الطمع .. يفتـح " الشاهـية "..
ان
المتـتـبّع لما يجري في واقعـنا ، يجـد جوانب عديدة من حياتنا شبيهة
بواقع الحيوانات وطبائعها وسلوكها المبني على الغـرائز والشهـوات ، حيث يسـعـى
الحـيـوان دوما الى تـلبـية حاجياته بقطع النظرعمّا يتـرتب عن ذلك من تبعات .. اذ
هو لا يشعـر أصلا بالعلاقات الموجودة في الواقع الا من حيث أنها تـنـفعه وتلبي له
تلك الحاجات المتجددة أبدا .. وبالتالي فهو لا يتفاعل معها بالسلب أو بالايجاب ،
الا بالقدر الذي يمكّـنه من تحقيق غايته .. !!
ولعل ما رأيناه خلال سنتين من الحكم في تونس بعد الثورة ، الذي تتحكم فيه
الحركة الاولى ، حركة النهضة ، يذكّـرنا بقصة الثعـلب الطماع الذي وصفه الاديب
الكبير جبران خليل جبران ، بتضخم الذات
والغـرور الذي لا يلبث في النهاية أن
يتحول الى وهم حينما يفضحه الواقع .. ويبدو أن حركة النهضة قد فعلت بنفسها تقريبا
ما فعله ذلك الثعلب ، وأثبتت مثله تماما أن من كان في طبعه قبول الزيف ، لن يعـبأ
كثيرا بقبول الخيـبة .. !!
يقول جبران بأسلوبه الساخر : " خرج الثعـلب
من مأواه عـند شروق الشمس ، فتطلع إلى ظله منذهلاً ، وقال : سأتغذّى اليوم جملاً ،
ثم مضى في سبيله يفتش عن الجمل الصباح كله ، وعـند الظهيرة تفرَّس في ظـله ثانية ،
وقال مندهـشًا : بلى .. إن فأرة واحدة تكـفـيـني ... !!
والواقع فان هذه الفقـرة الوجـيـزة تلخـّـص مسيـرة النهضة بجميع مراحلها ، سواء قبل الثورة أو بعدها ..
فالنهضة التي غـرقت في وحل بن علي ،
وظلامه ، لم تستـفق لتـلملم جراحها الا بعد شروق الشمس حين قدّم لها هذا الشعـب
وقواه الوطنية ، هدية أخـرجـتهم من "
المأوى" تماما كما خرج هذا الثعـلب .. ثم ان الخروج كان في الحالتين الى الغابة
المفتوحة ، حيث كان رجوع القيادات وما صاحبه من هرج ومرج ، وحملات دعائية وزيارات
مكوكية واجتماعات وغيرها ، بعث على التضخم
الذي نما أكثر فأكثر بعد انتخابات على غير منوال حصدوا فيها الاغلبية .. فكان ذلك
باعـثـا على فـتح " الشاهـية " للمزيد من الصعـود .. غـيـر أنهم حينما
وصلوا الى البـئـر ، وأمسكـوا بالدلو ، كسـروا جمـيع الجـرار، فـتـركـوا الجميع
للعـطـش .. وأخذوها غـنيمة حـيـنما سعـوا في طلبهم الى ما ليس لهم وحدهم ، فكان
ذلك أشبه بسعي الثعـلب الى الجمل وهو غـيـر قادر على اصطـياده أصلا ، فكانت خيـبتهم
أكبرمنه حينما باتوا يرضون باقتسام الفأرة مع الازلام ..
( نشرية القدس عدد 100 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق