في ذكرى النكسة : من
الهزيمة الى النصر ، الحقيقة الغائبة ..
حدثت هـزيمة
عسكرية نكراء يوم 5 يونيو حزيران 1967 بعد هجوم مباغـت شنته طائرات العدو الصهيوني
على المطارات والثكنات العسكرية في مصر حيث وقع تدمير القدرة القـتالية لجيش مصر
الذي كان يمثل الامل المنشود لدى جماهـيـر
الامة من المحيط الى الخليج ، في مواجهة العدو، والثأر للشهداء والمهجـرين والمشردين
.. كما زاد الامـر سوءا عـندما حصلت نفس النتـائج تقريبا على الجبهات الاخرى لثلاث
جيوش عربية دخلت في المواجهة هي سوريا والاردن والعراق .. وقد كانت الهزيمة
العسكرية مدخلا لفرض أمر واقع جديد تمثل في احتلال أراضي جديدة الخ ...
والواقع فان حصول تلك الخسائر لأربع دول عربية مخـتـلفة في
توجهاتها وأنظمها يعـتبـر أكبر دليل على أن ماحدث يعـود بالاساس الى تفوق العدو
بالدرجة الاولى بسبب ما يلقاه من دعم أمريكي وغـربي ومن المنظمة الصهيونية
العالمية مما جعـل المعارك غـير متكافـئة ، الى جانب انشغال تلك الدول بالصراعات
الداخلية التي ساهمت في اضعاف مؤسسات الدولة وهو جانب تـتحمل فيه القوى المعارضة
قدرا كبيرا من المسؤولية خاصة في مصر نظرا لما كانت تشهده من تغيير جذري وبناء حقيقي وتـنمية وتصنيع عسكري ومدني
وانجاز مشاريع ضخمة لا تقدر على انجازها الا الدول الكبرى وتاميم شركات وبنوك
أجنبية ومحلية ونهضة واسعة في جميع مجالات الحياة .. وفي نفس الوقت كانت تتعـرّض
لمؤامرات خارجـية وعدوان مستمر منذ قيام الثورة ..
ورغم ذلك فان
الهزيمة لا تعود فقط الى تلك المؤامرات بأنواعها ، بل لأسباب موضوعـية أيضا أولها
صراع مراكـز القوى الموجودة في المؤسسة العسكرية وغـيرها من مؤسسات الدولة ، والتي
تذمّر منها جمال عبد الناصر نفسه لكـنه لم يستطع تفكـيكها قـبل الهزيمة .. ولقد
كان عـبد الناصر صادقا مع نفسه ومع شعـبه عـندما اتخذ قراره بالـتـنحي عـن
منصبه كرئيس لاكبـر دولة عـربـية ـ وبقطع
النظر عـن اسباب الهزيمة ـ معـربا بذلك عـن تحمله للمسؤولية ، معـبّرا عـن
استعداده التام للمحاسبة .. الا ان العالم قد فوجئ بالمسيرات المليونية العارمة
أيام 9 و 10 يونيو ، ليس في مصر وحدها بل في جميع العواصم العـربية مطالبة عـبد
الناصر بالـتراجع عـن موقـفه .. وهو ما أجـبـره فعـلا عـن التراجع ، والعودة الى
تحمل المسؤولية بما يشبه الاستفتاء العام من الشعب .. لذلك بدأ بمحاربة الفساد
وتطهـيـر الدولة من البيـروقراطـية واعادة هـيكلة المؤسسة العسكرية والامنية وجهاز
المخابرات وجميع المؤسسات الحسّاسة ...
ورغم ما حدث وما أحس به المواطـن العربي من
مرارة في تـلك الايام العصـيـبة ، الا ان الحياة قد دبت من جديد ، وعاد الامل للنـفوس
عـندما أقدمت القيادة السياسية على محاربة الفساد ومحاسبة المذنبين ، ثم صمّمت على مواصلة الاشتباك مع العدو منذ الاسابيع الاولى في
معـركة راس العش يوم 1 يوليو – جويلية 1967 ، التي كانت شرارتها مدخلا لحرب الاستنزاف التي استمرّت سنوات .. وقد شهدت
تلك الفترة الحساسة تخطيطا محكما للمعـركة القادمة ، وعملا دؤوبا على جميع
المستويات وعلى رأسها التنمية الاقتصادية والنهوض بالقطاع العام الذي أمّن جميع
النفقات الحربية ومكّـن من اعادة التسليح
، ووفّـر كل الضمانات للنصرالذي تحقق فعلا يوم 6 اكتوبر 1973 .. وهي الحرب التي
تأجلت بعد ان كانت مقررة لسنة 1971 بسبب
رحيل عـبد الناصر المفاجئ سنة 1970 .. وهذا يؤكد ان ثورة يوليو قد أنهت مسيرتها
بنصر تاريخي عظيم وليس العـكس كما يروّج المغـرضون ..
( القدس عدد 74 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق