بين المنطق القومي والمنطق الاقـلـيمي ..
حينما يتكلم الاقليميون من موقع المسؤولية في الدول
العـربية التي شهدت بلدانها ثورات شعـبية مثل تونس ومصر وهم يشعـرون بالاحباط
تجاه المستقـبل ، فيقـفون عاجزين عن مواجهة الواقع الطافح بمشاكل البطالة والفقـر
.. متوسّلين أحيانا الى الشعب الذي قدّم أرواح أبنائه من أجل تحقيق حياة أفضل ،
وضمان الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم ، أن يمهلهم بعض الوقت .. أو لائمين
أحيانا أخرى ، ومتـّهمين الضحايا أنفسهم بالتآمر عليهم حينما يهبّون للمطالبة
بحقوقهم المشروعة ، ثم يقفون متخبّطين غـيـر عارفـيـن طريق الخلاص .. حينها تـزداد
معاناتـنا نحن القوميون ، فـنشعـر بحدّة المشكلة أضعاف ما يشعـر به الاقـليون ..
لأن ذلك الشعور لا يمثل بالنسبة لنا النقـيض من واقعـنا الاقـلـيمي فحسب ، فـنسلم
مثـلهم بقدرنا وقـلة ذات يدنا .. بل يكون عمق شعورنا بعـمق النقـيض من واقعـنا
القومي الذي نراه رؤيا العـين ، ونحصي مقدّراته الكامنة فيه فـنعـرف ما يتيحه
لنا من امكانيات مادية وبشرية قادرة على تحويل حياتـنا جميعا الى الحد الذي يمكن
أن يفـيض فيه الانتاج على الحاجة ، فيحقق الرخاء لكل فرد وزيادة .. لكنـنا عـندما
ندرك أننا لا نقدرعلى توظيف تلك الامكانيات لخدمة التقدم كما يمكن أن يتحقق في
ظل الوحدة ، فنعـرف معـرفة اليقين أن واقع التجزئة يحول بيننا وبين تلك الحياة
الممكنة ، ويبقي على تخلفـنا وعجزنا .. عـندها نشعـر بفارق شاسع من الحسرة
والمرارة هو تقـريـبا نفس الفارق بين التجزئة والوحدة .. ثم لا تـلبث تلك
المعاناة أن تولـّد فـينا شعورا بالرفض الى حد النقمة على غباء الاقليمـيـيـن
الذين يرفضون الوحدة ، فـيسعى أغـلبهم الى تعويق كل محاولات التقدم على طريقها ،
متصوّرين أن مقدّرات دولهم الاقليمية التي ينهـبـونها سيتم مشاركـتهم فـيها من قـبـل
الأقطار الاخرى .. وأن تلك المشاركة ستـتحول الى منافسة لهم على العـرش .. لذلك
نجدهم يبحـثون دوما على الحماية ، فلا يقدرون على الحياة الا محتمين بالأجنبي
الذي يكون - في نظرهم - أولى بالمشاركة ولو عن طريق الغصب أوالنهب .. وتلك هي
مأساة الاقـليمـيين الفعـلـية التي هي للأسف مأساتـنا ..
ولا شك ان جزءا هاما من المأساة سببه حسابات الاقليميين الضيقة و طموحاتهم في الاقطار الغنية .. لأنهم لا يقدّرون - أوّلا - معـنى الحياة الكريمة فـيـرضون بالذلّ وهم في
السلطة خاضعـين لأعداء أمتهم الذين نهاهم الله عن موالاتهم حين قال : " إنما ينهاكم الله عن الذين
قاتـلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولـّـوهم ومن
يتولـّهم فأولئك هم الظالمون " ..
ثم ان هؤلاء الاقـليـمـيـن لا يقـدّرون - ثانيا -
الامكانيات اللامحدودة التي يمكـن أن تـُـظـيفها الوحدة ، لامكانيات دُولهم الاقلـيمية
حـتى وان كانت دولا غـنية ، حينما تـتـفاعل مع الطاقات البشرية الهائلة التي
تحوّلها وقـتها الى امكانيات قومية ، وحينما
توفـّـر لها دولة الوحدة الحماية الكافـية من النهب والأطماع الخارجـية ،
وحينما تمكـّـنها من انشاء مجالات حيوية جديدة تحوّلها من مجـرّد مواد خام و ثـروة
مادية الى وموارد تـُستخدم في بناء
المشاريع الضخمة ذات القدرة الانـتاجـية العالية في جميع المجالات العلمية
والتقـنـيـة ـ التي تـتـّصل بكل نواحي الحياة العصرية ، الفلاحية منها والصناعـية
، والتي يقوم نجاحها بالدرجة الاولى على
قدرة الدول على المنافسة في مجال
الترويج واكتساح مواقع واسعة
للاستهلاك تضمن استمرارية الانتاج ، وهي
رهانات أثبتت التجربة عجز الدول الاقـلـيمـية على كسبها مهما توفـّرت الارادة
وحسن النوايا ..
أما الأقـليميون في الدول الفقـيـرة فـهم في وضع لا يُحسدون عليهم ، وكفاهم الحمق والغـباء والنقمة والثورات .. ! |
وغدا أو بعد غد - سواء في ظل العـنف والثورة أو في ظل السلم
والديمقراطية - سيختار الشعب العـربي طريقه الى الوحدة حـيـنما يستـنـفـذ كل
امكانيات التـقـدم في ظل واقعـه الاقـليـمي المحــدود العاجـز والمدمّر للانسان ...
( نشرية القدس العدد 115 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق