الأرض والهوية القومية .. ( 1 ) .
تمثـل الأرض في
عصرنا - عصر القوميات والأمم - عنصرا أساسيا في تحديد الهوية القومية لأي شعـب
.. ومن اثر ذلك انـنا حيثما وجّهنا بصرنا على وجه الأرض ، سنجد شعبا مستقرّا على
أرض خاصة ، لا شريك له فـيها ، تربطه بها علاقة تاريخية فريدة ، نشأت من خلال
التفاعل الحر بين الناس ، فأثـمـرت لغة وفـنا وأدبا وتاريخا وحضارة حتى صاروا
بذلك كلـّـه أمة من الأمم .. ولهذا فمثـلما تعـبّـر هوية الامة - بالضرورة - عن
هوية الشعـب فهي بلا شك تعـبّـر أيضا عن هوية الارض .. فـتـكون ارضا فـرنسية ، و
ألمانية ، واسبانية ، وصيـنـية ، وعـربـيـة ... أي أنها أرض قومية ..
ان من ينكـر مثل
هذه الحقائق هو بمثابة من ينكر الشمس والقمر والكواكب .. أو بمثابة من ينكـر
السحاب والهواء والبحار في هذا الكون .. والواقع فان الظاهـرة القومية هي أولى
بالتأمّـل والتدبّــر والاجلال لعـظمة الله وقدرته بدل التجاهل و الأنكار ،
تماما مثـلما تعـبّـر تلك المكونات المادية للسموات والأرض على القدرة الالهـية
الخارقة كما جاء في القرآن الكريم : ﴿ إن في
خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب / آل عمران 189 -190) .. واننا لو
تأمّلنا عمق المدلول القرآني لوجدنا سرّا في اعـتـبار اخـتــلاف الـلغـة آية
تضاهي آية خـلـق السماوات والارض كما جاء ذكرها في كتاب الله حين قال : (ومن
آياته خلق السماوات والارض واختلاف ألسنـتـكم وألوانكم ان في ذلك لآيات
للعالميـن / الروم 22) .
سبحان الله ، لماذا يمثل اختـلاف الألسن آية مثل آية خلق السماوات والأرض .. ؟ |
انه بلا شك ما يتـرتـب عن
ذلك الأختـلاف من تعّـدد وتـنوّع للشعـوب
والامم والقوميات ، وهو أمر عظيم .. يفيدنا أكثر مما يفـيد المنكرين للظاهـرة
القومية ، فـنـدافع عن أرضنا التي هي حق خالص لنا بحكم كوننا أمة واحدة ، مثـلما
لغـيـرنا حقه الكامل في الدفاع عن أرضه .. وطبقا لهذا المبدأ ستبقى أرض فلسطين
سليبة نطالب بها جيلا بعد جيل حتى يتم استردادها كاملة غـيـر منقوصة .. فلا نعـتـرف
، ولا نصالح و لا نساوم على حق هو في الأصل ليس حقـنا وحدنا ، بل تشاركـنا فـيه كل
الاجـيال اللاحقة ...
( نشرية القدس العدد 117 ) .