تفتت الولايات المتحدة الأمريكية ووحدة الأمة العربية .
د.عصمت سيف الدولة .
المشكلة الشاملة في العالم هي التناقض بين نزوع الشعوب الى الحرية وبين دول كأمريكا ونظم كالرأسمالية ، وسيطرة حضارية أروبية واحتكام في نهاية المطاف الى القوة [ الغرب كافة ] .
فكيف تحل ؟
بأن تسترد الشعوب حريتها بازالة نقيضها ولو بالتدرج ، أعني ألا تتراجع الشعوب عن هدف الحرية ولا تتوقف ولا تساوم ولا تسالم مهما طال الزمن فالنصر معقود في النهاية للحرية ضد الاستبداد “بحكم ” جدل الإنسان” . في هذا الإطار العالمي تعيش أمتنا العربية على وطنها و تتعرض لمثل ما تتعرض له شعوب الأرض و لكنها تعاني من مشكلة “عربية” . التناقض بين نزوع الشعب العربي الى الحرية ، مثل كل الشعوب ، وبين حرمان الشعب العربي من أن يسترد حريته بفعل التجزئة الإقليمية التي تمثلها وتحرسها الدول الإقليمية ، فتصبح المشكلة الأولية التي يجب أن تحل كمقدمة لمساهمة الشعب العربي بما يستطيع في حل مشكلة الحرية على المستوى العالمي هي إلغاء التجزئة وإقامة دولة الوحدة ، ولو بالتدرج . أعني ألاّ يتراجع عن هدف الوحدة ولا يتوقف ولا يساوم ولا يسالم مهما طال الزمن فالنصر معقود في النهاية للوحدة ضد التجزئة ، بحكم “جدل الإنسان” . […]
تأتي المشكلة الأصل ، أم المشاكل التي تعوق وتعطل حل كل المشكلات الأخرى ، ان الأمة العربية لا تملك أداة حل أية مشكلة أخرى ، لا مشكلة التجزئة ولا مشكلة السيطرة العالمية ، لأن القوميين ، المرشحين بمواقفهم القومية ، لقيادة الشعب العربي الى التحرر من الاقليمية ثم التحرر من السيطرة الأجنبية ، ما يزالون أفرادا أو شللا صغيرة ، ولم يتوحدوا في تنظيم مقاتل ، مناضل ، قائد ، قدوة ، في حين أن وحدة المشكلات تفرض وحدة أداة حلها ، بحكم ” جدل الإنسان” في فاعليته الاجتماعية . فيبدو كل شيء حتى الناس راكدين منقادين لأن القوميين فاشلون في أن يستفيدوا من “جدل الانسان” . الذي يقولون أنهم يؤمنون به . […] المشكلة الأولى و الأولية ، وهي أن القوميين يفتقدون التنظيم ، الجهاز، الذي يجمعهم ديمقراطيا ، لتلقى عليهم كل تلك الأسئلة وغيرها ، فيتداولون في حلولها الصحيحة ، ويضعون للتصدي لها خططا ممتدة ، ويقسمون العمل فيما بينهم، وينجزون ما يستطيعون ، ويصمدون ، لا يتوقفون ولا يساومون ولا يسالمون مهما طال الزمن فالنصر معقود في النهاية للقومية بحكم “جدل الإنسان” أيضا .
ان كنت في شك من هذا فانظر حولك .
شل الذراع الأيسر لقهر الإنسان ، في الاتحاد السوفياتي ، الذي توقعنا انهياره كمجتمع اشتراكي في عام 1965 صفحة 132 من كتاب أسس الاشتراكية العربية ] وحذرنا الماركسيين من أن منهجهم الخاطئ ، “المادية الجدلية” / سيؤدي بالتجربة الاشتراكية بالرغم من كل الجهود التي تبذل في بنائها ، لأن ذلك المنهج ينكر على الإنسان قيادة حركة التطور الاجتماعي و يستبدل به عناصر الحياة المادية . هاهو ينهار بمجرد أن يقدم الغرب الى الإنسان السوفييتي “جزرة” الحرية الليبرالية ، فيتخذ الإنسان السوفييتي من الجزرة المزوقة مدخلا الى حريته المفتقدة ، حرية الانتماء القومي ، فيلوذ كل قوم بعضهم ببعض . ويكتشفون ، وبقوة الانتماء القومي أنهم ، بالرغم من أكثر من قرن من الحياة على الأرض السوفييتية المفتوحة للانتقال والعمل ، ما يزالون مقيمين على أرضهم القومية ، فلا يحتاج أي قوم الى إعادة تخطيط الحدود ، بل يعلنون استقلالهم بما يقيمون عليه ، فإذا هم في وطنهم التاريخي قبل أن يغزوه قياصرة الروس . لماذا لم يذوبوا ؟ لأن الانتماء القومي رباط اجتماعي أقوى من أي رباط آخر . ثم في جلسة هادئة أتيح فيها للتشيك والسلوفاك تطبيع وجودهم وعلاقتهم فتستقل دولة التشيك عن دولة السلاف كل في حدود وطنها القومي التاريخي . ثم تعرض الجزرة على شعوب الدولة الملفقة يوغسلافيا فإذا كل قومية هناك تتشبث بوطنها القومي ويسفح بعضهم دماء بعض هجوما أو دفاعا عن قرى بناها أجدادهم يوم أن كانوا متميزين قوميا كما هم الآن . ثم بدون قتال تتوحد الأمة الألمانية بعد نحو نصف قرن من التجزئة . وقبلها انتصرت فيتنام فتوحدت قوميا . وقبلها استقلت باكستان عن الهند على أسس دينية ، فأصبحت باكستان دولة إسلامية كما يقولون ، ذات دستور إسلامي كما يزعمون . و لكنها لم تلبث ان انشقت الى دولتين على أسس قومية ، دولة البنغال الإسلامية شرقا ، ودولة البنجاب الإسلامية أيضا غربا … وهكذا أولى الحريات التي تفرض ذاتها بعد التحرر هي حرية الانتماء . الانتماء القومي أو حتى الانتماء القبلي وهو ما وراء الصراع الدامي الذي تتخبط فيه الشعوب والقبائل الافريقية . فمنذ الستينات اجتمعت مجموعة من أغبياء القارة و اتخذوا قرار بقطع الطريق على الانتماء بأن قرروا الابقاء على الحدود ” الدولية” [ حدود الدول ] التي أقامها الاستعمار الأروبي . فاستقلت القبائل مجزأة في كل دولة ، فلبت كل القبائل في كل دولة نداء الانتماء الى مجتمعها الموزع تعسفا بين الدول ، و بدا الصراع و لم يزل . و ما حالة الصومال الا مثلا لمأساة حرمان الناس من الحياة مع من ينتمون اليهم . فقد هزمت الدول الأوروبية محاولة حكومة الصومال اعادة الاتصال والوحدة مع الصوماليين في أوجادين و ثبتت التجزئة ، فهاجر ملايين من أوجادين الى حيث ينتمون ، شعب الصومال . فعادوا جميعا الى الصراع القبلي بالرغم من القول بأنهم شعب لأن الصومال دولة وقد قال الفقهاء أن لكل دولة شعبا … ثم نأتي الى أكبر دولة باغية وملفقة . الولايات المتحدة الآمريكية . انها ليست دولة قومية ، ولا دولة شعوبية ، ولا دولة قبلية ، انها دولة متعددة الاثنيات . فكل نفر من سكانها ينتمي الى أمة أو شعب خارجها . وقد قامت على أساس أن يتولى الأنجلو سكسون البروتستانت البيض صهر بقية القوميات فيهم لغة و حضارة و مصيرا . و لكن المشروع فشل فشلا ذريعا ، باعتراف كل كتاب علم الاجتماع في الولايات المتحدة ،عام 1968 ، واضطرت الدولة الفيدرالية الى رد حق كل جماعة اثنية في أن تتكلم لغتها القومية ، وتستعملها في مدارسها ، وفي كنائسها ، وأن تكون لها صحفها ، وأعيادها ، ومجتمعاتها ، وأزيائها وكانت ثورة أسميت “ الزهرة الطفلة ” . و قد بقيت الولايات المتحدة الأمريكية في حماية الاتحاد السوفياتي اذ هما حليفان موضوعيا ضد التحرر القومي ، فلما شل الذراع الأيسر ضعف الذراع الأيمن واندلع العنف بين القوميات في الولايات المتحدة الأمريكية يقوده السود والبيض ولأبناء الشوارع وأباطرة الجريمة المنظمة . الولايات المتحدة تترنح ، ثم تتردد في الدخول طرفا في الصراعات القومية . فهي مع الوحدة الأروبية وضد الوحدة الأروبية . و هي مع الصرب و ضد الصرب . وهي مع الصومال وضد الصومال . انها تتخبط ، لأنها غريبة حضاريا عن رابطة الانتماء القومي أو الشعبي أو حتى القبلي . انها لا تفهمها . ثم انها على الطريق الى الغباية الحتمية .
لن أكون أنا موجودا بحكم العمري الذي يجري سريعا . ستكون أنت في أوج نضجك ، فاشهد بأني قلت لك :
أولا : أن القرن الواحد والعشرين سيكون قرن القوميات . ولن ينتهي الا وكل الدول قومية بشرا ووطنا .
ثانيا : أنه قبل نهاية الربع الأول من القرن الواحد و العشرين ، ستكون الولايات المتحدة قد تمزقت كدولة الى عدد من دول كل منها قومية ، وقد يجمع بينها اتحاد كونفدرالي . وستكون قد توحدت ايرلندا ، وسيكون قد استقل الباسك . وستكون قد توحدت الأمة العربية بعد صراع دام مريرا عربي ـ عربي ، اذا ما استطاع القوميون أن يتوحدوا في تنظيم قومي واحد يفكر و يدبر ويخطط ويحشد ويقود الشعب العربي الى دولته القومية ولو كره الاقليميون .
اني على يقين من كل هذا .
لماذا؟
لأنني أومن بجدل الإنسان ، و هو منهج الفطرة . ومن قبل كان القائد العظيم على يقين من هذا أيضا يوم أن دعا المستعمرات الفرنسية الى الاستقلال ان اختارته . فاختارته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق