بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

المرجعية التاريخية في الأثر الأدبي للدكتور عصمت سيف الدولة (1) .

 

المرجعية التاريخية في الأثر الأدبي للدكتور عصمت سيف الدولة  .

(1)

كتاب : الفيلق المصري

الكاتب المؤرخ : محمد أبو الغار

الفصل الخامس : الفيلق المصري وثورة 1919

ثورة 1919 لم تكن ثورة واحدة وانما ثورتان : (مفهومان) 

ثورة 1919 في كتب التاريخ المصرية وفي الوعي الجمعي للشعب المصري ، هي ثورة أفندية المدن الكبرى ، قامت أساسا في القاهرة والإسكندرية وبعض عواصم المديريات ، قام بها الطلبة والموظفون والعمال ورجال الأزهر والكنيسة والحرفيون وأصحاب المحال والمقاهي والورش الصغيرة . قامت الثورة لطلب الحرية والاستقلال للمصريين ووضع دستور حديث للبلاد يمهد لانتخاب برلمان بمثل الشعب ، ويؤدي الى تشكيل حكومة مصرية مستقلة لا تخضع للإنجليز وتؤكد على الجلاء وتمتع الشعب بكل الحريات التي يحددها القانون .. وكان أول مطلب هو الغاء الحماية البريطانية التي تهمش اسم مصر من الوجود والتمثيل الديبلوماسي في العالم . وقاد سعد زغلول هذه الثورة بجدارة واستحقاق وصلابة شديدة . وقد أيد الثورة وساندها كبار ملاك الأراضي من الباشوات والبكوات المصريين الذين كانوا بالرغم من وضعهم المتميز ماديا وتعليميا وثقافيا ليس لهم نفوذ ولا سلطة حقيقية ، فكان الموظف الإنجليزي يفوق هؤلاء في نفوذهم . ولذا كان هؤلاء الأعيان من كبار مؤيدي الثورة حتى يصبح لهم نصيب ونفوذ في قيادة بلدهم ، وكان أحد العوامل الهامة المحفزة على انضمامهم هو تسريب مشروع برونايت المستشار الإنجليزي للمندوب السامي البريطاني ، الذي كان يقضي بتقليص نفوذ المصريين وانشاء برلمان يكون فيه للأجانب حق الفيتو .

هذه ثورة 1919 التي يعرفها المصريون . صحيح أننا كنا نعرف أن الريف المصري اشترك في الثورة ، ولكن حجم هذه المشاركة وقدرها وشدة عنفها وتأثيرها لم يكن معروفا بوضوح ، وكان الاعتقاد الشائع أنها امتداد لثورة المدن التي قادها سعد زغلول ، وتأييد للوفد ومشاركة مع المصريين من سكان المدن . ولكنني أستطيع أن أؤكد أن ثورة الريف المصري كانت ثورة أخرى تماما ، لها أسباب مختلفة كل الاختلاف ، وكانت أشد عنفا وقوة من ثورة المدن ، وكان تعامل الانجليز معها أكثر عنفا وأثارت ثورة الفلاحين رعبا شديدا لبريطانيا . هذه الثورة ظهرت بوادرها قبل ثورة 1919 بعام كامل ، أي خلال عام 1918 ، حين عم الغضب الريف المصري بسبب العنف والجبروت اللذين صاحبا تجنيد الفلاحين في فيلق العمال المصري ، والذي أدى الى انخفاض الأيدي العاملة في الريف ، وتلاه بوار الزراعة وانخفاض المحصول وارتفاع الأسعار . وبالتالي فثورة الريف هي ثورة سببها الجوع والظلم بالإضافة الى القهر الذي صاحب تكوين فيلق العمال ، وما حدث للفلاحين في الفيلق من مآسي خلال الحرب .. وهذه الثورة لم تكن تفكر في برلمان ولا دستور ولا الغاء للحماية ، وانما كانت تريد الطعام وحماية رجالها من الخطف الى فيلق العمال . وكانت ثورة شديدة العنف ، وسببها هو الجوع بسبب تصرفات السلطة البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى ، والسبب الاخر هو الغضب بسبب تجنيد أكثر من نصف مليون فلاح في الفيلق حين كان تعداد مصر 12 مليونا ، وقد مات منهم أعداد كبيرة وأصيبت أعداد أخرى ، وعاد الفلاحون غاضبون وناقمين على الانجليز ، ولذا كان غضيهم عارما وشاركوا في الثورة بقوة ..

كان تأثير سحب أكثر من نصف مليون فلاح من مجموع أقل من مليون فلاح مصري لخدمة الجيش البريطاني كعمال في الفيلق المصري تأثيرا على الزراعة في غياب أي نوع من الميكنة ، فبارت الأرض الزراعية ونقص انتاج الحبوب بشدة ، وحيث أن الجيش الإنجليزي سحب كميات من الإنتاج المحلي المحدود فأدى ذلك الى غضب شديد ، وسببه الواضح تصرف الاحتلال الإنجليزي والجيش البريطاني تجاه الفلاحين في الريف ..

الفلاحون الذين عادوا الى قراهم كانوا في حالة غضب وقهر شديدين بسبب ما لاقوه في أثناء عملهم مع الجيش ، وشاهدوا بأعينهم موت زملائهم وأقاربهم وهم يدفنون في هذه الأرض البعيدة . والبعض قد أصابه التعذيب والاهانة بسبب الضرب من الضباط الانجليز . ظهر هذا الغضب الشديد في لحظة قيام الثورة في المدن يوم 9 مارس ، وما ان عرف الفلاحون بذلك حتى تفجرت ثورتهم العنيفة الهائلة في أنحاء القطر المصري كافة . وتحول الغضب المستمر في مناطق مختلفة خلال عام 1918 الى ثورة جامحة ، فقاموا برفع خطوط السكك الحديد أمام جميع القرى ودمروا أعمدة التلفونات والتلغراف فتوقفت الاتصالات بين القوات البريطانية وبين وحداتها في الأماكن المختلفة ..

وكان تعامل الانجليز مع صورة 1919 عنيفا جدا ، ولكن العنف كان أكثر شدة في الريف . في المدن أطلقوا الرصاص وقتلوا بعض المتظاهرين وقاموا بنفي الزعماء والقبض على البعض . ولكن في الريف كان التعامل رهيبا ، وقامت الطائرات البريطانية بقذف بعض المناطق ، وتكبدت القوات البريطانية خسائر في الأرواح ، كما قتل عدد من المدنيين البريطانيين الذين يشغلون مناصب كبيرة في الحكومة .

ما حدث في الريف كان ثورة كاسحة لم يتوقعها الانجليز وشلت حركة الجيش البريطاني تماما . وقد قام عدد من الباحثين بدراسة الأحداث التي اندلعت في الريف ، ووثقوا علاقتها بتجنيد هذه الأعداد الضخمة من الفلاحين في الفيلق المصري .

ومن المهم أن نقدم في هذا الفصل ملخص دراسات هامة ، ربما تكون غير معروفة لمعظم المصريين ، تبين الأسباب والحجم الكبير لثورة الريف ..

- دراسة راينهارد شولتز عن تمرد الفلاحين المصريين  ..

- دراسة جولدبرغ عن أسباب ثورة الفلاحين ..

- مذكرات عباس خضر ..

- مذكرات قرية .. د.عصمت سيف الدولة :
 

كتب عصمت سيف الدولة أنه يعتبر المذكرات الشخصية طريقة لتخليد الذات أو اسجداء ذكر الناس ، ويعتبر أن المذكرات الحقيقية هي ذكريات جموع الناس ، وان اعتقد أن جموع الناس أيضا لا تقول الحقيقة ، وربما لا تذكرها لمرور فترة زمنية طويلة .

يحكي سيف الدولة عن التاريخ البعيد لعصور عتيقة وعصور نسبيا حديثة تمت فيها الاغارة من رجال الدولة بالاتفاق مع كبار الاعيان ، وتم اعدام معظم رجال القرية . وفي العصر الحديث كان الفلاحون يعملون كأنفار لجني القطن في الموسم وجمع البلح وتخزينه بعد الموسم . وفي حالة الطوارئ مثل ارتفاع الفيضان ، يطلب المأمور من العمدة والغفر جمع عدد من الشباب بالقوة الجبرية وأخذهم الى مناطق العمل ، حيث يقومون بالعمل في مناطق فيها أخطار من الفيضان وبدون أجر ويستخدمون معهم العنف .

وتركزت هذه الدراسة على مذكرات د. عصمت سيف الدولة المحامي العروبي القومي . وهو يذكر على لسان فلاحي قرية الهمامية في أسيوط في جزأي مذكرات قرية ومشايخ جبل البداري أحداث 1918 و1919 . حيث يذكر أن الحرب العالمية أثرت على مصر حتى وصلت الى قرية الهمامية في أسيوط . وذكر كيف تعامل أهلها مع السلطة الممثلة في الشرطة والعمد ومع الاقطاعيين الذين استولوا على أخصب الأراضي ، وكيف تعاملوا مع الفيضان الرهيب والجبل ورماله . وكان عصمت سيف الدولة عضوا في الجناح السري للحزب الوطني القديم ، حزب مصطفى كامل ومحمد فريد ، وكان محاميا متميزا وعروبيا في أفكاره ..

يحكي عصمت سيف الدولة عن يونس الذي يقول انه بعد أن سافر في مركب 45 يوما ووصل الى بلاد الفرنساوية في بلد اسمه "كالي" وكانوا خمسمائة من الصعايدة مقسمين الى مجموعات كل منها 25 ، وكانت مجموعته من الهمامية والقرى القريبة (يعني بلديات) ، وكان ريس هذه المجموعة "ثابت معوض" من قرية العتمانية ، واستلمهم ضباط من اصل مغربي يلبس ملابس الضباط الفرنسيين ويتكلم عربية مكسرة ، وأخذوهم بالعربيات مسافة 3 ساعات حتى وصلوا بعد المزارع الى معسكر به خيمة كبيرة ، واستلم كل فلاح 3 بطاطين وحذاء جلديا برقبة طويلة فوق الركبة ، ثم جاءوا بالطعام من خضار ولحم به الكثير من الدهون وخبز طويل ملفوف . ويقول ان الولد قبيس ابن سالم قام من النوم ينادي على الريس ليذهب الى دورة المياه وكانت خيمته قريبة ، وكان عنده مغص في بطنه وكان يصرخ بأنهم أطعموه لحم الخنزير هؤلاء الكفار .

وصحوا في الفجر ليغتسلوا وقاموا لاداء صلاة الفجر وتناولوا الإفطار عيشا ملفوفا ولبنا باردا وجبنا وشربوا قهوة خفيفة مثل الشاي الخفيف ، وأخذتهم العربات ساعتين حيث وقفوا عند جمع من الضباط والمهندسين ومعهم خرائط ، ورسموا على الأرض بالجير وقالوا : احفروا بين الخطين على عمق متر . وكانوا يعملون من الصبح الى المساء مع راحة ساعة للغداء ، ويوم الأحد تأخذهم العربات ومعهم المغربي خليفة الى المدينة كالي حتى يتفسحوا . بعد شهرين كانوا قد حفروا 3 كيلومترات . الريس ثابت عرف كيف يتعامل مع الفرنسيين وكان يطلب من العمال البطء في العمل حتى تنفذ مطالبهم من اللحم الأحمر والشاي الثقيل والسجائر ، الى أن جاء الشتاء ونزلت الأمطار وأغرقت الخنادق التي حفروها وملأت الحفر التي كانت تستعمل كدورات مياه . ثم نزلت الثلوج ومرض قبيس ومات من البرد وأرادوا تغسيله والصلاة عليه ودفنه ، ولكن الفرنسيين أخذوه في عربة بعيدا ، فأضرب العمال عن الطعام لمدة يوم ، كما أضربوا عن العمل ، وأخذ الريس ثابت يقرأ القران طوال اليوم ، ثم أفطر العمال ورفضوا الذهاب للعمل .. وبعد ثلاثة أيام أعطوهم إفطارا فقط ثم طلبوهم خارج الخيام ووقفوا وأخبرهم المغربي أن من يجلس سوف يضرب بالنار ، فقال لهم الريس ثابت : أنتم رجالة ، واتفقوا على الجلوس جميعا فجأة ، فلم يطلقوا النار ، وجاء الجنرال الذي تحدث عن حبه لمصر وزيارته لها ، وأنهم في حرب وأن أولادهم الفرنسيين يموتون كل يوم وأنه في زمن الحرب لا بد من العمل . وقال : أعرف أنكم مرهقون ولكنكم تعيشون مثل الادميين وليس حياة الكلاب كما كنتم تعيشون في بلادكم . وما ان قال ذلك حتى صرخ الريس ثابت وضرب الجنرال بالكوريك فشق صدره ومات في الحال ، ونظر يونس حوله فوجد المجموعة كلها مقتولة بالرصاص ولم يصبه هو شيء . وجاء خليفة وقال له : لا تتحرك فقال لهم : انني جريح ولا يجوز قتل الجرحى ، فحبسوه في خيمة صغيرة ، وبعد أسبوع أخذوه الى كالي ومنها الى مركب حمله الى بورسعيد ومشى الى الاسماعلية . وسأل عن محمد سلمان الذي أعطاه جنيها ونصفا وعاد الى قريته والحمد لله ، وهو الوحيد الذي كان من الهمامية . هذه الحادثة التي يرويها د.عصمت سيف الدولة نقلا عن شاهد عيان غير مدونة في جميع المصادر المتاحة عما حدث للفيلق في فرنسا ، وسألت كايل أندرسون عنها فأجاب أنه لم يعثر على مصدر أخر لها .  

ويتناول سيف الدولة الحرب العالمية الأولى بطريقة فكاهية ، وكيف سلخ الانجليز مصر من الإمبراطورية العثمانية مع اعلان الحرب العالمية الأولى ، ووضع مصر تحت الحماية وطرد عباس حلمي الثاني سلطان مصر ، والبحث عن سلطان اخر . وأشيع في البداري أن الانجليز سوف يختارون محمود باشا سليمان من ساحل سليم ملكا ، واعتبر أهل البداري أن الملك أصبح عندهم ، فانطلق رجال الشرطة والعمد والخفر والأعيان يؤدون التحية للملك القادم ، وكانوا سعداء أنهم دخلوا سرايا الملك ، واعتبروا أنفسهم امراء وأقيمت الأفراح الشعبية ، وبدأوا يؤلفون أغاني للمدارس في حب محمود باشا . واختار الانجليز الأمير حسين كامل ليكون سلطانا . أهالي مركز البداري عاشوا شهرا من الهياج العاطفي والأحلام . وأشاع محمود سليمان باشا أنه رفض الملك ، ولم يحدث فعليا أن عرض عليه الانجليز أن يصبح سلطانا أو ملكا .

ويكمل عصمت سيف الدولة بأن رجلا من القاهرة اسمه الشيخ الدمرداش حصل على امتياز امداد جيوش الانجليز بمتطوعين يعملون وراء خطوط القتال ، وله عن كل رأس متطوع قرش صاغ واحد .. ولم تتطوع الا أعداد محدودة ، فقال الدمرداش لرجال السلطة الانجليز ان رجال الإدارة المصرية والإدارات المحلية لا يساعدون الدمرداش على التطوع بل يحرضونهم على عدم التطوع  . فصدر أمر من الانجليز بأن تساعد السلطة المحلية الدمرداش في جمع المتطوعين . وكان المآمير والعمد وشيوخ البلد يجمعون الشباب بين عشرين وأربعين عاما ويشجعونهم على التطوع ويحصلون على الختم أو البصمة ويحرضونهم بالقوة . ولما كان ذلك لا يمكن أن يحدث الا اذا صادق عليه الباشا فصادقوا عليه . وبدأت مطاردة الشباب وتطويعهم كرها ثم ترحيلهم الى حيث لا يدري احد ، ولم يخطر ببال الأهالي أن للباشا يدا في تسهيل عملية اختطاف الشباب .

وكان يمكن اعفاء الشباب اذا افتدته عائلته بأربعين جنيها توزع بين العمد والوسطاء ومندوب الدمرداش ، وتحول الأمر الى تجارة . ومن قرية الهمامية الوحيد الذي تطوع كان يونس والباقي تم أخذهم قسرا .

لم يكن كل رجال الإدارة ينفذون أوامر السلطة حرفيا ، ولكن كانوا يعرقلون ما يطلبون بدون أن يظهر أنهم لا ينفذونه .

اجتمع كبار عائلات الهمامية وقرروا كتابة عرائض عليها أختام كل شباب القرية أمام أسمائهم ، وموجهة الى 6 جهات من أول رئيس الوزراء وحتى المأمور يطلبون عدم حضور مندوب الدمرداش ورجال الشرطة الى القرية لانهم يرفضون العمل مع الجيش الإنجليزي ، ولكنهم مستعدون للتطوع في الجهادية المصرية . واتفقوا مع خطيب الجمعة أن يقول ان التطوع مع غير المسلمين حرام لتحريض أهل القرية .

وانتشرت في الهمامية أخبار عن اجتياح قرية الربابنة حيث خطفوا الرجال وكذلك الغلة والحمير بل الضرب بالكرابيج ، وان الخواجات دخلوا البيوت واستولوا على كل ما هو ثمين ، وزادت إضافات الفلاحين بانهم هتكوا عرض النساء ، وثان قال : وسرقوا الجمال ، وثالث قال : وخطفوا الأطفال . وقال العمدة للناس : من قال أنهم سوف يأتون هنا بعد الربابنة ؟ ونادى العمدة على الرجال يسألهم : هل رأيتم ما حدث بأنفسكم ؟ هل أحد شهد ذلك وحكى لكم ؟ فقالوا : لا ، لم نشاهد ..

ويحكي عصمت سيف الدولة عن مقاومة الفلاحين وتعاون العمد ومعظم رجال الشرطة معهم ولكن في الخفاء . وكانت كل هذه الأحداث سببا في الغضب الشديد من الفلاحين والأعراب وحتى ملاك الأراضي ، وكان أخذ أولادهم قسرا للاشتراك في الفيلق سببا هاما في اشتراك الفلاحين في ثورة 1919 ...

قرية الهمامية وحوادث الفلاحين عام 1918 :

وكتبت عالية مسلم أنه في صيف 1918 وصل الى وزارة الداخلية المصرية عدد كبير من التقارير عن "حوادث إجرامية" – على حد قولهم – انتشرت من أسوان جنوبا الى البحيرة شمالا ، وتراوحت الأحداث بين حرق مراكز الشرطة ، ومحاولة تحرير الفلاحين المحتجزين الذين قبض عليهم في محاولات لضمهم قسريا الى فيلق العمال المسافر مع الجيش الإنجليزي . واحيانا يتم الاعتداء بالسلاح الأبيض على العمد والجنود الانجليز المرتبطين بالقبض على الفلاحين واجبارهم على العمل في الفيلق .. وكان هذا بداية لثورة الفلاحين التي سخرها السياسيون الوطنيون بقيادة سعد زغلول كسلاح مساعد في اثناء التفاوض مع الانجليز . وقد وكلت الامة سعد زغلول بتفويضات موقعة في التفاوض وبعد ذلك بدأت الثورة ..

تقول عالية مسلم ان رجال القرية استخدموا ثلاث استراتيجيات لمواجهة السلطة التي عرّفتها بأنها (الانجليز والحكام المصريون) :

الاستراتيجية الأولى هي استخدام القانون ، عن طريق التوقيع على احتجاجات أو طلبات من مجموع أهل القرية .

والاستراتيجية الثانية هي الاضراب ، كما حدث مع يونس على الجبهة .

والاستراتيجية الثالثة هي استخدام السلاح والقوة لاسترداد الأرض .

وتحلل عالية مسلم هذه الاستراتيجيات المختلفة لتحقيق مطالبهم :

في 20 أكتوبر 1917 صدر قانون لتشجيع الفلاحين على الانضمام للفيلق ، وفي اليوم التالي (21 أكتوبر) أرسلت تعليمات الى مديري المديريات ومأموري المراكز وكذلك الى العمد للضغط على الفلاحين للالتحاق بالفيلق .

وفي عام 1917 بدأت غارات جنود بريطانيا على الأسواق للاستيلاء على الغلال والحيوانات وخطف الشباب الى أماكن غير معلومة لأهل القرية . وتحدث الشيخ خضر والد المؤلف عباس عن حديثه مع العمدة ورجال القرية المثقفين لكيفية المقاومة ..

يتضح من هذه الاحداث الرهيبة التي تمت في مصر في اثناء ثورة 1919 ، أنها حقيقة بدأت في الريف في عام 1918 في مناطق مختلفة ، وبطرق متعددة ، وكان السبب الرئيسي لها تكوين الفيلق المصري بالعنف لمساعدة الجيش الإنجليزي ، والاثر السلبي بسبب أعداد الوفيات والجرحى الهائلة من الفلاحين ، والمعاملة السيئة التي لاقوها ، وتأثير ذلك من فساد ورشاوي للعمد وشيوخ الخفر ، مما حطم هيبة سلطة العمدية وأثار الفتنة . وكان الأثر الثاني الضخم للفيلق هو التأثير الاقتصادي بسبب نقص الايدي العاملة وبوار الأرض الزراعية وارتفاع الأسعار ، الذي زاده استهلاك الجيش الإنجليزي وانتهى بمجاعة وأوبئة ..

كل ذلك أدى الى ثورة الفلاحين التي بدأت عام 1918 ولكنها انضمت الى ثورة المدن 1919 ، وكانت الثورة الاضخم والأقوى والأصعب التي حاول الانجليز قهرها بأقصى أنواع العنف الذي وصل الى ضرب المدنيين بالطائرات ..  

المرجعية التاريخية في الأثر الأدبي للدكتور عصمت سيف الدولة (2).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق