بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 3 نوفمبر 2019

التمويل طريق التمكين ..



التمويل طريق التمكين ..

(1) .


حينما اصطدمت القوى الاستعمارية بالمقاومة في الوطن العربي ، اتجهت إلى أسلوب الاحتواء ، وهو ما أدّى في النهاية إلى قيام الأنظمة الرجعية الحالية التي سارت بدورها على ذلك النهج ، متبعة نفس الأسلوب مع القوى والأحزاب الموجودة في كل قطر .. ولما كانت حركة الإخوان المسلمين من بين الحركات التي ظهرت مبكرا على الساحة ( سنة 1928 في مصر ، و 1945 في سوريا والاردن ، و1949 في السودان .. ) ، وبتلك الطبيعة الإصلاحية التي عرفت بها ، فإنها كانت الأقرب للاحتواء والتحالف مع الأنظمة الرجعـية ذات الطبيعة المناقضة تماما للمشروع القومي الذي يهدّد وجودها ومصالحها .. غير أن أول محاولة لاحتواء الاخوان على الساحة جاءت على يد الانقليز في تلك الحادثة التي ذكرها مأسس الجماعة نفسه في مذكرات الدعوة والداعية حينما تبرّعت لهم شركة قناة السويس  بملغ 500 جنيه لبناء مسجد ومدرسة دعوية ومقر للاخوان في الاسماعلية .. وهي أول بذرة نفعية ظهرت في تفكير الجماعات الاسلامية الذين ساروا من بعد قائدهم على هذا النهج لبناء امبراطورية مالية لا يُعرف لها حدود ، سرعان ما تحوّلت الى استثمارات ضخمة ومبادلات تجارية وصفقات ومؤسّسات مصرفية وبنكية في شتى أنحاء العالم .. من الوطن العربي الى اوروبا  ووسط افريقيا وأمريكا اللاتنية ..
ولعلنا من هذه الزاوية بالذات نقف على حقيقة ثابتة تقودنا الى فهم ما يتعلق بانتشار ظاهرة الاسلام السياسي في الوطن العربي خلال العقود الأخيرة ، التي تقف وراءها أطراف عربية في الداخل ، وأخرى خارجية تعمل جميعا على ترويض هذه الحركات واحتوائها واستدراجها لخدمة مخططاتها ..

أما الخطوة الثانية فقد جاءت من المملكة العربية السعودية التي بدأت تستشعر الخطر على وجودها أمام المد القومي المتنامي بداية الخمسينات .. فوجدت في الوهابية خلفية ايديولوجية مناسبة لكي تظهر من خلالها في موقع المدافع عن الدين .. وهكذا بدأت تعمل منذ ذلك الوقت على ايجاد السبل المناسبة لحماية مصالحها .. حتى وجدت في وضع الاخوان الذي بدأ يشهد توترا متزايدا في العلاقة بينهم وبين ثورة يوليو ، فرصة سانحة للشروع في احتوائهم و" تسليفهم " .. فانطلق مشروع التسليف عمليا بابرام عقود الشغل والدراسة من داخل السفارات والقنصليات وعن طريق الوكلاء التابعين للمملكة العربية السعودية ، الذين عملوا على تقديم جميع التسهيلات الخاصة بالتنقل والاقامة من أجل الاستقرار في المملكة ، أين تتم عمليات الاحاطة والتكوين باشراف كبار الشيوخ والدعاة المتخصصين في مجال الدعوة داخل المساجد والجامعات والمؤسسات العامة ، وحتى في الشارع والبيت الذي تطاله العيون ، فيتأثر أهله بنماذج السلوك وطريقة المعاملات  الجارية هناك ، فتتغير العادات والطباع  .. وتتواصل العملية على هذا النحو سنوات طويلة ، حتى تصل الى طور الإنتاج ، فيعود هؤلاء الى أقطارهم ، متحمّسين للتنفيذ .. كل حسب فهمه ، وتأثره ، واستعداده ، ومؤهلاته  ، وموقعه .. فمنهم من يتحوّلون الى" دعاة " و" شيوخ " و" علماء "، وآخرون ينشطون في المساجد والمكتبات ودور النشر والمطابع ، وبين الناس في المعاهد وفي المنابر الاعلامية  .. لذلك لا بد من ضخ الأموال الطائلة التي تغطي كل هذه الأنشطة بكل ما فيها من رواتب ومكافآت ومصاريف تنقل بين العواصم وإقامة في النزل ، وسيارات فخمة ، وطباعة ونشر للمراجع الخاصة بالفكر السلفي الوهابي ، الذي يتم ترويجه باسم الإسلام ، فضلا عن النشاطات الدعوية الأخرى في إطار الجمعيات الخيرية المنتشرة في العالم وفي جميع الأقطار العربية .. وقد ظل هذا النهج متواصلا طوال  فترة السبعينات والثمانينات ، حتى ظهرت الفضائيات في بداية التسعينات ليتم غزو الوطن العربي بالعشرات من الفضائيات الدعوية ومئات الشيوخ المعروفين على الساحة ، والذين تخرّجوا جميعا من المدرسة السلفية السعودية خلال تلك المرحلة .. ولعل الأمر لم يتوقف عند هذا الحد ، اذ انتشرت ظاهرة الانترنات في نفس الفترة تقريبا ، فانتقلت تلك الجهات المحسوبة على التيارات الدينية والدول المناصرة لها ، الى غزو الفضاءات الافتراضية وشبكات الانترنات بالآلاف المؤلفة من المواقع الالكترونية التي تروّج لمرجعيات خاصة ومعينة في الفقه الإسلامي ، فتصدر الفتاوي الغريبة ، وتعمل على نشر مفاهيم محدّدة للإسلام تجعل منه عدوا للقومية والاشتراكية ، بل وتجعل من مفاهيم الحرية وحقوق الإنسان وحرية المرأة وحرية المعتقد واللباس والاختلاط مفاهيم "علمانية" هدّامة منافية لجوهر الاسلام ..  
وفي هذا السياق نجد رصدا شاملا لظاهرة التسلف داخل الاخوان ومراحل تطوّرها في دراسة  مطوّلة للكاتب  حسام تمام بعنوان : " تسلف الاخوان ، تآكل الأطروحة الاخوانية وصعود السلفية في جماعة الاخوان المسلمين " يتحدث فيها عن مراحل " التسلف الهادئ " التي خضع لها الاخوان المسلمون مرة أولى داخل المملكة على يد السلفيين ، ثم مرة ثانية  داخل مصر على يد المتسلفين .. كما يشير الى القدرة على التكيف و" الكمون " للتيار السلفي داخل المجتمعات وداخل الاخوان ، وهي المراحل التي أدت في النهاية ـ بأساليب متعدّدة ـ الى العديد من التغيرات الجذرية على مستوى العقيدة والايديولوجيا الاخوانية .. ويقول الكاتب في سياق العرض للأساليب المتشددة المتبعة داخل المملكة ، شديدة الاثر على الاخوان في تلك الفترة أن " المؤسسة الدينية الوهابية كانت قادرة على ان تفرض رؤيتها الدينية لا سيما في مجال المعتقد السلفي وعلى مستوى العلاقات الاجتماعية في مجتمع سعودي لم ينفتح بعد على تأثيرات الخارج . فكانت تفرض على كل الأئمة والوعاظ والدعاة ومقيمي الشعائر ومدرّسي اللغة العربية الاختبار في العقيدة الوهابية للتأكد من أن الشخص ليس أشعريا في العقيدة  أو متصوفا ، بل يعتقد المعتقد السلفي ، والا كان يتم ترحيله أحيانا ، فكان المدرس أو الامام يدرس هذا أو يتعلمه ويقوله تقية ، بل وصل الأمر أحيانا الى فرض خلع الزي الأزهري على الدعاة والأئمة المنتدبين باعتبار الأزهر معقل الأشعرية .. لذلك اتجهت هذه الموجة نحو تأكيد المعتقد الاخواني السلفي باتجاه يقترب من السلفيبة الوهابية خاصة في نفسها المتشدّد تجاه الآخر الديني حتى داخل الاطار الاسلامي .. " وبمثل هذا الأسلوب عموما " تسربت السلفية الى الاخوان في سياق سياسي واجتماعي دقيق داخل المملكة ، فوجود النساء والاسر الاخوانية في بيئة مغلقة نقل اليها تدريجيا المزاج السلفي وتمظهراته الظاهرة للعيان كمثل النقاب والتشدّد في الملبس بشكل عام ، وقلت مساحات الانفتاح على الفنون والآداب وأنماط الحياة التي كانت معروفة ومقبولة لدى الاخوان .."
وفي مقال آخر لصحيفة الحياة بتاريخ 18 12 / 2010 ، تحت عنوان " الإخوان المسلمون ومسارات التحول نحو السلفية " ، يعود الكاتب الى الحديث عن نتائج تلك المرحلة فيقول أن : " الجماعة الإخوانية اليوم تميل الى السلفية أكثر مما كانت في أي وقت من تاريخها الممتد وهي سلفية في المظهر والسلوك والفكر والمعتقد أيضاً .. " ويضيف الكاتب أن ظاهرة التسلف شهدت تحولا جذريا من سلفية النشأة الصوفية الروحانية على يد مؤسسها حسن البنا ، الى السلفية الوهابية التي بدأت تظهر في مصر حتى قبل هجرة الاخوان الى السعودية من خلال التيار القطبي المتشدّد داخل مصر الذي أدى الى أزمة 1965 .. وقد مثلت تلك الارضية ظرفا ملائما للنشاط الدعوي الوهابي بعد عودة " الكوادر الاخوانية المتسلفة " من السعودية خلال السبعينات والثمانينات ، حاملين معهم " المزاج السلفي العقدي في المظهر واللباس والسلوك .. " فكان نشاطهم بعد العودة  " الأهم والأكثر تأثيراً لأنه حدث داخل مصر وعبر شباب الجامعات  .. " .
وقد كان السعي للاختراق الجماعة على هذا النحو ، هو التفسير الوحيد الذي يمكن أن نفهم من خلاله مبررات الدعم اللامحدود الذي تقدّمه المملكة للجماعة ..
وبالفعل فقد اصبح النشاط بين صفوف الجماعات الاسلامية محكوما بالتجاذبات الفكرية والايديولوجية التي كانت تميل ـ حسب الكاتب ـ الى السلفية الوهابية من خلال اختراقاتها الواسعة للاخوان ، ومن خلال التسريبات الهائلة للمراجع السلفية بين صفوفهم ، فضلا عن القدرة الفائقة للسلفية على ممارسة التخفي والكمون حتى تحقيق أهدافها ..
وهكذا كانت الساحة السياسية في مصر منذ فترة الخمسينات الى اليوم ، ساحة مفتوحة ، لا تعكس فقط ما يحدث في الداخل من تجاذبات سياسية داخلية خاصة بمصر وحدها ، بقدر ما كانت تعكس البعد القومي للصراع باوجه مختلفة قد تكون موجات التدخل الوهابي خير مثال على ذلك ..
وقد ساهم في هذا ـ حسب المؤلف ـ عدة عوامل منها الفورة البيترولية الصاعدة التي عرفتها المملكة ، وانكسار المشروع القومي بعد غياب عبد الناصر ، وانخراط مصر السادات في سياسة الأحلاف الرجعية مع الولايات المتحدة التي وجّهتهم لمواجهة الاتحاد السوفياتي تحت لافتة محاربة الشيوعية ، وتراجع دور مصر البارز من المشهد الديني على المستوى العربي والافريقي بعد شل دور الازهر في نشر الاسلام المعتدل تاركا المجال لبروز الدور الوهابي خارج حدود المملكة بما في ذلك مصر .. 
ثم يواصل الباحث اثارة العديد من التفاصيل والجزئيات الخاصة بالمراحل التي مر بها المجتمع في مصر بشكل خاص كنموذج للنشاط السعودي الوهابي داخل المجتمع العربي عموما ، وهي اساليب اعتمدتها الحركة الوهابية ايضا خارج مصر في العديد من الدول العربية والاسلامية الاخرى التي وقع فيها غزو مجتمعاتها بالفكر الوهابي مثل اليمن ودول البلقان وغيرها ..
وفي جانب العلاقة بين الاخوان والسلفية يبرز الكاتب العديد من الجوانب الحيوية التي ميزت فترات التفاعل بينهما ، بالتعاون ، والتحالف ، والاختراق  .. وهي فترة طويلة يثير فيها الكاتب العديد من التفاصيل التي مكنت الجماعات الاسلامية من التغول على المجتمع في ظل الامكانيات الهائلة التي اتيحت لها ..  

(2) .

في البداية كان موسم الهجرة الى السعودية ـ كما يقول الكاتب حسام تمام في كتابه " تسلف الاخوان " ـ سببا في تعزيز مواقعهم داخل المملكة في مرحلة أولى ، ثم داخل مصر بعد العودة في مرحلة ثانية ، حيث تمدّد وجودهم في معظم الجامعات السعودية ، وامتدّت مشاركتهم " الى الانشطة الاقتصادية التي استوعبت عددا منهم .. أبرزهم عبد العظيم لقمة ومصطفى مؤمن وغيرهم من الاخوان الذين أسسوا عددا من الشركات العامة في قطاع البناء والتشييد ، بحكم التوسّع العمراني الذي ساعدت عليه الطفرة البيترولية والارتفاع الهائل في أسعار النفط بعد حرب اكتوبر .. كذلك استوعبت أنشطة المصارف والبنوك الاسلامية قطاعا كبيرا من كوادر الاخوان في مجال المحاسبة والتجارة  .. "
ويذكر الكاتب بعض الشخصيات الأخرى التي التحقت بالمملكة مشيرا الى أن السعودية " فتحت أبوابها لاعضاء الجماعة الهاربين ومنحت جنسيتها لعدد كبير من رموزها وقادتها .."  مؤكدا أن المذكورعبد العظيم لقمة " بدأ نشاطا اقتصاديا كبيرا في المملكة حتى صار واحدا من كبار أثرياء الاخوان في العالم .."
كما نجد اشارة لهذا الرجل في تقرير بموسوعة المعرفة ، كواحد من رجال الاخوان المتنفذين في الدولة وفي مجال المال والاعمال ، فهو " صاحب مطعم جروبي بالقاهرة . ورئيس مجلس إدارة شركة المستقبل لصناعة الأنابيب وصاحب شركة مصر لمواسير الصرف الصحي صديق جمال مبارك وعمر طنطاوي " ...
ثم تشير الموسوعة الى ان " أحمد عبد العظيم لقمة المالك والممثل القانونى لـ"الشركة العربية لمنتجات الفايبر"، أحد الشركات المتعاملة مع وزارة الإسكان ، كانت لديه عدد من المشروعات المشتركة مع الجهاز التابع للوزارة في الفترة الماضية ، إلا أن الأخيرة اكتشفت  أن المواسير الخاصة بشركته ، بها عيوب فنية وتنفجر بعد مرور 10 سنوات فقط من استخدامها بالمخالفة لبنود التعاقد والمواسير الخرسانية الأخرى، مما أدى إلى إلغاء التعاقد معه .. " وهو الملف الذي تحدثت عنه روزا اليوسف بتاريخ 29 اوت 2015 تقول بان " الدولة  لم تحاسب حتى هذه اللحظة محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان الأسبق فى عصر مبارك وشريكه الإخوانى أحمد عبد العظيم لقمة عن إهدارهما أكثر من 5 مليارات  جنيه  على الدولة فى خط مياه الشرب الواصل ما بين ( طرة ) و( القاهرة الجديدة ) والذى تقوم القوات المسلحة حالياً بإحلاله وتجديده  خصماً من خزانة الدولة للمرة الثانية  .. " .
والواقع ان  قوة الجماعة  ـ كما يقول تقرير موقع الموجز الالكتروني ـ تتمثل في كونها " ليست مجرد مجموعة أفراد وإنما هي تنظيم كامل تتفرع عنه تنظيمات وقيادات مهمتها توفير الأموال لتحقيق أهدافها مهما كان الثمن " ..
وفي هذا الصدد يعرض التقرير فكرة وافية عن مصادر التمويل سواء داخل مصر أو خارجها وهو ما جاء ايضا في تقرير الدكتور عادل عامر الخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية بعنوان رجال الاعمال الاخوان في مصر ، ويأتي في المقدمة من تلك المصادر التبرعات التي يقدمها رجال الأعمال بنسب متفاوتة تصل الى 10%  من ارباح الشركات التابعة لرجال الأعمال المنتمين للاخوان مثل : ابراهيم كامل صاحب بنك دار المال الاسلامي وصفوان ثابت عن مجموعة شركات جهينة ، والراحل عبد المنعم سعودي صاحب توكيل السيارات ، ومدحت الحداد رئيس مجلس إدارة الشركة العربية للتعمير ومدير عام الشركة العربية للاستيراد والتصدير، وممدوح الحسيني صاحب شركات الاستثمار العقاري، وأحمد شوشة الشريك المتضامن في شركة المدائن للإنشاءات والتصميمات وعضو مجلس إدارة شركة الملتقي والتي من خلالها تم تنفيذ العديد من المشروعات الصناعية والمستشفيات والأبنية التعليمية والإدارية والخيرية والمساجد والأبراج السكنية وهو عضو مؤسس وعضو مجلس إدارة شركة الملتقي العربي وعضو مؤسس في شركة الطباعة والنشر ... كما يذكر التقرير حسن مالك وخيرة الشاطر باعتبارهما أهم رجال الاعمال نظرا لاتساع معاملتهما سواء داخل مصر أو في العديد من دول العالم .. " فهناك شركة فيرجيينا للسياحة التي أسسها حسن مالك ، وشاركه فيها مصطفي ندا شقيق الاخواني المعروف يوسف ندا صاحب بنك التقوى ، ثم تنازل له عنها .. وتملك هذه الشركة قرية سياحية تسمّي « الياسمين » في طريق مرسي مطروح، وهناك الشركة المصرية للتجارة والتوريد « رواج » التي تملك توكيل مفروشات وأثاث " الاستقبال" التركي ، ويملكها حسن مالك أيضا ، إضافة إلي توكيل "سرار" للملابس التركية الجاهزة ، وتوكيل ماركة الملابس الكاجوال الشهيرة باسم "داليدرس"، إضافة إلي شركة «حياة» للأدوية ويشترك في ملكيتها خيرت الشاطر وشركاء آخرين .. ويشترك  الشاطر أيضاً في شركة «إم سي آر» للمقاولات وهي تعمل في قطر وجيبوتي .. كما يمتلك أيضاً أسهما في شركة "المدائن " للإنشاءات .. الخ .. وكل هذه الشركات في الواقع لا تمثل ـ كما تقول التقارير ـ الا جزءا يسيرا جدا من امبراطورية الاخوان المالية التي تضخ نسبا عالية من ارباحها  في خزينة التنظيم ، والتي وقع ضبط قائمة طويلة منها ومن ممتلكات الاخوان بشكل عام  بعد ثورة 30 يونيو ليطبق عليها أمر الرقابة والحضر بعد تصنيف الاخوان تنظيما ارهابيا بسبب الأحداث الدامية التي شهدتها مصر، والعمليات الارهابية التي استهدفت الأمن والجيش ...
ففي تقرير اليوم السابع ليوم 19  / ماي  / 2015 المتعلق بالحكم الصادر عن محكمة القاهرة للأمور المستعجلة والخاص بحضر أنشطة الجماعة والتحفظ على أموال قياداتها نجد أن " لجنة التحفظ على ممتلكات الإخوان برئاسة المستشار عزت خميس ، مساعد أول وزير العدل ، نجحت فى حصر ما يقرب من 95 % من إجمالى أموال قيادات الجماعة الإرهابية ، سواء العقارية أو السائلة أو المنقولة ، وكذلك الأسهم والسندات والحسابات السرية بالبنوك والشركات ، التى تقدّر بنحو 30 مليار جنيه يملكها 1200 قيادة إخوانية بعد رفع أسماء 7 منهم بعد تقدمهم بتظلمات على القرار، كما قامت اللجنة بالتحفظ على أموال 1174 جمعية ، تم رفع 41 جمعية منها ، ليصبح عددها بعد ذلك 1133 جمعية . ومن الممتلكات الإخوانية التى قرّرت اللجنة التحفظ عليها المستشفيات والمستوصفات الطبية التى تبين قيامها بتسريب أموال منها لتمويل العمليات الإرهابية التى تقع داخل مصر، حيث بلغ عدد المستشفيات المتحفظ عليها 42 مستشفى ومستوصفا طبيا ، وبالنسبة للمدارس فقد تحفظت اللجنة على 92 مدرسة تم رفع التحفظ على 7 منها ، ليصبح العدد 89 مدرسة ، والتى فيها تم عزل نحو 70 % من مجالس الإدارات القديمة التابعة للإخوان ، وتعيين بدلا منها ، إلا أن باقى المدارس مازالت الإدارات القديمة تعمل بها ، والتى تبين بعد ذلك قيامها بتسريب الأموال للعمليات الإرهابية . ورصدت التحريات الأمنية والرقابية امتلاك الجماعة 460 سيارة تم التحفظ عليها وتسليمها للدولة ، فضلًا عن التحفظ على 415 فدانا ، بينما تم التحفظ على 520 مقرا لحزب الحرية والعدالة و54 من الجماعة على رأسها مكتب الإرشاد بالمقطم "..  وهي أرقام لا تزال تخضع لمطالب التظلم والاعتراض والتحريات والبحث عن اساليب التخفي والتخارج من الشركات وغيرها من الطرق ..
كما نجد تفاصيل هامة جاءت في التقرير المنشور على المواقع الالكترونية لـ " مركز المساعدة والدراسات الإستراتيجية الأمريكية " للكاتب " دوجلاس فرح " والذي يشرح فيه بالتفصيل علاقة التنظيم العالمي للإخوان بالشركات الكبرى ونسبة مساهمته فيها ومصادر تمويل هذا التنظيم ،  يقول : " من المعروف أن تنظيم الإخوان المسلمين الدولي قد أنشأ هيكلاً موازيا في الخارج بعيدا عن الدول الأصلية التي نشأ وتوغل فيها هذا التنظيم ، مثل مصر والأردن وغيرهما ، كأساس لعمليات مصرفية وشركات ومشاريع عملاقة تقدر بمليارات الدولارات ، والتي أصبحت جزءا لا يتجزأ من قدرتها على إخفاء ونقل الأموال من وإلى جميع أنحاء العالم .." كما يضيف هذا التقرير  أن " السجلات العامة الأمريكية تظهر امتلاك شبكة الإخوان المالية للشركات القابضة والشركات التابعة ، والمصارف والمؤسسات المالية التي تمتد إلى بنما ، وليبيريا ، وجزر فرجن البريطانية ، وجزر كايمان ، وسويسرا، وقبرص ، ونيجيريا ، والبرازيل ، والأرجنتين ، وباراغواي ، ودول أخرى كثيرة .. وفي هذا الصدد يذكر دوجلاس أسماء معروفة في التنظيم العالمي للاخوان ودورها في التمويل عن طريق المشاريع الكبرى التي تديرها بكفاءة عالية في العديد من الدول بعيدا عن أنظار المراقبين  فيقول :  " وتلمع أسماء من أعضاء التنظيم الدولي للإخوان كمديري اقتصاد ، مثل " إبراهيم كامل"، وهو مؤسس بنك " دار المال الإسلامي " ، ومقره الرئيسي في ناساو بجزر البهاما ، كما أنشأ كل من يوسف ندى ، وهمت غالب " بنك التقوى" ومقره أيضا في ناساو بجزر البهاما ، وبالمثل أسس نصر الدين إدريس " بنك العقيدة الدولي" في ناساو بجزر البهاما " ..
وفيما يخص بنك التقوى مثلا نجد شرحا وافيا من الدكتور يوسف القرضاوي ورد في موقعه على الانترنات يذكر فيه عددة جوانب بعضها يتعلق بالتسمية ، وأخرى تتعلق بظروف التاسيس ، وبعضها الآخر يتعلق بفروعه وأنشطته والمكتتبين فيه .. فنجده  يعارض طريقة الاعلان عن المسؤولين والمشتركين خوفا من التضييق عليهم مخاطبا المسؤول الأول يوسف ندى قائلا له :
كنت أود ألا تعلنوا على الناس هذه القائمة من الإسلاميين من أقطار شتى، فكأننا نزفهم إلى رجال المباحث وأمن الدولة " .. فيجيبه محدثه : "  أردنا أن نعطي جماهير الملتزمين بالإسلام : أن هذا البنك مؤيد ومشجع من كل شخص غيور على الإسلام ، عامل لخدمته " .
فيجيبه الدكتور القرضاوي : " لا شك أن هدفكم نبيل ، وأن نيتكم كانت صالحة ، ولكنها قدمت خدمة للمتربصين بالدعوة الإسلامية ، والحركة الإسلامية . ولعل الله تعالى يجزيكم بحسن نيتكم ، ويعمي أعين الكائدين للإسلام وأمته عنكم " .. 
ولعل السؤال الذي يمكن أن يخطر ببال اي انسان : لماذا يخاف القرضاوي على هؤلا الناس لو كان البنك بعيدا عن الشبهات .. الا يعني هذا أن البنك مشبوه عند اصحابه قبل غيرهم من الناس  ..؟؟
وبعد نقاش طويل حول موضوع الانظمام الى هيئة الاشراف على البنك ، واقتناع القرضاوي بالانضمام فعلا ، يعرض لنا الدكتور خسارته الكبيرة في البنك هو وافراد عائلته بعد الاعلان عن افلاسه .. !!  حيث يقول : " لقد كانت خسارتي أنا وأبنائي وبناتي كبيرة بخسارة بنك التقوى، فقد وضعنا فيه في النهاية جل مدخراتنا ، وهي مبالغ كبيرة بالنسبة لنا ، ولم يقدر لنا أن نصرف بعض الأرباح ، كما فعل بعض المودعين ، بل ما تحقق لنا من أرباح وضعناه في مضاربات البنك . ولا يسعنا إلا أن نحتسب ما أصابنا عند الله سبحانه ، وندعوه جل شأنه أن يعوّضنا عن خسارتنا ، في الدنيا والآخرة " .
هل هذا ما حصل فعلا ؟؟
قد يكون ..
غير أن هذا الأمر ليس هو المهم .. لان الشبكة العنكبوتية للمشاريع والدعم والتمويل والاستثمارات لا تنحصر في بنك أو مصرف أو مشروع هنا أوهناك .. بل تنخرط فيها دول ومنظومات استراتيجية معدة للمنطقة كاملة تدعمها جهات رسمية إقليمية و دولية على المدى القريب والبعيد ...


(3) .


لهذا تجندت قوى متعددة رغم اختلاف أهدافها لتصفية كل القوى الوطنية والقومية متحالفة فيما بينها للوصول الى تحقيق تلك المصلحة المشتركة : الولاء ، والتمكين .. حيث تتعهد الجهات الطامعة في ثروات الأمة بحماية القوى الرجعية وتمكينها من البقاء على رأس السلطة في كل قطر ، مقابل تعهد تلك الجهات بالطاعة والولاء ، واقتسام المنافع ..
وفي هذا الاطار استسلمت قوى الاسلام السياسي للواقع بعد الوصول الى السلطة سواء في مصر أو في تونس ، فعملت على ايقاف المسار الثوري مكتفية بالنتائج المتحققة التي اوصلتها الى السلطة لتتحوّل بعدها مباشرة الى أنظمة  أسوء من التي قامت عليها الثورات ، انسجاما مع  طبيعتها الرجعية في خياراتها ، وتحالفاتها ، واصطفافها ، وخضوعها ، من ناحية ، وتعويلا على ما تملكه من امكانيات مادية واعلامية تفوق في ضخامتها قدرات بعض الدول من ناحية اخرى ..
وفي سياق الحديث عن الامكانيات المادية ، نجد في العدد 9825 للعرب الدولية ، الصادر بتاريخ 11 / 2 / 2015 ، تقريرا تحت عنوان : " مصادر تمويل الإخوان المسلمين ، جمعيات وتنظيمات عابرة للقارات " جاء فيه : "  كان معرض القاهرة للكتاب فرصة لمناقشة كتاب " اقتصاديات الإخوان في مصر والعالم " ، للدكتور والخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق حيث أبرز أن عناصر ارتكاز الجماعات الإسلامية هو المسجد ، باعتباره مكانا للتعليم والتثقيف الديني والتعبئة ، ومكانا للحصول على موارد من التبرعات ، مشيرا إلى أن أوروبا بها ثلاثة آلاف مركز، وهي مراكز للحركة أيا كان غرضها، وبالتالي فعدد المسلمين السُّنَّة المتردّدين على المساجد يتراوح بين 2 مليون أو 3.6 مليون مسلم طبقا لدراسات نشرت خارج مصر .  
وهذا يفيد أن هذه التنظيمات وهي الإخوان والجماعات الإسلامية تتحرك وسط هذه الكتلة الاجتماعية ، ويصل المتعاطفون معهم من 10 إلى 20 بالمائة تقريبا أي ما يعادل 150 إلى 300 ألف شخص في أوروبا ، والتعاطف يأتي في دفع أموال الزكاة .. " . ثم يضيف التقرير نقلا عن المصدر نفسه : " أما بالنسبة إلى التبرعات فقد بلغت 603 مليون جنيه سنويا، إلى جانب ربع الأرباح إجماليا والتي تحوّل من الشركات المملوكة للإخوان إلى التنظيم ، وبذلك يصل إجمالي الأرباح والتبرعات إلى 500 مليون جنيه سنويا .   
وفيما يتعلق بأموال الزكاة فقد بلغت 188 مليون جنيه سنويا من داخل مصر، أما خارج مصر في أوروبا فبلغت 125 مليون جنيه سنويا  .  
فحجم موارد تنظيم الإخوان حسب إحصائيات عبد الخالق فاروق تبلغ 7 مليارات سنويا ، فيما يبلغ معدل إنفاقه 2 مليار و573 مليون جنيه   .. !!
وتعود الصحيفة ايضا الى تقرير الامريكي دوغلاس فرح مشيرة الى ظاهرة البنوك الاسلامية التي أنشأها التنظيم العالمي للاخوان المسلمين فيقول  :  " ان الإخوان نجحوا بالتوازي مع بداية ظاهرة البنوك الإسلامية الحديثة ، التي عرفها العالم في بداية  الثمانينات من القرن الماضي ، في بناء هيكل متين من شركات “ الأوف شور”، التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من قدرتها على إخفاء الأموال ونقلها حول العالم ، فهي شركات يتم تأسيسها في دولة أخرى غير الدولة التي تمارس فيها نشاطها ، وتتمتع هذه الشركات بغموض كبير، يجعلها بعيدة عن الرقابة .. "
كما يعرض موقع بوابة الحركات الاسلامية الافكار التي جاءت في الكتاب المذكور للدكتور عبد الخالق فاروق، ومنها:
" إن موارد التنظيم تتحدد في 8 موارد : اشتراكات الأعضاء والتبرعات من الأفراد والمؤسسات ، وأموال الزكاة ، وأرباح المشروعات في خارج مصر وداخلها  .. إلى جانب عنصرين ، هما أموال الإغاثة الإسلامية الدولية ، وأموال الجهاد الأفغاني ... " .
وأضاف : "  أن الاشتراكات السنوية بلغت 87 مليون جنيه ، وتصل إلى 187 مليون جنيه بمتوسط 141 مليون جنيه سنويا .
بالنسبة للتبرعات بلغت أقلها 70 مليون جنيه ... بمتوسط 280 مليون جنيه سنويا ، إلى جانب ربع الأرباح إجماليا من الشركات المملوكة للإخوان التي تـُحوّل للتنظيم ، وبذلك تصل إجمالي الأرباح والتبرعات 500 مليون جنيه سنويا.
وبالنسبة لأموال الزكاة وفقا للتقدير بلغت 188 مليون جنيه سنويا من داخل مصر، أما خارج مصر في أوروبا فيدفعها ما يقرب من 200 ألف شخص بما يبلغ 125 مليون جنيه سنويا ، وفي أمريكا يدفع 150 ألف شخص بما يبلغ 375 مليون دولار .
وأشار فاروق إلى أن إجمالي دخل التنظيم بناء على ما سبق بلغ في حدود 6 مليارات و800 مليون جنيه سنويا ، أي حوالي 7 مليارات جنيه سنويا ..".
كما اشار التقرير نقلا عن الدكتور عمار علي حسن الكاتب و الباحث في العلوم السسياسية متحدثا عن الجمعيات قائلا : " أن الجمعية الشرعية لأنصار السُّنَّة تكفل 441 ألف و700 يتيم ولديها 24  مخبز توزعه بالمجان، وجماعة الإخوان تمكنت من السيطرة على هذه الجمعية ..
ولفت إلى أن الجماعة طبقية بامتياز، والأموال التي جُـمعت رسخت ذلك ؛ حيث ظهر أباطرة لرجال الأعمال ، لافـتا إلى أن الإخوان كانوا يستثمرون أيضا في البشر حيث يتبنون طلابا ويصرفون عليهم دراسيا ويفتحون لهم بعض المشاريع ليتم استغلالهم فيما بعد.
وأوضح حسن أن من يتحكمون في أموال الجماعة تحولوا ـ فعلا ـ إلى رجال أعمال، وهذا أعطاهم قوة مالية ونفوذا يتيح لهم الهيمنة على المجتمع ..
وقال حسن إنه لا يرى فرقا بين أموال الفرد والتنظيم ، لافتا إلى أن أموال التنظيم ليس لها مشروعية قانونية، بدليل أنهم قرروا بعد الثورة إنشاء جمعية ؛ ليكون هناك رقابة عليهم ، موضحا أنه لا يمكن مقارنة أموال الكنيسة بأموال الإخوان ، وإنما تقارن بأموال الأوقاف .
ودعا حسن إلى أن يتم إعداد كتاب آخر عن اقتصاديات السلفيين ، والطرق الصوفية ؛ لنعرف كيف تحوّل الدين من السمو الأخلاقي إلى مجرد آلية لتحصيل الثروة والجاه والمكانة في الدنيا  .."  

(4) .
  
وهكذا شرع الاخوان في بناء امبراطوريتهم المالية منذ نشأتهم ، حتى صارت أواخر القرن الماضي بلا حدود .. وقد كانت بعض مواردهم معروفة وبعضها الآخر مجهولا تماما حتى للاعضاء والقيادات .. !!  
وفي سياق نفس الحديث عن الامكانيات الضخمة التي مكـنت الحركات الاسلامية  من التغوّل ، والامتداد بالرغم مما اشتهرت به من ارهاب وتطرف وأسلوب دموي ، فاننا  نجد مبررا لكل هذا حينما نعرف ما يمكن ان يفعله المال السياسي بالناس في المجتمعات التي يتفشى فيها الفقر والجهل ، وفي هذا نجد تقريرا وافيا في الموسوعة الحرّة ( ويكيبيديا ) عن علاقة الاخوان بالنظام السعودي الذي يسعى من وراء ذلك ـ كما هو معـلوم ـ الى " تسليفهم " وتحويلهم الى الوهابية ..
تقول الموسوعة بعد التعريف بالتجمع اليمني للاصلاح الذي يصنف كحزب اخواني في اليمن أن " جذور الحزب تعود لما عرف " بالـجبهة الإسلامية" عام 1979، وهي ميليشيا مرتبطة بالإخوان المسلمين ظهرت بدعم سعودي خلال حرب الجبهة مع الجبهة الوطنية الديمقراطية المدعومة من اليمن الجنوبي .." كما يقول التقرير بأن " التجمع اليمني للإصلاح ، مُعروف منذ فترة طويلة كعميل للمملكة  ،  لعلاقة قياداته القبلية والعسكرية والدينية بالسعودية منذ الستينات ، وقد طوّر الحزب علاقة زبائنية خاصة معها وإن لم يكن الوحيد. واعترفت قياداته بتلقي مرتبات من الحكومة السعودية  كما تموّل المملكة العديد من المدارس الوهابية التي يديرها الحزب بشكل غير رسمي . وهي مدارس تــُـتـهـم بتفريخ إرهابيين ومتطرفين .."
وفي جانب التعريف أكثر بالحزب يقول نفس المصدر : " برغم تصنيفه أنه الفرع اليمني للإخوان المسلمين ، ولكنه في الحقيقة خيمة كبيرة تشمل الإخوان والوهابية ومصالح قبلية وتجارية وعسكرية مختلفة ، فهو لا يشبه الأحزاب الإسلامية في المنطقة العربية ، و يمكن تعريفه بأنه ائتلاف معقد بأجندات مركبة " .
و في دراسة أعدها  عمرو  حمزاوي لمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ، يقول عن مواقف الحزب : " أن مكونات هذا الحزب المختلفة منعته من تطوير منصة نيابية واضحة ، فهو يوازن مصالح قبلية وسياسية مختلفة بصورة رئيسية ، ويتأرجح بين " المعارضة " وموالاة السلطة . لذلك ، لا يعرف أحد ماهية مواقف الحزب الحقيقية والحزب نفسه لا يعرف كيفية تحقيق أي كانت تلك الأهداف التي يريد تحقيقها .. "
كما تكشف الموسوعة جوانب مهمة للعلاقة بين السعودية وأطياف الاسلام السياسي في اليمن تبين بكل وضوح كيف يكون المال السياسي آداة  لصنع العملاء ، والطابور الخامس الذي تحركه الآيادي الخفية عن طريق الاموال المرصودة لخدمة أجنداتها وأهدافها .. ويقول المصدر أن " عبد الله بن حسين الأحمر وهو مؤسس الحزب ،  كان يتلقى قرابة مليون وسبعمائة ألف دولار شهريا من السعودية وهو لم يكن الشيخ القبلي الوحيد الذي يتلقى مرتبات من السعودية ولكنه الأبرز .. واعترف عضو الهيئة العليا للحزب حميد الأحمر بتلقيه رشاوى من السعوديين وقال أن هدفها هو تعبير السعودية عن "وشائج القربى"  .. !!
ويضيف نفس التقرير أن علي محسن الأحمر قد "  تلقى تمويلاً سعودياً جديرٌ بالإعتبار ، عام 1990  وخلال المراحل الأولى لتأسيس الحزب " ..
وأن " المبلغ المقدم من الحكومة السعودية لحزب الإصلاح غير معروف تحديداً، ولكنه يصل إلى 3.5 مليار دولار سنوياً لكل عملاء المملكة داخل اليمن منتمين لحزب الإصلاح وآخرين ويُعتقد أنه تم تقليص المبلغ عقب التوقيع على اتفاقية الحدود عام 2000 .. إذ انخفض راتب الأحمر من مليون وسبعمائة ألف دولار إلى ثمانمائة ألف دولار شهريا .. "
وفيما يخص الآليات يشير التقرير الى أن " اللجنة الخاصة" وهي لجنة تابعة لوزارة الدفاع السعودية،  تقوم بتوزيع الأموال والهدايا على عملاء للمملكة السعودية داخل اليمن ، هدف اللجنة من توزيع الأموال على القبائل عرقلة الحكومة المركزية  في بسط نفوذها على كامل أراض الدولة .."
وعن التغلغل السعودي في اليمن يقول التقرير أن " هناك تسعة آلاف شيخ قبلي في اليمن ، ستة آلاف منهم يتلقون  أموالاً عن طريق " اللجنة الخاصة " نقداً بدون بنوك أو تحويلات  .. "
ثم يضيف : " وفي 2005 ، قدرت أعداد متلقي الرواتب السعودية بحوالي 18,000 شخص والحكومة اليمنية تعرف ذلك بل ان علي عبد الله صالح  ، خلال مفاوضات الحدود مع السعودية ، اشترط عليها أن تدفع الرواتب عبر قنوات تتحكم فيها الحكومة اليمنية ..." !!
وفي ما يخص علاقة الحزب بالسلطة تقول الموسوعة أن " حزب التجمع اليمني للإصلاح كان "معارضة موالية "  لعلي عبد الله صالح وبديلا لحزب المؤتمر الشعبي العام سواء كان في السلطة أو خارجها وهو ما خلق مناخا ديمقراطيا مزيفاً في اليمن ويعد حزب الإصلاح  الضامن الأبرز لبقاء السعودية في هذه اللعبة .  فزبائن السعودية ليسوا حكراً على فصيل واحد ولكن حزب الإصلاح  هو الأوضح  .. ".
ولعل السلطة اليمنية التي كانت تقبل الى حد ما بالتدخل السعودي ، وتعمل على  احتوائه وتاطيره ، كانت تشعـر فعلا بالعجز على مقاومة هذا التدخل الذي أصبح متغلغلا بين صفوف القبائل  الموالية للنظام السعودي ، حيث كان التمويل السعودي للوهابية كما يقول المصدر "  مستعملا  لممارسة ما يشبه  القوة الناعمة على اليمنيين .. " وكانت " المدارس الدينية ( الوهابية ) ، و " دور القرآن والحديث " والمعاهد العلمية كما تُسمى ، تموّل من السعودية ويشرف عليها حزب الاصلاح بشكل غير مباشر .  فتوفر هذه المدارس ميزانية مستقلة للحزب تقدر بثلاثين مليون دولار سنويا  .."
هكذا تتضح ابعاد مخطط نظام آل سعودي الذي شرع في تغيير استراتيجيته مطلع الخمسينات ، من تركيز اسس الدولة الدينية في الداخل ، الى تاسيس قوة سياسية في الخارج  تابعة له فكريا وحركيا ، يواجه بها  المد القومي المتصاعد في تلك الفترة ، والذي امتد كالنار في الهشيم من المحيط الى الخليج ، واصبح  يمثل خطرا حقيقيا يهدد عروش الانظمة الخليجية بالزوال ، باعتبار طبيعته الوحدوية .. فكان الدين ، والمذهب الوهابي هو السلاح ..
ورغم ان التقارب بين الملك عبد العزيز آل سعود و الاخوان قد بدأ منذ الاربعينات ، الا أن اسس التعاون قد اصبحت لا تقتصر على ما يجهر به كل طرف ، بل وأيضا على ما يضمره من عداء للمشروع القومي الذي بدأت تتحدد ملامحه منذ منتصف الخمسينات ، وبداية مرحلة الصدام بين ثورة 23 يوليو من جهة ، و الاخوان والنظام السعودي من جهة ثانية ..
 وتدعيما لهذا الاستنتاج ، يقول عبد الله بن بجاد العتيبي في دراسة  له  بعنوان " الإخوان المسلمون والسعودية : الهجرة والعلاقة " ، متحدثا عن  : " سعي المملكة لمواجهة المدّ الناصري الثوري خصوصاً وأنّ عبد الناصر ناصب الملكيات العربية العداء ، وكان يصفها بالرجعـية ، ويسعى للإطاحة بعـروشها ، ونجح مسعاه في ليبيا واليمن وضربت طائراته المناطق الجنوبية في السعودية ، فتبنّت السعودية دعم التضامن الإسلامي في وجه المدّ الناصري . وكان أقوى خصوم عبد الناصر في الداخل حينها هم جماعة الإخوان المسلمين ،  فكان استقطاب الإخوان على مبدأ عدوّ عدوّي صديقي .. " .
ثم ينهي العتيبي هذه الدراسة بطرح سؤال مهم يقول فيه :
" هل كانوا على وعيٍ بمحاولة عددٍ من الدول استخدامهم في ضرب التيارات القومية واليسارية فاستغلوا ذلك الوضع لبسط سيطرتهم ونفوذهم على المؤسسات وعقول الأجيال وتوفير مصادر الدخل للجماعة ...؟ " .


(5) .                  


لقد كانت العروبة ووحدة الوجود القومي  هما الأكثر استهدافا في الفترة الأخيرة ، نظرا لما شهده الوطن العربي من تصعيد وهجمات على كيانه ومصيره بشكل عام من خلال استهداف مكوّناته الاجتماعية التي استقر عليها بعد فترة طويلة من التطور والتعايش في ظل الاختلاف الديني ، والعرقي ، والمذهبي ، والطائفي مثله مثل كل الكيانات القومية التي نشأت في العالم على تلك القاعدة الجامعة ، التي صارت في المجتمعات المتقدمة علامة  تحضّر وتقدّم وارتقاء بالانسان ، حيث تتحوّل كل مظاهر الاختلاف في المجتمع الواحد الى عناصر ثراء وتنوّع  تماشيا مع سنن الحياة التي سارت على هذا النهج منذ انطلاقها قبل  ملايين السنين ..
والغريب ان الامة العربية التي كانت مركز الفعل خلال حقب طويلة لعبت فيها دورا محوريا في استقطاب وتوحيد شعوب مختلفة تحت راية الاسلام ، صارت فريسة سهلة ولقمة سائغة  لكل الطامعين حينما خرجت السلطة المركزية من يد ابنائها ، بعد فترات صعبة من الضعف والضياع ، واصبحت هي الحلقة الاضعف في دولة الخلافة والاقل قيمة عند العثمانيين الذين كما يقول الدكتور إبراهيم علوش " بفرضهم للتخلف ، وبإعادة إنتاجه على مدى قرون ، لم يحموا الوطن العربي من الأوروبيين بمقدار ما أضعفوه و نخروه ، فلما قرر الأوروبيون أن الدولة العثمانية قد استنفذت إمكانياتها التاريخية وحانت ساعتها ، وأن فائدتها كحاجز جغرافي سياسي في مواجهة روسيا القيصرية ومشاريع النهضة العربية قد نفذت ، راحوا يلتقطون الأقطار العربية كما يلتقط الضبع خرافا بلا راع ، فاحتلت مصر عام 1882 ، واحتلت السودان عام 1898 ، وفرضت اسبانيا وفرنسا الوصايا على المغرب عام 1906 ، وبدأ الاستيطان اليهودي في فلسطين في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر .."  ، وهذا فضلا عن احتلال الجزائر وتونس وليبيا وتقسيم المشرق الى دويلات ووضعها تحت الانتداب الفرنسي أو البريطاني الخ ..
 كل ذلك كما يقول علوش في عهد السلطان عبد الحميد الثاني أحد الشخصيات التاريخية التي يقدسها الاسلاميون .. !! وهي القراءة القاصرة التي لا تزال تحكم مواقفهم الى اليوم حينما يبالغون في التحالف مع تركيا باعتبار دورها القديم الذي يسقطونه على الحاضر وهي التي تتحرك في الواقع وفق ما تتطلبه مصالحها القومية الحالية ، فيضيعون مصالح امتهم بناء على أوهام دولة الخلافة التي تهاون العثمانيون في الحفاظ عليها حينما كانت السلطة بيدهم وليست بيد العرب  ..
وقد كان الخلل في فهم العلاقة بين العروبة والاسلام في مجتمعنا ، والعجز عن استيعاب تلك التحولات التاريخية الكبرى التي شهدتها البشرية ، مدمّرا للكيان القومي العربي ، الذي بقي يعاني من التناقض المفتعل في اذهان البعض بين الهوية الدينية والهوية القومية منذ مطلع القرن الماضي الذي شهد ضعف الامبراطورية العثمانية ، وتفككها ، تحت وطأة وفعالية قوانين التطور التي دفعت بالمجتمعات الى تجاوز عصر الامبراطوريات في العالم معلنة عن انتقال البشرية الى حقبة تاريخية جديدة من التطوّر في ظل موجات التوحيد القومي التي اجتاحت العالم بأكمله لتوحّد كيانات قبلية وعرقية مختلفة تحت راية واحدة هي راية الامة ، بعد أن اكتمل كيانها في هذا العصر بقيام الدولة القومية ... غير ان هذا العجز عن فهم الواقع ، لم يتوقف عند هؤلاء في حدود الجمود الفكري ، بل تعداه الى رفض مطلق لكل مظاهر الحياة العصرية .. مما أدى بالكثيرين الى الانفصال التام عن الواقع والتعامل معه كوعاء يرشح بمواد غير صالحة يجب افراغه منها ، وملأه من جديد بما عندهم من وصفات جاهزة ، وهو ما قاد في النهاية الى حملات التطهير التي واجهوا بها مجتمعاتهم في الفترة الأخيرة حيث تحولت عمليات الشحن الى آداة هدم وتدمير ذاتي لم يعرف لها التاريخ مثيلا من قبل في جميع العصور .. وهو ما حوّل هذه الجماعات الى أكبر عدو من أعداء الامة وأخطره على الاطلاق ، لما يملكه من المواصفات التدميرية الهائلة على كيان المجتمع بعكس كل القوى المعتدية الأخرى رغم وسائل عدوانيتها الحربية وهمجيتها التي عرفها مجتمعنا في بعض الفترات .. وقد تعود خطورة الجماعات الاسلامية الناشطة حاليا على الساحة العربية والعالمية الى عدة عوامل أهمها :    

أولا - اسلوب التخفي الخطير الذي تتبعه داخل المجتمع حيث يصبح النسيج الاجتماعي نفسه حاضنة طبيعية  ، تترعرع داخله ثم تنقلب عليه وتدمّره .. وهي بهذا الفعل تتحول الى وضع شبيه بالخلايا السراطانية التي تنشأ في نقطة ما من الجسم السليم ، ثم تنتشر فيه خلال مرحلة هادئة ، مليئة  بالسكون الخداع ، الذي سرعان ما ينتهي بهجوم المرض على الجسم معلنا تدميره دفعة واحدة ..

ثانيا - الحاضنة الدينية التي يتميز بها مجتمعنا حيث يمثل الحضور الديني عند المواطن العربي المسلم أحد أهم الاسباب التي يقع استغلالها في تجنيد المنتمين الى صفوفهم وبالخصوص مع غياب الوعي الديني الكامل للحدود الفاصلة بين ثوابت الدين كمجال من مجالات المحكم الذي يجب اتباعه ، وبين مجالات المتشابه منه حينما يتحول الى فقه على يد المجتهدين ، وهو الذي يمكن مخالفته دون حرج ، باعتباره مجالا من المجالات الخاضعة للتطور والتغير ، التي يصيبها من الاجتهاد ما يصيب كل مجالات الحياة في كل عصر من العصور ..

ثالثا ـ الساحة العالمية المفتوحة التي أصبحت مجالا واسعا وخصبا لتفريخ الفكر الوهابي بين أبناء الشعوب المسلمة الجاهلة تماما بلغة القرآن ، وبتاريخ الاسلام ومذاهبه وظروف نشأته ، حيث يحل الدعاة والايمة المتطرفون بين ابناء المسلمين في مساجد أوروبا ، ودول البلقان والاتحاد السوفياتي ، وافريقيا ، والهند ، وماليزيا ... وفي كل أنحاء العالم ، أين تكون السلطة المركزية في أغلب تلك الدول عاجزة عن مراقبة المساجد أو التدخل فيها وهي لا تملك مرجعية دينية ، ولا مؤسسات خاصة للقيام بتلك الوظيفة .. فيجد هؤلاء المتطرفون فرصتهم كاملة للسيطرة على المساجد ، واستغلالها في نشر أفكارهم المذهبية المتطرفة ، ذات النزعة العدوانية ، الاستئصالية التي ينسبونها  للاسلام ، فيشوّهون بها عقيدة المسلم .. وهو ما جعل للحركة الوهابية حاضنة عالمية في جميع المجتمعات .. وفي هذا الصدد نجد شاهدا على ما يجري لدى بعض الشعوب المسلمة من أنشطة دعوية متطرفة يذكرها الكاتب
 الروسي رومان سيلانتيِف الأستاذ المساعد في جامعة موسكو للألسنية في مقال بعنوان "  الحركة الوهابية في شمال القوقاز ، النشأة ، والصعود والمستقبل ، نشره موقع " الأوان " بتاريخ 25 آذار / مارس 2010 ، يورد فيه تفاصيل مهمّة عن التغييرات المذهبية التي حصلت في تلك الربوع بسبب النشاط الوهابي المكثف ، ففي الأصل ـ كما يقول التقرير ـ " ينتمي مسلمو شمال القوقاز أساساً إلى اثنين من مذاهب الإسلام السنّي ، هما المذهب الحنفي ( المنتشر في كلّ مكان ) ، والمذهب الشافعي ( الذي يعتنقه أساساً الشيشان والإنغوش وأكثر سكان داغستان) ... غير أن البداية كما يقول الكاتب ـ لم تكن بنت الأمس ... " فقد كانت هناك معلومات موثوقة منذ خمسينات القرن الماضي حول وجود خلايا وهّابية في داغستان ... تمثِّل قوّة ذات وزن ، ثم لم تلبث أن أعلنت عن نفسها بصوت عالٍ عام 1989. يومها تمكّن الوهابيون في بلدان آسيا الوسطى وداغستان من القيام بانقلابات في الإدارات الدينية في تلك المناطق وإبعاد المفتيين عن مراكزهم هناك . وسرعان ما أدّى ذلك في شمال القوقاز إلى سقوط دار الفتوى، وانشقاق المسلمين في داغستان وفقاً لانتماءاتهم القومية .. ويرتبط التزايد العاصف في عدد الوهابيين خلال أواسط التسعينات بعودة المجموعات الأولى من أولئك الطلاب الذين كانوا يدرسون في الخارج . ومن جهة أخرى، ساعد على انتشارهم نشوب الحرب الشيشانية الأولى التي قدّمت لهم عوناً جباراً في هذا المجال، وشارك فيها مئات من الوهابيين المرتزقة .... كما أنّ الوهّابيين، الذين كانوا يفضِّلون أن يسمّوا سلفيين ، أفادوا من الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد ، إذ كانت تصلهم من المسلمين في الخارج معونات مالية لا يستهان بها ساعدتهم على تجنيد أنصار جدد بسهولة . على أنّ عملية إرسال الشباب إلى المدارس الدينية في البلدان العربية وتركيا هي التي لعبت الدور الحاسم في تقوية الإسلام غير التقليدي هناك .." .

رابعا ـ الحاضنة الاجتماعية داخل المجتمع المتّسمة في أغلبها بالجهل والفقر معا ، وهما العنصران اللذان يسهل بهما اختراق تلك الفئات البسيطة من الناس ، تحت وطأة الحاجة ، حينما يتم استغلال سلاح المال من طرف تلك الجماعات .. وهو ما يعيدنا في النهاية الى مصادر التمويل ..

وبالفعل فقد كان الحديث في الحلقات السابقة في مجمله عن التنظيم العالمي للاخوان المسلمين ، ووسائله المختلفة في جمع المال ، في حين تتحدث العديد من المصادر عن موارد أخرى بالنسبة للجماعات المتطرفة قد تكون أكثر سخاء عليهم لغزو المجتمعات بالمال الفاسد ، حيث يبدو أن العبرة بالنسبة لهم تكون بالنتائج التي تتحقق في الواقع ، لا بالأخلاق .. فما هي اذن مصادر التمويل عند هذه الجماعات ..؟؟


(6) .
                                     

لم يبق من هذا الحديث المطول عن الحركات الدينية غير النهاية ، بعد أن عرضنا جزءا مهما وغامضا من تاريخها وهو المتعلق بمصادر تمويلها التي استطاعت من خلالها أن تغزو العالم باكمله ، غير أننا لا يمكن أن ننهيه دون الحديث عن مصادر أخرى قد تكون أكثر اهمية من ناحية خطورتها على السلم العالمي من جهة ، ومن ناحية ضخها للاموال بطريقة خيالية من جهة ثانية ، مثلما  تقول العديد من التقارير ..
ففي ملف تمويل الارهاب على موقع بوابة الحركات الاسلامية نجد تفاصيل مهمة تتحدث عن بعض المصادر الأساسية للتمويل عند الجماعات الارهابية ومنها تجارة المخدرات التي تضخ امولا طائلا حيث ترتبط هذه الجماعات بعصابات التهريب عبر الحدود ، وبشبكات المافيا التي تروج المخدرات في جميع انحاء العالم ..  ويعرض الملف في هذا الجانب قول الارهابي وعضو تنظيم القاعدة أيمن العولقي : " ان هناك 44 طريقة لدعم ما أسماه " الجهاد "، كانت على رأس هذه الوسائل 10 إستراتيجيات ركزت على المال " ..
وفي هذا الخصوص ايضا حسب نفس المصدر فانه وفقاً لـ "إدارة مكافحة المخدرات" الأمريكية ، فإن 19 منظمة ، من بين 43 منظمة تم تصنيفها كمنظمات إرهابية أجنبية ، ترتبط فعليا بتجارة المخدرات العالمية ، غير أن 60% من هذه المنظمات ترتبط بصناعة المخدرات أيضاً بخلاف التجارة  فيها .. "   
 وفي تقرير صادر عن الامم المتحدة ورد بنفس المصدر ـ يقول الملف ـ أن " عائدات تجارة المخدرات كنشاط غير مشروع  قدرت بـنحو 322  بليون دولار، لذلك اعتبرت المخدرات التجارة الغير مشروعة الأكثر ربحاً في العالم قبل حتى التجارة في الأسلحة .. " . وبنفس الطريقة تقريبا سعت الجماعات الارهابية  لدعم مداخيلها عبر وسائل الارهاب التي تتخذ منها وسيلة اساسية في الحصول على المال منها ايضا اختطاف الاجانب كرهائن يقع تحريرها بمالغ خيالية أو قتلها بدم بارد ، للمزيد من الضغط على الحكومات والجهات المعنية  في المرات اللاحقة  .. وفي هذا الصدد نجد على موقع الشرق العربي وموقع رويترز تقريرا للخارجية الامريكية حول الارهاب  يتحدث عن عدد الضحايا والمخطوفين  في سوريا خلال السنة الماضي يقول : " إن عدد الهجمات الإرهبية بلغ 13463 هجوما بزيادة 35 في المئة على 2013 أسفرت عن سقوط 32700 قتيل بزيادة 81 في المائة "... ثم أضاف " أن أكثر من 9400 شخص خطفوا أو احتجزوا رهائن بأيدي المتشددين وهو ثلاثة أمثال المعدل بالمقارنة بالعام السابق . "  ويذكر مركز ( DW ) الاعلامي الالماني في تقرير بعنوان أموال القاعدة من أين أن"  ندوة مكافحة تمويل الإرهاب في  9 سبتمبر 2011 التي استضافتها وزارة الخزانة الأميركية ، قد شهدت تركيزا على أساليب المنظمات الإرهابية الجديدة في البحث عن مصادر تمويل ، من خلال خطف السياح وطلب الفدية والسطو على البنوك والاتجار في المخدرات والبشر " . وحسب التقارير الامريكية والدولية فان تنظيم القاعدة الذي وقعت محاصرته بسبب سياسة " تجفيف منابع الارهاب المضروبة حوله بجميع  المؤسسات المالية في العالم ، فانه قام  بنقل انشطته الى عدة مواقع في افريقيا مثل السواحل الصومالية والمناطق الصحراوية التي يتم فيها اختطاف الاجانب مقابل فدية طائلة كما يقول  مايكل جاكوبسون  ، المتخصص في  تمويل الإرهاب في الخزانة الأمريكية : " لقد أصبح هناك العديد من الخلايا على اتصال بتنظيم القاعدة ، ولكنها تقوم بتمويل عملياتها من خلال الخطف والاحتيال وتهريب المخدرات ، وتشير التقديرات إلى أنه منذ عام 2007 استطاع تنظيم القاعدة في المغرب العربي تحقيق تمويل ضخم وصل إلى حوالي 130 مليون دولار من أعمال الخطف ومساعدة تجار المخدرات ... "
وبحسب تصريحات مستشار الرئيس الجزائري " كمال رزاق بارة " كما يقول تقرير البوابة الاسلامية " فإن عمليات الاختطاف التي استهدفت غربيين في الساحل الإفريقي جلبت للإرهابيين أكثر من 150  مليون يورو في الخمس سنوات الأخيرة فقط في منطقة الساحل المغربي ..  وهو ما يتكرر بشكل مستمر في بلاد ، مثل اليمن  وليبيا ، حيث سبق للتنظيم في اليمن أن حصل على 6 ملايين يورو عند إطلاقه سراح 3 من الرهائن الفرنسيين عام 2011 ، والحصول على 10 ملايين دولار من الحكومة السعودية ، مقابل الإفراج عن الدبلوماسي السعودي عبد الله الخالدي عام 2012 ، وتعتبر هذه مجرد أمثلة بسيطة للأرباح الطائلة التي تجنيها القاعدة من عمليات الخطف وحدها . 
وفي مجال المخدرات أيضا ، ينقل المركز الالماني للاعلام تفاصيل ما يسمى بـ " عملية نيسي " في اسبانيا حيث تمكنت الشرطة هناك من ضبط 22 طنا من الحشيش ومليوني يورو واعتقلت مائة شخص من الخلية  التي تم كشفها وتفكيكها خلال العملية .. ويقول الخبير في شؤون الإرهاب كارلوس ايشفيريا  في حوار مع " أي آر دي" ( القناة الألمانية الأولى) بأن " الحشيش يزرع بكميات كبيرة في شمالي المغرب حيث توجد مجموعات إسلامية متطرفة ، تزداد شعبيتها باستمرار" ويتابع بأن الإسلاميين لا يترددون في تمويل نشاطاتهم من المخدرات ، رغم أن ذلك مخالف للشريعة الإسلامية " ..  ويواصل التقرير قائلا : " ان أكثر ما يثير قلق الخبراء في شؤون الإرهاب هو مدينتا سبتة ومليلة  ، حيث تعتبر سبتة مركزا  لتجارة المخدرات ، ففي هذه المدينة الصغير التي لا يتجاوز عدد سكانها الـ 80 ألف نسمة تم عام 2013 التبليغ عن 900 عملية تهريب للمخدرات ، وعلاوة على ذلك تعتبر سبتة معقلا للجماعات الإسلامية .."
أما في أفغانستان الموقع الرئيسي لتنظيم القاعدة وطالبان ، فانها ـ حسب تقرير البوابة الاسلامية ـ البلد الذي " يتصدر قائمة الدول الأكثر إنتاجاً للحشيش في العالم في العام 2010 .. وفي تقرير صدر عن منظمة الأمم المتحدة تم رصد احتلال أفغانستان المرتبة الأولى لإنتاج الحشيش ، إلى جانب مركزها الأول كمنتج  للأفيون ، العنصر الاساسي  في إنتاج الهيروين ، والجدير بالذكر أن كيلو الهيروين يتكلف من 4000 إلى 5000 دولار، بينما يتم بيعه بسعر خيالي يبلغ ما بين 250 ألفا إلى 300 ألف دولار .. وتؤكد تقارير الأمم المتحدة أن محصول الأفيون سيصل إلى 6100 طن سنويًّا ، والنسبة الأعلى منه تأتي من جنوب البلاد الخاضعة لسيطرة حركة طالبان المتحالفة مع تنظيم القاعدة ، ولا يخلو في أقاليم أفغانستان الـ34 من زراعة الأفيون سوى 6 أقاليم فقط ، ما يعني أن البلاد كلها تزرع الخشخاش وتصدره للعالم .ويكفي معرفة أن تفجيرات قطار مدريد في عام 2004 التي قتل فيها 191 شخصاً والمتورط فيها تنظيم القاعدة ، تم تمويلها بصورة جزئية من مبيعات التنظيم للحشيش ، إلى جانب تهريب " الأقراص المضغوطة " المزيفة .." 
وبالاضافة الى ذلك فان جل شبكات التهريب في العالم لا تخلو من ناشطين تابعين للتنظيمات الارهابية بجميع انواعها ، يعملون في مجالات مهمة منها تجارة الاسلحة وتهريب التبغ .. وحسب  تقرير بوابة الحركات الاسلامية   فان " تنظيم  " القاعدة " يعتمد بشكل أساسي على زراعة التبغ وتهريبه خاصةً في منطقة شمال إفريقيا ، ففي  الجزائر ومصر وليبيا  والمغرب  وتونس  فقط  تبلغ نسبة المستخدمين للتبغ نحو 44 % من الاستخدام الكلي لإفريقيا ، وهو ما فتح أكبر الأسواق السوداء للتنظيم للتجارة في التبغ المهرب ، وقد نشرت صحيفة " الأوبزرفر" البريطانية تحقيقا حول تأثير تهريب السجائر على إشعال عنف المتطرفين في إفريقيا ، يقول : إن تجارة التبغ غير المشروعة تحقق مليار دولار في شمال إفريقيا وحدها  ..  
 وقد لمع في هذه التجارة عضو تنظيم القاعدة في الجزائر "مختار بالمختار" الذي لقب بـ" السيد مارلبورو" ، بسبب تكوينه لثروة طائلة من هذا النشاط .. "
وفي مجالات أخرى ، وحسب التقرير السنوي للخارجية الامريكية الذي نقله مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية ، فان تنظيم داعش استطاع جمع  مبالغ  مالية طائلة من جميع انحاء العالم متبعا " نظام تمويل معقد ومتنوع ، يبدأ من منظمات “واجهة ” تعمل تحت غطاء مؤسسات خيرية ليصل إلى عمليات بيع النفط في السوق السوداء وفرض ضرائب على سائقي الشاحنات المحليين وأصحاب الأعمال وموظفي الحكومة السابقين . ولسوء الحظ ، تنبثق غالبية إيرادات الجماعة من موارد محصنة بمعظمها من التدابير التقليدية المعتمدة لمحاربة تمويل الإرهاب . على سبيل المثال، كان تنظيم «القاعدة» يعوّل بشدة على مانحين أثرياء في الخليج ، مما جعله عرضة لإجراءات وزارة الخارجية الأمريكية المتخذة من خلال الأنظمة المصرفية الرسمية.
 وفي المقابل ، يجمع تنظيم « الدولة الإسلامية » الجزء الأكبر من أمواله من داخل الأراضي الخاضعة لسيطرته. فمن الصعب استهداف العائدات من الأراضي المحلية – عن طريق أنشطة متنوعة مثل الابتزاز والجريمة وفرض الضرائب على السكان المحليين ، وبطبيعة الحال ، عن طريق بيع النفط والقطع الأثرية ,, كما وسع تنظيم « داعش » إلى حد كبير قاعدة إيراداته ، عبر “استيلائه على أراضي في العراق وسوريا على نحو غير مسبوق” . وقد حقق أعظم مكسب مفاجئ له على الأرجح من خلال استيلائه على الموصل في حزيران / يونيو  2014 ، الأمر الذي سمح له بنهب المصارف بحرية وفرض ضرائب على العمليات التجارية وابتزاز السكان . وفي حين من المستحيل معرفة الأرقام الدقيقة ، تقدّر وزارة الخارجية الأمريكية أن “ تنظيم «الدولة الإسلامية» قد حصل ما يصل إلى عدة ملايين من الدولارات شهرياً بواسطة شبكات الابتزاز المتنوعة والنشاط الإجرامي في الأراضي التي نشط فيها " .. وفي مجال تهريب النفط فان عائدات تنظيم داعش تقدر بارقام خيالية ، خلال السنوات الاخيرة التي سيطر فيها على مناطق واسعة من العراق وسوريا ، يقول تقرير جريدة الغارديان البريطانية المنشور بتاريخ 20 نوفمبر 2014 على موقع " التقرير" حول موضوع التهريب ، بأن هذا التنطيم الارهابي قد شدد قبضته " على  موارد النفط في العراق ، وترأس  إمبراطورية معقدة من التهريب مع تصدير غير قانوني لتركيا والأردن وإيران ، بحسب مهربين ومصادر عراقية رسمية .. " ثم يضيف نفس التقرير بأن المسلحين الذين يسيطرون على عدد هام من حقول النفط  ، قد  " استطاعوا تشغيلها خلال مدة قصيرة ، ثم استطاعوا عمل شبكات تجارية في شمال العراق ، حيث كان التهريب حقيقة حياتية هناك لسنوات .. ومعظم هذا النفط  يذهب الى كردستان العراق .. ثم  يباع مجددا لتركيا وإيران " وهو ما جعل تنظيم داعش يخصص رواتب عالية تقدر بـ "  500 دولار للمقاتل ، و1200 دولار تقريبًا للقائد العسكري .. !!   
 وفي تقرير صحفي لصوت روسيا نشر على موقعها في 1 اكتوبر 2014 " فإن داعش تستمر باستخراج نفط العراق وتنقله علناً عبر الشاحنات إلى تركيا ومنها إلى إسرائيل .."
وحتى ننهي هذا الملف الشائك فاننا يمكن ان نعرّج على تدفق الاموال من الدول الخليجية بشكل رئيسي كما تقول التقارير الدولية المتابعة لنشاط الجماعات الارهابية .. حيث يمكن تصنيف هذا الدعم الى صنفين :
صنف تدعمه الدول والحكومات اما بشكل مباشر عن طريق المساعدات المالية والاسلحة كما تفعل الدول الخليجية مثل قطر والسعودية والكويت والامارت مع اختلاف في الجهات التي تتولى دعمها ، أو بشكل غير مباشر كما تفعل بعض الدول الاخرى عن طريق تسهيلات الدخول والايواء وجلب المتطوّعين والتبادل التجاري معها مثل بيع النفط وشراء الاسلحة والتهريب ، وغيرها من المعاملات التي تقوم بها دول مثل تركيا والاردن والكيان الصهيوني .. 
أما الصنف الثاني من الدعم  فهو يأتي من الحاضنة الشعبية في الدول الخليجية وغيرها التي تقوم بتنشيطها الخلايا النائمة والداعمة للارهاب في هذه الدول والتي ينخرط فيها ممولون وداعمون للارهاب على أعلى مستوى ، من الوزراء ، واعضاء مجالس نيابية ، وكبار المسؤولين في الدولة فضلا عن الشرائح الاجتماعية الأخرى  ..
وفي هذا الصدد يقول تقرير صوت روسيا المذكور أن : " الأمير عبد الرحمان السعودي  يعتبر المموّل واللاعب الأساسي للتنظيم فهو شقيق وزير الخارجية وشقيق سفير الممكلة السعودية في واشنطن .. "
 كما تتناقل اغلب المواقع الالكترونية تقرير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية الذي جمع عدة معلومات مهمة حول تورط بعض الشخصيات البارزة في قطر المورطة في تمويل الارهاب ، ويذكر منها التقرير عبد الرحمان النعيمي الذي كان يرأس " المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة ، والذي يرأسه حاليا "  عزمي بشارة " .. وهو ـ كما يقول التقرير ـ  من مؤسسي مجموعة " الكرامة " الحقوقية بجنيف ، ومن المشاركين في عدة حملات ومنظمات خيرية ورياضية ..  ويعتبر النعيمي حسب هذا التقرير الامريكي ، من بين كبار الشخصيات الممولة للارهاب ، فهو الذي " حوّل ملايين الدولارات ، خلال أكثر من عشر سنوات ، إلى مجموعات تابعة لـ" القاعدة " في العراق ، وسوريا ، واليمن والصومال ... كما موّل " عصبة الأنصار" في لبنان المرتبطة بـ" القاعدة " والموضوعة على اللائحة السوداء منذ عام2001 .. وأعطى مبلغ مليوني دولار شهرياً لـ" القاعدة في العراق" .
وفي الفترة الأخيرة أرسل مبلغ 600 ألف دولار إلى " أبو خالد السوري" مبعوث أيمن الظواهري في سوريا .. وأعطى كذلك في وقت سابق 250  ألف دولار لقادة حركة " الشباب " الصومالية ... كما يذكر التقرير احد أرفع موظفي الدولة  القطرية وهو محمد تركي السبيعي الذي كان يعمل في المصرف المركزي القطري وهو متهم من طرف واشنطن بأنه قام بـ " تقديم دعم مالي لخالد الشيخ محمد  أحد مهندسي هجمات 11 سبتمبر 2001  " ،  كما تتهمه واشنطن بـ  « نقل الإرهابيين الذين يتمّ تجنيدهم  بمراكز تدريب «القاعدة» في باكستان . كذلك عمل كصلة وصل دبلوماسية بين « القاعدة » وأطراف أخرى في الشرق الأوسط " .. 
وبعدها ـ يقول التقرير ـ " وضعته الأمم المتحدة بدورها على لائحة «القائمة» السوداء . ورغم تعهّد السلطات القطرية بـ « إبقائه تحت السيطرة» ، تمّ عام 2014 القبض على شخصين أردنيين يحملان الهوية القطرية وقالت واشنطن إنهما عملا مع السبيعي عام 2012  وقاما بنقل مئات آلاف الدولارات إلى « القاعدة » في باكستان ..."

هذا " غيض من فيض " ... وقد يصدق هذا المثل على كل المعلومات التي جمعناها حول مصادر تمويل حركات الاسلام السياسي التي اصبحت معروفة على نطاق واسع ، وقد كان هدفنا منذ البداية الوصول الى نفي فكرة واحدة منتشرة لدى العامة ، مفادها ان هذا المشروع الظلامي يلقى الرواج لأنه ـ فقط ـ يقنع الناس ..

( القدس (                               
                                

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق