بين الحق والباطل ...
بعد صعـود
الاخوان الى السلطة في كل من مصر و تونس ، يستحضرالعديد من الناس ذلك الحوار الذي دار
بين جمال عـبـد الناصر والمرشد العام للاخوان المسلمين حسن الهضيـبي حول تعـميم
الحجاب في مصر .. حيث كان طلب الهضيـبي في تلك الفترة بأن يأمر عـبـد الناصر بفـرضه
دفعة واحدة على جميع النساء في مصر ، وكيف أن عبد الناصر ذكّــر المرشد بأن
ابنته تذهب كل يوم الى كلية الطب سافرة دون حجاب ، في حين كان يطلب منه أن يفرض
ذلك على كل النساء .. !!
واستحضار هذه
القصة يدعو بالضرورة الى التساؤل : لماذا لم يفرض الاخوان ذلك المطلب حين وصلوا
الى نفس الموقع الذي انتقدوا فـيه عبد الناصر واتـّـهـمـوه بعدم تطـبـيـق الشـريعـة
..؟
وفي المقابل يمكن
تذكّـر كل ما اتخذه عـبـد الناصر من قـرارات ثورية لفائدة الفلاحين والعمال ، من
اجراءات حرّرت تلك القطاعات من سيطرة الاقطاع والرأسمالية .. وفي نفس الوقت لا يوجد قرار واحد ، أو اجراء
اتخذه الاخوان سواء في مصر أو في تونس ، سوى تجريم الاحتجاجات ومطالبة العاطلين
من ضحايا التهميش بمزيد من الاستسلام لواقعهم ، واتهامهم بالتآمر على حكوماتهم
الفاشلة متـناسين أنه نفس المنطق الذي كان يردّده النظام المخلوع ... في حين نرى
الحكّـام الجدد يستحوذون على المنافع ، فيشغـّـلون المُوالين ويمنحونهم
التعويضات والامتيازات .. أما شعارات الاسلام التي يرفعونها ، فلا أثر لها في
الواقع ... حيث لا نرى سوى المزيد من توحّـش المستغـلين ، وارتفاع درجات الفساد
واتساع دائرته حتى صار منتـشـرا في كل الاوساط .. كانتشارالمخدرات بين الشباب العاطل
وتلاميذ المدارس ، وترويج الخمور في الطـرق العامة ، وتفـشي ظاهـرة القمار في
المقاهي ، وتغـوّل عصابات السّرقة والانتشال في وضح النهار .. في حين تبرز ظاهـرة
التسوّل في الشوارع والأسواق والأماكن
العامة ، كما تحوّلت مشاهد المتردّديـن
على المصبّات لجمع القمامة الى أدلة واضحة على العجـز الذي أصاب الناس حتى على
مجرّد توفـيـر ما يبقـيهم على قـيـد الحياة ، وهو ما يـؤكّـد فعلا درجة المعاناة
التي تردّى اليها المجتمع .. !!
كل هذا يقع في
مجتمعـنا و أمام أعـيننا ، في حين لا يكفّ المتاجرون بالدّين عن ترديد شعارات
الاسلام وهم صامتون عن كل مصائب المجتمع ، ولا يعـيرون لها أي اهتمام .. !!
فها قد وصلتم
الى السلطة اذن .. وها قد أصبحـتم في الموقع الذي يمكـنـكم ان تغـيّـروا من
خلاله مجرى الحياة .. !! فلماذا لم تفعـلوا ما كـنتم تعِـدون
الناس به ؟ ولماذا ولـّـيْـتم وجوهـكم ، وأدرتم ظهوركم للواقع ؟ فمتى ستحققون
اذن شعارات الاسلام التي ترفعـونها ؟
ولماذا لم تقاوموا
الفساد ، بل هادنتم وساومتم المفسدين الذين خانوا وطنهم ،ونهبوا ثرواته وباعوا
أمنه وسيادته ؟
لماذا نسيتم شعـبكم
وهـرولتم الى الغـنائم والتـّـعـويضات ؟ أين أنتم مما فعله عبد الناصر منذ أكثر
من سبعـين عاما ؟
هل وقـفـتم مثله
في وجه الرّجعـية والاستعمار؟ هل حرّرتم الفلاحين من الاقطاع أو انصفـتم العمال
من الطرد التـّـعسّفي والاستغـلال وحدّدتم لهم الأجر الأدنى وعدد ساعات العمل وحقهم
في التـرسيم والتقاعد والعلاج ليتمتّـعوا في عصركم بحقوقهم كاملة كما تمتعـوا
بها في عصر عبد الناصر ؟ وهل بنـيْـتم صناعات
ثقـيلة للحديد والصلب والاليمنيوم تجعـل بلدكم مصنّـعا مثل الدول العظمى .. ؟
وهل أمّمتم قطاعات ضخمة مثـل قـنـاة السويس والبنوك الاجنبية والشركات العملاقة
..؟ هل ساندتم الثورات بالمال والسلاح ؟ وهل بنـيْـتم احلافا غـيـر منحازة
تقودها منظمة عالمية هي منظمة عدم الانحياز ؟ وهل بنـيْـتم سدودا ضخمة مثـلما بنى هو السد العالي العملاق ؟ هل شيّدتم
جامعات ومستشفـيات وضمنـتم التعـليم والعلاج المجاني لعامة الشعـب ؟ وهل خـُـضتم
حـروبا ضد الاستعمار ، أو واجهتم مؤامرات دولية ومحلية كما فعـل ..؟ وهل دافعـتم عن أمّـتكم مثـلما كان يدافع
..؟
|
( نشرية القدس العدد 114 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق