بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 19 يناير 2025

عصمت سيف الدولة والمقاومة الشعبية في مصر : شهادات من الواقع .

  

المراجع : PDF4    PDF3    PDF2     PDF1   السفير    PDF4    WEB          

عصمت سيف الدولة والمقاومة الشعبية في مصر : شهادات من الواقع .

الشهادة الأولى ، من كتاب "قصة حياة عادية" (ص 99 و100) ، للدكتور يحيى الجمل (طبعة دار الهلال) جاء فيه : " ... كانت الحركة الوطنية تتصاعد يوما بعد يوم حتى وصلت الى أولئك التجار والمتعهدين الذين كانوا يتعاملون مع القوات البريطانية في القناة  ، فامتنعت كثرتهم عن تلك المعاملات واعتُبر من استمرّ في تعامله معهم خائنا خارجا على الاجماع الوطني معرضا نفسه لمخاطر شتى .

وتنادى شباب الحزب الوطني لإعداد كتيبة خاصة بهم ، وان صاحبنا (مؤلف الكتاب) مازال يذكر أسماء "عصمت سيف الدولة" و"أحمد مجاهد" و"حسين عنان" و"حسين محمود" وغيرهم من شباب الحزب الوطني الذين حملوا عبء تكوين تلك الكتيبة وتدريبها ومدها بقطع السلاح الصغيرة .

واتفق شباب الحزب الوطني على أن يطلقوا على كتيبتهم اسم "كتيبة محمد فريد" .... وكان المرحوم "عصمت" هو المنظم وهو الموجّه لتلك المجموعة من الشباب الوطني المتحمس . ولم يكن "عصمت" شابا عاديا بأي معيار ، كان قادرا على اثارة مشاعر متناقضة لدى نفر من الشباب الذي التف حوله يسمع له ويتعلم منه ، ويعجب لكثير من أمره في بعض الأحيان.

وعند "عصمت" في ذلك المسكن القريب من ميدان السيدة زينب ، الذي كان يتخذه بيتا ومكتبا بعد أن تخرج في كلية الحقوق ، وأنهى فترة التدريب ، واتخذ له مكتبا مستقلا للمحاماة في ذلك الموقع بالقرب من دار الهلال ومن المدرسة السنية ومن مسجد السيدة زينب . عند عصمت التقى صاحبنا ذات ليلة بضابط مهيب الطلعة له شوارب كثة في غير افتعال ، أبيض الوجه فارع الجسم ، عيناه نفاذتان وعلى وجهه وقار وايمان ، وعرف من عصمت أن هذا الضابط الكبير الذي كان برتبة "عميد" أو ما يقابلها أيام النظام الملكي - قبل 1952 - هو المسؤول عن تدريب كتيبة محمد فريد وعن تدريب غيرها من الكتائب ، التي تتوجه الى مشارف القناة ويتسلل بعض أفرادها الى معسكرات الجيش البريطاني ، ويتربص بعض أفرادها بجندي يسير منفردا فيطلقون عليه الرصاص ، ويستطيعون بذلك أو بغيره أن يحدثوا نوعا من القلق الذي قد يصل الى الذعر في بعض الأحيان وسط الجنود البريطانيين . وكانت الصحافة الوطنية تكتب أنباء المصادمات بين كتائب الفدائيين وقوات الاحتلال بغير قليل من الفخر والاعتزاز ، وغير قليل من المبالغة أيضا .

وأعجب صاحبنا بذلك الضابط الجميل الطلعة الوقور المتواضع ، ولم يخبره "عصمت" باسمه آنذاك ولكنه عرف بعد ذلك وبعد أن تغيرت أحوال كثيرة من أحوال مصر ، أن ذلك الضابط هو "رشاد مهنا" الذي أصبح بعد ذلك وصيا على عرش مصر الذي كان يجلس عليه الطفل أحمد فؤاد الثاني ملك مصر لبضعة أشهر ، الى أن ألغت الثورة النظام الملكي وأقامت مكانه النظام الجمهوري "..

الشهادة الثانية ، من مقال للأستاذ مصطفى نبيل بعنوان "عصمت سيف الدولة شيخ جبل البداري" ، نشر بمجلة الهلال بتاريخ 1 ماي 1996 قال فيه : "... وأعرف بعض تجاربه الأولى فقد كان ضمن التنظيم السري للحزب الوطني ، حزب مصطفى كامل ومحمد فريد ، بما يمثله هذا الحزب في السياسة المصرية من الطهر والبراءة والمثالية ، والتمسك الشديد بالمبادئ والتعامل مع النظرة التاريخية لا النظرة الانية ، وهم أصحاب شعار "لا مفاوضة الا بعد الجلاء" والذي يعبر عن رفضهم للمفاوضات مع بريطانيا ، وعمل الكاتب بعد تخرجه في كلية الحقوق  في مكتب أحد أقطاب الحزب الوطني وهو مكتب زكي علي باشا والذي تشرب منه "إغاثة الملهوف والوقوف مع المظلوم" .. وانتهى بكاتبنا الحال الى أن أصبح محاميا في معظم القضايا السياسية والوطنية ... وما أحوجنا الى تسجيله لتجربته عندما كان ضمن كتائب الفدائيين الذين قاتلوا الإنجليز في القناة عام 1951 ، بعد الغاء معاهدة 1936 .. كنا ننتظر روايته وأن يقدمها للأجيال الجديدة وهو من القلائل الذين يقفون مع الشباب بلا تحفظ ويؤمن بقدرته على صنع المستقبل " ..

الشهادة الثالثة ، من كتاب "الثائر الصامت" (ص 214) للكاتب عبد العزيز علي (طبعة دار المعارف) قال فيه : " وأما شباب الحزب الوطني الذين كانت لهم خبرة سابقة بالنشاط السري فقد اتخذوا من تلك الحركة الشعبية الدافقة سبيلا لتشكيل كتائب مقاومة يُنتقى أفرادها ويدرسون أفضل تدريب ويسلحون بما فيه الكفاية . وكل ذلك طبق نظام دقيق وسري ، ومبعث السرية هنا هو عدم اطمئنانهم لما كانت تتظاهر به الحكومة من الرضا على العمل الفدائي .

ويشاء القدر أن يكون الأستاذ عصمت سيف الدولة المحامي أحد أفراد هؤلاء الشبان محاميا لأسرة الضابط عبد المجيد فريد الذي توثقت بينهما الصلة خلال عمله وعن طريقه تم التعارف بين عصمت والضابط رشاد مهنا ، وأخذ الثلاثة يجتمعون بمكتب الأستاذ عصمت بشارع خيرت بالسيدة زينب يدبرون خطة اعداد المتطوعين ، واتفقوا على أن يتم اختيار الصالحين منهم بعد اختبارات دقيقة ثم يُدعون الى دروس يلقيها عليهم بالمكتب بعض الضباط والمدربين حتى اذا ما بلغ عددهم عشرين يُنقلون الى سلاح المدفعية للتدريب العملي بين الجنود ، ثم يُنقلون الى سلاح المهندسين للتدريب على المتفجرات وكيفية استعمالها .

وتكوّنت على هذا الوجه في بادئ الأمر كتيبتان تضم كل منها حوالي عشرين متطوّعا وجُعلت لها قيادة مدنية وأخرى عسكرية . أما القيادة المدنية فكانت من شباب الحزب الوطني كتيبة مصطفى كامل بقيادة عصمت سيف الدولة ، وكتيبة محمد فريد بقيادة حسن بسيوني . وأما القيادة العسكرية فقد تولاها الضباط الأحرار وأوكلوا أمرها الى الضابط الطيار وجيه أباظة الذي كان أول من بدأت به تشكيل الضباط الأحرار مع زملائه عبد اللطيف البغدادي وحسن عزت وأحمد سعود وحسن إبراهيم .. وسافرت الكتيبتان مصطفى كامل ومحمد فريد الى منطقة أبو حمّاد والتل الكبير وبقيتا تزاولان نشاطهما في المنطقة الى اخر يناير 52 ، أي بعد حرق القاهرة دون أن يعلم أحد من أمرهما شيئا بفضل الجدية والسرية التامة والبعد عن المن وحب الظهور والعمل الخالص لوجه الله " ..

علما أن صاحب الشهادة الثالثة ذكره الدكتور عصمت سيف الدولة أكثر من مرة في عرضه الطويل لتاريخ ثورة يوليو في كتابه "حوار مع الشباب العربي" قال فيه : " ... الذي لم يكتبه أحد بعد هو انه منذ 1914 تاريخ فرض الحماية الانجليزية على مصر، وضرب الحزب الوطني "العلني" لجأ التيار الثوري مباشرة الى مواجهة الموقف الجديد بأسلوب جديد هو : النشاط الثوري السري . وكان أيضا تحت قيادة شباب الحزب الوطني (حينئذ) الذي لم يعرف الشعب عنهم شيئا منذ ذلك الحين بينما كانوا يقودون ثورته الصامتة في الخفاء ولم يظهروا الا مع ثورة 23 يوليو 1952 كأنهم خرجوا من جوف الارض . ولكن النشاط الثوري السري اتسع لكل الثوريين حتى ممن كانوا غير منتمين للحزب الوطني وامتد فجند عناصره وادار معركته حتى بين صفوف الأحزاب الاصلاحية . ولقد استطاع ان يضع احد رجاله في اقرب موضع مع سعد زغلول نفسه وهو عبد الرحمن فهمي ، الذي انشأ "الجهاز السري" للوفد كما يقول المؤرخون بينما الجهاز كله كان ينفذ مخططات ثورية لم يقررها الوفد بل قررها التيار الثوري المتمركز خارج الوفد والاحزاب الاصلاحية الاخرى .. وكان النشاط كله بقيادة شخص ما يزال حيا وان كان اغلب الناس لا تعرفه ، لأنه منذ 1914 حتى 1952 لم يكن الا موظفا بسيطا في أجهزة دولة مصر هو : عبد العزيز علي قائد التيار الثوري في مصر ورائده ومعلمه منذ سنة 1914 .. ومؤسس كل الجماعات الثورية التي كانوا يطلقون عليها  "إرهابية" بدأ بجماعة "اليد السوداء" ، ولأن العمل الثوري في ظل الاحتلال لا بد له من ان يكون عنيفا فان كل العشرات والمئات من اول الجنود الى الخونة الى اخر القائد الانجليزي للجيش المصري كانوا قد اعدموا بناء على احكام اصدرها التيار الثوري المنظم الذي لم يكن يعرف عنه احد شيئا .. هذا - طبعا - بالإضافة الى التبشير الفكري السري الذي كان يأخذ شكل منشورات والتحريك الجماهيري الذي كان يأخذ شكل المظاهرات . منشورات ومظاهرات تحمل عناوين شتى ويقودها - او تحسب انها تقودها - شخصيات متنوعة الاتجاهات ، ولكن الذي ينظمها ويحركها ويقودها فعلا جنود مجهولون ينتمون الى التيار الثوري ومنظماته .

... في عام 1940 قررت قيادة المقاومة الثورية للاحتلال تجنيد افراد من الجيش المصري للعمل الثوري . وتشكلت أول خلية من القوات المسلحة من ضباط سلاح الطيران (سعودي وبغدادي ووجيه اباظة وحسين ذو الفقار) وكانت تلك اول جماعة منظمة فيما عرف بعد باسم الضباط الاحرار . واقسم كل من هؤلاء يمين الولاء للثورة امام عبد العزيز علي الموظف البسيط في ذلك الوقت في الادارة المالية لمحافظة القاهرة . وبدأ انتشار الخلايا الى حين ان وصل الى جمال عبد الناصر فتغير كل شيء تغييرا نوعيا . فقد كان جمال عبد الناصر اكثر مقدرة على التنظيم السري من القيادة المدنية . وكانت القيادة المدنية اكثر ولاء للتيار الثوري واهدافه من المزاحمة على القيادة ، فاستقل الضباط الاحرار بتنظيمهم تحت قيادة جمال عبدالناصر واستمرت الحركة المدنية بقيادة جيل جديد من شباب الحزب الوطني ، وظل الطرفان يرجعان للمشورة الى الرجل الذي تنحى وبإرادته ليفسح المجال لمن اصبح اقدر منه بحكم الموقع والسن . ولقد كان عبد العزيز علي استاذا معترفا به من الضباط الاحرار ومستشارا يرجعون اليه حتى قيام ثورة 1952 عندما نقلوه من وظيفته البسيطة الى منصب الوزارة في اول وزارة للثورة " ..

- الشهادة الرابعة ، من كتاب "في ضوء القمر - مذكرات قادة العمل الوطني السري والاغتيالات السياسية " للدكتور محمد الجوادي (طبعة دار الشروق الدولية) . يتضمن حوصلة لمذكرات ثلاث رجال من المنتمين للعمل الفدائي في مصر ، وقد ورد بالصفحة 23 ضمن النقاط الواردة في الكتاب كملخص للمذكرات الفقرة التالية : "تنفرد مذكرات عبد العزيز علي بتقديم تفصيلات مهمة عن تهريب حسين توفيق إلى السعودية ومن الانفرادات التي يقدمها ذكره أن هذا التهريب قد تم بمساعدة الأمير فيصل (الملك فيصل بن عبد العزيز) ، وهو يذكر بالتحديد الأدوار التي لعبها كل من سعد كامل وعصمت سيف الدولة ومحمد إبراهيم كامل وإحسان عبد القدوس وقد أصبحوا جميعا نجوما في الحياة السياسية . بل إن محمد إبراهيم كامل عين وزيرا للخارجية بعد نشر هذه المذكرات " .. وبخصوص هذه الفكرة ينقل الدكتور الجوادي في الصفحة 130 من كتابه الفقرة التالية من مذكرات عبد العزيز علي بخصوص تفاصيل الحادثة : " وحدث أن طلب حسين توفيق في إحدى المرات من الضابط المرافق له أن يسمح له أن يزور والدته في مصر الجديدة فأذن له وذهبا معا ، وفى أثناء الزيارة دخل حسين توفيق دورة مياه الفيلا فوجد نفسه أمام الباب الخلفي للفيلا فخرج إلى الحديقة ومنها إلى الشارع وفكر في الهرب ولم يكن أصلاً يدبر له واستأجر سيارة واتجه بها إلى منزل الأستاذ سعد كامل بالدقي وفاجاً الأسرة بدخوله ثم أخذه الأستاذ سعد وتوجه به إلى مكتب الأستاذ عصمت سيف الدولة بشارع خيرت بالسيدة زينب وهناك استدعوا الأستاذ محمد إبراهيم كامل الذى كان متهمًا مع حسين توفيق وقضى مدة عقوبته. ومن هناك انتقلوا إلى منزل الأستاذ إحسان عبد القدوس وكان يعتبر نفسه من شباب الحزب الوطني وبعدها نقل حسين مرة أخرى إلى مصر الجديدة بمساعدة الضابط حسن عزت " .. ثم يعلق قائلا : "وهكذا جمعت هذه الحادثة بين أفراد من أعمار مختلفة من أبناء الحزب الوطني واستطاعوا أن يهرّبوا حسين توفيق عن طريق قنا والقصير إلى السعودية بالاتفاق مع الأمير فيصل الذى تولى الملك بعد ذلك " ..

ويعرض الكاتب ضمن الحوصلة في الجزء الأول من الكتاب نقاط أخرى تتصل بموضوع التهريب ثم بنشاط المجموعات المسلحة السرية جاء فيها : " شباب المجموعة الفدائية لجأوا إلى حيلة أخرى وهي استكتاب حسين توفيق تفصيلات غير دقيقة لاختفائه ونشر هذه التفاصيل بخط يده في "أخبار اليوم" مقابل مكافأة كبيرة ، ما مكنهم من الحصول على المال اللازم لتهريبه عبر القصير.

* عبد العزيز علي يحرص بهذه الرواية على نفي ما شاع ولا يزال يذاع من أن الملك فاروقًا كان على علاقة بتهريب حسين توفيق ..

* نأتي إلى المرحلة التي خرج فيها نشاط الجماعات المرتبطة بالحزب الوطني السرية إلى نطاق العلانية بعد أن هبت مصر كلها من أجل الدفاع عن حقوقها بعد إلغاء معاهدة 1936م‏ ، ونرى عبد العزيز علي يتحدث عن جهود شباب الحزب الوطني في بعث المقاومة الوطنية في القنال بعد إلغاء المعاهدة ، مشيرًا إلى الأدوار التي قام بها كل من يوسف حلمي وماهر محمد علي وغيرهما ..

* حرصه على الإشارة إلى طبيعة نمو العلاقة بين عصمت سيف الدولة وبين رشاد مهنا وعبد المجيد فريد والجهود التي بذلها هو نفسه مع ثلاثتهم في سبيل تنظيم المقاومة وتدريبها على الأسلحة ..

* يذكر بكل وضوح أنه شكل كتيبتين تضم كل واحدة عشرين متطوعا ، وأنه كان هناك قائدان مدنيان للكتيبتين ونحن نلاحظ أن مجموعة العسكريين التي شاركت في هذا العمل تنتمي إلى ما يسمى في أدبيات تاريخ الثورة (تنظيم ضباط الطيارين) .." ..

- الشهادة الخامسة ، من مقال للأستاذ حبيب عيسى بعنوان "ناصرية عبد الناصر وأنصار سيف الدولة" نشر بجريدة السفير عدد 12540 بتاريخ 27 - 7 - 2013 قال فيه : "ثم بالتزامن مع الفترة التي كان فيها جمال عبد الناصر يُعدّ تنظيم الضباط الأحرار لإسقاط النظام كان عصمت سيف الدولة ، ومن خلال الحزب الوطني ، حزب عرابي ومصطفى كامل يجهّز "كتيبة محمد فريد" للعمل الفدائي ، ويتجه بها إلى قناة السويس لقتال قوات الاحتلال الإنكليزي ويحمل معه إلى جانب السلاح مكتبة ضخمة للتزود بالمعرفة حتى في خنادق القتال ، فيكتشف الأبعاد القومية العربية لمعركة التحرير والتقدم في مصر فشكل وأبدع ونظرّ للعمق المدني والفلسفي والفكري للحلم العربي ، لقد أدرك مبكراً ضرورة بناء التنظيم القومي التقدمي كحامل وحيد لهذا الحلم .. " ...

 - الشهادة السادسة ، من مقال للاستاذة ايمان عبد الله حمود - منشور بموقع الجامعة العراقية - جامعة بغداد جاء فيه : "آمن عصمت سيف الدولة بأن مشكلات الوطن العربي لا يمكن أن تحل بالتنظير الفكري ، لذلك قرّر الالتحاق بالعمل السياسي ، ولم يقف عند ذلك الحد ، بل حمل السالح وقاد كتيبة من المقاتلين في السويس وقاتل ضد الاستعمار البريطاني ، وظل في صفوف المقاتلين حتى قيام ثورة 1952م ، تلك الثورة التي وجد فيها سبيلا لخلاص الأمة ، فدافع عنها ونافح عن قائدها جمال عبد الناصر بحماسة شديدة واندفاع ، لكن لم يمنعه ذلك من توجيه الانتقادات لمسيرة الثورة وللأخطاء التي كانت ترتكبها بعض الأجهزة الأمنية في عهد عبد الناصر "..

الشهادة السابعة ، من مقال بعنوان "عصمت سيف الدولة" للدكتور محمود حمد سليمان منشور بموقع "الطريق الى الحركة العربية الواحدة" جاء فيه : "كان عصمت سيف الدولة طليعياً في الفكر والممارسة ، في العمل وفي التنظير له . ولهذا  فقد اعتبر أن الزمان وحده لن يحل مشكلات الوطن العربي ، حتى ولو توفرت له أفضل الحلول وأمثلها . بل لا بد من إيجاد طليعة عربية ، وحتّم على هذه الطليعة أن تكون "تنظيماً جماعيا" يلتحم داخله كل التقدميين الثوريين في حركة عربية واحدة ، عقائدية ، قومية في ميادين النضال والأهداف والغايات والأساليب .

ولقد مارس ذلك عندما حمل السلاح ضد الاستعمار ، وقاد كتيبة من الفدائيين ذهبت تقاتل الإنكليز في منطقة قناة السويس ، وذلك قبل قيام ثورة 23 تموز / يوليو . وكان يومها في صفوف "الحزب الوطني" الذي كان قد أسّسه أحمد عرابي ، وتابع فيه مصطفى كامل .

ظل عصمت سيف الدولة يقوم مع المجاهدين بعمليات فدائية ، ونشاطات مختلفة في مواجهة الإنكليز ، الى أن قامت الثورة الناصرية ، فوجد فيها متنفساً ومعبراً لكل أحلامه وأمانيه ، ولذلك انبرى يدافع عنها وعن قائدها بكل حماسة واندفاع ، دون أن يمنعه ذلك من توجيه الانتقادات للأخطاء التي كانت ترتكبها بعض الأجهزة ، أو للفساد الذي كانت تقوم به بعض مراكز القوى داخل الثورة ونظامها" ..

وفي الأخير نختم بشهادة للدكتور عصمت سيف الدولة نفسه ، وهي شهادة مقتضبة ولكنها ذات دلالة كبيرة ، حيث أنه تحدث بكل إفاضة عن الآخرين ولكنه – في هذا الجانب بالذات - لم يتحدث عن نفسه إلا القليل . وهذا الاعتراف ورد في حوار مع جريدة الأهالي بتاريخ 15 – 5 – 1985 ردا على سؤال محاوره عن الأوضاع التي عاشها في شبابه جاء فيه : ".. فقد كنا – نحن الفلاحين – أقرب اجتماعيا واقتصاديا إلى فلاحي القرون الوسطى في أوروبا ، كانت تسيطر على مركز البداري كله عائلة واحدة هي عائلة محمد محمود باشا . وكان جهاز الحكومة كله يأتمر بأمرها وينفذ إرادتهم ، وكان الفلاحون يعرفون هذه الحقيقة ويقبلونها أيضا إلا القليل من المنافسين أو المتمردين .  ولقد كان والدي بحكم دراسته في الأزهر من المتمردين . وأعتقد الآن أنه لم يختر لي اسما أرستقراطي الدلالة إلا تعبيرا عن تحدّي احتكار الأرستقراطية الإقطاعية التي كانت تحتكر كل رموز الامتياز من ثروة ومناصب وأسماء وألقاب ولم يكن إصراره على تعليمي إلا تحديا آخر فأنشأني متمرّدا"  .. وفي الإجابة عن سؤال محاوره عن أسلوب التمرّد الذي أشار اليه كان ردّه : " في البداية بالتفوّق الكاسح على أبنائهم في المدرسة الابتدائية ، وفي مرحلة ثانية باختياري الانتماء إلى الحزب الوطني (حزب مصطفى كامل) تمرّدا على أن انتماء الناس كان قسمة بين حزب الوفد والأحرار الدستوريين" .... لقد التحقت بالجامعة عام 1942 . وحين قدمت إلى القاهرة أول مرة لم أستطع أن أنبذها ، فقد وجدت المدينة العاصمة ، مليئة حتى التخمة بحثالة البشر من الجنود والأغراب ، الشواذ السكارى المعتدين الذين يطاردون الرجال والنساء في الشوارع ، وينتهكون الأعراض علنا .. فانخرطت مباشرة بقدر ما استطعت فيما يمكن تسميته حركة المقاومة الوطنية التي كان يقودها الطلاب بشكل عام ، ويمارسها شباب الحزب الوطني كواجب يومي"  

 

(مدونة القدس) .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق