بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 15 يونيو 2014

بعض الكلام عن العـروبة والإسلام .. (9) .

بعض الكلام عن العـروبة والإسلام .. (9) .

لكلّ زمان جهلة . و جهلة هذا الزمان في الوطن العربي هم الذين يناهضون العروبة بالاسلام  ، فيرفضون ظاهـرة إنسانية لم يفتعلها بشر بل أوجدتها السّـنن الكونية التي وضعها الله ، والتي جعلت المجتمعات البشرية ترتقي من طور الى طور، ممتدّة من الأسرة إلى العشيرة إلى القبيلة ، إلى الأمة .. فـتــمـدّدت في المكان حتى غطت جميع أنحاء المعمورة .. و قد كان حري بهم إن يتأملوا هذه الظاهرة ، ويفهموا أسرارها بدل أن ينكروها .. ليعرفوا أنها ليست مجرد حالة شاذة و معـزولة لا يُعـتـدّ بها ، بل هي ظاهـرة إنسانية عامة غير مقـتصرة على دعاتها من العرب بحكم  هذا التخلف التاريخي الذي وقعوا فيه .. 
واذا كان في تاريخ البشرية ما يثبت أن الامم قائمة فعلا ، فان في تاريخ الأديان أيضا حقائق تثبت أن الأديان لا تتعارض مع الأوطان .. وهي التي جاءت داعية الى عقيدة التوحيد ، ومسايرة  لتطوّر المجتمعات .. ويكفي أن  نتأمل  علاقة الوضع القبلي بالدين لنقيس عليها علاقة الإسلام بالأمم ، باعتبار أن عصر القوميات لم يكن سائدا في عصر الإسلام .. وبهذا  نستطيع أن نحكم عن علاقة الدين بأي وضع اجتماعي قبلي أو قومي  .. 
في البداية كان الوضع القبلي والعشائري هو السائد ، فكانت الأديان موجّهة لأقوام دون غيرهم ( مجتمع قبلي ) ، وقد كان الخطاب الديني ذاته خطابا قبليا خاصّا ، يبلــّــغه رسول خاص .. ( قوم ابراهيم ، قوم نوح ، قوم موسى ، قوم لوط ، قوم عاد .. ) حتى جاء الإسلام بدعوته الإنسانية الشاملة ليكون للناس كافة .. ثم دعاهم بالحجج العـقلية فاعتنقوا هذا الدين وصاروا مسلمين يأمرون بالمعـروف وينهون عن المنكر .. ولما كان الدين وضعا إلهيا قائما على الإيمان فحسب في حين أن القبيلة وضع تاريخي قائم على الانتماء إلى قوم ، فان اعتناق تلك الرسالات السماوية لم يترتب عنه افتعال تناقض بين الدين والوضع القبلي في تلك المرحلة .. ولم يكن الرسل وأتباعهم متعصّبين للدين على حساب انتمائهم لأقوأمهم وقبائلهم  .. 
وهكذا جاءت الأديان مسايرة لوضع الناس في جميع العصور، فآمن من آمن وكفر من كفر ، وتوعد الله سبحانه من خالف رسالاته بالعذاب في الآخرة ، وعاقب بعضهم في الدنيا ، فارسل عليهم ريحا صرصر ، أو أغرقهم في الطوفان أو في البحر .. و بشــّــر من آمن منهم بأحسن الجزاء .. وكان ذلك يتم في الحالتين على أساس معتقدهم وايمانهم الذي يختارونه بأنفسهم ، وليس على اساس انتمائهم الاجتماعي الذي لا دخل للاختيار فيه .. لذلك لم ترد ولو كلمة واحدة تنبه الى ضرورة الفصل بين الدين والوضع الاجتماعي السائد في عصر القرآن ، أو تدعو الى التفاضل بينهما و محاربة أحدهما للآخر كما يعتقد الكثيرون اليوم ، وهو الذي اخبرنا بتفاصيل دقيقة عن تلك الرسالات ، وجوهرها ، فتحدد نوع العلاقات والاحكام التي يجب ان تسود بين الناس .. وهذا ما ينفي كل ادعاء بوجود تناقض أو تعارض بين الدين والقومية ، أو بين الإسلام والعـروبة ، سواء في تعاليم الأديان أو في الواقع .. لان التعدد القومي في عصرنا ظاهـرة لا يمكن إنكارها وهي سمة من سماته ، مثلما كان التعدد القبلي خاصية من خاصيات العصور السابقة .. وقد أشار القرآن بشكل صريح وواضح في العديد من الآيات الى تعدد الأقوام والشعوب والأمم ، وتمايز الناس فيها بألوانهم ولغاتهم التي تنطق بها السنتهم ، كأفضل تعبير عن تطوّر المجتمعات وفقا لسنن الخلق التي لا يمكن الغاؤها أو محاربتها  .. 
والقومية في النهاية لا تمثل خروجا عن الدين أو المعتقد أو العرف ، بل هي مجرد اعتراف بوضع تاريخي متطوّر وغير ثابت ، قائم على الإقرار بأننا امة واحدة مع ما يترتب عن ذلك من سعي لتحقيق تلك الوحدة في اطار هذا الإقرار ... و تـنـتـفي الدعوة إليها وتـنـتهي بتحقـــّــق غايتها ، كما انتهت تلك الدعوات في المجتمعات التي بلغـت وحدتها القومية  ..
أما الإسلام فهو وضع الهي دائم غير مرتبط بالوضع الاجتماعي ، و قائم على الإقرار بان لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله ، مع ما يترتــّــب عن ذلك من التزام بقواعد الإسلام عـند كل مسلم في إطار هذا الإقرار ... دون أن يفقد انتمائه إلى وطنه ، أو مدينته وقريته وأسرته .. أوان يناقض ذلك علاقته بجميع المسلمين في بقية الأمم الأخرى   .. 
لذلك فان اي دعوة في عصرنا تناهض الدعوة الى الوحدة القومية هي دعوة باطلة ، وفاشلة وجاهلة في آن واحدر  ..
هي دعوة باطلة لأنها ليست من روح الإسلام الذي اعترف بالتعدد على خلفية الانتماء القبلي والشعوبي كما كان سائدا في عصر الإسلام فقال تعالى : ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم ) ، كما اعترف بتعدد الأمم فقال سبحانه : ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ) .. كما اعترف بكل أنواع الاختلاف والتعدد ومنها تعدد اللغات والألوان حينما قال : ( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم ان في ذلك لآيات للعالمين   )  ..
وهي دعوة فاشلة لأنها لا تساير عصرها الذي هو عصر القوميات كما هو ظاهر في مشارق الأرض ومغاربها ..
ثم هي دعوة جاهلة لأنها ناتجة عن جهل بالإسلام وبالقومية معا ، وتلك مصيبة أدهى وأكبر  ..

( القدس ) .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق