بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 6 أبريل 2017

هذا الإفتراء على عبد الناصر .. لماذا ؟؟!! / دكتور صفوت حاتم .


هذا الإفتراء على عبد الناصر .. لماذا ؟؟!!
دكتور صفوت حاتم .

لم تتوقف حملة الهجوم على عبد الناصر وعصره لأكثر من أربعين عاما على رحيله الصاعق  .
وقد يكون مفهوما أن يهاجم الذين أضيروا من إجراءات الثورة كالإصلاح الزراعي أو التأميم إنجازات ثورة يوليو الاجتماعية  .لكن ما يثير الدهشة .. والغثيان .. أن يكون عبد الناصر هدفا لهجوم البعض ممن لا ينتمون لعائلات إقطاعية أو رأسمالية .. ومنهم وزراء وسفراء ولواءات وأساتذة جامعات .. نشأوا وتربوا وتعلموا ووصلوا الى أعلى المناصب .. بفضل مبدأ ” تكافؤ الفرص ” .. الذي أرست قواعده ثورة يوليو وقائدها جمال عبد الناصر . ومن يعود للدراسة المهمة التي أنجزها الدكتور ” نزيه نصيف الأيوبي ” عن تطور النخبة الإدارية العليا في مصر خلال الستينات .. سيكتشف كيف تغيرت الطبيعة الطبقية للبيروقراطية المصرية العليا من قادة القطاع العام وأعضاء مجالس إدارة الشركات والبنوك والكوادر العليا في الحكومة . فبعد أن كانت السيطرة للمحامين الذين كان أغلبهم من أبناء الطبقات الراقية من الباشوات والبكوات .. حل محلهم المهندسين والعلميين والتقنيين وخريجي كليات التجارة والإقتصاد والذين بلغت نسبتهم النصف تقريبا في قمة جدول الكوادر العليا في الحكومة والقطاع العام والسلك الديبلوماسي  .
لكن الأمر المثير للدهشة .. أن معظم هؤلاء .. صاروا يتنكرون لأصولهم الإجتماعية المتواضعة .. ويتصرفون بإعتبارهم من طبقة ” الحكام ” والنبلاء  !!.وهذا السلوك يحتاج إلى تحليل نفسي ـ إجتماعي لإستكشاف سبب ما يحمله هؤلاء من كراهية لعصر إستفادوا من إنجازاته في التعليم بمختلف درجاته المجانية . وقد ساعدت سياسة التوسع في ”البعثات” الخارجية في حصول كثير من الشباب المتفوق في الحصول على درجة الدكتوراه وأعلى الشهادات في كل التخصصات .. من المسرح والسينما حتى مجالات الطب والعلوم التطبيقية .. مرورا بالتخصصات في العلوم الإنسانية وبالذات الإقتصاد والتخطيط .
وهكذا نجحت سياسة “تكافؤ الفرص“ في بلوغ الآلاف لأرفع المناصب في الدولة بعد أن كانت حكرا على أبناء الباشوات والباكوات  . لماذا التنكر ؟؟!!
وكأي ظاهرة متكررة .. يمكن تفسير ظاهرة الإنكار والتنكر التي يمارسها البعض لأسباب ودوافع ”فردية” تخص كل شخص .
لكن علم النفس الإجتماعي قد يفتح نافذة جديدة لتحليل تلك الظاهرة  .
واعتقادي أن السبب الحقيقي وراء هذه الحملة المستمرة والمتجددة منذ منتصف السبعينات .. هو نشوء طبقة رأسمالية ”رثة” ..أنتجتها سياسة الإنفتاح الإقتصادي  .
وكأي طبقة اجتماعية .. فهي تشيد قيمها وثقافتها وسلوكها في المجتمع الذي تعيش فيه  .
ومن الطبيعي أن يلتحق بتلك الطبقة ”الرأسمالية” الجديدة و”الهجين” : أفراد وشخصيات وافدة من أسفل .. سواء من قاع الهرم الإجتماعي .. أو من الشرائح الوسطى فيه .
ولقد برع الأدب المصري المعاصر في تصوير هذه الشخصيات ” المنخلعة ” والكارهة لأصولها الإجتماعية المتواضعة .
وقد برع أديبنا الكبير ” نجيب محفوظ ” في رسم هذا النوع من الشخصيات : محجوب عبد الدايم في القاهرة 30 .. ورؤوف علوان في اللص والكلاب .. وسرحان البحيري في ميرامار .. مثلا  .
محاكمة الرأسمالية المصرية :
ورغم مرور 47 سنة على وفاة عبد الناصر .. و45 سنة على بدء تجربة الإقتصاد الرأسمالي عام 1974 .. فلازال الهجوم على الفترة الناصرية في كل المجالات : التعليم والصحة والاسكان والتصنيع والتأميمات والتوظيف والعمالة ودعم السلع الأساسية .. وغيره  .
وقد تعودنا خلال ما يقرب من نصف قرن على كل ” الحيل ” الدعائية التي تستخدمها الطبقة الرأسمالية الجديدة لإخفاء فشلها وإخفاقها في عمل تنمية حقيقية خلال ما يزيد على أربعين عاما .. مقارنة بعشر سنوات من تجربة التنمية الإشتراكية التي تمت في الفترة 1960 ـ 1970 .
وهناك أسئلة مشروعة تحتاج إلى إجابات جادة ومسؤولة حتى لا تضيع معنا الإجيال القادمة  :
أولا : لماذا عجزت الرأسمالية المصرية عن تطوير الصناعة المصرية وجعلها صناعة متطورة ومعتمدة على المكونات المحلية .. بدلا من سياسة التصنيع ” بتجميع ” الاجزاء من الخارج .. دون جهد في البحث العلمي والإعتماد على الذات ؟؟!!
ثانيا : لماذا شكل مجال العقار والإسكان الفاخر الشكل الرئيسي لنشاط الرأسمالية المصرية .. ولم يحتل قطاع الصناعة الوطنية ما كان مأمولا منه في منافسة المنتجات المستوردة من بلدان بدأت معنا .. أو بعدنا .. في خطط التصنيع .. كالهند والباكستان وتركيا ؟؟!!
ثالثا : لماذا عجزت الرأسمالية المصرية عن إستيعاب العمالة المتزايدة في سوق العمل وتطوير قدراتها وكفاءاتها .. خصوصا بعد خصخصة القطاع العام والتخلص من عمالته بالمعاش المبكر ووقف سياسة التوظيف للخريجين منذ الثمانينات ؟؟!!
رابعا : لماذا لم تنجح الطبقة الرأسمالية في تطوير التعليم الأولي والجامعي .. بعد ما يقرب على عشرين عاما على دخول الجامعات الخاصة مجال المنافسة مع التعليم العام في كل المجالات .. حتى في مجال الطب .. فلازال مستوى خريجي هذه الجامعات ضعيفا مقارنة بنظيراتها في الدول الأوروبية .. بعد أن تحولت مدارسنا وجامعاتنا الخاصة الى مشروعات استثمارية لتحقيق المكسب السريع السهل لأصحابها .. وأصبحت عنوانا للتمايز الاجتماعي بين الأسر المصرية ؟؟!!
خامسا : لماذا عجزت الرأسمالية المصرية عن إنشاء شبكة صحية معقولة .. واقتصر جهدها على مجموعة من المستشفيات ” الاستثمارية ” التي لا تتميز عن غيرها إلا بمستوى ” الفندقة ” الموجود بها .. وهل من الطبيعي أن يهرب رأسماليونا الأشاوس من تلك المستشفيات الفندقية ويتجهون للخارج مباشرة بحثا عن العلاج الكفؤ في أوروبا وأمريكا ؟؟!!
الخلاصة أن بعد ما يقرب من نصف قرن عجزت الرأسمالية المصرية عن تحقيق أي تقدم في أي مجال .. اللهم إلا الاستيلاء على أراضي الدولة وتسقيعها .. نهب البنوك والمصارف والهرب للخارج .. تخريب مصانع الدولة باﻹحتيال في عقود الخصخصة من خلال الرشوة .. والحصول على المصانع واحتكار السوق رغم تواضع مستواها مع بلدان أخرى .. ولم يعد هناك ثقة بالمنتج المصري الذي تنتجه المصانع الرأسمالية .. بعد أن كان لنا الريادة في افريقيا وآسيا في مجال الدواء والجلود والاحذية والغزل والنسيج .. وغيرها ؟؟!!!
تصريحات وزير الصحة !!  
الزوبعة التي أثارتها تصريحات وزير الصحة عن مجانية التعليم والصحة في الفترة الناصرية .. ليست الأولى .. ولن تكون الأخيرة  .
وقد تعودنا على مثل هذه الأقوال المرسلة .. التي لا تستند إلى أي مرجع علمي  .
وقد سبق وهاجم رمزين من رموز اليمين المصري المعروفين الفترة الناصرية بكل ما هو شائن .. وهما المرحومين : أنيس منصور .. ومصطفى محمود .. وأتهما عبد الناصر بتخريب الزراعة والصناعة والتعليم وغيره .. في وصلة من الهجاء المرسل الذي لم يستند لمرجع واحد علمي أو احصائية دقيقة توضح الفرق بين ما كان قبل ثورة يوليو 1952 وما حدث بعدها .. حتى وفاة عبد الناصر .. وما حدث بعد نصف قرن تقريبا من وفاته  .
وفي غياب المراجع والأرقام يصبح النقاش والحوار نوعا من العبث وحوارا للطرشان .. لا يتقدم بوصة واحدة للأمام  .
ولأن خصوم يوليو .. يتعمدون الإحتجاج بمظاهر شكلية وسطحية عن الوضع في مصر قبل الثورة .. كنشر صور عن أحياء القاهرة الراقية .. وكأن تلك الأحياء تعبر عن واقع مصر في الريف والمدن التي كانت تنضح بالقذارة والفقر والتخلف  .
وينسى هؤلاء أن أحياء القاهرة الشعبية كانت تعاني من عدم وجود صرف صحي .. وأن سكان الاحياء الشعبية .. ولا نقول القرى .. كانوا يقفون في طوابير طويلة للحصول على الماء النقي من ” الحنفية العمومية ” يحملونها في ما تيسر لهم من أواني رخيصة من الصفيح أو الألومنيوم  .
ولأن التشكيك في المراجع العلمية والتاريخية .. هو أحد سمات ”الفهلوة الثقافية” التي تسود مجتمعاتنا .. فلقد شاء لي الحظ أن أطلع على مرجع مهم لأوضاع مصر الإقتصادية .. قبل الثورة وبعدها .. وحتى تطبيق سياسة الإنفتاح  .
هذا المرجع المهم هو كتاب الدكتور علي الجريتلي عن الإقتصاد المصري في ربع قرن من 1952 حتى 1977.
لماذا الدكتور علي الجريتلي ؟؟
من أهم المراجع التي قيمت الاقتصاد المصري بشكل قريب من الموضوعية .. كتاب الدكتور ”علي الجريتلي” : خمسة وعشرون عاما .. دراسة تحليلية للسياسات الإقتصادية في مصر .. 1952 ـ 1977.
وترجع أهمية هذا الكتاب لأسباب كثيرة : أولها أن الدكتور علي الجريتلي هو أستاذ لجيل كامل من الاقتصاديين المصريين النابهين .. الذين يعترفون بأستاذيته .. رغم تنوع إتجاهاتهم الفكرية من اليسار الماركسي الى اليمين الرأسمالي  .
وثانيها أن الدكتور “علي الجريتلي” .. رحمه الله .. هو عالم إقتصاد ”ليبرالي” مؤمن باﻹقتصاد الرأسمالي وفاعلية السوق الحر .. وبالتالي فهو لا يمكن إتهامه بالإنحياز للفكر الإشتراكي الذي إنتهجته ثورة يوليو وطبقه جمال عبد الناصر في الستينات .
وثالثها : أن الدكتور علي الجريتلي تولى منصبا وزاريا في أول حكومة للثورة .. واختلف معها في إجراءاتها .. وهو ما ينفي عنه صفة التحيز للثورة أو زعيمها  .
لهذه الأسباب .. وغيرها بقي .. الدكتور علي الجريتلي .. وكتابه المنشور عام 1977 مرجعا مهما .. خصوصا أنه نشر بعد وفاة عبد الناصر بسبع سنوات .. وبعد ثلاث سنوات على تطبيق سياسة الانفتاح الرأسمالي .. أهم مرجعي موضوعي وأمين في تقييم السياسات التي قامت بها ثورة مقارنة بما كان قبلها .
ماذا قال الجريتلي ؟؟

الوضع قبل الثورة  :

* ”بدأ الاهتمام بالصناعة عندما فرضت حماية جمركية كافية في أوائل الثلاثينات . وزاد الدخل أيضا خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها .. بفرض قيود على الاستيراد ومراقبة النقد وتوزيع بعض السلع بالبطاقات .. والمحاولات الفاشلة لكبح التضخم العارم المترتب على إنفاق الحلفاء قرابة 500 مليون جنيه لتمويل عملياتهم الحربية في مصر .
وعند انتقال مقاليد الأمور الى المصريين ، بدأ المفكرون في المطالبة بجهود حكومية أكثر جدية وشمولا لانتشال مصر من ثالوث الفقر والجهل والمرض ، حيث لم تزد نسبة من يقرأون ويكتبون عن 20 في المائة من السكان  .
وكانت الطبقات الفقيرة تتعرض للأمراض المستوطنة وللأوبئة الوافدة وأمراض ضعف التغذية” . ( علي الجريتلي .. مصدر سابق ، ص 15 ، الهيئة المصرية للكتاب )  .
* ويقول الدكتور علي الجريتلي أيضا عن التفاوت والظلم الاجتماعي قبل الثورة : ”.. انه كان هناك جهود قبل الثورة : في محاولة للتخفيف من التفاوت الناتج عن استئثار فئة قليلة بملكية مساحات شاسعة من الأراضي وهي مصدر الثروة الأول وحصول 40 % من السكان على 80 % من الدخل القومي  .
* ضعف الاستثمار :
ويقول الدكتور علي الجريتلي أيضا : … وخلال العشرين سنة السابقة على الثورة .. لم يتعد الاستثمار الصافي في استحداث طاقات إنتاجية جديدة معدل 5% من الدخل القومي سنويا على أحسن الفروض .. وهي نسبة تقصر عن تحقيق تنمية تستوعب الزيادة في عدد الداخلين لسوق العمل سنويا ، أو ترفع مستوى المعيشة من الدرك السحيق الذي تردى فيه  .
ويضيف الدكتور الجريتلي : .. ونخلص من ذلك إلى أنه باستثناء فترات قصيرة ، لم يكن الاستثمار في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين شيئا مذكورا ( أي قبل ثورة يوليو ) .
ولم يعوض الاستثمار الحكومي تراخي الاستثمار الفردي ، نظرا لضآلة نصيب الحكومة من الدخل القومي … وحتى أواخر الثلاثينات لم تعرف مصر ضرائب الدخل والاعمال والميراث . وكان معظم الإيراد العام مستمدا من الضرائب الجمركية وايراد السكك الحديدية ورسوم الانتاج والضرائب العقارية ، وكان يؤلف نسبة ” ضئيلة ” من الدخل القومي .. وهكذا كانت الحال من إهمال التنمية حتى نشوب ثورة يوليو 1952 ، التي كان يراود بعض رجالها شعور قوي بضرورة زيادة الإنتاج والاستثمار ، مدركين أن ذلك شرط لازم لزيادة الدخل مستقبلا ” ( علي الجريتلي ، مصدر سابق ، ص 17 )  .

الوضع بعد الثورة :

* زيادة الاستثمار :
يقول الدكتور علي الجريتلي : .. بدأ الاستثمار في أعقاب الثورة وئيدا ، بسبب انشغالها بالكفاح الداخلي والخارجي . وشهدت الخمسينات فترة من التعايش السلمي مع القطاع الخاص ومحاولة تشجيع الاستثمار الأجنبي  .
ومع ذلك ، حدثت زيادة ” ملحوظة ” في الاستثمار الصناعي الحكومي قبل عام 1957 .
واطردت زيادته خلال برنامج التصنيع 1957 ـ 1960 .
وأصابت الخطة الخمسية 1960 ـ 1965 قدرا كبيرا من النجاح  .
وبلغ مجموع الاستثمار خلالها نحو 1500 مليون جنيه ، نفذ القطاع العام 10 % منها  .
وحققت مصر خلال السنوات الخمس 1960 ـ 1965 نسبة عالية من النمو بعد سنوات طويلة من الركود .
وتحقق تقدم ” ملحوظ ” في معظم القطاعات الاقتصادية والخدمات ، رغم تصاعد الزيادة السكانية وأعباء حرب السويس 1956 ، وحرب اليمن 1962 ، وكارثة محصول القطن عام 1961 .
ونتيجة الزيادة في الاستثمار ، زاد الإنتاج خلال النصف الأول من الستينات ، ونفذت مشروعات ضخمة في مجال الاستثمار الأساسي في المرافق وفي الري ، أهمها السد العالي ، والتوسع في الاستصلاح والاستزراع  .
وكان أحد أهداف الخطة الأولى 1960 ـ 1965 مضاعفة إنتاج قطاع الصناعة والتعدين والكهرباء ، ليرتفع نصيبه الى 30 % من الناتج المحلي الإجمالي  .
وفعلا تحققت زيادة في الإنتاج بنسبة 9 % ( سنويا ) ، أي ضعف ما تحقق في الفترة من 1945 ـ 1952 لتصبح نسبته الى الناتج المحلي 23 % أي دون النسبة التي كان مخططا لها .
وبدأ التوسع في التصنيع منذ 1957 بمعدلات متزايدة . ونتيجة لذلك الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بمعدل يناهز 6 % سنويا خلال فترة الخطة ، التي اتسمت بدرجة ملحوظة من الاستقرار الاقتصادي ” . ( علي الجريتلي ، مصدر سابق ، ص 18 )  .
* التطور في مجال الزراعة  :
يقول الدكتور الجريتلي : .. وكان أحد أهداف الخطة زيادة الانتاج الزراعي بنسبة 26 % ، إلا أن المحقق فعلا لم يتجاوز 18% .
لكن ، زاد إنتاج الطعام خلال فترة الخطة الأولى 1960 ـ 1965 بنسبة تفوق زيادة السكان  .
وزاد التحول الى الحاصلات الزراعية ذات القيمة المضافة العالية ، مثل الأرز والفواكه والخضراوات .
وتم استصلاح نصف مليون فدان على مياه السد العالي  .
وفي الخطة الخمسية الأولى بلغ الاستثمار في قطاع الزراعة والري والصرف 355 مليون جنيه ( أي 23 % من الاستثمار المنفذ )  .
وتحقق نفس الرقم أو أقل في السنوات الخمس التالية ( 1965 ـ 1970 ، ربما لظروف الحرب بعد 1967 )  .
ويضيف الدكتور الجريتلي : .. كما انخفض نصيب الزراعة من الاستثمار الجديد تباعا : الى 4.7 % من مجموع الاستثمار المنفذ عام 1975 (أي في ظل حكم السادات وبعد نصر أكتوبر عام 1973 .. وهو أمر لا يمكن تفسيره أو قبوله .. فقد حافظ الاستثمار الزراعي على معدلاته العالية ولم يتأثر إلا قليلا بظروف الهزيمة والحرب بعدها !!!) .
* في مجال العناية الصحية  :
وننهي هذا المقال بما كتبه الدكتور علي الجريتلي .. وهو أبلغ من أي رد على ما قاله وزير الصحة الذي يفتقد الثقافة العامة في مجال تاريخ تطور العناية الصحية للمصريين .
يقول الدكتور علي الجريتلي بالنص عن الفترة 1952 ـ 1977: … في الخمس والعشرين سنة الأخيرة ، استمرت الدفعة الصحية التي بدأت مع انتقال مقاليد الأمور الى يد المصريين  .
وأدت زيادة الإعتمادات المخصصة للصحة في الموازنة العامة إلى بعض التحسن  .
وتم القضاء على الأوبئة الوافدة التي كانت تعصف بالسكان عصفا .
وتحقق تقدم في الحد من استشراء التدرن الرئوي والرمد وأمراض الأطفال  .
وخلال الفترة المذكورة حدث تحسن ملحوظ في الحالة الصحية للمصريين في المدن .
غير أن الحالة الصحية في الريف لا تزال غير مرضية ، وتبقي أمراضه التقليدية دون استئصال حاسم  .
ويعاني 60 % من سكان الريف من البلهارسيا وغيرها من الأمراض الناتجة عن شرب المياه الملوثة أو الاستحمام فيها ، ومن سوء حالة المسكن الريفي  .
ومع ذلك أسهم في تقدم الأحوال الصحية توصيل مياه الشرب النقية الى قرى الريف ، والذي ينتظر استكماله في أوائل الثمانينات ، وزيادة عدد المدن والقرى والأحياء التي تصلها المجاري .
وتحسنت أيضا في الفترة موضع البحث حالة التغذية اذ يبلغ نصيب الفرد المصري حاليا 2500 سعر حراري ، وهو رقم يناهز المتوسط اليومي الذي يحتاجه على أساس التكوين العمري والتركيب الجسماني .. ويمثل استهلاك الفرد من البروتين 43 جراما ، أي 80 % من احتياجات الإنسان المصري وفق التقديرات  .
غير أن الاستهلاك يتفاوت تبعا لتفاوت الدخل ، وتعاني الطبقات الأكثر فقرا من سوء التغذية . ( دكتور علي الجريتلي ، مصدر سابق )  .

تحليل ختامي :

لعل تلك الفقرات من كتاب العالم المصري ”الدكتور علي الجريتلي” تكون حافزا على مناقشة الحقبة الناصري بشكل علمي وموضوعي . بعيدا عن الغوغائية والانحيازات الطبقية .. فتاريخ مصر ملك لكل الأجيال .. وكل الطبقات .. وينبغي التعامل معه بإنصاف ونزاهة وموضوعية
فعلى الرغم من مئات المراجع عن الوضع المصري في الريف والحضر قبل الثورة .. وعلى الرغم من آﻻف المراجع الوطنية والأجنبية ..التي عالجت الوضع في مصر بعد الثورة .. سيظل الحوار والنقاش حول ثورة يوليو ودورها محكوما بالهوى والأنحيازات الإجتماعية والثارات السياسية والفكرية  ..
وفي مجتمع تعلن نخبته السياسية انحيازها للرأسمالية منذ مايقرب من نصف قرن تقريبا .. سيظل الحوار حول إنجازات عبد الناصر وتحليل أخطائه محكوما بهذه الدوافع السلبية  .
ولكن ”الهبة” الشعبية التي انفجرت على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تصريحات وزير الصحة السلبية عن ”مجانية التعليم والصحة في زمن جمال عبد الناصر” .. أظهرت عمق التقدير والاحترام والحب الذي تكنه أجيال مختلفة من المصريين والعرب لهذا القائد العربي الكبير .. هذا من جهة  .
ومن جهة أخرى .. أن هذه ” الهبة الشعبية ” للدفاع عن عبد الناصر وإنجازاته أظهرت عمق التوق للعدالة الاجتماعية والحنين لتلك التجربة الأولى في تقريب التفاوت بين الطبقات والانحياز للفقراء .. وأن التوق للعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص هو أحد القيم الخالدة لثورة يوليو وزمن عبد الناصر .. مهما ابتعد بنا الزمن .. ومهما تصاعدت حملة التشويه ضده .

كلمة أخيرة  :  

فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض .
اللهم ارحم عبدك جمال عبد الناصر جزاء بما فعله للفقراء والمهمشين من عبادك  .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق