بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 6 يناير 2017

حوار مع الدكتور عصمت سيف الدولة / لقاء مع جريدة الانوار .


الأنوار ـ 8 / 3 / 1987 .

حوار مع الدكتور عصمت سيف الدولة .

القاهرة ـ رؤوف المقدمي .

الجزء الأول :

( مقدمة طويلة .............. يأتي بعدها الحوار ) :

* قلت للأستاذ : بعد الهزائم والنكسات العربية المتعدّدة ، ووسط هذا الظلام القاتم الذي تعيش فيه أمة مهددة حتى في أسباب وجودها ، وبعد أن اتضح أن لا فرق في هذا الوطن بين الخائن والوطني ، واليميني واليساري . انحسرت حركة التحرر ، وأصبح الناس يتندرون بتلك الشعارات السياسية الكبيرة ، ويصبون كل الاهتمام في مجابهة الواقع اليومي العسير . فما هو تقييمك كمفكر وكرجل عاصر عدة فترات وعاش عن قرب عديد التجارب التي كانت فلم تفلح ؟..
* أجابني بسرعة : أولا أنا لا أوافقك في هذا الجزم الخطير . الأمة العربية تعيش إحدى الفترات المنطقية لواقع التجزئة ، والتفرقة والإقليمية ، ونحن اليوم نواجه إقليميا عديد الأخطار ، وهناك أخطار أخرى قادمة ، وهذا الوضع سوف يذكيها أكثر وهو ما يعد طبيعيا .. حتى التجارب التحررية القطرية فشلت لأسباب عديدة سوف أشرحها لك ، ولم تحقق أهدافها . وكل قومي عربي في اعتقادي يجب عليه أن يؤمن بأننا ننتمي الى أمة مكتملة التكوين ، وأن يؤمن بأن من حق كل أمة أن تكون لها دولة واحدة . وبهذين الموقفين تتحدد منطلقاته وغايته . أما المقياس الحقيقي لإيمانه فهو أن يسلك في حياته الشخصية وفي حياته العامة وفي نشاطه الفكري والسياسي أيا كان مركزه الاجتماعي أو السياسي طريقا لغايته الكبيرة . القومي يعتبر أن الدول العربية تمثل جناية تقسيم للأمة العربية الواحدة ، وبالتالي لا تعتبر أية دولة عربية مشروعة قوميا ، وهو يتعامل معها على  أنها غير مشروعة . ثم هو يتعامل معها باعتبارها أمرا واقعا ، ليست مشروعة لكنها واقع .. فيعمل على جميع مستويات النشاط الإنساني في محاولة التغلب على ما تجسده الدول العربية من تجزئة إقليمية ، وصولا في مرحلة تاريخية ـ قد تطول ـ الى دولة الوحدة ..
أريد أن أركز على العنصر الثالث ما بين المنطلق القومي والهدف القومي هناك الأسلوب الذي يجب أن يكون قوميا ، وهو ما لم ينتبه إليه بعض من ذهبوا الى السلطة ، أو هم انتبهوا إليه لكنهم لم يكونوا في الأصل قوميين .. هم كانوا يغالطون شعوبهم باسم القومية ، ويقتلونهم باسم القومية ، ويذبحونهم باسم القومية .. أعني بالأسلوب مثلا الأحزاب .. كل الأحزاب التي لم تكن ( في أسلوبها ) قومية عاجزة عن تحقيق أي نجاح على الطريق القومي ، لأن أي حزب إقليمي عندما يتولى السلطة يتحول الى دولة إقليمية عربية فينطبق عليه تقييم القوميين لشرعية الدولة الإقليمية .. فالقومي لا بد أن يعمل ويجسد انتماءه الى الأسلوب القومي بأن يكون لبنة في التنظيم القومي .. ما هو التنظيم القومي ؟ كثير من التنظيمات تدعي ذلك لأنها تنطلق من أمة واحدة الى دولة واحدة .. هذان العنصران لازمان ، لكنها هي تمارس أسلوبا إقليميا .. تستولي على السلطة في أحد الأقاليم ، تحرص الحدود ، وتدخل في الصراعات مع الإقليم الآخر .. تنمي الإقليمية ، تفاضل شعبها عن بقية الشعب العربي ، تفخر بالفلكلور الآشوري أو الفرعوني .. تكرس التجزئة ، وتبدّد الثروة لتثري هي إقليميا ..
الطريق لا بد أن يكون قوميا والأحزاب أدوات تتحدد نوعيتها بنوع الهدف الذي تريد أن تحققه منها ..
 * وقاطعته : هل تقصد أن الآداة الصالحة لتحقيق الوحدة يجب ان يكون حزبا ؟
* وأجاب : نعم حزب وحدوي يجسد في ذاته داخليا الوحدة .. مؤسسة صغيرة هي دولة الوحدة في المستقبل فيما لو نمت ، أعضاء مجردون تماما من الولاء للدول الإقليمية ، معادون تماما للتجزئة ، يسعون للوحدة من خلال الواقع المجسد حتى لا نكون مثاليين .. وبما أن الخط العرضي الذي يفصل بين العرب هو الخط الفاصل بين الحكام .. حكاما وطبقات ومؤسسات ، وبين الشعب العادي المحكوم في كل الأقطار ، فالقومي هو من يكون مع الشعب العربي ..
هذه فواصل عوامل تطبقها على كل من يدعي أنه قومي .. أنا أضيف عنصرا آخر غير موجود في العلوم السياسية التي تعلمناها في الغرب ، التكوين الحضاري للأمة العربية .. الأمة عندي هي شعب محدد وأرض محددة وحضارة محددة وهي نتيجة تفاعل بين الشعب والأرض في حقبة تاريخية طويلة .. وبالنسبة للشعب العربي عموما .... الحضارة هذه من صنع الثورة الإسلامية .. فقبل الإسلام كان فيه أعراب لا أمة بالمعنى الحديث للأمة ، وبالإسلام تكونت المدينة التي كانت أول مدنية جسدت الوطن .. المهم أننا نتميز بحضارتنا ذات المنابع الإسلامية  بالنسبة للمسلمين وغير المسلمين .. في طريقة أكلهم وشربهم وأنواع السلوك واللغة والشعر .. العربي يتصرف على السجية فإذا هو عربي .. ومن ضمن الأسس الحضارية لأمتنا قيمة لا وجود لها في أي دولة غربية وأنا أقول هذا عن يقين وهو تحريم الكذب .. الكذب في الإسلام وفي الحضارة العربية جريمة أخلاقية وقبل هذا كانت جريمة جنائية .. في كل المذاهب التي أنجبتها الثورة الليبرالية ، بمثلها في أوروبا ، وكل الفلسفات ، الكذب مباح ، وفي كل العقود الأوروبية لا تبطل العقود إذا قامت على الكذب ، والقانون عندهم لا يحمي المغفلين .. عندنا الكذب ما يزال يستفز الناس ، أقول ما يزال لأن التأثير الغربي ابتدأ يزعزع من صلابة هذه القيمة خاصة في الشرائح المتلقية الثقافة الأجنبية الموجهة أو غير الموجهة للغرب .. أنا أعول كثيرا على هذه القيمة .. أنا لا استطيع أن أصدق من يقول أنا قومي وهو يكذب في كل المجالات الأخرى .. هو إذن شخص لا يعبر عن حضارة أمته ، وهذا يعني أن انتماءه الداخلي لهذه الأمة منقوص ، وعندما يدعي القومية نطالبه ببراهين لكي لا يكذب كذبة كبيرة أخرى قد توصله الى الحكم ..
زمان ، بعد قرون طويلة من الدعوة الإسلامية ، راح أحدهم يجمع الأحاديث عن الرسول ، فوجد أعرابيا يوهم الناقة بان في يديه شيئا ليستدرجها .. فرفض أن يتلقى عنه الأحاديث لأنه من يكذب على الحيوان يكذب على الإنسان ..
الحديث عن القومية اذن سهل . لكن يجب أن نلاحظ السلوك الذاتي لمن يدعي القومية ، ومن يكذب ليس قوميا ، أو على الأقل مشكوك في قوميته حتى يأتي ما يخالف ذلك ... وفي كل الأدبيات القومية يجب أن تعرف صدق مدعي القومية .. وهذه المقاييس لو طبقتها فلن تجد قوميا واحدا في أي سلطة وفي أي دولة عربية ، لأن كل سلطة في الوطن الكبير تبشر وتدعو وتحاول إقناع الناس بشرعية دولتها .. لا يوجد حاكم عربي قال أن دولتي غير شرعية .. ويبدأ بتطبيق الدستور ، ويحلف على احترامه وهو الذي يقول في بابه الأول أن القطر كذا ... وحدوده كيت ... ويعامل كل العرب الداخلين معاملة الأجانب وقد يفضل عليهم الأجانب ..
محك كل ما قلت هو الممارسة .. وأستطيع أن أضرب مثلا في كيف تختلط الأمور بتخطيط ، بوعي أو بدون وعي ، لا يهم ، وهو الوحدات الإقليمية .. وهذه أخطر المواقف المعادية للقومية ولكنها ترتكب كل يوم باسم القومية ..
* وقاطعته بسرعة : العقيد معمر القذافي مثلا ، قومي عربي ، ووصل الى السلطة وأقام وحدات ثنائية وتصرف تصرفات يراها البعض منطقية ويراها البعض الآخر هرجا ..   
* وقاطعني بدوره : دعك من هذا السؤال وسؤالك أعرفه مسبقا ، وقد ألقوه علي عديد المرات ، وأنا أعرف الغاية منه ، وأنا لا أجيب عليه لكي لا يستعمل ضد الأمة العربية ، وكي لا يركبه البعض ويجعلونه مطية لتحقيق أهداف خسيسة ..
* ووجدتني مضطرا أن أدافع عن موقفي وألح في ذلك . قلت للأستاذ أنه شخصيا ، لا تهمني الإجابة عن مثل هذا السؤال وأنني طرحته لأنه يشغل بال الناس .. فالعقيد يقول أنه ناصري ، والناصريون يقولون أن أبيهم هو عصمت سيف الدولة وأن كل ما يقوله عصمت سيف الدولة هو المسلّم النهائي .                
* وقاطعني مرة أخرى : طيب أنا لا أشك في نقاوة العقيد القومية ، ولا في صوفيته الوحدوية غير أنني لم أره منذ سنة 1975 .. أقول خسارة أنه يحكم ليبيا الصغيرة وخسارة أنه يحكمها بهذا الشكل ، مع التأكيد أنني لا اشك لا في قوميته ولا في وحدويته .. وموقفي هذا لا يجب أن يستغل في غير مكانه وهو يعنيني أنا ، وأنا أحاول أن افهم كل هذه التناقضات وحدي بعيدا عن ليبيا .
ثم واصل بقية حديثه : القومي يرى أنه مما يسهّل الطريق الى الوحدة وعي الشعب في جميع الأقطار، على أن طريقه الى التقدم مسدود وأنه لا يستطيع أن يعيش مواطنا سويا في هذا العالم إلا في دولة الوحدة .. هذا يعني أنه يجب أن يستثمر كل إمكانيات القطر من أجل التقدم ، لكن سيظل دائما يعرف أن حقه منقوص ، وأن الإمكانيات المتاحة خارج قطره أيضا من حقه .. هذا الصراع بين الطموح القومي المشروع الى أن تكون منتميا الى دولة كبيرة غنية تحميك ، وبين الضيق الإقليمي أو الحصر الإقليمي .. تعميق هذا التناقض بإبراز الحياة الرحبة التي تمنحها لك الوحدة بالمقارنة مع الضيق الإقليمي المفروض عليك ، عامل مهم جدا في تنمية الوعي الشعبي بالانحياز الى الوحدة وتوعية الشعب على هذا الهدف هي رسالة القوميين ..  
        
الأنوار ـ 15 / 3 / 1987 .

الجزء الثاني  :

... وفي الغد صباحا ذهبت الى الدكتور ..... وبعد أن ترشفنا أكوابا من الشاي ... طلب مني مواصلة أسئلتي ..
* قلت له : ما هو رأيك في الوحدات الإقليمية ، وهلاّ يمكن اعتبارها لبنة لوحدة شاملة ؟
* أجابني : في مقالات كثيرة يقال انه كلما توحد قطران فهي خطوة نحو الوحدة .. أبدا هذا اختلاق وحدات لتكون عقبات أمام الوحدة الشاملة .. لأنك إذا انطلقت من احتياجات الناس سوف تلاقي أنه لو توحدت مثلا ليبيا ومصر والسودان لحلت أزمتهم على مدى 50 سنة قبل أن يشعروا بأزمة أخرى .. عندئذ سيكون من العبث الفكري والحركي أن تحاول أن تقنع هؤلاء الناس ـ أي الشعب العربي ـ بأنه توجد حاجة الى دولة عربية أخرى ، وهو ما يؤجل قضية الوحدة لمدة أخرى .. ونحن عندما نوحد قطرا أو قطرين أو ثلاثة إنما نلغي ثلاثة دول لإقامة دولة الوحدة .. ولو نرجع الى وحدة 58 الإقليمية ، فبمجرد أن عرضت بين مصر وسوريا والعراق ، توقفت دولة الوحدة عن النمو ، فأصبحت دولة إقليمية .. ثم ضربت حتى لم تستطع أن تحافظ على نفسها .. وهذه الوحدات قد تكون لبنة لوحدة شاملة بضمان أن يكون التنظيم القومي هو قائد مسيرتها .. وهو الذي يستطيع أن يحاسب قادته إذا خانوا الهدف ، واكتفوا بالوحدة الإقليمية .. وكل من يتولى حكم هذه الأقطار يجب تجميد نشاطه القومي ، فهو لا يستطيع أن يكون قائد الدولة وفي نفس الوقت قومي ضد دولته الإقليمية غير المشروعة ..
والأفضل من كل هذا أن تقوم دولة نواة تحقق الوعي بضرورة الالتصاق بها التصاقا إراديا بالطبع .. وأنا أرشح مصر لتقوم بهذا الدور ، وليكون امتدادها لبقية الأقطار جماهيريا وديمقراطيا ..
هذا تصوري الخاص لبداية الوحدة ..
 * قلت للدكتور : قضية فلسطين يوجد شبه اعتقاد أننا لن نحررها وأنها ضاعت الى الأبد والخطير أن الشعوب العربية أصبحت تعتقد في هذا ..
* ورد بسرعة : ليس من حقك أن تنسب ما يقوله الإعلام الى الشعوب .. أن تتحدث عن الشعوب فأنت تتحدث عن شخص غائب .. أنت تعرف ما يدور في أوساط الإعلام ، وتعرف أنه بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد هناك إعلام ، لقد عوّض بالدعاية ، وظهرت وكالات الأنباء العالمية لتحتكر الأخبار ،  وسيطرت الولايات المتحدة على هذه الوكالات حتى ظهر نظام إعلامي عالمي جديد يخدم معارك خاصة ، ويوجه الشعوب لأهداف محددة .. والإعلام العربي زيادة على أنه موجه ، فقد تداخل فيه إعلام آخر خارجي ، يشكل شخصية العربي منذ صغره ويجعله يشعر بالدونية تجاه كل من حوله ، أي تجاه محيطه ..
نصل الآن الى قضية فلسطين ، نحن لا نقيم وزنا الى نوعية المعتدين يهود أو غير يهود ، ونحدد أهدافنا في أن لا مساومة على الأرض .. أما الإقليمي فيعتبر أن فلسطين جارة له وكفى .. الأقطار العربية الآن التي ليست لها حدود مع فلسطين لا تفهم من الصراع ضد الصهيونية إلا نزوع هذه الأخيرة نحو التوسع .. وهكذا تأخذ قضية فلسطين أهمية لا تتعدى عندهم كون هذه الأقطار ليست مهدّدة مباشرة بالعدوان الصهيوني .. ومجمل القول أن الدول العربية التي لها مصالح في الوطن الكبير تنطلق من الآتي :
ـ الكيان الصهيوني جار .
ـ خطر محتمل في المستقبل للتوسع .
ـ إضرار بالتضامن العربي المفيد اقتصاديا واجتماعيا .
ويتوزع الإعلام العربي في الرؤى انطلاقا من هذه المواقف الثلاثة .. نأخذ مصر .. رؤيتها لفلسطين قبل كامب ديفد وبعد .. من بعد ، كانت سيناء محتلة فكانت المسألة الوطنية مطروحة .. وعند أول فرصة بمقايضة فلسطين بسيناء ، قايضوا فلسطين بسيناء .. وانتقلوا بذلك الى مرحلة التعاطف العربي ، أي يتكلمون عن فلسطين مثل أي بلد آخر ..
المهم أنه لن يحدث أبدا أن تحرر الدول العربية منفردة أو مجتمعة فلسطين . لأنها لن تحارب أو تناهض الصهيونية إلا فيما يمس سلامتها وأمنها هي ، يستثنى من هذا طبعا أصحاب الإقليم ، أي الفلسطينيين لأن فلسطين هي أرضهم .. ومنظمة التحرير بدأت من هذا المنطلق ، وهم يعلمون تماما أن الدول العربية لن تحرر فلسطين .. على الأقل أبو عمار يعرف هذا ، فبدأ الأسلوب المكرس الآن في المنظمة ، أي محاولة الحصول من أي حاكم عربي عما يستطيع أن يحصل منه ..  من هذا المال .. ومن ذاك التأييد .. وهذا الوضع ظل أبو عمار يديره بمنتهى الذكاء . الى أن وقعت هزيمة 67 وموت جمال عبد الناصر وانحياز مصر لإسرائيل ، وبقي السلام .. ! "سلام مين ، مقابل أرض مين ؟ " .. طبعا سلام الدول العربية مقابل أرض فلسطين أو جزء منها .. ووقع أبو عمار في المحظور وخانه ذكاؤه الشديد ، وكرس هذا المبدأ بمؤتمر الدار البيضاء الذي أكد أن أبو عمار والمنظمة هم الممثلين الشرعيين الوحيدين للشعب الفلسطيني . وقام شعار " ما تقبله المنظمة نحن نقبله " .. الله انت مالك ، ملكي أكثر من الملك .. أبو عمار عايز كدة ..
طبعا أبو عمار يقول بالتكتيك ، أنا أقول له ناور نعم .. لكن لا تعترف بإسرائيل ، أي لا تقبل بنظرية الصهاينة .. وقد نصحته ، وأذكر أنني سنة 76 وكنت في السجن طلبت منه أن يدخل طرفا رابعا في الوحدة الليبية السودانية المصرية ..
* وقاطعته : أنت لم تجبني الى حد الآن ، كيف نحرر فلسطين ؟
* ورد مازحا : الله انت مالك عايز نحررها دلوقت .. ومضى يقول : نحن عندما نقول كل هذا نبقى مثل كاسترو وأكوادور .. بينما المطلوب هو أن نبقى شركاء لأرضنا .. لكل هذا أنا في قطيعة عدائية مع حزب التجمع ، أهاجمه وأهاجم رئيسه خالد محي الدين ، لأن مواقف التجمع غير مقبولة من حزب يساري .. وعندما دخلنا معارك ضد السادات قام فيها التجمع بدور بطولي ، كانت لنا مواقف قومية غيّرها التجمع منذ سنتين ..
المهم أن فلسطين سوف تتحرر بطريقة لم يعرف التاريخ لها مثيلا . وهي الثورة العربية الوحدوية .. وفي التمهيد لهذه الثورة وكجزء أساسي منها عدم فض الاشتباك والقتال مع المؤسسة الصهيونية ولو لساعة واحدة .. وأنا أعني المؤسسة الصهيونية التي ليست إسرائيل إلا مشروع دولتها الكبرى .. لا بد من القتال يوميا فرد ضد فرد ، وجماعة ضد جماعة ، على الأرض المغتصبة وعلى كل أرض عربية وغير عربية .. وأذكر أنني كنت أعرض هذا الرأي أمام أحد قادة فتح فسألني كيف يتم هذا في الأرض المحتلة ، إن الصهاينة سوف يطردون شعبنا ويذبحونه ..؟
قلت له ، نطالبه أن يقوموا بثورة عندما تتوفر فرصة الانتصار غير المتوفرة الآن ، قلت هذا في بيروت في ديسمبر 1971 .. قال لي متحديا "اضرب لي مثلا " ... أجبته ، تخطر على بالي مسائل صغيرة ولكنها ان تتراكم تخرب أي دولة .. عدم انجاز العمل في المعامل كما يجب ، إنتاج بضائع فاسدة ، وضع كيمياويات في البضائع ، ترك الحنفيات تشح ماء ، عدم دفع الضرائب ، افتعال مشاجرات مع الصهاينة ... ومئات الألوف من هذه المسائل من الداخل .. الأطفال الفلسطينيين بإمكانهم إتلاف كل محصول البرتقال وهو في أشجاره ... ثم يقوم الدكتور من مكانه فجأة وهو في قمة الغضب ليقول : فلسطين دي مش عاوزة سياسيين .. دي عاوزة ثوار ، ثوار .. ثم يهدأ ، ويواصل الحديث بعد أن دخن سيجارتين ..
أقول ، إن معركة تحرير فلسطين قد بدأت ، والنصر أصبح معلقا بدرجة كبيرة على مقدرة الشعب العربي على تحمل أعباء الاستمرار فيها .. وان أي دعوة للسلام المتفق عليه المتضمن الاعتراف بإسرائيل هو خيانة .. وأحب أن أنبه الى كلمة سلام متفق عليه ، لأن النشاط القتالي الذي هو ضد السلام لا يعني بالضرورة الحرب بمعناها الدولي أي تصادم الجيوش ، هنا اضرب مثل الجيش الايرلندي الجمهوري وهو لا يكف عن المعارك اليومية في شوارع لندن ذاتها .. هذا ما أقوله عن فلسطين ..
يقوم الدكتور من مكتبه .. ويدخل حاملا "وابورا" وعلبة قهوة .. يسألني هل عندي أسئلة أخرى .. قلت له إنها كثيرة ، ومنها أسئلة محددة تريد إجابة واضحة .. وطمأنني أنه سوف يجيب عليها كلها .. بس لما نخلص من القضايا العامة .. قلت طيب انني سوف اسأله ، لكنني ألح على الأسئلة الصحفية الواضحة .. وعاد يعدني مرة أخرى ..
* قلت : أريد أن توضح أكثر مسألة دولة الوحدة النواة ..
* ضحك ثم أجاب .. كتبت منذ 20 سنة كيف تنظم دولة الوحدة النواة ليكون امتدادها كما ذكرت الى بقية الأقطار جماهيريا ديمقراطيا وبدون هزات في تغيّر وضعها ، دستورها ، جنسيتها ، الضرائب فيها ، التزاوج العمل .. يعني لا بد أن تكون الدولة النواة قابلة أن يلتصق بها أفراد أو دول .. وأنا أريد أن أضرب لك تجربة أعدائنا .. الحركة الصهيونية تعتبر أن كل يهودي هو من رعايا إسرائيل أراد أو لم يرد .. كل يهودي إذن هو أحد رعاياها يقيم خارجها  وتتعامل معه على هذا الأساس بصرف النظر إن كان يريد مثل هذا التصرف أو هو ضده .. لو أن هذه الممارسة طبقت في دولة العرب .. أي أن كل من فيها هو من رعاياها ، وكل من خارجها هو أيضا من رعاياها مقيم تحت سلطة حكام آخرين ، لتغير الحال .. تبدأ المسيرة بهذا الطريق ، وهذا تصوري الخاص لبداية الوحدة .. أقول الخاص وقد كتب هذا من زمان لكنني لم أنشره ، لأن الدعوة الوحدوية غير واردة الآن نظرا لوقوع مصر تحت الهيمنة الأمريكية ..
وانتقلنا الى الأسئلة الممدّدة .. !
* قلت أنت تعرف جمال عبد الناصر ، فمن هو جمال ؟   
 * قال .. ناصر هو الوحدوي والقومي الوحيد من بين كل أعضاء مجلس ثورة يوليو 1952 ، لقد كان يحميني من رجالاته أنفسهم ، كنت أقول لهم ما هكذا يجب أن تحكموا هذه البلاد ، وما بهذه التصرفات سوف تحققون غايات وأهداف شعبنا ، وكانوا يقولون لجمال ان عصمت سيف الدولة ضدك ، وأنه يتخذ مواقف غير مواقفك .. لكنه كان يرى العكس ، وهو حتى عندما رفض الوحدة مع العراق في الأول كان لغاية حماية العراق ووحدته ، كان ينتظر اللحظة المنسبة لوحدة دائمة ..
* وسألته عن موقفه من الحرب العراقية الإيرانية ما هي هذه الحرب وكيف ينظر إليها ؟
 * ورد ، أنا مع العراق الأرض والشعب طبعا ... وقد كنت قبل اندلاع الحرب بأسبوعين في العراق ، ولاحظت تخوف قيادة البعث من جارهم الجديد .. أما موقفي من الثورة الإيرانية ، فأنا أعتبرها ثورة أطاحت بالشاه فقط ، وفكر الخميني في كل الحالات لا يستهويني ..
ان الشعوب العربية لا تفرق ـ عند حدوث عدوان خارجي مهما كان نوعه ـ بين السلطة والشعب .. فهي تمزج بين السلطة وذاتها .. وشعار إطاحة صدام يستفز العراقيين لأنه يعد تدخلا في شؤون العراق الداخلية ..
* وسألته عن موقفه من الانقلابات العسكرية والثورات ؟
* أجاب : أنا مع الثورة الشعبية ، الانقلابات لا تغير الأنظمة ، هي تغيّر السلطة فقط ، أما الثورة فتغير السلطة والنظام معا .. الانقلابات العسكرية قد تساعد على تحقيق بعض الأهداف .. لكنها لا تحقق كل المطلوب والمرجوّ ..
وعن العمل النقابي أجاب : لم أقل يوما أنني ضد النقابات أو العمل النقابي .. ولعلمك أنا أرى أن المواطن العربي في كل إقليم يحصل على 30 % من حقوقه ، وعليه أن يسعى يوميا في سبيل تحقيق حقوق أخرى ..
عندما قمت مودعا الدكتور ، لم ينس أن يسلم طبعا على التونسيين ..

                              ذهاب الى صفحة عصمت سيف الدولة




  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق