بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

لماذا ندافع عن سوريا ..؟؟

لماذا ندافع عن سوريا ..؟؟

تتجه أنظارنا أحيانا الى سوريا ، أو يقع توجـيهها عمدا في أغلب الأحيان ، وكلما تأجّج الصراع واحتدت المعارك هناك ، نزداد همّا وغمّا واختلافا وفرقة في كل مكان .. وتتحوّل بوصلتـنا تدريجـيا الى صراعات مغـلوطة ، ومغـشوشة تـنشب – لا ندري كيف – هنا وهناك .. ثم نـنسى الصهـيـونية ، والاحتلال .. و ننسى فلسطـين .. وننسى التقـدم والرخاء والوحدة .. وننسى العـِلـْم والبناء .. وننسى تعالـيم الاسلام السّمحة .... 
أليس هذا هدفا رئيسيا من أهداف تلك الصراعات والحروب ؟
بلى ..
 ويخطأ من يظن أن الصراع يدور اليوم حول سوريا وحدها ، لاننا لو نظرنا ببساطة الى ما حولنا ، والى القوى المتدخلة في أكثر من موقع في الوطن العربي ، لوجدنا نفس اللاعبين .. واذا تأملنا في أساليبها ، وتاريخها ، وأهدافها ، ثم اذا بحثـنا في علاقاتها جميعا لوقـفـنا على حقيقة الامور .. ولعل الامر يتحول الى حماقة فعلا ، بالنسبة لمن يظن أن الصراع الذي مرّ من ليبيا ثم انتقل الى سوريا حتى بات متداخلا مع الصراع في العـراق ، انما هو قائم للقضاء على الديكتاتورية ، ونشر الديمقراطية كما يقال .. أو هو قائم من أجل القضاء على الكفـر واعادة الاعتبار للاسلام .. !! لا شك أن كل انسان سوي الشخصية والتفكير ، وله حدّ أدنى من الموضوعية والفهم ، يدرك ان هذه الروايات لا يصدقها الا السّذج .. أما الذي يفكر بعمق ، ووفق رؤية شاملة لا تجزّأ القضايا التي تمس حياة الانسان من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية وغيرها .. فـيضعها جميعا في الميزان لكي يوازن بين مطلبه في الحرية و لا يقع في التبعـية ، وبين مطلبه في الديمقراطية ولا يقع في العمالة ، وبين مطلبه في اعلاء كلمة الاسلام ولا يقع في الطائفية و تفتيت المجتمع ، وبين مطلبه في تحقيق التقدم والرخاء دون ان يقع في فخ الابتزاز والهيمنة ، فان الامر وقـتها سيكون واضحا جليا لا تشوبه شائبة .. فلو بدأنا باسلوب التغـيـيـرالذي تعـتمده المليشيات المسلحة في سوريا سنجد أن ما تقوم به يتـفـق تماما مع تعـريف الارهاب ولا يتفق من قريب أو من بعـيد مع تعـريف الثورات مهما اختـلفت التعـريفات لكل من هذا وذاك .. لان الثورة في النهائية هي عمل ايجابي قبل كل شيئ يهدف لاحداث تغـيـيـر ينهض بالمجتمع .. في حين أن ما نراه هو الفوضى التي تداخلت فيها ، وطغت عليها أعمال النهب والسلب والاغتصاب والتهجيـر والقـتـل والذبح والترويع ، ومهما حاول البعض ابراز" مساوئ " النظام لتضليل الرأي العام ، فان ما يهمنا في الحكم على الثورة هو ما يصدر عن الجهة التي تتدعي الثورية ، من أعمال ثبت أنها تخريبـية وارهابـية في اسلوبـها ، طائفـية وتقسيـميـة في مضامـيـنها ، هدّامة ومدمّـرة في نتـائجها .. وكل ذلك غـريب عن الثورات بأسالـيـبها ومضامـينها وأهدافها .. أما اذا نظرنا الى آداة " الثورة " فسنجد أن ما يحدث يمثل عدوانا همجـيا بكل المعايـيـر والمقايـيس التي عـرفـتها البشرية ، لا يخـتلـف في شكله ومضامينه عن هجوم التتـارعلى بغداد وبلاد الشام الذين قدموا كالجراد من أوروبا وآسيا .. ولا يختـلـف ايضا عن الهجوم الصليبي على فلسطـين وبلاد الشام الذي جمع فـيـه ملوك أوروبا وكهنـتها المرتـزقة من كل أنحاء القارة ومن وراء البحار .. كما لا يخـتـلف كذلك عن الهجمة الاستعمارية والصهيونية على الوطن العربي في العصر الحديث .. اذ أن آداة تحقيق " الثورة " المزعومة ، تتـكون حسب الاحصائيات مما لا يقـل عن أربعـين جنسية أجنـبـية لا علاقة لها بأرض سوريا ، ولا علاقة لها بالديمقراطـية و لا حـتى بالاسلام ، لان ما تقـتـرفه تلك الجماعات من فضاعات واكراه وتعدّي على الاعـراض والحرمات ، والاموال و الممتـلكات .. فضلا عن ارتكاب الجرائم وقـتـل الابرياء من المخالفين .. كل ذلك لا علاقة له بالثورة أو بالتـغـييـر .. 
فالثورة يجب أن تكون شعـبية قـبـل كل شيئ ، تـنـظمها وتؤطرها القوى الوطنية الثورية المعـروفة عادة برموزها ونضالها الطويل على الساحة السياسية أوالنقابية والحقوقـية ، فلا يمكن مثلا ان يكون رموز الثورة غـرباء عن الشعب ، ملثمون ، يحملون أسماء مستعارة .. كما يجب ان يعـبّـر الثوار عن هموم الناس ومشاكلهم الحقيقية ليكونوا فعلا قادرين على قيادة الثورة وتوجـيهها نحو أهداف معـلنة ومعـروفة .. 
وفوق هذا يُفـتـرض أن تـنأى تلك القيادات الثورية بنفسها - بحكم نقائها الثوري وعقيدتها الثورية وأهدافها النبيلة الواضحة ومثـلها العـليا ومشروعها التحرّري الانساني - عن كل الشبهات والارتباطات المريـبة .. كما يُفـتـرض أن تـتجـنـّب بل يجب أن ترفض الاتصال والتـنسـيـق مع الاعداء التاريخـيـيـن للأمة لانها تدرك انها ستـتـصادم معهم في المستـقـبل .. ثم ترفض التمويل المشبـوه الذي يجـرّها الى التبعـية و التـنازل عن أهدافها ، فلا تعتمد الا على قواها الذاتية التي تكون شعـبية صرفة الخ .. 
وعـنـدما تتوفـر كل هذه الشروط يمكن الحديث وقـتها عن الثورة .. !! 
اما اذا ألقينا نظرة على القوى التي تروّج للثورة وتقودها ، فان الامر يكون مضحكا ومثيرا للسخرية في نفس الوقت .. وهو مضحك لأن تلك القوى الداعمة تتكون من قطر والسعـودية و الاردن ، الى جانب تركيا وامريكا وبريطانيا وفرنسا ، والعديد من الدول الظاهـرة والخفية مثل دولة اسرائيل التي اصبحت لا تجد حرجا في اظهار الدعم الواضح والصريح .. والتي يمكن وصفها - وفقا للمقاييس التي تجمع تلك الدول – أنها من " اصدقاء سوريا  "..!!
ثم ان الامر مثير للسخرية لان دولة مثل دولة قطر أو المملكة العـربية السعـودية .. تحكمها انظمة شمولية قائمة على الحكم القبلي والعشائري الوراثي الذي لا يعـترف بالديمقراطية ولا بحقوق الانسان ، فلا يعـرف الانتخابات ولا يسمح حتى بالحديث عنها .. وهي نفس الانظمة التي تآمرت على ثورة اليمن ، وأخمدت ثورة البحرين بالقوة وواجهـتها بالحديد والنار، عندما أطلقت أيدي النظام في قمع الثوار عن طريق قوات درع الجزية ، ثم وضعـتها في طي النسيان حيث لا يلتفت اليها اعلامها الذي يتـفـنن فقط في ترويج الاكاذيب حول سوريا .. وهي الانظمة العميلة منذ الخمسينات للامريكان والصهاينة ، وهي التي تروّج لمشاريع التسوية معهم وتتصل بهم وتتآمر معهم سرا وعلنا على الامة وأنظمتها الوطنية ، وهي الدول التي تحتضن أكبر القواعد العسكرية الامريكية في العالم ، وهي التي تواطأت علنا في ضرب بغداد وحصار شعـبها ثم مهّدت لاحتلالها سنة 2003 .. فاي ثورة واي مشروع ثوري وأي قوى ثورية تستجدي كل هؤلاء للوصول الى السلطة بأي ثمن ؟؟ 
لعلنا هنا نصل الى البدائل المطروحة والمشاريع . اذ لا بد ان يكون للثورة من مشروع ثوري حقيقي ، يحقق الحرية ويقيم العدل و يوحّد المجتمع ويقاوم الفساد ، ثم ينشر العلم والمعـرفة وقيم التسامح ويرفع من شان الدين ليكون دينا انسانيا كما جاء من السماء للبشرية كافة ، يظهر أثره في سلوك ابنائه فيتبعهم التابعون اقـتداء بهم كما حصل للمسلمين الاوائل الذين نشروا الاسلام بحسن سلوكهم ونبل اخلاقهم في أماكن لم تصلها دولة الاسلام مثل الصين والهند وأطراف آسيا التي تمثل الثقـل الحقيقي للمسلمين الآن .. فأين نحن من كل هذا في سوريا ؟ 
ان المتأمل في الحركات المسلحة المتواجدة حاليا في سوريا ثم في خطابها الموجّه للداخل والخارج ، وفي اساليبها التي أظهرتها طوال تلك المدة من الصراع ، وخاصة في أماكن تمكّـنت من السيطرة عليها لاكثر من سنتين وبالتالي فانها قد بدأت عمليا في تطبيق سياساتها لكي تحوّل " مشروعها " الى واقع ملموس على الارض .. ان المتأمل لكل هذا يشعـر فعلا بالحزن والاسى على بلد مثل سوريا ، بلد الجمال والهدوء والتعايش والابداع .. الذي أصبحت تتلاعب بمصيره الدول والمليشيات حيث لا يرى المتأمل الا الدمار في كل مكان ، والقرى المهجورة من طرف متساكنيها ، ومخيمات اللاجئين والمعانات على كامل الحدود .. الى جانب التخريب للبنية التحتية والحضارة والانسان ولكل ما هو أصيل .. انه البديل الذي تحمله تلك المليشيات التي تقـتـرف أحيانا أعمالا صادمة يعجـز اللسان عن وصفها كالتي نقـلتها صحيفة صنداي تلقـراف مؤخرا حين أشارت في تقريرها إلى حادثة مؤلمة وقعت في حلب مفادها ان التنظيم الارهابي المعـروف بدولة العـراق والشام " داعش " المورّط في أعمال ارهابية كما تقول الصحيفة وهي تتحدث عن تجارب متعدّدة للمتطوّعين فتقول أن أحدهم " كان مستعداً لتحمل أعباء الثورة أياً كانت ، لكن حادثاً أمام مستشفى في حلب جعله يعـيد التفكيـر بموقفه ، فقد شاهد مقاتـلين من " داعش " وهم يقطعون رأس " كافر " قالوا إنه من داعمي النظام الشيعـي ، حيث وضح فـيـمـا بعد أن القـتـيـل قـتـل بالخطأ واعـتذر قائد الكـتـيـبة عـن هذا الفعـل  " ...!!
وهكذا فان ما يميز هؤلاء " الثوار " في مجال وحدة المجتمع يبدو مرتبطا الى أبعد الحدود بفهمهم للاسلام الذي ينحصر- في نظرهم - في فرقة واحدة هي الفرقة الناجية ، وتتمثل في اهل السنة والجماعة الذين هم في الاصل ليسوا عامة المسلمين .. في حين ان الشيعة والنصيريين كما يسمونهم هم من الروافض الكفار مثـلهم مثل اليهود والنصارى الذين يجـب عدم الرأفة بهم جميعا حتى يعـودوا الى رشدهم ، أو تستـباح اعراضهم وأموالهم وتسبى نساؤهم ، وتتحول أموالهم وممتلكاتهم الى غنائم .. وهكذا فان الصراع عندهم هو في الاصل صراع بين الكفر والايمان ، وان " المجاهدين " هم الذين يقومون بحماية شرع الله .. !! 
وفي جوانب الاقتصاد وتوزيع الرزق فان الله - كما يقولون - كتب لكل مسلم رزقه وحدّد له منذ نشأته الاولى ان كان سيعيش سعيدا أم شقيا .. فقيرا أم غنيا .. وبالتالي على كل مسلم أن يؤمن بقضاء الله وقدره ، وأن يقـنع بنصيبه ان كان كثيرا أو قليلا .. ثم عليه أن يعرف بأن كل ما يصيب الانسان من يسر أو عسر في حياته وما يلقاه من الفقر والجهل والمرض .. هو امتحان من الله وابتلاء !!. لذلك فان الحديث عن العدالة والمساواة وتقليص الفوارق بين الناس ، انما هو من باب الخوض فيما لا يرضي الله ...!! 
اما في مجال الحرية والديمقراطية ، فانه لا حرية للانسان في اعتقاد ما يريد من افكار .. !! وأن كل الافكار التي لا تتقيد برؤية شرعـية هي أفكار هدّامة لا تقود الا الى الكفـر .. !! لذلك فان الديمقراطية هي في الاصل أفكار يروّجها العلمانيون ، وبالتالي فهي محرّمة حتى لا تقود المجتمع الى الفتـنة في دينه .. و انه لا يجوز شرعا وضع مسائل يختص بها أهل الاختصاص بين ايدي عامة الناس لكي يتولوا نقاشها أوالبتّ فيها وهم ليسوا من أهل العلم .. فلا بد اذن من الاتباع والاقتداء وطاعة اولي الامر من العلماء الذين يختصون وحدهم بالرأي والاجتهاد .. !! 
وفي مجال العلم يتجلى رفضهم لاهله ومحـتـواه ، لان العلوم الدنوية - كما يعتقدون - ملهاة عن علوم الدين ومدخل للكفـر والعياذ بالله ، حيث لا يجب ان يُطلق فيها عنان التفكير للعامة ، حتى لا يقودها ذلك الامر الى الالحاد من خلال الاطلاع على أفكار العلمانيين الذين يستغـلون العلم لمحاربة الاسلام .. !! ثم في مجال الاتصال والتعاون مع الاعداء مثل الامريكان والصهاينة فان مقاومة الطاغوت أولى لاقامة شرع الله ولذلك يجوز التحالف حتى مع الشيطان لنصرة الدين وتطبيق تعاليمه !.. أما في مجال الدولة والجيش والأمن والمؤسسات فكلها تـنـتـمي لمنظومة الكفـر، لذلك يجب هدمها من اساسها..! لتكون المليشيات هي البديل الجاهـز ، ثم تـُـلغـى كل القوانين الوضعـية ، لتحُـل محلها القوانين الشرعـية - التي هي في الاصل غيرمعروفة وغير مكتوبة وغير مضبوطة وغـيـر متـفـق عـليها - لاقامة " شرع الله " .... !!
أفلا يكفي كل هذا للدفاع عن سوريا ؟؟


( القدس عدد 101 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق