بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 9 نوفمبر 2014

التمويل العمومي للانتخابات : كم صرفنا لاعادة الحرس القديم ..؟؟


قدّمت تونس خلال ثورة 17 ديسمبر أكثر من ثلاثمائة شهيد سقط أغلبهم قبل هروب الطاغيات ، ثم تبعهم عشرات الشهداء من المدنيين والامنيين والعسكريين الذين لا تزال دماؤهم تنزف الى حد الآن في مواجهة الارهاب الذي ظهر بعد الثورة في تونس والعديد من الاقطار العربية وأصبح يهددها جميعا بالخراب والدمار والدماء .. ولما كان مفترضا أن يكون هدف ذلك التغييرهو النهوض بالمجتمع وحل مشكلاته المستعصية التي أدّت الى تأجيج الثورة ، بالقضاء على الاستبداد ورموزه ، والاستغلال وأدواته ، والفساد وأسبابه ، فان تغييرا جذريا ونهجا ثوريا كانا لازمين لتحقيق تلك الغايات التي أصبحت تعرف عند العامة والخاصة بتحقيق أهداف الثورة                            ..

وهكذا كان شباب الثورة والمعطلون والمهمّشون والمثقفون والنقابيون وغيرهم من فئات المجتمع يأملون وينتظرون .. حتى قفزت العديد من النخب السياسية ـ وأغلبها لم تكن معـنية بالثورة ـ الى الواجهة ، معـتمدة أساليبها الاصلاحية في التعامل مع الواقع ، متعمّدة الخلط بين أهدافها وأهداف الثورة .. فكان الواقع الذي وصلت اليه تونس حصيلة منطقية للفشل الذي وقعت فيه تلك النخب التي تولت المسؤوليات داخل المجلس التأسيسي و في الحكومة وفي جميع مؤسسات الدولة .. وقد كانت المهادنة ، ثم المصالحة الشاملة المجانية مع رموز النظام القديم أحد أبرز علامات الفشل للمسار الثوري برمته .. فكان الترخيص لهم بالنشاط الحزبي القانوني .. واسقاط قوانين العـزل السياسي ، والتلاعب بملفات الفساد ، واختفاء قائمات رؤوس الاموال المتورطين في سرقة المال العام بعد أعلان التوبة ، والدخول الى بيوت الطاعة بالانخراط في الأحزاب الحاكمة الخ .. ثم انتهاء الامر بالجلوس مع رموز النظام القديم في اطار ما سمّي بـالحوار الوطني الذي طــُـبخ على نار هادئة في السفارات الاجنبية .. فكان كل ذلك مقدمات أولية وأسباب منطقية لهزيمة تلك الاحزاب في الانتخابات واندثار بعضها نهائيا من المشهد الرسمي بعد أن فقدت كل مقاعدها في البرلمان الجديد .. !!
والواقع فان الأحـزاب الحـاكـمة لم تقف عند هذا الحد ، بل تمادت ـ وهي خاضعـة للـتـدخـل الخارجي ـ في التضليـل والمغـالطات والتلاعـب بمفهـوم حماية الثورة عندما أصبحت تـردّد بأن المحاسبة الحقيقية والحسم سيكون بيد الشعـب، وكأن هذا الأخير لم يقل كلمته حينما ثار وأحرق مقرات التجمع في كل مكان ورفع الشعارات المنادية باسقاط النظام ومحاسبة رموزه الفاسدين ، ثم فوّض تلك الأحزاب لكي تكون أمينة على تحقيق تلك الأهداف التي قامت من أجلها الثورة                   .. !!

هذه باختصار أهم محطات تلك المرحلة ذات الصلة بالمرحلة الحالية ، والحصيلة النهائية التي مثلت الأرضية الملائمة لرجوع الحرس القديم بعد فوزهم بالاغلبية في الانتخابات التشريعـية ، وهم يأملون الفوز ثانية في الانتخابات الرئاسية                   .. !!

ولعل السؤال الذي يمكن أن يتبادر الى الذهن بعد كل هذه الملابسات والنتائج : كم صرفنا من المال بعد الدماء لأعادة رموز النظام القديم ؟                      

في هذا الصدد صرح رئيس الهيئة العليا للانتخابات بأن المبلغ الجملي المرصود للغرض لا يقل عن 100 مليون دينار ، بعضه مخصص لنشاط الهيئة وفروعها ، والآخر مخصص لتمويل الحملات الانتخابية التشريعـية والرئاسية                    ..

كما تقول مصالح المحاسبة العمومية بأن المبالغ المخصصة للانتخابات التشريعية لسنة 2014 قد بلغت 12 مليون دينار مقابل 8.396 مليون دينار لانتخابات المجلس التأسيسي سنة 2011 .. كما بلغ عدد القائمات المنتفعة بالتمويل العمومي هذه السنة 1319 قائمة انتخابية نالت كل واحدة منها مبلغ 6.136 ألف دينار خلال القسط الأول فقط لتمويل الحملة ... وتضيف مصادر وزارة المالية بأن المبلغ المخصص لتمويل الحملات الانتخابية الرئاسية يقدر بـ 2.146 مليون دينار ، يكون نصيب كل مترشح منها حوالي 79 الف دينار ..
لا شك ان المتأمل في هذه الارقام المالية يدرك فعلا قيمة التضحيات التي تقدمها المجموعة الوطنية لتحقيق أحد أهم أهداف الثورة متمثلا في إرساء قواعد الديمقراطية السليمة .. غير أن النتائج على الأرض تؤكد أن تحقيق تلك الغاية لا يزال بعيدا الى حد الآن ، في ظل تغوّل الرأسمال الفاسد الذي يمتلك كل المقوّمات المادية والإعلامية لاستثمار المجهود الشعـبي وتوظيفه في تحقيق مصالحه الخاصة                 ..

هكذا انتهت الأمور بعد ثلاث سنوات من حكم الترويكا بعودة الحرس القديم ، بعد أن منحتهم المجموعة الوطنية المال العمومي ، وفسحت لهم تلك النخب الفاشلة المجال واسعا لجني ثمار الفشل واستثماره على احسن وجه قبل واثناء الانتخابات مؤكدين على الحالة الامنية من ناحية وغلاء المعيشة من ناحية ثانية مردّدين  :

ـ الكيلو غرام من اللحم أصبح بـ 22 دينارا ( 22000 مليم ) بعد ان كان بـ 10 دنانير ( 10000 مليم ) قبل 2010 ..
 
ـ الكيلوغرام من الطماطم بـ 1400 مليم بعد ان كان بـ 250 مليم                      ..

ـ قارورة الغاز بـ 7400 مليم بعد ان كانت بـ 4700 مليم                           ..

ـ ثمن اللتر من البنزين الرفيع بـ 1570 مليم بعد ان كان بـ 1170 مليم ..
 
ـ الكيلوغرام من البرتقال بـ 2400 مليم بعد أن كان بـ 800 مليم                             ..

ـ والكيلوغرام من التمر بـ 6000 مي ، بعد ان كان بـ 2500 مليم                            ..

ـ ثمن اللتر من الزيت بـ 6000 مليم ، بعد ان كان بـ 3000 مليم                          ..
الخ ...
وهو ما يؤكد ان اللعـبة ليست مجرد مال سياسي ، بل فشل في التنمية ، وفي التغيير الى الافضل حيث لم يشعـر المواطن بأي تحسن يذكر في حياته طيلة ثلاث سنوات ، يضاف الى ذلك الاختلال الحاصل في المعادلة الامنية التي ضاعفت من قلق الناس على مصيرهم ومستقبلهم ، حين بات الارهاب يهدد وجودهم في كل لحظة .. وقد نجح الاعلام الفاسد في فرض هذه المعادلة للوصول بالمواطن العادي الى مرحلة الشك في ما حصل يوم 14 جانفي باعتبار أن الحصيلة اسوء بالنسبة اليه وهو موجه ـ قصرا ـ للمقارنة بين حقبتين ، حقبة ما قبل 14 جانفي ، وأخرى بعده                      .. !!

وهكذا كان حجم الأخطاء التاريخية الفادحة التي ارتكبتها الاحزاب الحاكمة بعد الثورة بسبب غياب النهج الثوري في ادارة الشأن العام ، مؤكدة عدم جدارتها بالمسؤولية حينما فرّطت في عزل الفاسدين وأسقطت قوانين تحصين الثورة من الدستور ، وحينما عجزت عجزا تاما عن القضاء على مظاهر الفساد واستقرار الأمن وتأمين المعيشة لعامة الشعب ، متسببة في اهدار قدرا كبيرا من االتضحيات الشعبية التي تراكمت على مدى عقود قبل 17 ديسمبر لتحقيق التغـييـر المطلوب الذي يحقق التقدم الحقيقي في ظل مناخ ديمقراطي سليم .. 

 ( نشرية القدس العدد 149 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق