورد نفس المعـنى في تفسيـر الجلالين :
أي" على حجة واضحة " .. كما أكد الله لرسوله صلى الله عـليه وسلم بقوله تعالى : " وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ
لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِك " (آل عمران 159 ) .
ان الاستجابة للمنطق والشرع والمصلحة العامة تستدعي
فعلا ان تسعى جميع الاطراف لتغـلـيب حجة
العـقـل ونبذ العـنـف بجميع انواعه وتجـنب الفـتـن ما ظهر منها وما خفي ، حفاظا
على وحدة المجتمع وسلامة ابنائه الذين نسجوا على مدى قرون طويلة نماذج يُحـتـذى
بها من العلاقات الانسانية المبنية على التعايش والتآلف بين جميع مكوناته فاصبحت
مكسبا ليس في تونس فحسب بل وفي الوطن العربي والعالم .
( نشرية القدس العدد 56 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق