بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 23 فبراير 2015

الوحدة العربية بين دعاتها وأعدائها .. (1) .



الوحدة العربية بين دعاتها وأعدائها  .. (1) .

لم تكن الوحدة العربية بين مصر وسوريا في 22 شباط 1958 مجرّد لحظة تاريخية عابرة في تاريخ العرب ، أو ردّة فعل انفعالية على أحداث عارضة عاشتها الأمة .. ولا هي مجرّد صدفة مجهولة ساقتها الأقدار دون سابق اعلام .. بل هي في واقع الأمر وليدة واقع تاريخي عاشته الامة العربية على مدى قرون متعاقبة ، ولّد حاجة حقيقية الى الوحدة كأسلوب وحيد لمواجهة التحديات والاخطار التي كانت تداهم الأمة باستمرار ، مستهدفة كيانها ووجودها بأشكال متعدّدة ، ولم تنقطع الى حدود تلك اللحظة التاريخية الفاصلة منتصف القرن العشرين .. كما ولـّـدت التجارب والمعاناة العربية الطويلة  التي عاشتها الامة وهي تقاوم دفاعا عن وجودها ، مشاعر عميقة بوحدة الهدف والمصير المشترك .. وقد كانت تسير الى الوحدة على مر العصور كلما داهمتها الأخطار ، التي لم تستطع أن تردّها في كل مرّة الا حينما تكون قادرة على فرض الوحدة ولو جزئيا بين بعض اقطارها .. وهكذا كانت الوحدة العربية الأولى بين مصر وسوريا تعبيرا حقيقيا عن تلك الحالة التاريخية ، وردا على الأخطار المحدقة بمصر وسوريا في نفس الوقت .. 
غير ان تلك الوحدة التي أصبحت تعني في زمن النفط والثروات الطائلة ، سحب العديد من الامتيازات بالنسبة للعائلات الحاكمة في كل الأقطار الغـنية بعد أن صارت تستحوذ على الثروة والسلطة ، فكان لا بد لتلك القوى أن تكون من ألدّ أعدائها .. كما كان لا بد لها ان تستقوي بالأجنبي للحفاظ على امتيازاتها ، وهو ما يستوجب اقتسام الثورة مع من يحميها من ناحية ، ومواجهة كل من يدعو لتلك الفكرة من ناحية ثانية ...
وقد كان المستفيد من التجزئة المفروضة على الواقع العربي خلال النصف الأول من القرن العشرين ، أطراف متعدّدة أهمها الدول النفطية والاستعمار العالمي والدولة الصهيونية الناشئة .. وكان جمال عبد الناصر وجمهورية مصر العربية في طليعة القوى الداعية الى الوحدة ، التي كانت تمثل ـ في نظره ـ حصنا حصينا لمواجهة الأخطار ، وركيزة اساسية لبناء نهضة عربية شاملة في آن واحد .. وهكذا كان التنافس والصراع على أشده بين من يدعو لها ويعـمل على تحقيقها بكل الوسائل الشريفة الممكنة ، وبين من يعارضها ويعمل على إفشالها بكل ما لديه من وسائل غير شريفة .. فكانت الغلبة الى حد الآن لأعداء المشروع الوحدوي الذين لم يكتفوا بالوقوف عند حد الانفصال، بل استمر عملهم التخريبي داخل الأمة حتى أوصلوها الى ما هي عليه في الوقت الراهن من فرقة وصراعات طائفية وتفكّـك .. يحول دون إمكانية السعي لانجاز أي عمل وحدوي من جديد ...


 ( نشرية القدس العدد 164 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق