لم يعد في حاجة الى هدايانا ..
د.عصمت سيف الدولة .
(كلمة في أربعينية المناضل اليساري زكي مراد )
….ثم فجاة غاب زكي مراد ، وجئتم تهدون الغائب
أناشيد النضال الحاضر فماذا ستقولون ؟ لست أدري ولكن أقول قولا ليس شعرا ، أن زكي
مراد لم يعد في حاجة الى هدايانا من الشعر او النثر ، لكن مصر ، مصر الحرية ، مصر
الوحدة ، مصر الاشتراكية ، هي التي في أمس الحاجة الى من يعوضها في ابنها الغائب
زكي مراد . ومصر الخصبة حبلى بثورة الجيل الجديد . مصر الحبلى تتفصد عرقا وتتلوى
ألما هو ألم المخاض . فقولو شعرا وغنوا لمصر العربية لتنجب مزيدا من زكي مراد .
ليس زكي مراد الفكر فقد كان يحمل افكار جيله .. جيلنا ، ولكن زكي مراد الموقف ، الذي
صاغه على هدي خبرته الطويلة ، وطرحه في هذا المكان على الجيل الجديد ..
ولست أعبر الا عما قاله زكي مراد يوم أن احتفى
حزب التجمع بعيد انشائه الثالث ، وما احفظه مما كان يقول : لتفرز الصفوف فورا ، لتفرز
الصفوف فورا ، ليلتزم كل واحد خندقه ، لتلتحم قوى التقدم في جبهة واحدة ، ان العدو
الاول ليس هو بالضرورة العدو الرئيسي . العدو الاول يقف حائلا بين قوى التقدم
وعدوها الرئيسي ، فيجب أن يصفّى أولا لتنكشف الساحة الحقيقية للمعركة ، ويعرف كل
واحد من معه ومن ضده . فلتقطع الخيوط العنكبوتية متعددة الأطراف والصلات ولتسقط الأفكار
الانتهازية ملفقة المحتويات ، ولتصفى المواقف الوسيطة التي تراهن على كل الاتجاهات
، ولتطهّر مسيرة الجيل الجديد من الأوهام التي فتكت بجيلنا من ظنون النصر يأتي
صلحا ، من الحرية تكتسب اتفاقا ، سواء كانت ظنونا بريئة او كانت ظنونا آثمة .. (1)
وليعي الجيل الجديد منذ
البداية ما دفعنا نحن أعمارنا لنعرف في النهاية ، ليس الناس في الوطنية سواء ، ليس
الناس في الحرية سواء ، ليس الناس في الاشتراكية سواء ، ليس الناس في الوحدة سواء
.. وفي الوطن الواحد مثلما يوجد الشعب يوجد أعداء الشعب ..
ان وعى الجيل الجديد
وفعل .. فيعرف من لا يعرف أن زكي مراد قد غاب ولكنه لم يمت وأن آلام جيلنا قد كانت
مقدمة لميلاد ولم تكن سكرات موت ..
وبعد ، فحين توفرت لي
شراهة الكتابة الى الناس في 1956 أهديت كتابي الأول الى الانسان ، ذلك الكائن
العظيم الذي أحبه . وكان للإنسان - حين كتبت - مواصفات وخصائص لا يكون انسانا الا
اذا اجتمعت له حتى لو بقي بدونها حيوانا ناطقا . كانت أولى الخصائص وأعلاها هي
القدرة على ان يقول في كل الظروف ، في مواجهة كل القوى ومهما تكن المخاطر : لا .
واني لجد اسف ، حقيقة اسف ، على انني لم أكن أعرف زكي مراد في ذلك الوقت مثلما
عرفته عندما اجتمعنا في خنادق المقاومة ضد العاصفة الخائنة الغنية العاتية .
ولو كنت قد عرفته لما
كان اهدائي الى انسان مجرد بل لقد كان اهداء كتابي الأول الى انسان محدّد .. الى
زكي مراد ، ذلك الانسان الذي أحبه . والسلام عليكم .
(1) المصدر لم يحدد نهاية الاقتباس والأرجح انه ينتهي في نهاية الفقرة
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق