بعض
الكلام عن العـروبة والإسلام .. (4) .
بعد مراحل طويلة من الصراع الاجتماعي والتفاعل والاستقرار في ظل دولة الخلافة شهد التاريخ مولد الامة العربية وأصبحت حقيقة وجسد حي لا ينكره إلا جاهل بالتاريخ البشري ، والسنن الكونية ..
بل أن بعض الناس يعـتـرفون بالوجود القومي لكل الامم التي استطاعت ان تحافظ على وحدتها ، ولا ينكرون ذلك الا على الامة العـربـيـة التي صارت مجزئة بعد وحدة دامت قرونا عديدة ..
بل أن بعض الناس يعـتـرفون بالوجود القومي لكل الامم التي استطاعت ان تحافظ على وحدتها ، ولا ينكرون ذلك الا على الامة العـربـيـة التي صارت مجزئة بعد وحدة دامت قرونا عديدة ..
فهل أن كل ما حدث على مدى آلاف السنـين من تفاعل وتحوّلات داخل المجـتـماعات البشرية كان مجرّد صدفة ؟ أم أن الاسلام قد جاء ليضع حدّا لهذا التطوّر الصاعد ..؟
أبدا .. فأبسط الطلاب في المعاهد الثانوية والجامعات يعـرفون - اليوم - القوانين التي تحكم حركة الظواهر في هذا الكون ، حيث لا يحدث شيئا صدفة ودون قانون ، من أصغـر الذرّات الى أكـبـر المجرّات .. وهو ما ينطبق أيضا على حركة المجتمعات التي تخضع بدورها للسنن الكونية ، حيث كان تطوّرها يسير في كل أنحاء المعمورة على وتيرة واحدة .. قال تعالى : " إنا خلقـناكم من ذكر وأنثى وجعلـناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكـرمكم عـند الله أتقاكم " ( الحجرات / 133 ) .
فمنذ أن وجد الإنسان على وجه البسيطة اقـتـضت حكمة الله ، ومشيئته ان تكون نشأته داخل الأسرة . فكانت العلاقات الدموية هي الرابطة الأولى بين الناس .. وبتـعـدّد الأفراد والاسر نشأت العشيرة ثم القـبـيلة واتسعـت الروابط الدموية لتكون اساس العلاقات داخل تلك المجتمعات .. وهكذا كان لا بد للعصبية إن تظهـر داخل الأسرة أوّلا ثم داخل العشائر والقبائل كـنوع من الإحساس بالانـتماء البدائي لا يزال موجودا إلى الآن داخل كل الجماعات ..
والعصبـية كما عـرّفها بن خلدون غـير التـعصّـب ، بل هي نوع من التعـبيـر الإنساني الطـبيعي عـن الولاء للجماعة ، كانت ولا تزال عاملا للوحـدة التي بها يتحـقـق الأمن والحماية في مواجهة الخطـر الخارجي ، حيث شهد المجـتـمع الإنساني مراحل طويلة من الصراع والغـزو ، يبدأ بالسيطـرة المادية على موارد الحـياة مثل الكلأ والماء ، وينـتهي بالسيطـرة المعـنوية على الشعوب المغلوبة ..
كما أسهمت في إحلال الـتعـاون والتضامن بين أفراد العصـبـية الواحدة بدل التـنافـر والصراع .. وهي عموما غـير مذمومة ما لم تتحول إلى تعصّب .. ولعلّنا نتعـلم من تاريخ الشعوب أن تلك العصـبـية والحميّة لم تمنع من التعايش والتحالف بين المجتمعات القبلية حيث جعلتها الأخطار التي تـتهدّدها والعجـز على مواجـتها منفردة ، تشعـر جميعا بالرغـبة في التعاون لمواجهة عـدو مشترك يهدّد أمنها واستـقـرارها ، فكان الخطر الخارجي ـ في كثير من الاحيان ـ عاملا للتوحـيـد ، والانـتـقـال تدريجـيا إلى مرحلة التـكوين القومي من خلال التحول في مرحلة أولى إلى شعـب تـنصهـر فيه تلك المكونات ، ثم إلى أمة يخـتص شعـبها بأرض معـينة و يستقـرّ فوقها ، ويتفاعل مع محيطه ليضيف إلى حضارته القبلية الخاصة ، حضارة قومية جديدة يساهم في تكوينها كل مكونات المجتمع القومي الجديد ..
وقد كان كل هذا يحدث فعلا في جميع المجتمعات ويقودها الى التطور الذي تنتقل به من مراحل دنيا الى مراحل أكثر غنى ، وتحررا وتقدما خلال مسيرتها التي لا تتوقف بفضل النمو والاضافة داخل الفضاء الانساني الرحب ..
( القدس عدد 75 ) .
( القدس عدد 75 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق