عن الخبـز والحـرية والثورة ..
حين قامت الثورة في تونس وتردّدت شعاراتها على أفواه الناس بشكل تلقائي من
شمالها الى جنوبها ، كان ذلك تعـبـيـرا
صادقا وعـفـويا عـن مشاكلهم ومعاناتهم .. كما كان ايضا تعـبـيـرا عـن مطالبهم
وطموحاتهم في تحقيق ما حرموا منه على مدى اكثر من خمسين عام .. لذلك كان جزءا هاما
من الشعارات مرتبطا بالاوضاع الاقــتصادية والاجتماعـية والسياسية التي يقع اختـزالها
عادة في كلمات بسيطة ومتـناغمة ومعـبّـرة في نفس الوقت اما عـن مطلب شعـبي ، أو عن
رفض ، أوعن تحدّ للنظام .. فكان من ضمن
تلك الشعارات وربما أكثرها حضورا تلك المتعلقة بهموم الناس ، والمعـبّـرة عن
أوضاعهم المتردية ..
ولذلك استطاعت ان تجمع حولها قاعدة عريضة ذات مطالب واحدة ، على رأسها
اسقاط النظام كشرط أوّلي لتحقيق بقية المطالب المتعلقة بالشغل وتوفيرالخبز والحرية
والكرامة الوطنية ..
والواقع فان الثورة بقدر ما كانت حلما وأملا بالنسبة للبعض ، كانت أيضا كابوسا
بالنسبة للمستفيدين من الوضع السائد .. لكنها كانت في نفس الوقت فرصة للانتهازيين
والمتسلقين الذين ركبوا الثورة لتحقيق أهدافهم فاستغـلوا ما يملكونه من امكانيات مادية
، وما في حوزتهم من وسائل اعلام عربية قطرية بالخصوص أو خاصة .. حتى أن بعض
الاحزاب الفائزة في الانتخابات كان يحرّكها شخصا واحدا مقيما خارج البلاد ، لا
علاقة له بالثورة ، وأهدافها ، أو بما حدث فـيها ..
ولعل السؤال الذي يمكن ان يُطرح في مثل هذا الوضع ،هل أن الاحزاب الحاكمة الآن
تحمل مشروعا افضل من مشروع النظام المخلوع ؟..
بالنظر الى تاريخ تلك الاحزاب التي اقتسمت السلطة بعد الانتخابات يظهر، أنها
كانت بعـيدة كل البعـد وغـريبة ايضا عن
الحراك الشعـبي الذي لم يثبت ماديا أنها ساهمت فيه قبل هـروب الطاغية .. لذلك لم
تفكر أصلا بعقـلية الثورة ، فكانت غـير معـنية بتلك الشعارات التي تتحدث عن الخبز والحرية
والكرامة والتشغـيل ، وتحقيق العدالة الاجتماعـية بين الجهات والأفراد .. بل كانت
تسعى لاصلاح الوضع في ظل النظام القانوني القائم ، ولذلك بادرت كلها افرادا
واحزابا بالتوقـيع على الميثاق الوطني
الذي وضعه بن علي سنة 1988 .. ثم قبلت بالمشاركة - على تلك القاعدة - في انتخابات
1989 بالنسبة للبعض .. وفيما جاء بعدها بالنسبة للبعض الآخر..
ومهما كان الامر فان الواقع الحالي هوالفيصل ، وهو واقع أسوء عشرات المرات
من الوضع الذي كان سائدا قبل الثورة .. حيث صار الخبز أكثر مرارة .. وصارت الحرية
تجارة .. كما صار حديث الثورة استحمارا .. !!!
( القدس عدد 102 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق