بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 22 يونيو 2014

بعض الكلام عن العـروبة والإسلام ... (10) .

بعض الكلام عن العـروبة والإسلام ... (10) .

من الواضح ان ظهور أربع أمم مختلفة ، مكتملة التكوين هي إيران وتركيا واسبانيا والأمة العربية بعد تفكك  الدولة الإسلامية ، يمثل دليلا قاطعا على أن الإسلام ـ كدين وعقيدة ـ لم يكن يتعارض مع سنن التطور التي أسهمت في تكوينها على تلك الصورة ، وبتلك الفوارق والاختلافات رغم أن شعوبها  عاشت قرونا طويلة في دولة واحدة ..  مما يعطي الأهمية للعنصر البشري المتمثل في الجماعات والوحدات المكوّنة لكل مجتمع ، لكي تكون المحدّد في تلك النشأة  ..
فالإسلام الذي طبع حضارات تلك الشعوب بطابعه الديني والأخلاقي والقيمي .. من خلال التشريعات التي منحها لها جميعا بنفس الدرجة .. لم يفرض عليها كيفية تفاعلها مع ظروفها المختلفة في إطار تلك المحدّدات العامة ، فكان التفاعل بين الناس وواقعهم هو المحدّد في اختلاف تلك الحضارات والأمم .. وهو ما يؤكّد وجود سنن و قوانين فاعلة قد نجد لها سندا في بعض الآيات القرآنية مثل قوله تعالى  في سورة الروم  : " ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين " ..
ولعل تأثير تلك السنن التي جعلت التفاعل الإنساني يثمر اختلاف الألسن ( اللغات ) لا ينحصر في ذلك الجانب فحسب ، باعتبار إقرار الآية بأن اختلاف الألسن هو آية من آيات الله ( معجزة )، إنما يتجاوزه فعلا ليعـبـر عن نفسه بمضامين  أخرى متصلة بها  حتى تكون في حجم ذلك الإقرار ، وهي بلا شك تتمثل في تميّـز الشعوب بتاريخها وحضارتها وثقافـتها الخ   ..
ورغم ابتلاء امتنا بالصراعات والفرقة بعد التجزئة والاحتلال لأراضيها ، فان العارفين بتاريخها  يؤكدون بأن الأمة العربية  كانت مستقـرة على ما أفضى إليه تطوّرها قبل التجزئة الاستعمارية التي فرضت استقلال الأقطار عن بعضها بعد رسم حدودها الوهمية التي لا أساس لها في الواقع .. كما تؤكد الوقائع التاريخية بأن العروبة والإسلام لم يكونا أبدا مجال صراع أو تناحر بين المتنافسين والمتصارعين على السلطة ، بل كانت كل الصراعات التي شهدتها الأمة  تقع في إطار الصراع الاجتماعي داخلها ، حيث تبدأ عادة بالتمرّد في الأجزاء ، ثم تتواصل من أجل السيطرة على الكل .. وكل حسب قدرته ..
وتأكيدا لهذه الفكرة  نجد  الدكتور محمد صالح الهرماسي يوضح في دراسة له بعنوان : ( تونس .. عروبة متجذرة و دور متجدد ) :  كيفية انتشار الإسلام والتعـريب في المغـرب العـربي ، حيث قدم هذان العنصران معا وانتشارا معا ، ثم لم يقع  الرجوع إلى الوراء  بعد ذلك مطلقا .. فيقول :
" .. والعودة إلى التاريخ تؤكد لنا ان انتشار الإسلام كان شاملا وأسرع في بلدان المغرب العربي ، وقد سبق التعـريب زمنيا وخاصة في نطاق شموله . ولذلك فأهل تونس تأسلموا ، ثم تعـرّبوا.  فالإسلام الذي انطلق من مدينة القيراون لفتح بقية المناطق المغاربية وأسبانيا ، أعطى لأهل المغرب رسالة ، نشروها بين البدو في المناطق الصحراوية وعلى الطرق التجارية عبر الصحراءولما كانت لغة الإسلام هي العـربية ، وهي لم تكن لغة رسمية فقط  في الإدارة والدولة ، بل كانت لغة مقدّسة ، فكما يقول علماء الدين : ما لا يتم الفرض إلاّ به يصبح فرضا.
ومن هذا المنطلق ، وبسبب انتشار اللغة العربية كأداة للتخاطب أصبح التعريب شاملاً ، أي أنه تحوّل إلى رابطة لغوية وثقافية ..  وهكذا فالتعريب ارتبط بصورة وثيقة بالإسلام في تونس وباقي البلدان المغاربية ولم تقع البتة حركة ثقافية أو اجتماعية مناهضة للتعريب أو للإسلام بعد انتشاره .. " 
كما إننا لو تأمّلنا في تاريخنا الطويل لوجدنا  الكثير من الأعلام الذين ارتبطت أسماؤهم بمكافحة الغـزاة من أمثال الأمير عبد القادر الجزائري و ابن باديس وعمر المختار والشيخ عبد القادر الحسيني وعزالدين القسام  والشيخ عبد العزيز الثعالبي وغيرهم ..  الذين كانت العروبة والإسلام بالنسبة لهم بمثابة الروح للجسد ، فلا نجد لهم مقولة ، أو تصريحا ، يضع هذا العنصر في مواجهة الآخر ..
لذلك يمكن أن نلاحظ  بان الفرقة والصراع  بين مفهومي العـروبة والإسلام  قد بدأ  يظهر في الواقع مع ظهور حركات الإسلام السياسي التي عملت منذ نشأتها على احتكار الإسلام  لنفسها جاعلة منه مجالا من مجالات الصراع ...
وفي هذا الصدد  ،  نجد  نصا تاريخيا يذكـره الدكتور محمد صالح الهرماسي في نفس الدراسة  للشيخ عبد العـزيز الثعالبي وهو الشيخ الزيتوني المتشبّع بمبادئ الدين الإسلامي والعارف بعمق رسالته الإنسانية الخالدة ، يظهر فيه روحه الوطنية والقومية الخالصة التي لا تجعله يدخر أي جهد في أبرازها بحسب ما يمليه عليه تفاعله الايجابي مع واقعه في ذلك الوقت .. ودون أن يمثل ذلك أي تناقض أو تعارض مع الروح الإيمانية والعقائدية التي نجدها عند شيوخنا الأبرار في ذلك الزمن النقي الطاهر من كل الشوائب التي أصبحت تلوث واقعنا و عقيدتنا وحياتنا في هذا العصر بسبب تلك المفاهيم المغلوطة عن الدين و الدنيا في آن واحد  ...
يقول السيد الهرماسي :
.. ففي مقال له بعنوان « الوحدة العربية في طَوْرِ التحقيق » نشر الشيخ الثعالبي مقالا في صحيفة الإرادة التونسية بتاريخ 11/1/1939 يقول :
لَيْسَتِ الوَحْدَةُ العَرَبِيَّةُ أُمْنِيَةَ كَاتِبٍ مُتَهَوِّسٍ، وَلاَ حُلْمَ مُؤَرِّخٍ، أَوْ خَيَالَ شَاعِرٍ وَاهِمٍ، وَلاَ خَاطِرَةً مُتَرَدِّيَةً فِي ذِهْنِ مَكْدُودٍ، لَكِنَّهَا حَقِيقَةٌ وَاقِعِيَّةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا، يُغَالِطُنَا فِي تَصْوِيِرهَا أُدَبَاءُ الفَلْسَفَةِ السُّفِسْطَائِيَّةِ الذِينَ يُكَابِرُونَ فِي الحَقَائِقِ العِلْمِيَّةِ لِغَرَضٍ يَرْمُونَ إِلَيْهِ. وَقَدْ أَفْضَى بِهِمُ الأَمْرُ إِلَى تَجَاهُلِ المَحْسُوسَاتِ التِي لَهَا أَعْيَانٌ وَمُشَخَّصَاتٌ تَحْمِلُ فِي ثَـنْـيَــيْــهَا أَقْـدَمَ تَارِيخٍ للْخَـلِيـقَةِ قَبْلَ أَنْ تَـنْـبُـتَ أُصُولُ الأُرُوبِّيِّينَ فِي ذُرَى البِلاَدِ الآرِيَــةِ                      .  
فالوحدةُ العربيّةُ كيانٌ عظيمٌ ثابتٌ غيرُ قابلٍ للتَّجْزئِةِ والانفصَالِ، يشْغَل قسماً كبيراً من رُقعةِ آسيةَ الغربية وشَطْراً من إفريقيا يَمْتَدَ رأسُهُ في الشرقِ منَ المحيطِ العربي ، ويسير مَغْـرِباً غَـرْباً إلى المحيط الأطلانـتـيكي، ويَضُمُّ في هذا الشطر بين لابَّـتـَيْـهِ نصفَ القارةِ الإفـريقـيـةِ.
العَـرَبُ بِقِسْمَيْهِمْ أُصُولاً وَفُرُوعاً الآهِـلـونَ لِهَذِهِ الأَقْطَارِ الشَّاسِعَةِ الفَاصِلَةِ بَيْنَ آسِيَةَ وَأُورُبَّة مَا زَالُوا حَرِيصِينَ عَلَى عُـرُوبَتِهِمْ وَيَتَفَاهَمُونَ بِلُغَةِ آبَائِهِمْ رَغْمَ كُلِّ مَجْهُودٍ خَارِقٍ بَذَلَتْهُ أُرُوبَّة لِصَرْفِهِمْ عَنْهَا.وَلاَ شُبْهَةَ فِي أَنَّ وَحْدَةَ الرُّقْعَةِ الجُغْرَافِيَّةِ وَاللُّغَةَ وَالدِّينَ وَالتَّهْذِيبَ وَالتَّارِيخَ هِيَ المَجَالُ الحَيَوِيُّ لِوَحْدَةِ الأَجْنَاسِ، إِذَنْ فَجَمِيعُ الظَّوَاهِرِ البَارِزَةِ التِي تُطَالِعُـنَا بِهَا تِلْكَ الأَقْطَارُ المُتَمَاسِكَةُ تَدُلُّنَا دَلاَلَةً قَاطِعَةً عَلَى ثُبُوتِ وَحْدَتِهَا العَـرَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ مُوَارَبَةٍ وَلاَ جِدَالٍ                            .   وَلَنْ نَكُونَ مُجَازِفِينَ إِذَا قُـلْـنَا إِنَّ الأُمَّةَ العَـرَبِيَّةَ آخِذَةٌ فِي الاِسْتِعْدَادِ لِلْقِيَامِ بِدَوْرِهَا التَّمْدِينِيِّ الذِي تَخـَلّـَفَتْ عَنْهُ بِضْعَةَ قُـرُونٍ تَحْتَ تَأْثِيرِ نِظْرَةٍ خَاطِئَةٍ كَانَتْ وَبَالاً عَلَيْهَا. وَلَيْسَ مِنَ الهَيِّنِ أَنْ تَظَلَّ أُمَّةٌ يَبْلُغُ تَعْدَادُهَا عَشَرَاتِ المَلاَيِينِ مُنْكَّسَةَ الرَّأْسِ إِلَى الأَبِدِ ، وَهيَ القَابِضَةُ بِيَدِهَا مَفَاتِيحَ خُطُوطِ المُوَاصَلاَتِ وَمَعَابِـرَ المَدَنِيَّاتِ وَلاَ يَنْـقُـصُهَا غَيْرُ قَلِيلٍ مِنَ الصَّلاَبَةِ وَالاِدِّكَار ..
 كما يذكر الدكتور الهرماسي تأكيد الدكتور سالم لبيض أستاذ علم الاجتماع في جامعة تونس على فكرة الهوية الشعبية السائدة في المجتمع وهي الهوية الجامعة للعروبة و الإسلام ، وبين هوية نخبوية مصطنعة ، لا شعبية ،  فلا هي عربية و لا هي إسلامية .. !!
يقول الدكتور سالم لبيض في هذا السياق : " أن الهوية في تونس عبر حقبات عديدة من تاريخها المعاصر، مثّلت معركة حقيقية بين نخبة الجماهير التي تتمثّل الهوية ، كما يتمثّلها عامة الناس ، عربية إسلامية ، ونخبة تعبر عن نفسها، وهي تشحن الهوية بالمضامين التي تبتغـيها ، فيمكن أن تكون فرنكفونية أو متوسطية أو إفريقية ، أو حتى رومانية أو قرطاجية قديمة . لكن لا ينبغي أن تكون عربية إسلامية " ..
واليوم ابتــُــليـنا بقوم يريدونها هوية إسلامية معادية للعـروبة مستنزفة لها ومفـرّقة للوحدة التي بناها المسلمون أنفسهم حينما خرجوا ينشرون الإسلام  ..
ويقول الدكتور الهرماسي في نفس الدّراسة متحدّثا عن العلاقة منذ البداية بين العـروبة و الإسلام في المغرب العربي :
" مع انتشار اللغة العربية بين القبائل البربرية ، توسعت دائرة القبائل المستعـربة ، فاختـرقت بذلك الفكرة الإسلامية التي تربط العـروبة باللغة إطار النظرة القبلية " ..
وقد ذهب الكاتب أكثر من ذلك معتبرا أن عروبة الإسلام هي التي أصبحت  متأكدة بعـروبة الدّاعي ولغة الدّعوة  كما قال ، لان الإسلام  ـ ببساطة ـ لم يشهد ذلك الانتشار إلا بالمجهود البشري الذي عمل على نشره بين الشعوب والقبائل السائدة  في ذلك العصر ..

( القدس ) .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق