حوار مع جريدة القبس .
د.عصمت سيف الدولة :
النظرية الناصرية بذرتها في
الميثاق وتربتها هي التجربة التاريخية لعبد الناصر .
الذين يستمدون نظريتهم من
احتياجات المستقبل لنظرية الناصرية .. هم ناصريون حقيقيون .
حوار مع جريدة القبس – عدد
5522 بتاريخ 27 – 9 – 1987 .
"هناك ناصريون ،
ولكن لا توجد ناصرية" مقولة أطلقها الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل ..
أثارت جدلا بين صفوف الناصريين .
في المقابل
"الناصرية النظرية المستحيلة" مقولة أطلقها المفكر القومي الكبير
الدكتور عصمت سيف الدولة .
وتتشابه المقولتان ، وان
كانتا أيضا تختلفان . وكان ذلك إيذانا بفتح ملف "الناصرية" هل هي نظرية
، وما مدى التسليم بوجودها ؟
واذا كانت كذلك – أي اذا
سلمنا بوجودها – ما هي قواعدها ، وما هو مستقبلها في الشارع المصري والعربي ؟
- أطلقت مقولة
"الناصرية النظرية المستحيلة" وأريد ، أن تفتح لنا أوراقك ، وتحدثنا
عنها – أي عن الناصرية – ما مدى تسليمك بوجودها ؟
واذا كانت هناك
"ناصرية" ما القوانين التي تحكمها اذن ، وهل لها مستقبل في التربة
المصرية ، سيما بعد فشل السياسات خلال الستة عشر عاما الماضية . وقبل الحديث : لقد
قرأت لك تصورا تقسيميا للمرحلة التاريخية المصرية منذ عام 1952 وحتى الان ، وهي
تدور في ثلاثة محاور :
1 – مرحلة ثورة يوليو من
52 الى 1962 .
2 – مرحلة عبد الناصر من
62 الى 1970 ، حيث كانت – وفقا لرؤيتك – ثورة على الثورة .
3 – المرحلة الناصرية
وهي من 1970 والى الان .
ما دلالات هذا التقسيم
الذي يبدو جديدا .. ان لم يكن غريبا ؟ !
- في البداية أود أن
أفتح قوسا ، أو أبدي تحفظا ، وهو لا أدري ان كان نشر هذا مفيدا أو غير مفيد
للمشروع الناصري ، وأقصد محاولة الناصرية انشاء حزب لهم انما – على أي حال – سأجيب
، وعليك أنت وحدك مسؤولية نشر ما تراه ، وأرجو ألا تنشر ما يمكن أن يحدث أي خلخلة
أو فرقة أو اضعاف لمحاولات توحيد الناصريين في حزب في هذه المرحلة .
في البداية أقول أن
تاريخ الشعوب والأمم متصل ، ومستمر ، وبالتالي التقسيم الذي أضعه لهذه المرحلة
التاريخية المهمة في تاريخ الشعب المصري ، هو محاولة تمييز المراحل طبقا لمعايير
عامة ، وليست النظرة العادية للحياة ، وأنا معني جدا بالاتجاه ، اتجاه حركة
التطوّر الاجتماعي ففي مجتمع معين قد تتميز مراحله ، وان كانت حتى التفاصيل
التطبيقية متشابهة في مراحل كثيرة .
فلو أخذنا من عام 1952 ،
نجد أن الثورة ، ثورة 23 يوليو :
( - من حيث القوى ، تشكيل
الضباط الأحرار ومن حيث الاستيلاء على السلطة واسقاط الدستور والاستعانة بالقوات
المسلحة ..
- من حيث الاتجاه في
العلاقات الخارجية ، فالاتجاه بقوة نحو التحرر من الاستعمار ..
- ومن حيث النظرة
لمسؤولية الدولة بالنسبة للحالة الاقتصادية ، المحاولة المكثفة للتنمية والخروج من
التخلف ..
- من حيث الإدارة
والأسلوب ، ابعاد التشكيلات الليبرالية من أحزاب وغيرها من امكانية لعب دور في
المشاركة في اتخاذ القرار ، توحيد الشعب في منظمة واحدة أخذت اسم هيئة التحرير ثم
الاتحاد القومي ) ..
كان اتجاها يتميز أساسا
بأنه تحرري عن طريق ثوري ، ذي اهتمام بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية ، مضاد
تماما للاتجاه الليبرالي الملكي الذي كان سائدا قبل 1952 .
وفي هذه المرحلة من 52
الى 1962 بُذلت كل الطاقات لمحاولة انجاز هذه المرحلة التحررية ، وقد انتهت خلالها
مرحلة الجلاء عن مصر ، ثم بقيت مسالة التنمية ، فالاتجاه الى التنمية اصطدم بمسألة
التمويل حتى تمويل الخطة الخمسية الأولى ، حيث وقفت الثورة أمامه عاجزة ، وطُرح
سؤال : كيف يمكن انجاز مهمات التنمية في مجتمع متخلف ينتمي الى العالم الثالث ،
والاحتفاظ في الوقت نفسه بما تم إنجازه على المستوى التحرري .. بمعنى كيف يمكن أن
ننمّي الدولة وتبقى مستقلة في الوقت نفسه ؟
لقد وضح موقف الممولين
الأجانب من السد العالي قبل ذلك ، وموقف الرأسمالية الوطنية المصرية ، أو التي
يسمونها وطنية من أول مشروع مخطط للتنمية عام 1959 ، كان على القطاع الخاص أن يفي
بدوره الوطني طبقا لخطة التنمية ، ومع ذلك فقد نكص بنك مصر بدوره ، لهذا نلاحظ أن
أول قرار تأميم انصب على بنك مصر ، لأنه نظرا لسمعته التاريخية التي تصل بينه
دائما وبين الوطنية . وكانت الدولة قد عولت عليه تعويلا كبيرا في تمويل الخطة ،
اما بتمويل مباشر أو كوسيط يقوم بدوره بين الدولة وبيوت المال الأخرى
ليساهموا في مشروعاتها ، فجاء بنك مصر
واتخذ قرارا بأن حالته المالية لا تسمح ، فأمم .
ويقول الدكتور الجريتلي
في كتابه العظيم "اقتصاد مصر في 25 عاما" في هذه اللحظة ، فان نكوص
القطاع الخاص عن المساهمة في التنمية الوطنية في الخطة الخمسية الأولى ، وعدم
تحمله ما يتحمله الرأسماليون الوطنيون عادة من مخاطر المشروعات الجديدة ، هو الذي
أعطى الحجة لجمال عبد الناصر في التأميمات الشاملة التي حدثت .
وكانت القيادة تتمثل في
مجلس قيادة الثورة الذي كان يضم أعضاء من أقصى اليسار ، ومن ذوي المبادئ التي لا
تعرف كيف اجتمعت فيما بينها لو رفضت التقاءهم على التحرر من الاحتلال الإنجليزي .
في ذلك الوقت - أيضا –
كان يحكم الدولة دستور 1956 ، الذي كان يحصن الملكية الخاصة من المصادرة والتأميم
.
لذلك لم يكن من الممكن
أن تستمر ثورة 1952 ، بعد أن استنفذت كل امكانياتها من حيث إنجازها التحرر من
الاحتلال .
ثورة على
الثورة
ثم كانت المرحلة الثانية
؟ وأقول نعم .. لقد أسميتُ هذه المرحلة بمرحلة التصحيح ، التي بدأت بالتأميمات ،
فهي كانت تصحيحا لثورة 1952 في مجال التنمية الاقتصادية ، التي ستنعكس بعد ذلك على
الرؤية الاشتراكية . فهي على أي حال ، مرحلة جديدة ، لأنه – حتى – مع بقاء بعض
التفاصيل وبعض القيادات من المرحلة السابقة الذين استمروا حتى 1963 ، وان كان
اعتبارا من عام 1961 ، فان بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة بدأوا يخرجون ، ان باسم
الديمقراطية أو تعدد الأحزاب ، وان كنا نعرف الان بعض الأسباب الحقيقية ومنها أنهم
كانوا ضد المساس بالملكية الخاصة ، وأنهم كانوا بشكل ما ضد الاتجاه الاشتراكي ،
وان كان قد بقي بعضهم مشاركا حتى 1964 .
هذه المرحلة كلها هي
مرحلة عبد الناصر ، صاغ مبادئها وأفكارها كلها كما جاءت في الميثاق في 1962 ،
والذي بدأ به يحكم كل أجهزة الدولة ، ثم بدأ تنفيذ الخطة من تمويل الأموال المؤممة
، وبدأ الحديث عن التحول الاشتراكي .
لقد تغير الاتجاه العام
في المجتمع من محاولة السير نحو التنمية على الطريق الليبرالي سياسيا ، الرأسمالي
اقتصاديا ، الى الاتجاه الى التنمية على طريق الاشتراكية اقتصاديا ، والاشتراكية
ديمقراطيا .
من قائد هذه المرحلة ؟
عبد الناصر .. من مفكر هذه المرحلة ؟ عبد الناصر .. من الذي بادر الى هذه المرحلة
التي جاءت – كأنها مفاجأة – وكما لو كانت ثورة ، وهي في نظري ثورة . وقد أسماها
أحمد حمروش ثورة ، اذ ليس هناك مانع تاريخي من أن تقوم الثورة من القمة ، لأن
الرجل الذي أحس بفشل التنمية عن طريق الرأسمالية ، وأراد أن يتخطاها ثوريا .. هو
عبد الناصر ..
وتستغرب أنه في هذه
الفترة فقط بدأ الاهتمام بالعمال ، اعتبارا من 1961 ، بدأت الثورة تضع قوانين
منصفة للعمال ، اذ كانت القرارات والقوانين منذ 1952 للفلاحين ، الى أن بُدئ في
صياغة القوانين الخاصة بالعمال ، وبتشكيل اتحاد لهم ، ودخولهم مجالس الإدارات ،
وتقرير نصيب لهم في الأرباح .
ثم كانت الهجمة المضادة
التي أخذت شكل حرب 1967 ضد مصر ، والتي أصبح معروفا الان أنها كانت محاولة لإسقاط
عبد الناصر ، لأنه كان محور الاتجاه نحو التحول الاشتراكي .
كل هذا تم في فترة عبد
الناصر .
الاشتراكية
والاشتراكيون
- لقد تحدثت عن التحول
الاشتراكي الذي تعتبره ثورة على الثورة ، ثورة عبد الناصر على ثورة يوليو :
1 – صدفة أم مصادفة أم
مقصودة أن يبدأ التحول الاشتراكي في مصر والاشتراكيون والماركسيون في السجن ؟
2 – في الاهتمام بالطبقة
العاملة مع بداية التحول الاشتراكي ، حيث التصنيع الذي وصل الى ألف مصنع في
تلك المرحلة ، ظهر هناك تناقض رئيسي ما بين الطبقة العاملة ، وطبقة التكنوقراط التي
كانت موجودة ، والتي تجني الان ثمار فساد في القطاع العام .
ما هو تعليقك على
هاتين المسألتين تحديدا ؟
- بالنسبة للنقطة الأولى .. لقد تبلور الموقف
كله في أزمة مارس 1954 ، اذ أن أغلب القوى المثقفة ، وأنشطتهم في ذلك الوقت .. كانت
القوى الماركسية التي قيمت ثورة 1952 بما يوحي به ظاهرها ، على انها انقلاب .
كما أن بعض الضباط من
مجلس قيادة الثورة مثل خالد محيي الدين وأحمد حمروش وقعوا في خطأ تاريخي ، اذ أنهم
كانوا أكثر من غيرهم معرفة بالفرق بين جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين
مثلا !
وكذلك فان القوى التي
ساهمت في اعداد مصر للثورة الاخوان المسلمون ، الحزب الوطني ، مصر الفتاة ،
الشيوعيون ، صدموا صدمة داخلية هائلة بالرغم من أنهم كانوا يحضرون للثورة ، ولعبوا
دورا كبيرا في التمهيد لها ، ثم اذ بمجموعة من الضباط هم الذين يقومون بالثورة .
لقد مروا جميعا باختبار
، ففي قلب الثورة كان هناك ممثلون للرجعية ممثلة في محمد نجيب ، والثورة (لا أقول
التقدمية حتى ذاك الوقت) ممثلة في عبد الناصر .
وعيب جدا على أي مثقف
عاصر هذه المرحلة ألا يعترف بالخطأ الفاحش والمدمّر الذي وقفه المثقفون في مارس
1954 ، يوم أن رفعوا الرّاية الوفدية في عودة الجيش الى الثكنات .
لقد استهانوا بالحدث ،
وتصوروه انقلابا ... تصوروا وقد قضى لهم الجيش على أعدائهم ، أن ينسحبوا ويتركوا لهم
الأمر ، الى ذات الطبقة وذات الاتجاه الذي كان قبل 1952 . وفي الحقيقة ، الذين كان
لهم العذر هم الماركسيون .
لماذا ؟
لأن الماركسيين يرتبون
الثورات طبقا لنمط وارد في أديباتهم ، وهم منذ 1952 وحتى الان ، فيما عدا الفترة
التي تحالفوا فيها مع عبد الناصر ، يعتقدون أننا في مرحلة الثورة الوطنية
الديمقراطية ، حيث البورجوازية تقيم القاعدة الاقتصادية لتخليق الطبقة العاملة ،
وبعد أن تنضج هذه الأمور ، تأتي المسألة الاشتراكية .
لقد اخطأ الاشتراكيون في
التحليل في ذلك الوقت ، طبقا لظواهر ظاهرة ، والدليل أنه بعد عشر سنوات ، سوف
يكتشفون أن هذه المجموعة (الضباط الأحرار) غير منسقة فكريا ، وأن فيها أجنحة رجعية
، وأجنحة تقدمية ، وفيها واحد اسمه "جمال عبد الناصر" يتقدم فكريا من
منطلق وطني .
واذا كنتُ وطنيا ، سوف
أكون اذن في النهاية اشتراكيا ، وعبد الناصر من باب الوطنية المصرية ، وجد في
الاشتراكية حتمية ، وهي ليست حتمية فكرية وانما حتمية تاريخية طبقا للواقع المصري
.
لقد كان موقف
الاشتراكيين الإيجابي عام 1962 ، هو الدليل على خطأ الموقف عام 1954.
- اذن : ما الثمن الفادح
الذي دفعته التجربة الناصرية ، ودفعه عبد الناصر ، ودفعه الاشتراكيون نتيجة لهذا
الخطأ ؟
- لقد تُرك عبد الناصر
منذ 1954 لأعداء الاشتراكية ، وللبيروقراطية المصرية ، عندما كان يبني دولته .. اذ
أن الاشتراكيين كانوا في الصف المعادي ، لأنهم كانوا يقولون : عد للثكنات .. فظهر
التكنوقراط وأساتذة الجامعات والمهندسون وغيرهم فكوّن الدولة ، لكنه لم يستطع ان
يغير كثيرا ..
ففي عام 1956 عندما وضع
أموال الأنجليز تحت الحراسة ، ثم لم يجد اشتراكيا ولا تقدميا واحدا لديه استعداد
للتعاون ، فأوكل مهمّة الحراسة كلها لنادي اسمه "نادي التجارة" الذي كان
يضم خريجي التجاريين ، وكان رئيسه حينذاك "عثمان أباضة" .
هنا اذن في ثورة يوليو
وعبد الناصر خطأ تاريخي ، وفي جانب الاشتراكيين والمثقفين خطأ سياسي .
أما الخطأ التاريخي لعبد
الناصر ، فهو متصل بتشكيل مولد الضباط الاحرار ، صحيح أن عبد الناصر لم يكن
اشتراكيا ولم تكن له نظرية عام 1952 ، لكنه كان قائدا تحرريا من العالم الثالث ،
الذي يسعى لتحرير بلده من الاستعمار ، ولم يزعم أبدا أنه كانت لديه نظرية عام 1952
. لكن الاشتراكيين افترضوا أن عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة لديهم نظرية ، وعندما
اكتشفوا عدم وجودها – أي النظرية – حاكموهم ، في حين وهم أصحاب نظرية التأثير
المتبادل والتطوّر المستمر والتغير ، كانوا يستطيعون أن يدركوا أن الثورة حدث
تاريخي لن يتكرر ، وعليهم ألا يتركوهم للتكنوقراط والبيروقراطية المصرية
والانتهازية .
الاشتراكيون
في السجن
- مازال التساؤل قائما
يا دكتور : في التحول الاشتراكي ، كان الاشتراكيون في السجن ؟ !
- ابتداء من 1956 ، وعلى
وجه التحديد خلال حرب السويس ، ودخول الأمة العربية بجماهيرها وحكوماتها وبعض
ضباطها المعركة ، دفاعا عن مصر بدون طلب من عبد الناصر ، ابتدأ عبد الناصر المتجه
عربيا ، يدرك الارتباط الموضوعي بين تحرر الأمة العربية ، والامكانات الموضوعية
لتحقيق الوحدة ، والمكاسب الهائلة التي سوف يحققها كل قطر بما فيها مصر من الوحدة
.. ثم اقدامه على الوحدة مع سوريا عام 1958 ، حيث في الوحدة استطاع أن يدرك أنها
كانت لمصر وسوريا في نفس الوقت ، بالرغم من الانفصال نظرا للثقل الهائل الذي كسبته
مصر
بعد 1958 ، عندما كانت سوريا في الجمهورية العربية المتحدة . لذلك بدأ عبد
الناصر يهتم اهتماما شديدا بفكرة الوحدة العربية واتجه قوميا كما قال في
ذلك الوقت عام 1963 : "ان ثورة يوليو 1952 بدأت إقليمية ثم أصبحت ثورة
قومية" .
وفي عام 1959 قام الصراع
بين القوميين والشيوعيين في العراق ، وانحاز الاتحاد السوفياتي الى جانب الشيوعيين
حيث تم سحل كل قومي هناك بواسطة عبد الكريم قاسم وشلته .
ما موقف الشيوعيين
المصريين في ذلك الوقت ، ليس من عبد الناصر ، وانما من الصراع القائم في العراق ؟
عبد الناصر يؤيد القوميين والسوفييت يؤيدون الشيوعيين .
ما الموقف الذي اتخذوه
هنا ؟ انحازوا للشيوعيين في العراق ، فوضعهم عبد الناصر في المعتقلات ، ولم
يحاكموا ، كما أن الشيوعيين في العراق وضعوا كل القوميين هناك (ومنهم الأردنيون
والسوريون المتواجدون في العراق) في المعتقلات ، بل وذبحوهم .
لقد حاول الشيوعيون أن
يصوّروا معركة 1959 على أنها محلية ، والحقيقة غير ذلك ، فقد كانت أول معركة ذات
طابع قومي .
والذي لا اغفره
للشيوعيين ، ولأنهم متفوقون علميا ، ومسلحون بالنظرية ، أنهم التقطوا تقييم
الاتحاد السوفييتي ، وردّدوه ، الامر الذي جعل عبد الناصر في الفترة من 54 الى
1962 يستعين برجال على مستوى جيد ، لكن جاء بجوارهم الانتهازيون ، لدرجة أن الهجوم
على اليسار والتقدميين كان بابه مفتوحا عن اليمين في مجلس قيادة الثورة .
وعلى أي حال ونتيجة هذا
الخطأ ظل المثقفون والتقدميون والاشتراكيون – على وجه التحديد – بعيدين عن مراكز
الاشتراك الفكري أو التخطيطي الى أن جاءت مرحلة التحول الاشتراكي ، وعندما أبدوا
استعدادهم للقيام بدور ، لا أحد يستطيع أن ينكر أنه أتيحت لهم أكبر الفرص في
المشاركة والمساهمة ، وفي نشر الفكر الاشتراكي ، حيث اصدر – على سبيل المثال –
لطفي الخولي مجلة الطليعة .
وعندما مات جمال عبد
الناصر ، وجاء السادات ، تحالف معه الماركسيون ، وعادوا مرة أخرى للقول :
"نحن في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية" .
لم تحل
المسألة للان ؟
- ماذا بالنسبة للنقطة
الثانية ، وهي اصطدام العمال مع طبقة التكنوقراط ؟
- هذه المشكلة لم تُحل
للآن في معسكر الاشتراكيين ، سواء كانت دولا اشتراكية ، أو أحزابا اشتراكية .
فالاشتراكية من حيث النظام ، إدارة للاقتصاد ، وخطة مركزية شاملة ، تدار مركزيا ،
يضعها تكنوقراط ، وينفذها بيروقراطيون ، هذا ما يشكوا منه الاتحاد السوفييتي نفسه
. في حين أنها تعبير عن مصالح العمال ، أو استجابة لمصالحهم ، وأن يشعر العمال في
نطاقها بمزيد من الحرية ، وكثير من العمال يحاول ممارسة هذه الحرية ، فيصطدم
ببيروقراطية التخطيط الاشتراكي .
والملاحظ الان في الدول
الاشتراكية ، ان التكنوقراط ضد العمال ، كما أن المثقفين الماركسيين هم قيادة
الطبقة العاملة . لذلك فقد انفجر الوضع كما في بولندا .
لذلك فان الصراع بين
التكنوقراط والشعب عموما ، سوف يحل تاريخيا ، بعد أن ينضج الشعب ويصل الى الدرجة
التي تجعل رجل الشارع العادي يتعامل مع ضباط البوليس في حرية بوصفه هو الذي يدفع
له راتبه من الضرائب !
وهذه المرحلة لم يصل لها
أحد في العالم الثالث .
من هنا فان الصراع بين
العمال والتكنوقراط في مصر ، قائم على انفصال بين المثقفين والشعب . فالمثقف يخرج
من قريته ويتحوّل للمدينة ، ويقرأ بالانجليزية ، مما أحدث فجوة وشرخا حضاريا بين
الريف والمدينة ، أو قل بين المثقفين والشعب .
وفي معركة التحرر الوطني
، تبرز قضية المثقفين وأحقيتهم في الحلول بدلا من المحتل الأجنبي في حكم الشعب ،
ولم يعبر عن هذه الفكرة بوضوح سوى جمال عبد الناصر .
وقضية العمال
والتكنوقراط هي معركة القرن الواحد والعشرين ، لذا يجب أن تحل .
نتائج المرحلة
الوسطى
- ما سبق وذكرته يقودنا
الى سؤال تحصيلي ، وهو ما نتاج المرحلة الوسطى – في تقسيمكم التاريخي – أي مرحلة
عبد الناصر ؟
- الحصاد يتبلور في :
محاولة تحول اشتراكي ومحاولة تصنيع ، نمو بيروقراطي ، اتجاه قوي يجعل التجربة
مرتبطة بما يدور في الوطن العربي ، عدم انحياز بين القوتين ، وان كان هناك تعامل واسع
مع الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي ، يقابله عداء شديد من المعسكر الرأسمالي
وإسرائيل .
والمحصلة النهائية لجملة
التأثيرات : هي أنها موضوعيا ، مصريا وعربيا ودوليا واقتصاديا واجتماعيا ، بلغت من
الوعد بالنجاح في العالم الثالث ، للدرجة التي كانت تشيد بها هيئة الأمم المتحدة
والتي اقتضت من الولايات المتحدة وإسرائيل ايقافها بقوة السلاح في 1967.
لقد حققت الخطة الخمسية
الأولى والتي انتهت في عام 1966 معدلات عالية اذ بلغت نحو 7,5 % وفقا لمعايير الأمم المتحدة ،
في حين لم تستطع أي دولة في العالم الثالث تحقيق أكثر من 4 % ، وذلك لوجود الفنيين والكفاءة
علاوة على الحكم النظيف في مصر .
وفي حين كان مقررا بدء
الخطة الخمسية الثانية ، جاءت حرب 1967 لإيقاف التجربة ، بل وتحطيمها واسقاط عبد
الناصر .
لقد كانت القوى المعادية
لحركة التقدم تعلم أن ما تم إنجازه في الخطة الخمسية الأولى ، وما تبشر به الخطة
الثانية ، والكفاءة والخبرة التي تم اكتسابها ، كان يجب ألا تتكرر في مصر أو في
العالم العربي مرة أخرى ، وكانت الحرب .
ثم جاءت التجربة في
الحرب وأثبتت القدرة على المقاومة ، اذ أن الفلاحين والعمال والناس والقيادة خسرت
قواتها المسلحة – وذلك شيء نادر في تاريخ الشعوب – واذا بالشعب يسانده ، والشعب لم
يكن ساذجا في هذا الوقت .
بعد قليل يدخل عبد
الناصر حرب الاستنزاف ، ويعد لحرب 1973 .
ومع ذلك ، فالفترة
اللاحقة علمتنا ما العيوب الكبرى التي كانت موجودة ؟
لقد انتبه البعض ومنهم
الماركسيون وانتقدوها .. ان عبد الناصر لم يحسم موقفه من الرأسمالية ، وان كان قد
حسم موقفه من الرأسماليين ، فقد ابقى على مجموعة من الناس هم – أيضا – رأسماليون ،
متصورا أن الرأسمالي من الممكن أن يسهم في عملية التحول الاشتراكي .
وهنا لم يكن لعبد الناصر
عذر . لأن أغلب الاشتراكيين كانوا تحت تصرفه في أجهزة الاعلام وفي كل مكان ، فلم
يكلف أحدا منهم حتى بحراسة انحراف الرأسماليين فيما يسمى "بالرأسمالية
الوطنية" .
وقد برر عبد الناصر ذلك
بأن الرأسمالية الوطنية مذبذبة ، وكان أمامه واحدة من اثنين : اما أن يحتضنها ، أو
أن تذهب الى الأعداء .
وأنا في نظري – وكانت
هذه احدى نقاط خلافي – انه كان أفضل لمصر أن من يسمون بالرأسمالية الوطنية أن
يذهبوا للأعداء بشكل ظاهر ، لأنهم موضوعيا من القوى المعادية للاشتراكية ، بدلا من
أن تحاول الاشتراكية تدليلهم . وهؤلاء هم الذين انقضوا على التجربة فيما بعد .
أيضا ، لم يحسم عبد الناصر موقفه من أساليب التعامل الاقتصادي ما بين مرحلة ما قبل
التحول الاشتراكي ، ولمدة ثلاث سنوات بعد التحول الاشتراكي ، ودلالة هذا النظام
المبني أساسا على تقديس الملكية الفردية وهو نظام الحراسات .
فالحراسة هي التعبير
الكهنوتي عن احترام الملكية الخاصة . أن تأخذ ملكيته وتديرها لحسابه ، وتأخذ أجرك
، وتعطيه العائد ، أي أن تضع نفسك في خدمة الرأسمالي .
وكانت هذه المسالة من
الممكن أن تتم قبل مرحلة التحول الاشتراكي . فهذه الأموال التي وضعت تحت الحراسة
سلمت بدلا من أصحابها الرأسماليين ، الى أبنائهم الموظفين الرأسماليين . وبدلا من
أن يسرقها أو يتلفها أو يهربها الرأسماليون ، أخذها موظف وسرقها ونهبها .
ويمكن أن يقال هنا ، ان
الانتقال من مرحلة الى مرحلة ، يحدث فترة تداخل ، تبقى بعض الأنظمة السابقة ممتدة
، وفعلا انتهت الحراسات عام 1964 ، عندما صدر قانون المصادرة ، واضافة الأموال الى
أملاك الدولة .
وتأسيسا على ذلك ، ففي
نظري أن قانون الإصلاح الزراعي لم يطبق فعلا الا في 1964 ، بعد تشكيل لجنة تصفية
الاقطاع ، والتي قررت ابعاد الاقطاعيين من قراهم ومحافظاتهم ، الى مناطق أخرى ،
وتحرر الفلاحون من الهيبة التاريخية للبيه والباشا .
وقد برز من أخطاء
التجربة ما يسمى بأهل الثقة ، اذ أنها جاءت من حكاية الرأسماليين ، اذ يكفي أن
يعرفني فلان من أعضاء مجلس قيادة الثورة ، وأتولى مسؤولية ، وهذا ما حدث عندما كان
جمال سالم يثق قي سيد مرعي فأولاه مهمة الإصلاح الزراعي .
وهذا الموقف في الحقيقة
لم يكن محسوما فكريا ، لأن التحول الاشتراكي جاء نتيجة ضغط ضرورات التنمية الوطنية
التي كانت ثابتة في خط عبد الناصر .
هذان عيبان ، وأغلب
النتائج التي حدثت أيام السادات ، كانت نتيجة أحد هذين العيبين .
الناصرية
المستحيلة
- تظهر هنا المرحلة
التالية ، التي هي وفقا لتقسيماتك – والتي هي أساسا اطار البحث الرئيسي – أنه اذا
كانت هناك ناصرية أعقبت وفاة عبد الناصر ، فهناك رأي قائل : يوجد ناصريون ولا توجد
ناصرية ، واذا كانت المسألة من وجهة نظرك في وجود ناصرية ، فهل ترتقي الى النظرية
، وذلك يستتبع بطبيعة الحال أن تكون لها قواعدها وقوانينها . وان كان بعض المفكرين
يذهب الى القول أن عصر النظريات انتهى ، واننا لم نعد في عصر الفلسفة ، بقدر ما
نحن في عصر التقنية وفي عصر السرعة والفضاء .
وذلك يوصلنا الى مقولة
تتبناها أنت شخصيا وهي : "ثمة ناصرية ممكنة وثمة ناصرية مستحيلة " فما
هي الناصرية المستحيلة ؟
- أرجو ألا تحملني أكثر
مما أحتمل . صحيح أنا كتبت ما لم ينشر بعد عما أسميه "الناصرية
المستحيلة" وهي الفترة التي أعقبت وفاة عبد الناصر . وتولى الحكم فيها أنور
السادات .
لقد ارتد السادات الى ما
قبل مرحلة التحول الاشتراكي ، ووجد نفسه مستمرا في اتجاه الردة الى ما قبل 1956 .
وعند وفاته ، كان النظام قد ارتد الى ما قبل 1952 .
لقد كانت الردة على
مرحلة عبد الناصر ارادية عند السادات ، لكنه – أي السادات – بعد 1974 وجد نفسه الى
ما قبل 1952 حيث احتواء دولة كبرى له وهي الولايات المتحدة ، تمارس على مصر
الهيمنة ، مثلما كان يفعل الأنجليز . كما أنه قبل أن يلعب دور الملك فاروق . لذلك
سمى نفسه "فرعون" حيث لا يشاور أحدا . وهو رب الأسرة ، هذا هو "فاروق
السادات" اخر ملك حكم مصر . تحت اسم "فرعون" .
ومع وقوع السادات في فخ
الهيمنة الامريكية منذ 1974 ، بدأ يعمل على القضاء على عبد الناصر . ليس فقط في
إنجازاته ، ولكن قي ذكراه ، ولو أن هذه "الردة" كانت قد حققت تقدما
للناس فيما يتعلق بالمسائل الاقتصادية أو التحررية أو العدالة أو المساواة أو سيادة
القانون أو الديمقراطية ، لقال الناس حينذاك : أنه قد حدث تطور في ثورة 1952 ، كما
كان يحلو للسادات أن يقول ذلك .
وفي مواجهة هذا الواقع
الساداتي ، كان لا بد أن يجتمع الناس دفاعا عن ماضيهم الذي تحقق فيه مكاسب لهم ،
ويختاروا في محاور التقائهم "النقيض" للسادات ، أو الذي خلق منه السادات
"نقيضا" .. فتكاثر "الناصريون" ، وبقي أن أكون "ناصريا"
هو في الواقع ، التعبير عن رفض اتجاه السادات وسياساته ، لأن السادات عندما طرح
هذه السياسات ، طرحها من قبيل أنها تصحيح لأخطاء عبد الناصر .
وهنا : جاء ما كتبته عن
"الناصرية المستحيلة" لأن هناك من وقف ضد السادات وسياسته ، لأنه ضد عبد
الناصر . أولئك الذين كانوا يستمدون هويتهم الناصرية من علاقتهم بالقائد والزعيم
التاريخي عبد الناصر .
كانوا معه في التحضير
لثورة يوليو ، وفي مجلس قيادة الثورة ، شاركوا في تفجير الثورة ليلة 23 يوليو ،
كانوا معه في الحكم ، كانوا حوله مفكرين ، كانوا الجهاز الكبير الذي يقوده عبد
الناصر ، وكانوا أيضا على علاقة شخصية به . حتى عبد الحكيم عامر بهذا المعنى ناصري
.
بالإضافة الى ذلك فان
نشاط عبد الناصر المكثف للدفاع عن الامة العربية ، حوله الى قائد قومي ، بصرف
النظر على حكام هذه الأقطار ، فأصبح كل الذين يجدون انفسهم في موقع قيادة الجماهير
العربية ، أو لكي يكسبوا هذه الجماهير ، عليهم أن ينتموا الى قائد هذه الجماهير .
وهو عبد الناصر . فاصبح كثير من القادة في الأقطار العربية ناصريين بمعنى أنهم
رجال عبد الناصر . أو الذين يمثلون اتجاهاته ، أو ممثلوا الثورة العربية التي
يقودها عبد الناصر .
وبعضهم كان عبد الناصر
يأتمنه على أدوار معينة ، فأصبح "فتحي الديب" وكيل المخابرات ، وصاحب
المهمة البطولية في التعامل مع "ثورة الجزائر" ناصري .
و"محمد حسنين
هيكل" صاحب الكفاءة الصحفية الهائلة ، الذي اتخذه عبد الناصر متحدثا باسمه ،
أو صحفيه الأول كما يقال ، وهو يستحق هذا الدور ، لأن عبد الناصر لم يكن ساذجا ،
ما كان يمكن أن يضع هيكل في هذا المكان ، الا اذا كان هيكل فنيا كصحافي ، يستحق هذا
الموقع . لذلك فهو ناصري .
كل هؤلاء الناصريون هبوا
للدفاع على عبد الناصر في مواجهة اتجاه السادات وأصبح من حق كل منهم أن يقول أنا
"ناصري" .
من هنا ، فان هذه
النصرية مصدر الانتماء فيها العلاقة بالقائد ، بمعنى أن الذين نفذوا أو قاموا
بمهمات في عهد عبد الناصر ، هم منفذوها فقط ، فهي اذن مواقف ناصرية . وقد قلت عن
هذه الناصرية : أنها ناصرية مستحيلة .
- لماذا هي مستحيلة ؟
- مستحيلة .. للدلالة
على الانتماء الناصري بالنسبة للمستقبل – أكرر بالنسبة للمستقبل – في غياب القائد
، ذلك أن القائد الذي كان يحدد الدور ، ويقود النضال ، مصدر الثقة ، مصدر الانتماء
للناصرية قد انقطع لأن عبد الناصر توفاه الله .
على كل واحد منهم – الان
– أن يثبت أنه كان بجوار القائد لأنه كان يشاركه في معتقداته ، أنه نفذ المهام
لأنه كان يؤمن بها ، أن مواقفه كانت مطابقة لمواقف عبد الناصر ، لأنها هي مواقفه –
أيضا – حتى وان لم يكن عبد الناصر موجودا ..
هذه الناصرية المستحيلة
متناثرة ، هناك ناصريون كثيرون بهذا المعنى ، عندما نقول له أنت ناصري بأي معنى ؟
يقول لك : أنا عملت كيت وكيت ، مثلا : سيد مرعي يقول أنا الذي نفذت الإصلاح
الزراعي ، لذلك عليك بسؤاله : ما رأيك في الملكية الزراعية في المستقبل ؟
السيد علي صبري يقول لك
أنا الذي نفذت التحول الاشتراكي . اذن يجب أن يُطرح عليه السؤال : وما رأيك في
التحول الاشتراكي في المستقبل ، ما رايك في كمب دافيد ... في دور الرأسمالية
الوطنية ؟ فيقول لك مثلا عن دور الرأسمالية الوطنية : أن عبد الناصر قال أنها جزء
من تحالف قوى الشعب العاملة . لا ... أنا في حاجة لرأيك أنت ، وليس رأي عبد الناصر
؟ !
المبادئ
المستحيلة
والناصرية - كما أرى –
هي مجموعة المبادئ المستخلصة من التجربة التاريخية التي قادها عبد الناصر في مرحلة
نضجها ، وهي تحتاج لمجهود هائل لاستخلاصها ، حيث نأخذ اخر ما وصلت اليه من تطور
لمواجهة مشكلات التطور المقبلة .
ثم وعلينا أن نفرق بين
عبد الناصر رئيس الدولة ، وعبد الناصر القائد القومي ، ثم نضيف اليها تجربة
السادات لأنها مصدر هائل وغني لإثراء الناصرية ، لأنه الضد ! ، ولأن المستقبل بالنسبة للناصريين يبدأ بعد
مرحلة السادات ، وليس بعد مرحلة عبد الناصر .
واذا كانت الناصرية هي
المبادئ المستخلصة لتوجيه العمل الناصري في المستقبل .. اذن يجب أن تبدأ من الان ،
كما أن الحزب الناصري اذا كان يضع برامجه الان ، فهو مطالب بالإجابة على ما لم
يخطر على بال عبد الناصر ولا في المنام ! مثل : كمب دافيد ، القطيعة مع العرب ، وهذان
نموذجان للدور الإسهامي للسادات ، واللذان لم يحدثا في عهد عبد الناصر .
لذلك فالناصرية مطالبة
بالإجابة على الأسئلة التي يطرحها الحاضر والمستقبل من واقع التجربة التي طرحها
السادات ، وبالتالي تُطرح على الناصرية تلك المضامين غير المسبوقة . وهذه المسائل
يجب أن تصاغ – وباعتباري صاحب خبرة في الكتابة – فان ذلك لا يصاغ في برنامج ، ولا
يستطيع أحد أن يكتبه ، لأن ذلك سوف ينمو من خلال الالتقاء على مبادئ أساسية .
وأعني أن الناصرية لن تكون صياغة فردية ولا مجردة .
أول من دعا
الناصريين للالتحام
بعد وفاة عبد الناصر ،
كنت من أول الذين عرفوا الى أي مدى سوف يذهب بنا السادات ، لأني أعرفه منذ عام
1946 .. لذلك فقد دعوت في محاضرة عقب ذكرى الأربعين لوفاة عبد الناصر ، الناصريين
الى الالتحام في تنظيم لملء الفراغ الذي تركه القائد ، والتحرر من أوهام أنه يوجد
عبد الناصر ثان ! ..
بعدها تلقيت دعوة من
مجلس قيادة الثورة في ليبيا ، وفوجئت بهم يقولون لي : أنت قلت كيت وكيت ، اذن كيف
تعمل التنظيم الذي يملأ فراغ القائد ؟ كان ذلك الكلام في حضور القذافي ، واندهشت ،
لأن الدعوة كانت لإلقاء محاضرات وليس لمناقشة ما طرحته في القاهرة حول هذا الموضوع
.
وبعد حوار ومناقشات
استمرت ثلاث ساعات ، اقترحت عمل وثيقة فكرية غير ذات مؤلف ، على أن تطرح للمناقشة
على الجماهير العربية لمدة عام أو اثنين ، وعلى أن توزع – أيضا – على أعداء الأمة
العربية لنعرف كل الآراء .
ووافقوا على الاقتراح ،
وقالوا من يقوم بذلك ؟ قلت : ما دمت أنا الذي اقترحت حرمان صاحب الوثيقة من أن
تنسب اليه ، لا استطيع أن أرشح أحدا ، لكني على استعداد للقيام بها . واتفقنا على
أن أصيغ "وثيقة فكرية" تصلح لأن تكون موضوع حوار بين القوى تنتهي بتشكيل
الحزب الناصري ، باسمه القومي الذي كان عبد الناصر قد أسماه "الحركة العربية
الواحدة" .
وعدت من ليبيا ، لأدخل
لأول مرة في حياتي وزارة الداخلية مستدعيا من وزيرها حينذاك السيد شعراوي جمعة ،
واذا به يعرض علي ما ذكرته في المحاضرة من ضرورة التحامن الناصريين في حزب يملأ
فراغ القائد ، وقال : لقد تدارسنا ذلك في التنظيم الطليعي ووافقنا عليه ، لكن كيف
يتم ذلك ؟
هنا أدركت أن السيد
شعراوي جمعة على علم بما تم في ليبيا ، وقلت له انذاك ، لقد دعيت لليبيا لعمل
محاضرات ، قلت لهم كيت وكيت ، فقال : على بركة الله ، أنت تعمل هذه الدراسة من
اربع نسخ ، منها نسخة لي شخصيا ، وواحدة لك ، وواحدة للتنظيم الطليعي ، والرابعة
للأخ معمر القذافي ، ثم تُعقد اجتماعات لمناقشتها ، وتتّسع هذه الاجتماعات حتى نصل
الى بلورة نهائية لها ، وانشاء الله يتحقق هذا الحلم .
ملاحظة هامشية : كان ذلك
أول اتصال لي يحدث مع واحد من السلطة منذ عام 1952 ، وطوال هذه الفترة كان موقفنا
سلبيا (سواء من جانبي أو جانب القيادة) .
نظرية الثورة
العربية
- وماذا حدث بعد ذلك ؟
- كعادتي ، اخذت المسالة
جدا ، وكان ذلك في يناير 1971 ، وانكببت على الدراسة اعتبارا من فبراير وحتى يوليو
، حيث كنت أعمل بمعدل عشر ساعات يوميا ، على اعتبار أن الموعد الذي حدد لبدء
المناقشة كان يتوافق مع عيد الثورة في يوليو .
ومع حلول يوليو كان من
اتفقت معهم قد دخلوا السجن ، عقب انقلاب مايو ، واستكثرت ان اقدم الدراسة التي
حملت اسم "نظرية الثورة العربية" للإخوان في ليبيا ، و قد حاولت نشرها
في كتاب ، روجع في مصر خمس مرات ، لكن منع نشره ، فسافرت الى لبنان لنشره هناك . وقد
صدر الكتاب فعلا وأنا في السجن ! وفي الواقع ، فان هذا المجهود هو نوعية من
الجهود التي يجب على الناصريين أن يتعاملوا معها ، وأنا اعتقد أن الناصرية
"صياغة" هي ما جاء في "نظرية الثورة العربية" .. ولكن علينا
أن نتجنب ذلك ، فليس ما أعتقد حجة على صحته ونقول : ان المادة الخام سواء الفكرية
أو التطبيقية لصياغة مبادئ يمكن أن ترقى الى مستوى النظرية موجودة في تجربة عبد
الناصر إضافة الى تجربة السادات ، وذلك بالبحث عن الأسئلة التي طرحتها تجربة عبد
الناصر إيجابيا ، والتي طرحتها تجربة السادات سلبيا .
كما أن النظرية موجودة
في عشرات الخطب والكتب سواء العربية أو الأجنبية ، وكذلك الاسرار التي تتكشف الان
، مثلا كتاب هيكل الأخير جعلت الأفكار التي نحملها عن حرب السويس تحتاج لإعادة
النظر . وبالتالي فان الناصريين الذين يستمدون وظيفتهم من احتياجات المستقبل لنظرية
ناصرية هم ناصريون حقيقيون .
وأستطيع القول : ان وجود
نظرية ناصرية نشأت كضرورة بعد وفاة عبد الناصر وليست قبله . لأن وظيفة النظرية أن
يلتقي الناصريون حولها ، وأن يحتكموا اليها ، وهذا الدور كان يقوم به عبد الناصر شخصيا
. وبالتالي لم تظهر ضرورة صياغة نظرية لدى عبد الناصر وان كان قد قدم الميثاق
تمهيدا لمستقبل ناصري أطول من حياته .
كيف بناء
النظرية الناصرية
- كيف يتم بناء النظرية
؟
- الواقع أن التسرع في
انشائها ، افتعال غير علمي . كل انسان من حقه أن يعبر عن الناصرية كما يراها وان
كنت أعتقد أنها ستكون من خلق الجيل الناصري القائم .
وبما ان النظرية جزء من
ضابط لعلاقات الناس لتحقيق هدف في المستقبل ، فلن توجد نظرية ناصرية بدون حزب
ناصري ، هذه استحالة . والماركسية ذاتها لم توجد الا بوجود الأحزاب الشيوعية
السابقة على ماركس . فالماينغستو الذي أعده ماركس وأنجلز في لندن ، لم يتم الا
بناء على طلب الحزب الشيوعي في فرنسا ، حيث كان البذرة التي بنيت عليها النظرية
الماركسية على مدى قرن من الزمان والتي أسهم فيها مئات الألوف من الماركسيين في
جميع الأحزاب .
لذلك فان الخضوع لإغراء
النظريات السابقة ، في محاولة لصياغة نظرية ناصرية ، صعب ، بل وأقول مستحيل . لذلك
كانت دعوتي للناصريين أن يبدأوا من الميثاق في الأبواب العامة ، وهو طبقا لوجهة
نظري متفوق فكريا .
ويوجه الدكتور عصمت سيف
الدولة كلامه للناصريين قائلا : أذا كنتم بصدد تكوين حزبكم ، ضعوا أيديكم على
الميثاق ، وتعاهدوا أن تلتزموه ، وتطوّعوه ، وتغنوه ، كما كان يريد عبد الناصر أن
يغنيه من خلال التجربة .
الناصرية
والنظرية المتكاملة
- هل تشكل الناصرية
نظرية متكاملة ؟
- أنا أعترض عن السؤال ،
اذ لا يوجد في تاريخ البشرية نظرية متكاملة ، بمعنى أنها بلغت منتهاها ، وغير
قابلة للنمو والتطوّر ، والدليل : الليبرالية والماركسية ، وظهور الكثير من النظريات
كل يوم .
واذا قلنا أن النظرية
الناصرية في بداية نشأتها ، باعتبار أن بذرتها الجنينية هي الميثاق ، وتربتها هي
التجربة التاريخية لعبد الناصر ، فسوف تنمو من خلال حركة نضالية تضيف كل يوم جديد
، ولن تكتمل في جيل أو جيلين ، لأن النظريات غير قابلة للاكتمال النهائي .
- اذا كانت النظرية
موجودة ، لكنها غير مكتملة ، ما هي مواصفاتها ؟
- في الواقع ، ان كل
الخصائص اللازمة لصياغة نظرية بمعناها السياسي موجودة ، من خلال التجربة التاريخية
، وان كانت لم تُصنع بعد بشكل يمكّن كل واحد من أن يضع هذه الصياغة في جيبه أو
مكتبه ، بحيث لا تكون كتابا من تأليف فلان ، انما مثلا كالميثاق ، أو للإضافة التي
سوف تأتي نتيجة التفاعل الإنساني للتجربة ، ولحركة الحزب الناصري .
القواعد
- ما هي قواعد النظرية
من وجهة نظرك ؟
- القواعد : ضبط حركة .
وأين الحركة : في المجتمع . ولكل مرحلة في المجتمع ضوابط حركة . نحن الان في مرحلة
تصفية الرّدّة الساداتية ، والحركة هنا يجب أن تتجه لإيقاف الرّدةّ . فضوابط
مواجهة مثل هذا الوجود الساداتي موجودة في الميثاق ، وان كنت غير محتاج الان للضوابط
الاشتراكية . مثال اخر ، ضوابط مواجهة الهيمنة الامريكية موجودة في الميثاق ، كما
هي موجودة في تجربة عبد الناصر .
وبطبيعة الحال ، لا توجد
كل الضوابط في النظرية الناصرية ، لأن ما سوف تسفر عنه الحركة الاجتماعية في
المستقبل لا يمكن التنبؤ بها الان .
واذا لم يستنبط
الناصريون قواعد عموم التجربة ، فسوف يظلون بدون منهج ، لأن الذي ينقص التجربة
الناصرية : هو المنهج ، لأنه السلاح الموحّد لحركة الجماهير المنظمة .
فالمنهج نعمل على أساسه
النظرية ، والنظرية نعمل على أساسها استراتيجية ، والاستراتيجية نعمل على أساسها
التكتيك . ويوم أن يتوه منا التكتيك نعود للمنهج .
والمشكلة الجوهرية في
نظريات المنهج كلها هي في حركة التطوّر ، في التأثير المتبادل بين الأشياء وبين
الناس ، ما هو العنصر الذي يلعب الدور الأساسي ويقود العملية كلها . في الليبرالية
: الفكر . وفي الماركسية : المادة . وعبد الناصر قال : "الانسان هو الأول والأخير"
. وقد اختار هنا العنصر الثالث ، في أن الانسان يقود الأشياء وليست الأشياء هي
التي تقود الانسان ، وأنا أعتقد أن عبد الناصر ترجم في هذا انتماءه الإسلامي .
هناك نقطة موضوعية أخرى
وهي : اذا نظرنا الى الجزء من خلال الكل ، باعتبار أن قائد الحركة ، حركة التطوّر
في مصر هو الشعب العربي في كل مكان ، ولم تطبق هذه المسالة للان . وقد حاولت طرحها
للمناقشة الان بين الناصريين .
أنت ناصري
- دكتور عصمت ، من خلال
طرحك ، يتّضح أنك ناصري .. فما قولك ؟
- معك حق ، فكثير من
الأصدقاء الناصريين يقولون لي : أنت ناصري ، وأقول لا ! أنا لست ناصريا ، لأنني لست شريكا لهم في
انشاء الحزب ، وحجتي في هذا أني بلغت من
السن ما لا يسمح بأن انتمي بتسرّع . وعندما أجد الإجابة على السؤال عن الناصرية ،
سوف أحدّد موقفي !
والاجابة ليست في أن
فلان ناصري ، انما السؤال : أن يقوم حزب ناصري يبلور المبادئ على الطريقة التي
ذكرتها ، ويتبناها ، ساعتها انظر : أنا ناصري ام لا ؟ !
ثم هل هذه المبادئ
ناصرية ، وهل الذي يقف ضدها يصبح غير ناصري ؟ !
وفي الحقيقة : هذه هي
المهمة التاريخية التي يجب على الناصريين أن يقوموا بها ، واذا لم ينجزوها ، سوف
تصبح الناصرية مثل الفابية ، والفابية الان انقضت تاريخيا .
أيضا : الدنيا لن تتوقف
الى أن يصوغ الناصريون أفكارهم ، ستظهر أفكار أخرى ، ومنسوبة لعبد الناصر . واليوم
على سبيل المثال مطروح في مصر عن طريق "الأخ كمال أحمد" حزب ناصري ،
أفكاره هي بالضبط أفكار السادات ، ويسمى حزب ناصري . وأنت ليست لديك السلطة لان
تحرم الناس من أن تقول ، أو أن تفكر . والناصريون اذا أقاموا حزبهم ، فهم مرشحون
لتصحيح المسيرة ، وما دامت مشكلة مصر ، فهي بالضرورة مشكلة الأمة العربية ، لأن
مصر لها ثقل قومي ، وتؤثر في الوطن العربي كله .
ولأني قومي ، فاني أعتبر
أن انقاذ مصر مما هي فيه مهمة قومية وليست مصرية . واذا أُنقضت مصر سوف تتوقف
الحرب في العراق ، وستتوقف المذابح في لبنان ، وستتغير الخريطة كلها ، لأن الخريطة
العربية تمزقت يوم أن حوصرت مصر ، أو حاصرت نفسها .
ويقيني ، أن القوة
المتاحة لإنقاذ مصر هم الناصريون ، بشرط أن يكون لهم حزب ، ويتحوّلوا من ناصريين
الى قوة ناصرية . لذلك منذ أدركت هذا الأمر من أيام السادات وأنا اظاهر وأؤيد
النشاط الناصري في سبيل الالتحام في حزب .
هل التربة
صالحة ؟
- قلت : اذا كان هكذا الحال
، وهكذا الرؤية ، وأن هناك ناصرية ، وأن بطبيعة الحال هناك ناصريين ، اذن هل
التربة المصرية ، ونسحب ذلك على التربة العربية ، مهيّأة لهذه الرؤى ، اذا ما
تبلورت على النهج الذي طرحته بشكل علمي ؟
- هذه ضمن الخلافات
الصامتة بيني وبين الناصريين ، اذ أنني أعتبر الناصرية التطبيق المعاصر عربيا ،
الناشئ في التربة المصرية على وجه التحديد للنظرية القومية ، وان كان بعض
الناصريين يعتقد أن القومية هي تفريعات نظرية من الناصرية . ووجهة نظري : أن
الناصرية بنت هذا التراب ، ومن تجربته المرة . بمعنى أن عبد الناصر لم يكن لديه أي
تصور نظري يفرضه من خلال المعاناة الشديدة .
- هل الناصرية ملائمة للمستقبل
العربي ؟
- خطأ كبير أن تفرض
نظرية تفصيلية متكاملة على المستقبل ، كما هو خطأ جسيم أن يلتقي الناس على برنامج
براغماتي .
فالخطأ الأول مغامرة او أحلام
. والخطأ الثاني لا يعصم الناس من أن ينشقوا ، ومن هنا الحاحي على المشروع الناصري
(الحزب) أن ينطلق من الميثاق تحديدا .
وعبد الناصر كان النموذج
البطل ، المتواجد في أذهان العرب والمصريين شبابا وغير شباب ، بحيث أصبح صعبا على
أي انسان أن يكون معه أو ضده ، وهذه قد تخلق متاعب لا أول لها ولا اخر ، خاصة في
صفوف الناصريين . بمعنى أن المثل الأعلى للناصري أن يكون "عبد الناصر" .
وبما ان جميعهم مثلهم الأعلى "عبد الناصر" .. فمن المحتمل أن تحدث (لخبطة)
شديدة في العلاقات الداخلية فيما بينهم ، بما يقتضي أن يضاف للناصرية ما لم يكن
موجودا من قبل ، نظام حديدي للتنظيم يحترم الطموحات لتكرار عبد الناصر ، ويحول في
الوقت ذاته دون هذا التكرار .
- معنى هذا : أن الشارع المصري
والعربي مهيأ لهذه النظرية ، ومثل هذه القوة الكامنة في اعماقه ، والتي تمثلها
الطليعة : وهم الناصريون .
- ذلك سؤال مهم . في
الشارع العربي والمصري ، المقارنة قائمة بين عام 1970 وعام 1980 على مستوى الأسعار .. الكرامة الوطنية .. والحقيقة أن الشارع لا يختار فلسفيا ، انما يقول (يا ريت أيام
زمان تعود) .. لذلك تأتي المقارنة بين عهدي عبد الناصر والسادات . وهي في مصلحة
عبد الناصر . وتتوقف المسالة هنا عما اذا كان الناصريون سوف يوفوا بالوعد الذي
يدور في اذهان الشارع أم لا ، هل تعود أسعار كيلو اللحم الى 65 قرشا مثل أيام عبد
الناصر ؟ هل يختفي المليونيرية والسماسرة ؟ هل تستأنف حركة التصنيع ؟ ذلك يتوقف
على الناصريين .
والشارع المصري في حاجة
الى انقاذ من الوضع المتردي ، والذي سينقذهم هو الذي سيحقق لقب الناصري ، والذي سوف
ينقذهم ستعطيه الجماهير تفس الثقة والولاء والمحبة التي أعطيت لعبد الناصر حتى بعد
وفاته .
الان : الشارع العربي
ممزق ، محتل ، الذي يمكن أن ينقذه هي الحركة الناصرية ، لان الشارع العربي مازال
يحتفظ في وجدانه ببطله عبد الناصر . وعبد الناصر عنده هو محرر العراق والجزائر
واليمن ، والمدافع عن الأرض العربية ضد مبدأ ايزنهاور ومحقق أول مرحلة وحدة ..
والحزب الناصري لن يكون
له كل هذا الحب ، لان الحزب لن يكون بطلا ، فستقاس إنجازات الحزب في الشارع العربي
على مقياس البطل الحي في ذاكرة الشعب العربي ، اذن الحزب لا بد وأن يكون قوميا ،
في مضامين ومنجزات ونضالات توازي بطولة عبد الناصر ، من أجل أن يبقى له هذا البعد
في الشارع العربي .
- وسألت الدكتور عصمت
سيف الدولة المفكر القومي الكبير سؤالا تقليديا هو : هل لك إضافة تود أن تطرحها ؟
- واضح من حديثي معك ،
أن كلامي يمكن تأجيله للمستقبل ، انما النقطة المهمة المطروحة حاليا : هي تجسيد
الناصريين انفسهم في حزب ، يأتي بعد ذلك اختيار الفكر ، ليثبتوا أن التربة العربية
تحتاجهم ، أو لا يثبتوا ! .. لكن اخشى أن تكون الأفكار ضارة
بمشروع الحزب ، لأنه دخل مرحلة التأسيس . حيث تجمع أفراد لتكوين جسم ، لا يجوز أن
تطرح أفكارا تثير الخلاف أكثر مما تثير الاتفاق .
في هذين القوسين الأول والأخير
، أترك لك حرية التصرف .
- اسمح لي يا دكتور في
التحفظ الأخير ، أن أقول اذا كان الناصريون لديهم قدرة الجدل والمعاناة والابداع
لصياغة فكر لرجل عاش بيننا وما زال ، يصبح لهم حق انشاء حزبهم ، الذي أتفق معك في
أنه انقاذ للشارع المصري والعربي ، وانا كلي ثقة في قدرتهم على ذلك.
- تعقيبك فيه مصادرة على
المطلوب ، اعطهم الفرصة ، واحكم عليهم بعد ذلك ، ولا تصادر تجربة لأن يتحولوا من
ناصريين الى قوة ناصرية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق