بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 17 يونيو 2013

بعض الكلام عن العـروبة والإسلام .. (5) .

                     بعض الكلام عن العـروبة والإسلام .. (5) .


كثير من الناس في مجتمعـنا من الذين يناهضون العـروبة بالاسلام  يجهلون تاريخ الشعـوب ، ولا يعـرفون سنن الخلق وقوانين تطوّر المجتمعات .. كما نجد الكثيرين منهم يرفضون مجرّد الاطلاع على ما انتجه العقل البشري من أفكار في العديد من فروع المعرفة كالفلسفة وعلم الاجتماع  والمنطق بدعوى انها تقود الى الكفر والالحاد .. وهي نفس المدرسة التي قامت بتكفير بن رشد ونفيه وحـرق كـتبه خلال القرن الثاني عشر الميلادي ، كمؤشر على صعود ذلك التيار الرجعي الذي نجح في القضاء على دور العقل ، وتجفيف منابع التفكير ، وهو ما أدّى في النهاية الى تردّي الأمة في عصور الانحطاط ...
وقد لا يختلف الامر كثيرا في عصرنا ، اذ أن الذين يرفضون الاعـتـراف بالواقع القومي  ، هم كثيرا ما يعودون لترديد نفس الخطاب الجاهلي التكفيري رغم ما تمثله هذه الظاهـرة الانسانية العظيمة من دلالات لا تخلو من اعجاز ..
ففي مجال الفكر عامة يقول اين عثيمين في مجموع الرسائل والفتاوي : " الفلسفة بحث يوناني مستقل يتعمق فيه أصحابه حتى يؤول بهم إلى تحكيم العقل ، وردّ ما جاء في الكتاب والسنة ، والفلسفة على هذا الوجه منكرة لا يجوز الخوض فيها .. "
وبعد هذا النفي والرفض للفلسفة نجده يعود لتسطيح مفهوم الحكمة : " وأما الفلسفة بمعنى الحكمة فهذه موجودة في الشريعة الإسلامية والشريعة الإسلامية كلها مبنية على الحكمة .. لكنه لا ينبغي أن نقول عن الحكمة الشرعية أنها فلسفة ؛ لأن هذه الكلمة يونانية ، بل نقول عن الحكمة الشرعية :  ما من شيء في الشرع إلا معلل ، لكن من الحكمة ما نعلمه ، ومنها ما لا نعلمه ؛ لأن عقولنا قاصرة .."
أما بالنسبة للفكر القومي ، فيقول ابن باز في فتاويه : " من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الدعوة إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات دعوة باطلة ، وخطأ عظيم ، ومنكر ظاهر ، وجاهلية نكراء ، وكيد للإسلام وأهله " .. ويضيف : " هذه دعوة جاهلية ، لا يجوز الانتساب إليها ، ولا تشجيع القائمين بها ، بل يجب القضاء عليها  " ..
لماذا .. هل الانتساب الى قوم يكون بمحض ارادتنا ..؟؟
فكيف نفهم اذن  قوله تعالى : "  وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون " ( الزخرف 44 ) ..؟؟  
يقول الطبري في تفسيره لهذه الآية : " ان هذا القرآن الذي أوحي إليك يا محمد الذي أمرناك أن تستمسك به لشرف لك ولقومك .... وسوف يسألك ربك وإياهم عما عملتم فيه ، وهل عملتم بما أمركم ربكم فيه ، وانتهيتم عما نهاكم عنه فيه .. ؟.
ان المتعمق في دلالة هذه الآية ، ووفقا للتفسير الذي جاء فيها يدرك أمرين مهمين :
الأمر الأول اختياري ، ويتعلق بالايمان ، ثم بالعمل بكل ما جاء من تعاليم في هذا الدين ..  لذلك سيحاسب كل انسان على هذا الاختيار ..
الامر الثاني ليس للانسان اختيار فيه  ، لذلك كان في التكليف بالرسالة تشريف للرسول صلى الله عليه  ولقومه ، دون أي تناقض لهذا الجانب مع الآخر ..
وعل هذا الاساس نفهم الواقع المسلــّــم به منذ نزول الوحي ، حيث كان الانتماء إلى الإسلام ولا يزال اختياريا بالدرجة الأولى . قال تعالى : " قل الحق من ربك فمن شاء فـليـؤمن و من شاء فـليكـفـر " . ( الكهف / 29 ) .
أما الانتماء إلى العـروبة أو إلى غـيرها من الانتماءات القومية أو القبلية ، فلا يكون خاضعا لأي اختيار . لذلك اعـترف القرآن مبكرا بهذا الوضع الذي بدأ بتـعـدّد  الأسر حـتـى وصل إلى تعـدّد الأقوام والأمم .. قال تعالى : " و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه " . ( إبراهيم / 4) .. وهو ما يؤكد كذب  كل من يدعي بان الاعتقاد في الانتماء القومي أو الحديث عنه " كفر " أو " منكر " لان الكفر خاص بمسائل ايمانية اختيارية ، وليس بمسائل خارجة عن ارادة الناس ، فمن منا اختار انتماءه الى اسرة ، أوالى قبيلة ،  أوالى قوم ..؟؟
إن العـروبة بهذه المعاني البسيطة هي علاقة انتماء إلى وضع تاريخي ، نشأ في ظـروف معـينة كان الإسلام أحد العناصر الفاعلة فيها ، وانتهى خلال حقب طويلة من التفاعل والتطور ، إلى ظهور مجتمع متميز في كل شئ وليس ممتازا في أي شئ عـن بقية المجتمعات الأخرى : الأوروبية والإفريقية والآسيوية ، التي تطورت بدورها في ظروف خاصة لتتحوّل إلى أمم شتى ، أخبرنا الله أن أكرمها عـند الله أتقاها .. وهذا ينطبق حتى على المجتمعات التي كانت منضوية يوما ما تحت سقف دولة واحدة هي دولة الخلافة ، مثل ايران وتركيا واسبانيا ..
أما الإسلام فهو علاقة انتماء إلى وضع الهي ، غـير خاص بالعـرب وحدهم  ، وغـيـر محدود في الزمان والمكان .. وهو دين موجه للناس كافة ، في جميع العصور ، يستطيع من يشاء من عباد الله ان يختاره دينا  فيصبح فردا من المسلمين .. وكما يمكن ان يكون العربي مسلما ، يمكن أن يكون المسلم منتميا إلى أي مجتمع من المجتمعات التي تملأ الأرض ، دون أن يكون هناك تناقض بين الانتماء الى الدين والانتماء إلى الوطن ..

 ( القدس عدد 76 ) . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق