القدس عنوانها وفلسطين بوصلتها

القدس عنوانها وفلسطين بوصلتها
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 8 مايو 2025

الاستراتيجية الإسرائيلية للثمانينات (1)

  

الاستراتيجية الإسرائيلية للثمانينات

د.عصمت سيف الدولة

(1)

 من كتابه : دفاع عن ثورة مصر .

أخيرا : القوم المفسدون :

257 – وأخيرا أيها السادة المستشارون ، فوراء الصراع تناقض حضاري . ويقول علماء الاجتماع والحضارات المقارن ان الهيكل الحضاري للشخصية يكتمل تكوينا قبل أن يبلغ الشخص السادسة عشر من عمره . تنتقل القيم الحضارية المميزة للأمم من خلال الأمهات الى أطفالهن بعد أن يكنّ قد تلقينها وهن أطفال من أمهاتهن . بعد السادسة عشرة يبدأ كل شخص في أن يكتسب من تجربته الخاصة ما يضيفه الى هيكله ، ولا يستطيع شخص أي شخص أن يغير هيكله حتى لو طمس معالمه بما اكتسب . انه حينئذ يغترب كما يقول علماء الاجتماع .

من هنا شعوبا كاملة تتميز بحضارات روحية أو مثالية ، أو مادية ، أو إنسانية ، أو فردية . ومن الشعوب ما يتميز بحضارة وحشية . جاء ذكر أحدها في القرآن . قال تعالى : "ان يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض" (العنكبوت – 94) . ولم يقل جل جلاله أنهم أفسدوا أو أنهم يفسدون أو أنهم سيفسدون . لأن الآية لا تحكم على أعمالهم الماضية أو الحاضرة أو المستقبلية . بل قال جل شأنه أنهم "مفسدون في الأرض" لأنه ينبئ بما هم عليه من طبيعة غير قابلة للتغيير حسب الزمان . وهي طبيعة وان تكن شريرة الا أنها قيمة جارية فهي تنتقل من خلال الأمهات الى اطفالهن وتصاحب الشعب المفسد حتى فنائه ، لا حيلة له في هذا . ويقول المؤرخون أن أولئك المفسدين يأجوج ومأجوج هم الشعب وحشي الطباع المعروف باسم الخزر والذي كانت تقيم قبائله العديدة في الجزء الجنوبي من الاتحاد السوفيتي الحالي .

ويقول المؤرخ المعاصر ألفريد ليتنتال في كتابه "التجمع الصهيوني الثاني" المنشور عام 1983 "ان الخزر وهم شعب من الرعاة الوثنيين كان يقيم في جنوب روسيا ما بين نهر الفولجا والدون انتشر على شواطئ البحر الأسود وبحر قزوين وبحر آزون . ولقد لجأ اليهم اليهود الذين طُردوا من القسطنطينية أيام الحاكم البيزنطي ليو الثالث ونافسوا المبشرين المسيحيين والمسلمين وكسبوا الخاقان بولان حاكم الخزر لليهودية نحو عام 740 ميلادية . فتبعه الى اليهودية صفوة شعبه ثم شعبه كله . وان بعض تفاصيل تلك الأحداث قد تضمنته رسائل متبادلة بين الخاقان جوزيف الخزري وبين الحاخام حسداي بن شبروط (915 – 970) ... فلما اجتاح المغول بلاد الخزر هرب اليهود الاشكناز الى روسيا وألمانيا والبلطيق وبولندا وأصبح هؤلاء الأشكيناز الطاغين عددا على اليهود الذين وصلوا الى أوروبا من طرق أخرى . وهكذا فان الأغلبية العظمى من يهود شرق أوروبا ليسو يهودا ساميين أصلا " .

القصة ذاتها بتفاصيل أكثر أو اقل واردة في دائرة المعارف الامريكية الجزء 13 . وفي كتاب المؤرخ أرثر كوستلر المعنون "القبيلة الثالثة عشرة" المنشور في لندن عام 1986 الذي ينقل عن ابراهام بولياك ، رئيس قسم تاريخ اليهود في القرون الوسطى – جامعة تل أبيب قوله : "ولهذا فان بعض المتعلمين من اليهود الخزر يسمون أنفسهم أشكنازى عندما يهاجرون من بولندا" .

والان ،

من هم قوام الحركة الصهيونية من اليهود ؟ اليهود الشرقيون أو الاشكناز ؟ ومن هم الحاكمون رجال دولة الصهاينة ؟

الأشكناز .

ومتى دخل الأشكناز الديانة اليهودية ؟

في القرن الثامن الميلادي .

ومن اين جاءوا الى فلسطين ؟

من روسيا وبولندا وألمانيا ودول البلطيق .

وما هو اصلهم الحضاري ؟

انهم يأجوج ومأجوج الذين وصفهم الله بانهم "مفسدون في الأرض" .

فهل نقاتلهم أو لا نقاتلهم ..؟

هذا هو السؤال .

الضرورة :

وبعد ،

276 - فقد قدمنا اليكم من الحضارة ، والتاريخ القديم ، والتاريخ الحديث ، ومن الحرب الخفية ، ومن الحرب الظاهرة ، ومن العقيدة الصهيونية التي تحملهم حملا على أن يبيدوا العرب ، ومن نظريتهم في الحرب والسلام ، ومن اغتصابهم الأرض العربية ، ومن خططهم للاستيلاء على ما بين النيل والفرات ومن قتلهم ابناءنا ، وحتى من استدراجهم رئيسنا واكراهه وغشه للحصول منه على اعتراف بدولة الصهاينة وإقامة علاقات دبلوماسية معها ، لنقول لكم أن الأمة العربية أرضا وشعبا تعيش مهددة بخطر ماحق ، خلقه ، وينميه ويزيد من آثاره المهلكة الصهاينة الاشكيناز الخزر يأجوج ومأجوج .

فهل لهذا تكييف قانوني .

نعم .

انها المادة 61 من قانون العقوبات التي تنص على أن "لا عقاب على من ارتكب جريمة ألجأته الى ارتكابها ضرورة وقائه نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ولا في قدرته بطريقة أخرى" .

وحالة الضرورة بعد من مبادئ القانون . جميع فروع القانون من أول الدولي الى الدستوري الى المدني الى العقوبات . وخطر الصهاينة الذي يتمثل في إبادة البشر واغتصاب الوطن ، قام وهو قائم وسيستمر قائما من جيل الى جيل الى أن يبيدونا نحن العرب بأمر الههم . وتؤيدهم دولة ما قامت الا بعد أن ابادت شعبا واستولت على ارضه ..

وقد تكاملت أسباب الضرورة بالنسبة الى الافراد العرب في مصر العربية حين تخلت الدولة التي تحمل ، طبقا للدستور ، مسؤولية حماية رعاياها من المخاطر ، عن تحمل هذه المسؤولية باتفاقية كامب ديفيد . تخلت الدولة عن دورها وانسحبت من مواجهة الخطر الصهيوني الأمريكي تاركة الشعب يرد الخطر عن نفسه .

أما بالنسبة الى الشعب العربي خارج مصر ، فقد تفاقمت حالة الضرورة بعجز الدول العربية عن حماية الشعب العربي فيها ، ومثاله ما حدث في لبنان للشعب اللبناني حين اجتاحته قوات الصهاينة ، وما حدث للشعب الفلسطيني في مذابح صبرا وشاتيلا ، وما حدث في تونس من اغتيال أبو جهاد ، وما حدث في ليبيا من محاولة اغتيال القذافي قصفا بالصواريخ ... فالخطر ، كواقع أو وقائع ، في كل مكان يحيط بكل فرد عربي لا يعرف متى يكون ضحيته ، مما تتوافر معه أركان حالة الضرورة .

وهي سبب اباحة وليست مانعا من العقاب وذلك اتفاقا مع الدراسة الرصينة الصحيحة التي قدمها الدكتور أحمد فتحي سرور في كتابه "الوسيط في قانون العقوبات" – الجزء العام صفحة 272 وما بعدها .

فندفع بالإباحة للضرورة بالنسبة للأفعال المنسوبة الى المتهمين طبقا للمادة 32 من قانون العقوبات ، وهي ضرورة لم يكن لإرادتنا نحن العرب ، الإرادة العامة أو الفردية ، دخل في حلول ذلك الخطر الداهم ، ولا في مقدورنا منعه بغير قتال .

فهل نقاتلهم أو لا نقاتلهم ؟

هذا هو السؤال .

السادة المستشارون :

277 – وحتى تثقوا ثقة نهائية بألا شيء قد حدث حدّ من هذا الخطر المهلك أو أوقفه أو ألغى أسبابه نقدم اليكم ، أيها القضاة العظام ، وثيقة انتزعناها من بين أسنانهم في الأرض المحتلة ، عنوانها : "استراتيجية إسرائيلية للثمانينات" . نشرت عام 1982 في مجلة كيفونيم التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية .

278 – واذا كانت ثمة جدوى لكل ما أطلنا فيه فهي أنه لا ينبغي أن نستخف بوثيقة تصدر من المنظمة العالمية الصهيونية حتى لا يدفع أبناؤنا من دمائهم ثمن استخفافنا . مهما يبدو على مضمونها من خيال فيجب ألا ننسى أنه قبل قرن كان اغتصاب الصهاينة لفلسطين أبعد من الخيال . ولنتذكر دائما أن المؤسسة الصهيونية المسماة إسرائيل ليست الا الأداة للمنظمة العالمية الصهيونية اذ تضع خطة استراتيجية للثمانينات في هذا القرن فإنها تضعنا في مواجهة خطر حقيقي على اقصى درجة من الجدية . وأنه لمن الغفلة التي تصل الى حد الغباء أن ننسى أن هذه المنظمة ذاتها هي التي حاربتنا بأدواتها عام 1948 وبدولتها أعوام 1956 و1967 و1973 وطبقا لخطط قد وُضعت ونُفذت من قبل . خطط عشرية منذ ثمانينات القرن الماضي . وأنها حين حاربتنا بأدواتها المتاحة عام 1948 وبدولتها أعوام 1956 و1967 و1973 كانت تنفذ تلك الخطط تباعا . لسنا اذن أمام اجتهاد في الرأي قد يصيب وقد يخطئ ولسنا أمام مقال لكاتب صهيوني مسؤول أو غير مسؤول ، ولكننا أمام خطة عدوانية ملزمة لكل الصهاينة . نقدمها كما هي بأصلها العبري وترجمتها العربية الى عدالة المحكمة لنثبت أمرين :

الأمر الأول : أنه اذا كانت المدافع قد سكتت مؤقتا بعد الحرب الظاهرة عام 1973 مع استمرار الصراع الدموي على الجبهات العربية الأخرى ، فان الحرب الخفية ما زالت مستمرة بين الشعب العربي في مصر وبين الصهاينة في العالم أجمع ، كل ما في الأمر أنها من الجانب الصهيوني معبأة القوة ، كثيفة المعدات ، ذات قيادة موحدة هي "المنظمة العالمية الصهيونية" في حين أنها على الجانب العربي أفراد وجماعات يدافعون عن أنفسهم وعن شعبهم ، بل وعن دولتهم بالرغم من تخلي قيادة الدولة عن قيادتهم وبالرغم من افتقادهم الى التعبئة الشعبية ، والمعدات المؤثرة ، والقيادة الموحدة .

الأمر الثاني : ان ما قاله الصهيوني مناحيم بيجن في كتابه "الثورة" من أنه "لن يكون سلام لشعب إسرائيل ولا لأرض إسرائيل ولا حتى للعرب ما دمنا لم نحرر وطننا باجمعه بعد ، حتى لو وقّعنا مع العرب معاهدة صلح وسلام" ، وليس رأيا شخصيا للصهيوني مناحم بيجن عدل عنه حين وقع مع أنور السادات تلك الأوراق التي يسمونها معاهدة سلام ، بل انه المبدأ الأساسي للمنظمة العالمية الصهيونية صاحبة الأمر والنهي في الحرب والسلام ، التي يتبعها ويعبر عنها مناحم بيجن ، كما كان يتبعها ويعبر عنها ديفيد بن جريون في حديثه المنشور في جريدة "هاآرتز" الصهيونية يوم 2 أكتوبر 1967 ، قال : "علينا أن نتخذ من الفتوحات العسكرية أساسا للاستيلاء وواقعا يجبر الجميع على الرضوخ والانحناء أمامه" .

اقرأوها أيها السادة المستشارون ،

ثم قولوا لنا في حكمكم هل نقاتلهم أو لا نقاتلهم ؟

أشكركم وأترك المتهمين في ذمة عدالتكم ، والسلام عليكم ورحمة الله .

الاستراتيجية الإسرائيلية للثمانينات (2)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق