دين الحق ، والرفق ، والعقل ..
يواجه الكثير
من المسلمين هذه الايام ،هجمات عـنيفة ، متشدّدة ، لا علاقة لها بالاسلام .. لانها
رافضة للاختلاف ، وحرية الراي.. فهي
غـريبة عن روحه السمحة ، ومبادئه الانسانية العظيمة التي جاءت لتضع حدا لاعتداء
الانسان على اخيه الانسان ، فحرّمت استغلاله واضطهاده أواحتقاره ، بسبب الدين أو
العرق أو الجنس .. كما دعت هذه المبادئ الى المساواة بين الناس .. ثم امرتهم
بالتعايش والتعاون في نطاق القيم الروحية النبيلة التي ارساها بينهم .. ولعل
الآيات التي وردت فيها هذه المعاني ، الى جانب الاحاديث النبوية الصحيحة تغـني عن
كل تعليق ..
ففي مجال المعاملة قال تعالى : "لَا تَسْتَوِي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فاذا الَّذِي بينك وبينه عداوة كأنه
وَلِيٌّ حَمِيمٌ "( فصلت 34 ) . وقال تعالى : " وَالْكَاظِمِينَ الغـيـظ
وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين " ( آل
عمران 134 ) . و في مجال التكليف قال سبحانه : " يُرِيدُ اللَّهُ
بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ " ( البقرة / 185 ) . و قال تعالى : " لا يكلّف الله نفسا الا وسعها
" ( البقرة 286 ) . وقال : " وَمَا
جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ " ( الحج / 78) . وقال " و ما أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ
" ( الأنبياء/107 ) ....
كما قال صلى الله عليه و سلم : اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم
القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دماءهم
واستحلوا محارمهم . ( رواه مسلم ) . و قال أيضا : " من أعطى حظه من الرفق ؛ فقد أعطى حظه من الخير، ومن حرم
حظه من الرفق ؛ فقد حرم حظه من الخير" رواه الترمذي " .
اما في مجال الدعوة و التبليغ فان السبيل ما امر به الله رسوله الكريم ، قال تعالى : "{ فَـبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنتَ فظا غليظ القلب
لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِك } (آل عمران 159 ) . و قال تعالى : ". قـل هذه
سـبـيلي أدعو إلى الله عـلى بصيرة أنا ومن اتبعـني ( 108يوسف ) . وقال
تعالى مخاطبا نبيه موسى وأخاه هارون اللذان بعـثهما الى الطاغـية فـرعون : { اذهبا إِلَى فرعون إِنَّهُ طَغَى ، فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّـيِّنًـا
لَّعَـلَّهُ يتذكر أَوْ يَخْـشَى } ( طه 43 – 44 ) . ثم ما أمر به
الرسول أصحابه ومن ورائهم عامة المسلمين ، عـن أنس رضي الله عـنه ، عـن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : " يسّروا ولا تعسّروا، وبشّروا ولا تنفّروا " ..
عندما نذكـر
هذه الآيات البينات التي يوجه فـيها سبحانه خطابا على هذا النحو لرسله و انبيائه
المنزّهين المعـروفين بنبلهم و أخلاقهم السامية وعدلهم واحسانهم .. حيث قال
سبحانه مخاطبا رسوله الكريم : " وَإِنَّكَ لَعَلى
خُلُقٍ عَظِيمٍ " . ( القلم/4 ) ... وتلك الاحاديث التي يوصي فيها صلى الله
عليه و سلم بالرفق واللين واليسر .. ثم
عـندما نستمع الى بعض الخطابات الدينية على المنابر من طرف الكثير من الايمّة
المتهافـتـيـن على مساجدنا بعد الثورة ، ندرك مدى جهلهم وعدم اهليتهم للوقوف عليها
.. حيث لا نكاد نسمع منهم - ونحـن
المسلمون الجالسون معهم في المساجد - الا الخطابات التي توحي للسامعـين بان عدد الكفار
بين صفوف الحاضرين أكثر من المؤمنين .. والواقع
فان الكثير من هؤلاء قد سجـنوا انفسهم وسط مرجعـيات لا تعـترف بالعقل ، فعطلت
ملكات التفكير والاجتهاد ، وارتهنت دور رجال الدين في التقليد والنقل على الرجال
من ذوي الرأي السابقين ، و ممن وقع رفعهم الى محل التقديس ، حتى وان كان بعض ما
اجتهدوا فـيه لا يناسب زماننا .. ثم لا يكتفون بذلك بل يزيدونه التشدّد وانكار
الراي المخالف ، حتى ينتهون به الى التكفير .. في حين فهم اسلافـنا جوهـر الاسلام
وتعاملوا معه وفق النهج الالهي الذي سطّره الله وارتضاه طريقا لنشر دينه
الحنيف ، حيث اللين والموعظة الحسنة والصبر
.. والحجج العقلية والاقناع الخ .. ولما كان اسلافنا أكثر فهما واكثر صفاء ونقاء
منا عرفوا كيف يبلّغـوا دين الله متبعـيـن خطى نبـيهم الكريم صلى الله عليه وسلم وخطى
الانبياء الذين سبقوه . حتى انتشر الاسلام في مشارق الارض ومغاربها .. وحتى صار
أكثر انتشارا في الاماكن التي لم تطأها اقدام الفاتحين .. وحين نقرا سيرة الايمة
الكبار الذين كانوا اقرب عهدا منا بعهد رسول الله نجد في سيرتهم ما عُـرف به
أغـلبهم في طريقة التبليغ والدعـوة والترغـيب في الدين على غـرار عظماء الاسلام
الاوائل .. قال
الهيثم بن جميل " شهدت مالك بن أنس سُـئـل عـن ثمان وأربعـين
مسألة ، فقال في اثنتين وثلاثين منها لا أدري ".. وقال أبو بكر الأثرم " سمعت
أحمد بن حنبل يُـستـفـتى فيكثر أن يقول : لا أدري " . كما ذُكر لأبي حنيفة قول من قال " لا أدري نصف العلم
" قال " فليقل مرتين لا أدري حتى يستكمل العلم
" ...
و تلك أخلاق العلماء و نهجهم الذي ساروا عليه
بكل تواضع ودون رياء .. / والله اعلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق