قيمة
الجدل والحوار في السلام ..
يُظهر بعض
المسلمين في أيامنا الكثير من الغلو والتشدد بسبب فهمهم القاصر لجوهر الديـن الذي
لا يتنافى مع حرية المعتقد ، و التعايش بين الناس على اختلاف مشاربهم
.. فتراهم ينزعون نحو الاقصاء ، و فرض آرائهم الخاصة بالقوة والعنف ، ويعـتـبـرونها
صوابا كلها لا يرقى اليها الشك .. متـناسين اولا ان قاعدة التعامل المشترك تقتضي
احترام الرأي المخالف حتى وان كانت آراؤنا صائبة . و متناسين ثانيا ان الدين يجمع
الناس على ما فيه من ثوابت .. فيؤلف بين قلوبهم ، ثم يدعوهم للتعامل فيما بينهم على قاعدة
المساواة وحسن ظن
بعضهم ببعض .. ولذلك فان جميع أوامره و نواهيه و قوانينه وحدوده تقوم على تحقـيق
المصلحة العامة ورفع الظـلم على المظـلومين وتحقـيق العدل بيـن الناس .. فلا يُأخذ أحد بجريـرة غيره كما قال تعالى : " ولا
تزر وازرة وزر أخرى " ( الاسراء 15 )
، أو كما قال سبحانه : " يا أيها الذين
آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فـتصبحوا على ما فعلتم
نادمين " (الحجرات 6 ) .. وهو ما يدل على ان الامـر
قائم على النسبية والاجتهاد في مجالات تقوم فـيها الشبهة فلا يجـب اتخاذ الاحكام المطلقة والتسرع فيها .. وهذا النهج اذا كان مطلوبا في المسائل الخاصة والمحدودة ، فهو في المسائل العامة المتعلقة بمصير الناس التي
تثور حولها الشبهات والشكوك والخلاف في تأويل الحالات والاحكام الخاصة بها ، يكون
أكثر تأكيدا .. اما في المجالات الواضحة
المحكمة فلا خلاف ولا اختلاف .. قال تعالى
: " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم
الكتاب وأخـر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفـتنة
وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " ( آل عمران / 7 ) . وتماشيا مع هذه المسائل النسبية ، قد امر الله رسوله بحسن الجدل ، قال تعالى : " وجادلهم بالتي هي احسن " و الجدل معناه أخذ وعطاء أي راي و رأي مخالف . يقول
بن كثير في تفسيره : ( وقوله : وجادلهم بالتي هي أحسن ) أي : من احتاج منهم إلى مناظـرة وجدال ،
فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب ، كما قال : " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا
الذين ظلموا منهم " ( العنكبوت : 46 ) . فأمره تعالى بلين
الجانب ، كما أمـر موسى وهارون - عليهما السلام - حين بعثهما إلى فرعون فقال : " فقولا له قولا لينا لعله يتذكـر أو يخشى " ( طه : 44 ) .. ) ( انتهى ) .
هذه
اوامر الله و نواهيه لا لبس فيها يامر فيها عباده المؤمنين باتخاذ حسن الجدل سبيلا
للتفاهم و مخاطبة بعضهم البعض حتى يجتنـبوا الفرقة
التي حذرهم منها جميعا و نهاهم عن الوقوع فيها . قال تعالى : " و أطيعوا الله و رسوله ولا تنازعوا فـتـفشلوا وتذهب
ريحكم واصبـروا ان الله مع الصابرين " ( الانفال / 46 ) . فالصبر عـند
الاختلاف ضروري للحفاض على الوحدة واجـتـناب الفتن ولعل من اول شروطها حسن الظن
بالآخر ، سماع رأيه ، والتجاوز عن هفواته ، وتوجـيه النصح له حـتى يعـود الى الصواب ان اخطا
، قال تعالى : " يا ايها الذين آمنوا اجتـنبـوا
كـثيرا من الظـن ان بعـض الظـن اثـم (
الحجرات / 12 ) . وذكـر الطبري في تـفـسيـره لهذه الآية ما رواه بن عباس عن
النبي صلى الله عليه و سلم قال : " إن ظـن المؤمن الشر لا الخير إثم " . وقال تعالى : " واعـتـصموا بحـبـل الله جميعا ولا تفـرّقوا واذكـروا نعـمة الله عليكم اذ كـنتم اعداء فألف
بين قـلوبكم فاصبحـتم بنعـمته أخوانا و كـنتم على شفى حفـرة من النار فأنقذكم منها
كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلكم تهتدون " (
آل عمران / 103 ) .
( القدس عدد 72 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق