بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 17 يونيو 2019

أبو جهاد والحكومة والتطبيع في تونس / د.سالم لبيض .


أبو جهاد والحكومة والتطبيع في تونس .
د.سالم لبيض .
17 يونيو 2019 .

شاءت إرادة الدولة الصهيونية، غاصبة فلسطين المحتلة منذ أكثر من 70 سنة، القائمة على دماء العرب الفلسطينيين، المسلمين منهم والمسيحيين، أن يحتفل قتلة الزعيم الفلسطيني خليل الوزير (أبو جهاد) بمرور 31 سنة على تنفيذ جريمتهم، في عين المكان، قرب المنزل الذي شهد الجريمة يوم 16 إبريل/ نيسان 1988، في الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية، سيدي بوسعيد، الحي الذي تقطنه الأرستقراطية التونسية، وكبار المُلاك، وأصحاب الأعمال والشركات الكبرى، وقناصل الدول الأجنبية وأعضاء بعثاتها الدبلوماسية، الأكثر حماية أمنية ومراقبة بوليسية واستعلاماتية.
أذاعت الخبر القناة الثانية عشرة الإسرائيلية التي بثت تقريراً مرئياً يوم 7 يونيو/ حزيران الحالي عن زيارة مجموعة من اليهود الصهاينة، للمشاركة في احتفالات الغريبة، في جزيرة جربة جنوب تونس، نهاية شهر مايو/ أيار الماضي. انتظمت على هامش الزيارة رحلة سياحية بحرية، تحوّل فيها فريق من الزوار الصهاينة إلى تخوم بيت القائد والشهيد الفلسطيني، بدراية وعلم من وزير السياحة التونسية، ريني الطرابلسي، والذي ألقى كلمة مرحّباً بالوفد، وفي ظلّ حماية أمنية مشددة، وتعتيم إعلامي وسياسي مُطبق من الحكومة التونسية. وعلى الرغم من ذلك التعتيم، وسكوت وسائل الإعلام التونسية، الكبرى والمؤثرة، انكشف الأمر عن طريق القناة الصهيونية التي تباهت بالزيارة، وأظهرت إحدى المشاركات الصهيونيات تهتف قائلة "تحيا تونس، تحيا إسرائيل، فليبارك الله كل جنود إسرائيل، ويجعلهم سالمين ومنيرين علينا وعلى تونس". 
لم يكن أبو جهاد شخصاً عادياً في لائحة القادة الفلسطينيين والعرب، الموضوعة أسماؤهم في قائمة الاغتيالات والتصفيات المستوجبة لتعيش دولة "إسرائيل" وتستمرّ في الوجود. قادة فلسطينيون كثيرون، قامت الاستخبارات الصهيونية "الموساد" بتصفيتهم، واغتيالهم، في مناطق شتى في العالم، وصلت إليها يد الغدر الصهيوني، منذ احتلال فلسطين سنة 1948، ولكن تصفية خليل الوزير كانت لها نكهة سياسية خاصة، لدى جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) والحكومة الصهيونية التي اتخذت قرار التخلص منه نهائياً، فتاريخ الرجل، المولود سنة 1935، حافل بالأدوار القيادية، والانخراط في التنظيمات والأعمال العسكرية والقتالية الفلسطينية المقاومة للاحتلال، منذ نعومة أظافره، إذ كان عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني، وفي المجلس العسكري الأعلى للثورة، وفي المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ونائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية. وتولى تنظيم جناح حركة فتح المسلح في الجزائر بداية من سنة 1963، أي قبل بلوغه الثلاثين عاماً. وفي 1965 غادر إلى دمشق، لبعث مقر القيادة العسكرية الفلسطينية، والإشراف على الخلايا الفدائية داخل فلسطين. كما شارك خليل الوزير في حرب 1967، ونظم عمليات عسكرية ضد الجيش الصهيوني في شمال فلسطين المحتلة. وله دور بارز في قيادة معركة بيروت عام 1982 التي استمرت 88 يوماً انتهت بمجزرة صبرا وشاتيلا التي ارتكبها جيش الاحتلال الصهيوني، قبل الانتقال إلى تونس، صحبة مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية الذين استقبلهم التونسيون في ميناء بنزرت استقبال الأبطال. ولكن قرار تصفيته يرجع إلى عامل آخر، لا يقل أهمية، وهو إشرافه على أول انتفاضة شعبية فلسطينية غير مسلحة سنة 1987، كان لها كبير الأثر في مسار النضال الفلسطيني، ما أدى إلى إعلان استقلال فلسطين في الجزائر في نوفمبر/ تشرين الثاني 1988 وما صاحبه من مسار سياسي.
اغتيال أبو جهاد على أرض تونس هو عنوان تغلغل صهيوني استخباراتي عميق في البلاد التونسية، فالجريمة تمت على مرمى حجر من قصر الحكم ورمز السيادة التونسية في قرطاج، في مطلع ولاية الجنرال العسكري زين العابدين بن علي، صاحب المقاربة الأمنية والعصا الغليظة في الحكم، وهو الذي مرّ بكل الرتب العسكرية، وتولّى كل المناصب الأمنية، قبل انقلابه الطبي الشهير على الرئيس الحبيب بورقيبة سنة 1987، والحلول محله. كانت السلطات الأمنية والسياسية آنذاك على علم بعملية الإنزال التي قام بها الكوماندوس الصهيوني القادم من البحر، ومساعدات عملاء الداخل، ومع ذلك لم تؤمن حياة الزعيم الفلسطيني الذي غُدر به أمام زوجته بسبعين رصاصة، وعلى مسمع من ابنه الرضيع.
أعلنت الدولة الصهيونية، في سنة 2013، تبنّيها اغتيال القائد الفلسطيني أبو جهاد، وعن أسماء أعضاء الكوماندوس المشكل من جهاز الموساد وفرع الاستخبارات العسكرية والقوات الجوية والقوات البحرية وقوات نخبة وحدة استطلاع هيئة الأركان العامة الصهيونية، بقيادة إيهود باراك نائب رئيس الأركان في حينه، ورئيس وزراء الدولة العبرية 1999-2001، واعتبرتهم أبطالاً قوميين، يحظون بمكانة مهمة في الدولة الصهيونية، مسجلين أسماءهم في سجل الأبطال المخلّدين. وجاء التوقيت دالّاً ولافتاً ودقيقاً، متزامناً مع مناقشة المجلس الوطني التأسيسي فصول الدستور التونسي، قبل إقراره نهائياً في 27 يناير/ كانون الثاني 2014، وفي أثناء التداول في فصل مهم يتعلق بتضمين هذا الدستور مبدأ تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني. وعلى الرغم من ذلك، فإن وثيقة الدستور خلت من أي إشارة إلى التطبيع باعتباره جريمة، وإلى مقترفيه باعتبارهم جناة، وهذا في حدّ ذاته نوع من الاختبار لحركة النهضة، صاحبة الأغلبية في المجلس التأسيسي والحكم، وهي التي كثيراً ما يتغنّى منخرطوها ونشطاؤها وقياداتها بتبنّي القضية الفلسطينية والدفاع عنها. إلا أن نتيجة الاختبار كانت لصالح الكيان الصهيوني، وليس لصالح القضية الفلسطينية سيدة القضايا العادلة وأكثرها رفعة والتزاماً لدى التونسيين. وعلى عكس ذلك تماماً، زكّى ذلك المجلس وزيرة للسياحة، في حكومة التكنوقراط، والتي لم تكن تخفي صلات لها بالدولة العبرية. وتكرّر الأمر مع الأغلبية البرلمانية نفسها التي زكّت ريني الطرابلسي، وزير السياحة في الحكومة الحالية، مهندس قدوم الوفود الصهيونية إلى الغريبة مباشرة من فلسطين المحتلة.
التطبيع مع الصهاينة مسار رسمي وعلني للدولة التونسية، أسّس له زين العابدين بن علي، عندما كلّف وزير الخارجية التونسية الحالي، خميس الجهناوي، بمهام رئيس مكتب رعاية مصالح الجمهورية التونسية في تل أبيب، طبقاً للأمر عدد 621 لسنة 1996 المنشور في الرائد الرسمي للبلاد التونسية، عدد 32 المؤرخ في 19 إبريل/ نيسان 1996، أي بعد ثماني سنوات من اغتيال خليل الوزير، و11 سنة على عدوان جيش الاحتلال على حمام الشط جنوب تونس العاصمة، وقوبل ذلك الإجراء بفتح مكتب صهيوني لرعاية مصالح الدولة العبرية في تونس. 
ويستمرّ مسار التطبيع الرسمي بخطى حثيثة في ظل ائتلاف الحكم الإسلامي – اللائيكي، الذي يقوده يوسف الشاهد، الرجل الذي لا يرى حرجاً في الجلوس على مائدة إفطار رمضانية في جزيرة جربة، شعارُها تعايش الديانات، وذلك على هامش زيارة الغريبة السنوية، مع مجموعة من الصهاينة، القادمين من أرض فلسطين المحتلة مباشرة إلى مطار تونس قرطاج بجوازات سفرٍ إسرائيلية، قبل زيارتهم منزل الشهيد أبو جهاد، ضمن الرحلة التي نظمتها وزارة السياحة التونسية، وأشرف عليها الوزير الطرابلسي بنفسه. وهذه الرحلة من مظاهر انتعاشةٍ تشهدها الرحلات السياحية القادمة من دولة الاحتلال الصهيوني مباشرة، تقوم بتنظيمها وكالات أسفار متخصصة، مثل وكالة " أ س إ " التي نشرت على موقعها، وفي إطار الدعاية وترويج أنشطتها، فيديو للمغني الصهيوني، يوسي بردا، وهو يغنّي في ساحة القصبة في العاصمة التونسية، على بعد أمتار من نافذة مكتب رئيس الحكومة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق