بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 9 نوفمبر 2014

صناعة الارهاب ( 2 ) و ( 3 ) .


أظهرت المواجهات التي انطلقت في تونس منذ عملتي سليانة وبئر علي بن خليفة في بداية الثورة وحتى الآن ، أن الصراع مع الارهاب الديني المتطرّف ليس سهلا ، ولا هو بالأمر الهيّن الذي يمكن للدولة أن تحشد له امكانياتها المتوفرة للقضاء عليه في وقت قصير .. بل هو ظاهرة أكثر تعقيدا ، وأكثر خطورة مما كانت عليه خلال السنوات الفارطة مع تنظيم القاعدة في افغانستان ، وفي العراق اثر احتلاله  سنة 2003 على يد القوات الأمريكية الغازية .. حيث كانت العمليات الموجهة ضدها وضد القوات  الغـربية بشكل عام ، تجلب اهتمام الناس بتلك التنظيمات وتستقطب منهم المتعاطفين الى صفوفها .. كما أن تطوّر الأحداث  في سوريا والعـراق باعلان تنظيم داعش لما يسمّى بـ " دولة العراق والشام " بعد ثلاث سنوات من الصراع الدموي في سوريا ، وما رافقها من امتداد جغـرافي ، وتفوّق ميداني في بعض الجبهات ، زاد الأمر تعقـيـدا ، وألقى بظلاله على المحيط العـربي بشكل عام ، وعلى تونس ومصر بشكل خاص باعتبار عدة  أمور هامة يشتركان فيها معا ، هي بمثابة العوامل المباشرة لتنامي ظاهرة الارهاب في البلدين .. ولذلك فان التعـرّف على مثل هذه الاسباب يكون خطوة اساسية في تحديد الحلول الكفيلة بافشاله  وأزالته ..
- الأمر الأوّل هو ضعف أجهـزة الدولة في البلدين بعد ثورة 17 ديسمبر و 25 يناير وعلى رأسها المؤسستين الأمنية والعسكرية اللتان شهدتا تفككا وانحلالا بسبب التشكيك في ولاء القيادات المسؤولة ونزاهتها ، وبسبب التغييرات التي حصلت في مستوى القيادات ، الى جانب تفكيك بعض الاجهزة الخاصة مثل المخابرات وأجهزة أمن الدولة والمحاكم العسكرية الخ .. مما جعل التنظيمات الارهابية تستغل هذا الفراغ الأمني في جمع السلاح ، والتخطيط للاستيلاء على الحكم في البلدين ..

ـ الأمر الثاني هوالموقع الجغـرافي المجاور لليبيا التي شهدت فراغا سياسيا و أمنيا بسبب سيطرة المليشيات المتطرفة على أجهـزة الدولة ، مما حوّل ليبيا الى وكـر للارهابيين المتدفقين من كل صوب وحدب لتقاسم الغـنائم ، وافـتكاك الحصص  في الثروة والحكم .. وهو ما سهّل تسلل الجماعات المتطرفة ، ذهابا وايابا بين تونس وليبيا أو بين ليبيا ومصر لأغراض مختلفة منها تهريب المال والسلاح والمقاتلين الى سوريا ..


 ـ الأمر الثالث هو وصول الأخوان المسلمين الى السلطة في كل من  تونس  ومصر في نفس الفترة ، وهو ما أثار فيهما كثيرا من الغـرور بالمزيد من السيطرة على الاقطار العربية ومنها بالخصوص الأقطار التي تشهد حراكا ثوريا ، وتواجدا اخوانيا مثل سوريا واليمن .. وفي مثـل هذه  الظروف عمل التنظيم العالمي للاخوان المسلمين على توظيف الحراك الثوري الذي كان يهدف الى تحقيق المطالب الشعبية في الشغل والحرية والكرامة الوطنية ، وحوّله ـ من خلال وجود الاخوان في السلطة في البلدين ـ  الى  آداة لتحقيق أهدافهم الخاصة التي بدأت تظهر في مشروع  أخونة الدولة في كل من مصر وتونس ، وهو ما جعل التنظيمات الدينية المتطرفة في نظر الاخوان بمثابة الحليف في تلك المرحلة .. 

 ـ الأمر الرابع هو تنامي ظاهرة التنظيمات السلفية " الجهادية " التي تحررّت من عقالها بعد الثورات ، فشرعت في استغلال  فترات الفراغ والانفلات  في بث خطابها الديني المتطرف الذي يتحدّى أحيانا حكومات الاخوان في كل من مصر وتونس ، وهو ما جعل الحكومتين الناشئتين تغازل تلك الجماعات وتهادنها وتغضّ الطرف الى حد كبير على أنشطتها وتجاوزاتها وتحرّكاتها المريبة .. فضلا عن اسلوبها الواضح في الاقصاء وتوضيف المساجد ، وتكفـيـر المخالفين وتهديدهم  .. حتى ظهر لاحقا تورّطهم في جمع السلاح ، والاغتيالات السياسية ، والتطاول على الدولة ، وتهديد الأمن والجيش ..                                        

ـ الأمر الخامس هو تفطّن العديد من الأطراف بأن الثورات العـربية الحقيقية تهدد مصالحها ووجودها مثل الدول الغـربية ، واسرائيل والانظمة العـربية الـرجعـية المستهدفة مباشرة بهذا الحراك الثوري ، فعملت جميعا منذ البداية على الانحراف بالثورات  بعيدا عن أهدافها وغاياتها التي قامت من أجلها ، حماية لوجودها ومصالحها .. فكانت التنظيمات المتطرفة من ناحية والاخوان المسلمون الذين باتوا يحلمون ببناء امبراطورية اخوانية من ناحية ثانية ، آداة في يد هؤلاء .. وكانت السلطة هي الطعم الذي قــُدّم لهم ، في حين كانت الفوضى هي الغاية والهدف للاجهاض نهائيا على الثورات  ..  


ـ الأمر السادس هو تدفق المساعدات المالية من الدول النفطية الداعمة للارهاب وعلى راسها المملكة العربية السعودية وقطر والامارات العربية المتحدة التي وجدت في تلك الجماعات آداة لتحقيق اغراضها ..                 

 ـ الأمر السابع هو الاستغلال المفرط للخطاب الديني المؤثر على الشباب الذي تعرض لسياسة تجفيف المنابع من طرف الانظمة في ظل الاضعاف المتعمد لدور الدين والبرامج التعليمية تاركا حالة من الفراغ الروحي والضياع ، استطاع محترفو الارهاب استغلالها في تحويل هؤلاء البسطاء الى وقود للصراعات التي يخوضونها ..

ـ الامر الثامن هو حالة الفقر المنتشرة في كثير من الأحياء الشعبية  والحالة المادية المتردية  في كثير من الجهات ، وهي جوانب مهمة تستغلها  التيارات المتشددة في جلب الانصار عن طريق المساعدات المادية .. 
  
ـ الأمر التاسع هو استبداد الأنظمة وفساد خياراتها السياسية التي قامت منذ عقود على نهب ثروات الوطن وتفشي الفساد والانحراف بين صفوف الشباب في سن مبكرة ، مما جعل عائلات كثيرة تلوذ بالحل الديني القادم اليها عبر الفضائيات ، بسبب قلقها  على مستقبل ابنائها ..  

ـ  الأمـر العاشر هو سعـي بعض الدول العـربية لتصديـر " مشروعها المجتمعي "  للدفاع عن وجودها في مواجهة الكثير من المشاريع الاخرى المتواجدة في المنطقة مثل مشروع الثورة الايرانية الذي عملت ايران على تصديره للدول العربية بعد الثورة ، أو المشروع القومي الذي يهدد وجود الدول الاقليمية ، فوجدت المملكة العربية السعودية في المشروع السلفي حلا لمواجهة تلك الأخطار المحدقة بها .. وهو ما جعلها  تبني استراتيجية طويلة المدى ، شرعت في تنفيذها منذ الستينات ، وبدأت أولا باستقبال الاخوان ، فوفرت لهم العمل وفتحت لهم أبواب الجامعات لدراسة " العلوم الشرعـية السعـودية " ، ودفعـت بهم لحضور الحلـقـات
الدعوية التي تقام في مساجـد المملـكـة في اطار خطة مدروسة لتـسلـيـفهـم ( تحويلهم الى سلفيين )  .. فجعلت منهم ـ في ظرف سنوات ـ "دعاة " يغـزون العالم بالفكر الوهابي .. وفتحت لهم المنابر والفضائيات  ..

ـ الامر الحادي عشر يتمثل في مخططات الدول الكبرى التي  كانت تسعى دائما للعبث بالأمن الاقليمي والقومي  في الوطن العربي لتحقيق مصالحها مستغلة حالة التشتت ، ووجود الانظمة العميلة والقوى الانتهازية التي تسعى فقط لتحقيق مصالحها الضيقة ..  

ـ الامر الثاني عشر هو وجود الكيان الصهيوني الذي يعمل بدوره على أضعاف المجتمع العـربي ، بتفكيك وحدته ودوله وجيوشه وكياناته الاجتماعية حتى لا تتفرغ للبناء والوحدة التي تهدد مصالحه ووجوده  ..  

الأمر الثالث عشر هو ضعف الحركة القومية وغيابها عن الفعل بما يكفي لمواجهة التحديات المطروحة في هذه المرحلة المصيرية.. 

وهكذا فان عوامل عديدة ومتشابكة تساهم في صناعة الارهاب على المستوى العربي ، منها العوامل المحلية والخارجية ، ومنها العوامل السياسية والفكرية والدينية والاجتماعية والثقافية في جميع  الاقطار العربية .. ورغم ان التغـييـر في المجتمع العربي يخضع   لقوانين التطور الاجتماعي ذات الصلة بالاستبداد والتجزئة والتخلف ، فان بعضها الآخر خاضع لقوانين التاثير والتاثر بين مجتمعـاتنا ومحيطها الاقليمي والدولي الذي تهيمن عليه القوى العظمى  ، فتساهم بطريقة او باخرى في تحديد اتجاه تطوره ..  ولعل ما يمكن استنتاجه من هذه النواحي هو أن ظاهرة الارهاب لها جذورعميقة ذات صلة بالماضي البعيد الذي يجب معالجته بالبرامج التعليمية والدينية التي تهدف الى حماية اجيال بأكملها تتربى على المبادئ السمحة للدين الاسلامي ، والقواعد السليمة في المعاملات الانسانية القائمة على التنوع والاختلاف والتعايش السلمي بين مكونات المجتمع .. كما ان هذه الظاهرة ذات صلة بالواقع الحالي بكل ما فيه من نواحي انسانية تهم حياة الناس في المجتمع ، وتستوجب مواجهتها بالحلول الجذرية العاجلة لحماية الاجيال الحالية من خطر الجماعات الارهابية التي تحاول استغلال كل الظروف المعيشية والنفسية والاجتماعية  لكسب الأنصار ..

وفي نهاية المطاف فان الرجوع الى التجربتين في كل من تونس و مصر يبين أن مرحلة التراخي في التعامل مع الارهاب في البلدين تحت حكم الاخوان كان سببا مباشرا في تفشي تلك الظاهرة التي يعاني منها الشعبان حاليا .. 

 ( نشرية القدس العدد 148 ـ 149 ) .
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق