رؤى
ومواقف : استطلاع حول الجامعة العربية وكام ديفيد
والمستقبل ..
الدكتور
عصمت سيف الدولة للموقف العربي :
الرافضون لتجزئة الوطن
العربي أصحاب حق في ادانة كامب ديفد.
إن أماني الشعب العربي في الوحدة لا تتجسد إلا في دولة عربية واحدة ، وهذا
بديهي ، أما الدول العربية فتجسد التجزئة . والجامعة العربية تجسيد جماعي للتجزئة ..
فهي المؤسسة النقيض لدولة الوحدة وبالتالي
لأماني الشعب العربي في الوحدة .
الجامعة العربية لم تتفكك وان كانت ضعفت بغياب مصر . وكامب ديفد لم تكن
سببا في هذا الضعف ، بل إن الجامعة العربية هي التي كانت سببا رئيسيا لكامب ديفيد .
ذلك لأن الجامعة العربية هي التي أرست قاعدة التعامل فيما بين الدول أعضاءها
بالتزام كل دولة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى للأعضاء . من هذه
الثغرة نفذ السادات وأبرم اتفاقية كامب ديفيد وتمسك في مواجهة الدول العربية التي
عارضته بقرارات مجلس الجامعة وبميثاقها الذي يلزم الدول الأعضاء بعدم التدخل في
الشؤون الداخلية واحترام سيادتها . إن الشعب العربي في مصر صاحب حق في إدانة كامب
ديفيد لأنها تمس سيادة مصر ، والذين يرفضون تجزئة الوطن العربي من أبناء الأمة
العربية أصحاب حق في إدانة كامب ديفيد لانهم يتعاملون مع مصر على أنها أرضهم وجزء
من وطنهم الواحد .
أما الدول العربية الفخورة باستقلالها الإقليمي وسيادتها على أرضها ،
الملتزمة باحترام سيادة الدول الأخرى ، فلا حق لها في إدانة كامب ديفيد لأن
الاستقلال علاقة ذات طرفين .. وبالتالي فان هذا الاستقلال الذي تجسده الدول
العربية في جامعتها ، هو الذي أضعف مصر فلم تستطع أن تنتصر على المؤامرات التي
فرضت عليها كامب ديفيد .. وأضعفت الدول العربية فلم تستطع أن تمنع السادات من إبرام
كامب ديفيد .. ولما حاولت أن تعاقبه عزلت مصر عنها أو انعزلت عن مصر محققة بهذا
وحدة الهدف الجوهري من كامب ديفيد ، ولم يكن في استطاعتها أن تفعل غير هذا ..
هذا يعني تماما إنهاء وجود الجامعة العربية كمنظمة ، إذ ليست العبرة باتخاذ
القرارات ولكن العبرة بقوتها الملزمة .. والإجماع يعني أن كل دولة على حدة قد
ألزمت نفسها بتنفيذ القرار الذي وافقت عليه . أما حين يكون التصويت بالأغلبية بدلا
من الإجماع فهذا يعني أحد أمرين .. إما أن الأغلبية ستجبر بطريقة أو بأخرى الأقلية
على تنفيذ قراراتها ، وهذا مناقض لميثاق الجامعة العربية لأنه اعتداء على سيادة
دول الأقلية سيؤدي الى ان تنسحب من الجامعة العربية بمناسبة كل قرار لا توافق عليه
حفاظا على سيادتها الإقليمية .. وإما ألا تنسحب فحينئذ ستصدر باسم الجامعة ، وستصدر
قرارات مضادة من الأقلية باسم الجامعة أيضا ، ومن توالي القرارات وتغير المواقف
ستصبح الجامعة العربية مثل " الإذاعة الأهلية " التي تذيع الآراء
المتناقضة ..
إن صاحب الاقتراع هو الملك حسين . والملك حسين من أذكى وأشجع رؤساء الدول
العربية . وهو يريد أن يغير نظام التصويت للحصول على قرار ينسب الى الجامعة العربية مؤيدا لموقف
معروف من القضية الفلسطينية .. ولقد خانه الذكاء هذه المرة ، اذ لو استقر هذا
النظام فسيأتي وقت قريب ، أقرب ما يظن الملك ، تصوت فيه الأغلبية بانهاء الوجود
المستقل لدولة الأردن وإعادة إلحاقها بالدولة التي اقتطعت منها دولة الشام . ولكن
يبدو أن الملك حسين لا يهمه إذا ما حصل على قرار بالأغلبية بالموافقة على مفاوضة إسرائيل
والصلح معها والاعتراف بها إذا استمرت الجامعة في الوجود بعد ذلك أم انفرط عقدها
..
مصر ـ الموقف العربي العدد 59 / مارس 1985 .
ملاحظة : بعد هذا التاريخ بتسع سنوات ـ كما هو معلوم ـ وقع الملك
حسين اتفاق واشنطن مع إسحاق رابين الذي كان حجر الأساس لاتفاقية واد عربة في 26
أكتوبر 1994 بين الأردن والكيان الصهيوني ، مؤكدا توجس عصمت سيف الدولة من مواقفه وتصرفاته
المريبة منذ تلك الفترة .. (مدونة القدس) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق