سر
الظلام ..
كثيرا ما يعيش الانسان تفاصيل واقعه باحساس مرهف عميق ، فيقود ذلك صاحبه
احيانا الى لحظة ضعف مقيتة ، مؤكد انها لا تخرج من اطار الصراع الجدلي الداخلي
الذي يكون من خلاله الضعف تعبيرا صادقا عن حالة الاغراق في الواقع المريض دون
الاخذ بالاسباب والمسببات ، حتى و ان كان المتامل يدركها ، ويختارها متعمّدا ، فتكون تلك اللحظة ـ باختصار ـ حالة من الهروب الى الداخل ، سرعان ما تــُـحوّل الموقف برمّـته الى جلد
ذاتي بدل النقد .. فتكون حدته عندئذ بقدر ومقدار عمق الاغراق وحدّة الصراع ..
ان قيل لماذا يضعف الانسان ..؟ فلأن لكل انسان لحظات من الضعف مهما ادّعى من القوة .. وعليه فان مثل هذا السؤال ان لم يكن لمعرفة الخفايا ، فهو يخفي نية لا تخلو من الافتعال لنفي الضعف عن الذات ومحاولة الظهور بمظهر القوة المطلقة وهي صفة غير انسانية ..
وعلى أي حال ومهما كان الامر فان الضعف الانساني ليس سلبيا كله ، بما يتيحه للانسان من امكانية الاعتصام بصاحب القوة المطلقة الذي يستعيد منه قوته و توازنه .. وهكذا كان ..
حيث كنت أتأمّل حال الامة المعقد والمحيّـر والمثير للتسائلات :
كيف وصلنا الى ما نحن عليه من ضعف و نحن أمة اعزها الله بالقرآن الهادي الى الطريق المستقيم ..؟
لماذا تقهقر حالنا من موقع الريادة الى التبعية والذيلية ؟
لماذا عندما نقرأ التقارير حول الجامعات العالمية والبحث العلمي والتصنيع والاكتشافات العلمية ...لا يكون لنا باع و لا ذراع ، ولا يذكر لنا أثر ، وعندما نذكر نكون في المؤخرة ..؟ واذا وقع احصاء الابداع والمبدعين في العالم يكون نصيبنا منها الصفر ..؟
ولماذا حين يذكر الفقر والجهل والمرض والأمية والمديونية والتبعية والسجون والهجرة وغيرها من المصائب نكون في المقدمة ؟
لماذا تتتقدم ولو ببطئ كل من الصين واليابان وكوريا وجنوب افريقيا واستراليا ودولة الصهاينة وغيرها كثير في العالم ، وبقينا نحن نسير الى الخلف ..؟
لماذا تهنا في الظلمة فاصبحنا لا نعي ما حولنا ، وضعفت حواسنا ، ومات احساسنا ، حتى اصبحنا نداس كالحشرات ولا نحرك ساكنا ؟
لماذا تداهمنا الاخطار من كل الجهات ولا نعير اهتماما تماما كالحيوانات ؟
أجل هكذا تماما ... بالعلم وليس بالكلام ..
انه أمر تفوق طرافته المأساة ...
امة رخوة ..غيرت الظلمة جلدتها ، فلا صلابة ولا مقاومة الا من بقي في النور من ابنائها وهم كثيرون والحمد لله ..
امة فقدت البصر والبصيرة والنطق ، فلا ترى الموت ولا الموتى ، ولا تقول للظالم لا .. الا من رحم ربك .. واضاء عالمه الخاص فافلت من قبضة الظلام وقوانينه الجبرية ..
امة مغلوبة على أمرها تتكلم بالهمس ، تتبعها الحواس الرسمية المتطورة لا اراديا تحت تاثير الظلام ، بالمخبرين والمخابرات ، حتى صارت كالقطيع ، الا من اهتدى بنور قذفه الله في قلبه ..
هو حال امة تعيش في الظلام الدامس المطبق عليها من كل جانب ، ذكرني بدراسة طريفة لبحوث " علمية " حول تاثير الضوء والظلام على الكائنات الحية مدعومة بالتجارب والتحاليل العلمية اللازمة ...
http://www.persee.fr/web/revues/home/prescript/article/bmsap_0301-8644_1902_num_3_1_6068
ملخص البحث والنتاج يؤكد ان الملاحظات التي جُمعت حول الحيوانات في محيطها ثم التجارب التي أجريت على بعض الكائنات الحية الصغيرة والتي تتاثر بسرعة عندما تتغير الظروف فتتكيف معها لتبقى على قيد الحياة قد بيّنت :
ان الكائنات المتعوّدة بالحياة في الضوء اذا وضعناها في الظلام لمدة طويلة تشهد تغيرات فيزيولوجية جذرية وملحوظة اهمها : فقدان لون الجلد الذي يتحول تدريجيا الى اللون الابيض ثم لا يلبث هذا الجلد ان يتقلص سمكه فيفقد صلابته ، ليصبح شفافا عند بعض الحيوانات الى درجة انه يمكن مشاهدة دقات الاوعية الدموية وبعض المكونات الداخلية للجسم .. كما تشمل هذه التغيرات اهم الاعضاء في الجسم وهو الدماغ والاعصاب ، ومنها اختفاء العصب البصري والشبكية .. فيتقلص تباعا حجم العين و ينعدم الابصار .. ولتعويض هذا النقص يظهر تضخم في مستوى بعض أعضاء الحس لتحسس مكونات الوسط بواسطة هذه الاعضاء وليس بالرؤية والابصار الخ ...
والحقيقة ان هذه الابحاث تتطرق الى عدة امثلة مفصلة من الحيوانات والتجارب المختلفة في الضوء وفي الظلام مع المقارنة بينها جميعا وبين صغارها... مع كثير من التفاصيل التي يمكن متابعتها في الموقع المذكور... لكن الذي جلب انتباهي ان محتوى هذه التجارب ينطبق على حال الامة ، فيمكن ـ قياسا ـ تفسير الوقائع حالة بحالة ..
اذ ان أمة العرب كما يبدو تاريخيا قد دخلت في الظلام المطبق الرهيب منذ زمن طويل .. فتوقف زمانها من زمان .. وهي نائمة ، تماما مثل اصحاب الكهف .. او ربما قد دخلت في نفق طويل مظلم يتوه بصاحبه ، فيرجعه بعد طول الرحلة والظلمة الى الخلف .. ويبدو ان تاريخ هذا الضياع يعود الى زمن القرون الوسطى الهجرية او قبل ذلك بكثير .. اي باختصار منذ ان ابتعدت الامة عن الكتاب الذي ألهمها في العصور الاولى النهج العقلي القائم على التدبر والتفكر الذي يؤدي الى الوثوق بانسانية الانسان وهو منهج انساني كامل بأتم معنى الكلمة : " سيروا في الارض"( للمعرفة ( .. و" قل اعملوا " ( للتنفيذ .. ) حيث لا يتحقق أثر المعرفة الا بالعمل .. بل زاد سبحانه بان رفع من مقام العمل فربطه بالايمان ، وبهذا تحرّر الصحابة والمسلمون الاوائل ، من قيود الجاهلية وتحدّوا كل المعوقات ، فحققوا ما يبدو معجزات بالنظر الى ظروفهم وامكانياتهم ، حين تمكنوا من مقارعة أعتى الامبراطوريات ، و كثرها خبرة بالحروب" النظامية " ، فكسروا شوكتها جميعا .. وغيروا مجرى التاريخ وتوزيع الجغرافيا .. حين اطلقوا العنان للفكر بعد ان استقر الوضع .. فاثرى الاجتهاد حركة المجتمع ، وظهرت النوابغ في جميع المجالات .. الى ان جاء عصر الجمود وتقييد الاجتهاد بالاجتهاد ، فتوقف العلم على مهمة التكرار والاجترار مما أدى الى تضخم الفقه والتفسير على طريقة التنميط والتحنيط وتوليد الأثر دون نظر الى الواقع المتغير باستمرار .. وهذا هو الادهى والامر.. وخلاصة الحديث المختصر .. فدخلت الامة في عصور الظلام ، رغم بعض المحطات المضيئة التي لا تغير شيئا من واقع الصورة عبرعصور الانحطاط ، مهما حاولنا تزويقها بمواد التجميل .. وهل ما تعيشه الامة قد ظهر من فراغ ؟
كلا ..
وها هي تعيش زمنا بزمن ..
فكأنني بها تعيش تاريخيا زمن التتار ، او زمن الصلبيين ..
ومن لم يصدق فلينظر الى بلاد الرافدين أو الى فلسطين ..
وجغرافيا تعيش أمتي بواقع القرون الغابرة ..
شعوبا وقبائل متناثرة ..
زمن داحس والغبراء وحرب البسوس ..
او زمن النعمان وأكاسرة الفرس المجوس ..
ومن لم يصدق فلينظر الى الخريطة الفضيحة ..
والى بلاد الرافدين الذبيحة ..
وفي الحكم تعيش أمتي عصور شيوخ القبيلة ..
الوارثين المورثين المتصارعين ..
يحاصرها أعداءها المتربصين ...
ثلة من ابنائها وثلة من الغرباء المتعطشين ...
ثلتان من المتحالفين ...
وهكذا هو حالنا . .بلا وعي ، بلا ذاكرة ، بلا ارادة ، بلا عقول نافذة .. الا من رحم الرحمان ..
هكذا امرنا ينرفز ، ويدوّخ ، ويركب السكر .. وضغط الدم .. كما يقال في تونس .. او هو امر يشقلب المخ ويطلّع النفوخ ويعمل عمايله .. كما يقال في مصر..
أمة نزل عليها وابل من الرسلات ، قادتها الرسل والانبياء وهي بلا شرع ولا شريعة الا شريعة الغاب ..
أمة من اكثر الامم موعدا مع الله ، وأكثرها معرفة باسرار الخالق تعبد الشياطين من رعاة البقر ، وقتلة الانبياء ..الا من الهمه الله ..
امة نفطية اغرقها الله في النفط من رأسها حتى قدميها تتذيل الصفوف ..
أمة بعثها الله من الغار بكلمة " اقرا " فعادت اليه وهي لا تقرأ ولا تكتب ولا تنشر ..
أمة تعلمت بالوحي المبين ان الانسان انسان مفضّل بالتفكّر ، والتدبّر ، والعمل ، فاختارت النوم والاجترار كالدواب ..
أمة اكرمها دينها بثواب الاجتهاد في الخطأ والصواب ، فاختارت الاتباع وقلة التفكير ..
أمة اخرجها الله من الظلمات الى النور .. فاستوحشت النور واستانست بالظلام ..
قال تعالى : ﴿ إِنْ هُمْ إلاّ كالأنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ .(الفرقان /44 ) .
ماذا اقول اذن ولمن اقول ..
لن اتوجه الا الى الله .. وانا في اشد لحظات ضعفي وحيرتي ..
ربي ان كنت افعل السوء بجهالة فاهدني الى توبتك قبل ان اموت ، لانال عفوك وانت القائل الصادق : ﴿ إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ، وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ ( النساء . ( 17 / 18
ربي انت تعلم اسرار خلقك و تعلم حال النملة في الظلمة و تعلم ما دون ذلك وما فوقه و لا تخفى عنك خافية سبحانك ربنا واليك المصير، و انت ادرى بحال ظلمتنا الحالكة و غياب شمسك عنا، حتى اصبحنا لشدة الظلمة و طولها لا ندري ان كانت تبعد عنا او تقترب . وانت يا عالم الغيب ادرى بالفلك الذي تسير فيه ، رغم اننا علمنا مما علمتنا ان سيرها محكم الى يوم الدين ، ذلك تقديرك و انت العزيز العليم ن فأنت القائل سبحانك : ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ ( يس /38 ).
لكننا يا ربنا قد اتبعنا المنجمين الذين يرصدون لنا السماء ، ويقرؤون لنا طالعنا ونازلنا واكف ارجلنا ، اذ هم يا الله يصلبوننا على رؤوسنا لكي يقوموا بمهمتهم التاريخية .. ومن حسن حظنا أنهم صاروا أكثر من أن يحصوا ، وانت سبحانك قد احصيت كل شئ عددا .. و نحن يا ربنا استانسنا بهم في ظلمتنا ، وهم أملنا الوحيد في المستقبل القريب والبعيد .. حتى انهم كما تعلم سبحانك يستكشفون لنا غدنا المجهول عبر الفضائيات من حين الى حين ، ونحن نترقبهم بفارغ الصبر باهتين مشدوهين . حيث علمنا يا ربنا ان أصواتهم عندما تخترق الفضاء الخارجي من ملكك الرّحب ، وقبل ان تصل مسامعنا التي هي من نعمك ، تراقب لنا النجوم ، نجما نجما ، والكواكب ، كوكبا كوكبا .. وحين تصل الينا تلك الاصوات تسري في أجسادنا ، اذ قيل يا الله انها مشحونة بهالة سحرية ، لا نشعر بها عندما تستقر في اعماقنا للحظات ، فتستجلي ما بداخلنا بحكمة انت أعلم بها منا يا حكيم يا عليم ، ثم تعود هذه التجليات اليهم بكل اسرارنا عبر الهاتف الذي كثيرا ما يحرّضوننا على استعماله ونحن لم نفهم دواعي حرصهم ففرطنا بجهلنا في الكثير من الحظ ، وأخّرنا مصلحتنا بعدم مساهمتنا في تسهيل مهمتهم ..
هكذا يا ربنا صرنا في الالفية الثالثة ، وانت اعلم بما خفي عنا ، ورغم ان منجّمينا المخلصين ما قصّروا في محاولة الاستجلاء ، والبحث عن مصير الشمس وسرّ الظلمة القاهر وانت الواحد القهار ، الا ان يدا واحدة لا تصفق يا الله ، وهذا قد يكون عذرهم ، ولكن نحن ليس لنا من عذر في طول النوم الا طول الظلام نفسه ، مما ولد عندنا كثرة الهذيان وقلة التركيز وضعف الذاكرة والبصر، فتغيرت حواسنا لغرض الاستشعار عن قرب فقط ، وهذا يا ربنا لا حيلة لنا فيه ، فانت سبحانك من سنّ قوانين الخلق ، وحتى حينما حاول البعض مدنا بالحلول ، كانت الظلمة لها أحكام ، فاخرجوا لنا كتبا مشوّهة صفراء لا ندري ما شابها وانت اعلم باسرار خلقك ، حتى صرنا في زمن القحط يلبسنا الجهل ونلبسه وفي وقت عز فيه القول الا ما قل وندر فلا يشفي الغليل ، الا هذه الكتب الصفراء المكدسة على الارصفة تسكنها العفاريت ، و يستعملها البعض لطرد الجنّ والشياطين ، او بين القبور يستعملها آخرون لاحياء الموتى ، وانت سبحانك القادر وحدك على احيائهم وبعثهم من جديد ، حتى وان كانوا من الصالحين . وفي الجانب الآخر من الرصيف وعلى بعد امتار هناك كتب وافدة حمراء ، ولا ندري ما الحكمة في اختلاف الالوان .. ربما يا ربنا لضعف البصر لا غير . كتب محشوّة بعقيدة ممسوخة حتى كدنا يا ربنا ـ وانت غافر الذنب ـ نعتنق عقيدة المسخ ، وكانت لحظات ضعف وجهل وعمى ، كادت تجرّ الكثيرين منا الى سوء الظن بافضل خلق صنعته من طين ، وطردت لاجله ابيلس اللعين ، المتكبر المغرور، وانت سبحانك جاعل بعض الظن اثم ، فأنجانا رصيد دفين فينا ، في اعماقنا وفي اللاشعور.. واخرجنا من دائرة الظن والاثم العظيم ، الا من تاه .. تلك فضيلتنا الوحيدة يا الله ، فما تنكرنا لفضلك ، وعزتك ، وجلالك .. اما تقصيرنا في عدم تفعيل كلامك يا ربنا فانت من بيده امرنا تفعل بنا ما تشاء ، وانني يا قوي يا عزيز اخاف ان يكون قد اصابنا غضبك وسخطك فنكون من الخاسرين . لذلك يا الله ساخالف كل المستانسين بالظلام حتى صاروا ظلاميين حقا ، وانت القائل سبحانك في الذين لا يحكّمون عقولهم : ﴿ قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ ( الاعراف .( / 38
و انت سبحانك القائل : ﴿ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ ( النحل / . ( 111
هكذا يا الله فهمت من كلامك الكريم ان المسؤولية يوم نـُحضر بين يديك مسؤولية فردية ، لا ينفع فيها من ظلّ عن سبيلك بمن اظلّه . لذلك لا بد من تحكيم العقل مهما كان ضعفه .
الا يفهم هذا المعنى من الآيتين ؟
استغفرك يا عفو يا رحيم فانا لا اجادلك الآن رغم انك سبحانك سمحت بالجدال في الآخرة ، وجعلت النفس مجادلة كما ذكرت في الآية الاخيرة ، لكنني اجادل نفسي الآن امامك لاقنعها بما اقول لها ، اوتقنعني هي بما تقول لي ، لاراجعها ان كانت مخطئة ، او تراجعني ان كنت مخطئا ، لان مصيرنا كما فهمت واحد في ذلك اليوم ، وقبل ان يفوت الاوان ، وانت يا الله تعلم صدقي ، وتعلم ما اخفي وما ابطن ولا تخفى عنك خافية . كما استغفرك ربي ثانية لانني حاولت ان اوضّح موقفي ونسيت انك عالم السرائر ولا تحتاج للايضاح فاعف عني وانا عبدك الضعيف .
و انني يا مفرّج الكروب اذ اناجيك فلا اقصد التوضيح ، بل اللّجوء اليك في حالة الضيق لاستريح مما ضقت به من نفسي ، ومما ضاقت به مني ، فلم يعد احدنا يصبر على الآخر لرهافة احساسها واحساسي ، حتى صار جدلنا عقيما من دون هذا الصبر ، وانت سبحانك خالق الانسان وميزته بالجدل ، والجدل حكمته تحكيم العقل والرأي .
و مجمل تحكيم الرأي كما علمتنا يا الله مفيد لنا للنجاة في مثل هذه الظروف التي اختلطت فيها الامور علينا ، حتى صرنا لا نميز بين العالم والجاهل ، وقد صار العلم يا ربنا حفظا وتكرارا ، ووسيلة للاقصاء الاحتكار .
مشكلتنا يا فعال لما تريد في قلة التفعيل .
اذ ان الكثيرمن كلامك يا من له الامر ولنا التنفيذ ، نسيناه او تناسيناه رغم ما فيه من الامر الواضح او النهي الصريح ، وانت من له العلم كله ونحن لا نحيط بشئ من علمك الا بما تشاء لنا وترضى وهذا يا الله بعض من قلّة التفعيل :
ربي انني اعلم انك القائل الصادق الآمر بشروط : ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ (الانفال /61 ). لكنك قلت يا الله ناهيا : ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ ( محمد / 35 ).
و قلت سبحانك آمرا : ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ ) البقرة / 194 ) ، وقلت يا الله محرّضا : ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ ( الانفال / 60 ) .
كما أذنت يا ربنا للذين ظلموا فأخرجوا من ديارهم : ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّه ُ﴾ ( الحج / 39 – 40 ) .
وأمرت في كتابك المبين : ﴿ وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ﴾ ( البقرة / 190 ) .
لكننا يا ربنا اكتفينا بتفعيل الآية الاولى و تناسينا الثانية والثالثة و... و السادسة ... بل اكثر كما تعلم يا عليم يا حكيم .
وقلت ايضا وقولك ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تاويلا ﴾ ( النساء / 59 ) واخيرا يا قريب يا مجيب فانني اعلم انك قلت : ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ ) النحل / 43 ) . لكنني يا غافر الذنب اميل الى التّفعيل الشّامل لكلامك لذلك ساعمل بما فهمت من مجمل هذه الآيات برأيي الذي جمعته بعناء ممن اعانني عليه ، ليس معصية لامرك ، بل انني لم اجد فيمن حولي من أسال يا الله ، ونحن أمة تعيش في الظلام ، تعطلت فيها ملكة التفكير .. نجتر الكلام والافكار حتى غدونا بلا فكر ولا افكار ولا مفكرين الا ما قل و ندر ممن شاء بمشيئة منك .. ولا يوجد فينا لا أولي الامر المعنيين ولا أهل الذكرالمقصودين ، وان بعض اشباههم اولى منا بالسؤال ..
ان كنت مخطئا يا مجيب يا قريب فاهدني الى صراطك المستقيم وأعنّي على ما جئتك طالبا العون فيه وانت وحدك المعين ، بعطف و رحمة منك يا رؤوف يا رحيم .
ربي انني فهمت اننا امة معتدى عليها منذ قرون ، وقد قام برد الاعتداء عنا العاقلون المؤمنون من اسلافنا وأجدادنا ، لكن اعداءنا عاودوا الاعتداء فنكلوا بنا ، وشردونا بعد ان اخرجونا من ديارنا ، وظاهروا على اخراجنا ، وانت سبحانك قلت آية اخرى في هذا المعنى سأختصر عليها القصد بالنية لتعلمها وانت عالم النوايا وما تخفي الصدور ، ثم ان اولي الامر منا وأهل الذكر يا الله ، اغمضوا أعينهم عن آياتك الثانية والثالثة و.... والسادسة وردّدوا لنا الاولى فقط ، حتى جاءنا في عصرنا هذا رجل عاقل مؤمن من عبادك المخلصين في موقع اولي الامر منا ، مقتديا ببعض من سبقوه في التفعيل ، فاراد ان يفعّل آياتك الثانية والثالثة و... السادسة المذكورة ، وقد كان يلهمنا ويحرّضنا على ردّ الاعتداء كما امرتنا يا حي يا قيوم ، وقد فعل .. لكن بعض عبادك المتخاذلين من امتنا ، تآمروا عليه كما تعلم وتحالفوا مع اعدائه واعدائنا الذين هم يا ربنا اعداؤك واعداء دينك الحنيف ، حتى حرقوا اعصابه فمات في اوج عطائه ، فكانت نكبتنا فيه بقدر فرصتنا معه ، وهكذا كان .. وانت اعلم منا بما خفي عنا و ربما ما خفي كان اعظم ..
كما جاءنا يا ربنا شيخ آخر والغريب ان كلاهما من الصعيد نحن لا نعلم الحكمة في ذلك لكنك اعلم بها منا ، وكلاهما اليوم بين يديك اللهم اسعدهما في آخرتهما جزاء ما تعبا وما بذلا وما فعلا من اجلنا في دنياهما .
الرجل الثاني يا الله كان بقضائك وقدرك اطول عمرا من الاول ، لكنه لا يقل قدرا وقدرة ، ولا اخلاصا وولاء ، ولا جلدا وصبرا من الاول ، غير ان احدهما كما تعلم يا حي يا قيوم كان يعمل في العلن والثاني يعمل في صمت . وهذا الصعيدي الثاني كما تعلم يا ربنا قد تنبه تماما كما تنبه الصعيدي الاول الى الظلمة التي نعيش فيها فبدأ ينثر حكمته حتى تفطنوا اليه وأرادوا ان يطفؤا نورا كان يوقده من فيض انت صاحب الفضل فيه ، بما منحته من قدرة على ايقاد هذا النور من تفاعلات في خلاياه العصبية لينير طريقنا . لكنه كان اكثر منهم تصميما وعزما وحكمة ، وقد كان .. حتى ان النور يا ربنا باق بيننا ينير المسالك مسلكا مسلكا ، وكانني بالظلمة تنقشع لكن ببطئ ..
نسيت يا الله ان ابوح ببعض اسراري فهممت بالتدارك لكنني تفاديت ما كنت انوي تداركه حين جاءني اليقين ثانية بانك عالم السرائر ، وعذري انني عبد ضعيف وشاني شان عبادك الذين منحتهم النسيان رحمة منك وفضلا عظيما كله لك ، وخلاصة سري يا من لا تخفى عنه خافية هو انني كنت كثير التردّد في التمرّد على اهل الذكر و اولي الامر ، خوفا من معصية امرك ، و تقديسا لكلامك يا قوي يا جبار ، وانت شاهد على سريرتي التي لا شك انك تعلم منها ايضا انني اشك احيانا في وجاهة التمرّد عليهم وهذا لانهم كما تعلم يا الله قد شددوا الامر علينا بوضعهم لشروط الاجتهاد ، وكم كنت اخاف ان اظل عن سبيلك واكون من الخاسرين .. لكن الامر يا عزيز يا غفار لم يعد يحتمل السكوت والانتظار .. فأمتنا التي اخترتها مهدا لرسالاتك واصطفيت منها انبياءك مهددة بالمسخ والانقراض كما ترى يا الله . و دينك الحنيف ملاحق ومستهدف بالتشويه والارهاب .. فلا بد من كسر عقدة الاجتهاد لاستعادة الروح من جديد ، وتفعيل المعطل ، فلا كهانة في الدين .. هذا ايمان راسخ عندي وانت سبحانك اعلم بسريرتي ، قوامه مبدأ ظللت ابحث عنه حتى وجدت سره في كتابك العزيز، وعند رسولك الكريم ( ص ) ومن تبعه من الرجال الافذاذ ، اصحاب الرأي والتفعيل والتنفيذ ، وعند هذين الرجلين بامتياز ، كل شيئ يبدا بالانسان ..
وانني لا اقنط من رحمتك وأسالك عفوك ورضاك ..
ولا حول ولا قوة الا بالله .
ان قيل لماذا يضعف الانسان ..؟ فلأن لكل انسان لحظات من الضعف مهما ادّعى من القوة .. وعليه فان مثل هذا السؤال ان لم يكن لمعرفة الخفايا ، فهو يخفي نية لا تخلو من الافتعال لنفي الضعف عن الذات ومحاولة الظهور بمظهر القوة المطلقة وهي صفة غير انسانية ..
وعلى أي حال ومهما كان الامر فان الضعف الانساني ليس سلبيا كله ، بما يتيحه للانسان من امكانية الاعتصام بصاحب القوة المطلقة الذي يستعيد منه قوته و توازنه .. وهكذا كان ..
حيث كنت أتأمّل حال الامة المعقد والمحيّـر والمثير للتسائلات :
كيف وصلنا الى ما نحن عليه من ضعف و نحن أمة اعزها الله بالقرآن الهادي الى الطريق المستقيم ..؟
لماذا تقهقر حالنا من موقع الريادة الى التبعية والذيلية ؟
لماذا عندما نقرأ التقارير حول الجامعات العالمية والبحث العلمي والتصنيع والاكتشافات العلمية ...لا يكون لنا باع و لا ذراع ، ولا يذكر لنا أثر ، وعندما نذكر نكون في المؤخرة ..؟ واذا وقع احصاء الابداع والمبدعين في العالم يكون نصيبنا منها الصفر ..؟
ولماذا حين يذكر الفقر والجهل والمرض والأمية والمديونية والتبعية والسجون والهجرة وغيرها من المصائب نكون في المقدمة ؟
لماذا تتتقدم ولو ببطئ كل من الصين واليابان وكوريا وجنوب افريقيا واستراليا ودولة الصهاينة وغيرها كثير في العالم ، وبقينا نحن نسير الى الخلف ..؟
لماذا تهنا في الظلمة فاصبحنا لا نعي ما حولنا ، وضعفت حواسنا ، ومات احساسنا ، حتى اصبحنا نداس كالحشرات ولا نحرك ساكنا ؟
لماذا تداهمنا الاخطار من كل الجهات ولا نعير اهتماما تماما كالحيوانات ؟
أجل هكذا تماما ... بالعلم وليس بالكلام ..
انه أمر تفوق طرافته المأساة ...
امة رخوة ..غيرت الظلمة جلدتها ، فلا صلابة ولا مقاومة الا من بقي في النور من ابنائها وهم كثيرون والحمد لله ..
امة فقدت البصر والبصيرة والنطق ، فلا ترى الموت ولا الموتى ، ولا تقول للظالم لا .. الا من رحم ربك .. واضاء عالمه الخاص فافلت من قبضة الظلام وقوانينه الجبرية ..
امة مغلوبة على أمرها تتكلم بالهمس ، تتبعها الحواس الرسمية المتطورة لا اراديا تحت تاثير الظلام ، بالمخبرين والمخابرات ، حتى صارت كالقطيع ، الا من اهتدى بنور قذفه الله في قلبه ..
هو حال امة تعيش في الظلام الدامس المطبق عليها من كل جانب ، ذكرني بدراسة طريفة لبحوث " علمية " حول تاثير الضوء والظلام على الكائنات الحية مدعومة بالتجارب والتحاليل العلمية اللازمة ...
http://www.persee.fr/web/revues/home/prescript/article/bmsap_0301-8644_1902_num_3_1_6068
ملخص البحث والنتاج يؤكد ان الملاحظات التي جُمعت حول الحيوانات في محيطها ثم التجارب التي أجريت على بعض الكائنات الحية الصغيرة والتي تتاثر بسرعة عندما تتغير الظروف فتتكيف معها لتبقى على قيد الحياة قد بيّنت :
ان الكائنات المتعوّدة بالحياة في الضوء اذا وضعناها في الظلام لمدة طويلة تشهد تغيرات فيزيولوجية جذرية وملحوظة اهمها : فقدان لون الجلد الذي يتحول تدريجيا الى اللون الابيض ثم لا يلبث هذا الجلد ان يتقلص سمكه فيفقد صلابته ، ليصبح شفافا عند بعض الحيوانات الى درجة انه يمكن مشاهدة دقات الاوعية الدموية وبعض المكونات الداخلية للجسم .. كما تشمل هذه التغيرات اهم الاعضاء في الجسم وهو الدماغ والاعصاب ، ومنها اختفاء العصب البصري والشبكية .. فيتقلص تباعا حجم العين و ينعدم الابصار .. ولتعويض هذا النقص يظهر تضخم في مستوى بعض أعضاء الحس لتحسس مكونات الوسط بواسطة هذه الاعضاء وليس بالرؤية والابصار الخ ...
والحقيقة ان هذه الابحاث تتطرق الى عدة امثلة مفصلة من الحيوانات والتجارب المختلفة في الضوء وفي الظلام مع المقارنة بينها جميعا وبين صغارها... مع كثير من التفاصيل التي يمكن متابعتها في الموقع المذكور... لكن الذي جلب انتباهي ان محتوى هذه التجارب ينطبق على حال الامة ، فيمكن ـ قياسا ـ تفسير الوقائع حالة بحالة ..
اذ ان أمة العرب كما يبدو تاريخيا قد دخلت في الظلام المطبق الرهيب منذ زمن طويل .. فتوقف زمانها من زمان .. وهي نائمة ، تماما مثل اصحاب الكهف .. او ربما قد دخلت في نفق طويل مظلم يتوه بصاحبه ، فيرجعه بعد طول الرحلة والظلمة الى الخلف .. ويبدو ان تاريخ هذا الضياع يعود الى زمن القرون الوسطى الهجرية او قبل ذلك بكثير .. اي باختصار منذ ان ابتعدت الامة عن الكتاب الذي ألهمها في العصور الاولى النهج العقلي القائم على التدبر والتفكر الذي يؤدي الى الوثوق بانسانية الانسان وهو منهج انساني كامل بأتم معنى الكلمة : " سيروا في الارض"( للمعرفة ( .. و" قل اعملوا " ( للتنفيذ .. ) حيث لا يتحقق أثر المعرفة الا بالعمل .. بل زاد سبحانه بان رفع من مقام العمل فربطه بالايمان ، وبهذا تحرّر الصحابة والمسلمون الاوائل ، من قيود الجاهلية وتحدّوا كل المعوقات ، فحققوا ما يبدو معجزات بالنظر الى ظروفهم وامكانياتهم ، حين تمكنوا من مقارعة أعتى الامبراطوريات ، و كثرها خبرة بالحروب" النظامية " ، فكسروا شوكتها جميعا .. وغيروا مجرى التاريخ وتوزيع الجغرافيا .. حين اطلقوا العنان للفكر بعد ان استقر الوضع .. فاثرى الاجتهاد حركة المجتمع ، وظهرت النوابغ في جميع المجالات .. الى ان جاء عصر الجمود وتقييد الاجتهاد بالاجتهاد ، فتوقف العلم على مهمة التكرار والاجترار مما أدى الى تضخم الفقه والتفسير على طريقة التنميط والتحنيط وتوليد الأثر دون نظر الى الواقع المتغير باستمرار .. وهذا هو الادهى والامر.. وخلاصة الحديث المختصر .. فدخلت الامة في عصور الظلام ، رغم بعض المحطات المضيئة التي لا تغير شيئا من واقع الصورة عبرعصور الانحطاط ، مهما حاولنا تزويقها بمواد التجميل .. وهل ما تعيشه الامة قد ظهر من فراغ ؟
كلا ..
وها هي تعيش زمنا بزمن ..
فكأنني بها تعيش تاريخيا زمن التتار ، او زمن الصلبيين ..
ومن لم يصدق فلينظر الى بلاد الرافدين أو الى فلسطين ..
وجغرافيا تعيش أمتي بواقع القرون الغابرة ..
شعوبا وقبائل متناثرة ..
زمن داحس والغبراء وحرب البسوس ..
او زمن النعمان وأكاسرة الفرس المجوس ..
ومن لم يصدق فلينظر الى الخريطة الفضيحة ..
والى بلاد الرافدين الذبيحة ..
وفي الحكم تعيش أمتي عصور شيوخ القبيلة ..
الوارثين المورثين المتصارعين ..
يحاصرها أعداءها المتربصين ...
ثلة من ابنائها وثلة من الغرباء المتعطشين ...
ثلتان من المتحالفين ...
وهكذا هو حالنا . .بلا وعي ، بلا ذاكرة ، بلا ارادة ، بلا عقول نافذة .. الا من رحم الرحمان ..
هكذا امرنا ينرفز ، ويدوّخ ، ويركب السكر .. وضغط الدم .. كما يقال في تونس .. او هو امر يشقلب المخ ويطلّع النفوخ ويعمل عمايله .. كما يقال في مصر..
أمة نزل عليها وابل من الرسلات ، قادتها الرسل والانبياء وهي بلا شرع ولا شريعة الا شريعة الغاب ..
أمة من اكثر الامم موعدا مع الله ، وأكثرها معرفة باسرار الخالق تعبد الشياطين من رعاة البقر ، وقتلة الانبياء ..الا من الهمه الله ..
امة نفطية اغرقها الله في النفط من رأسها حتى قدميها تتذيل الصفوف ..
أمة بعثها الله من الغار بكلمة " اقرا " فعادت اليه وهي لا تقرأ ولا تكتب ولا تنشر ..
أمة تعلمت بالوحي المبين ان الانسان انسان مفضّل بالتفكّر ، والتدبّر ، والعمل ، فاختارت النوم والاجترار كالدواب ..
أمة اكرمها دينها بثواب الاجتهاد في الخطأ والصواب ، فاختارت الاتباع وقلة التفكير ..
أمة اخرجها الله من الظلمات الى النور .. فاستوحشت النور واستانست بالظلام ..
قال تعالى : ﴿ إِنْ هُمْ إلاّ كالأنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ .(الفرقان /44 ) .
ماذا اقول اذن ولمن اقول ..
لن اتوجه الا الى الله .. وانا في اشد لحظات ضعفي وحيرتي ..
ربي ان كنت افعل السوء بجهالة فاهدني الى توبتك قبل ان اموت ، لانال عفوك وانت القائل الصادق : ﴿ إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ، وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ ( النساء . ( 17 / 18
ربي انت تعلم اسرار خلقك و تعلم حال النملة في الظلمة و تعلم ما دون ذلك وما فوقه و لا تخفى عنك خافية سبحانك ربنا واليك المصير، و انت ادرى بحال ظلمتنا الحالكة و غياب شمسك عنا، حتى اصبحنا لشدة الظلمة و طولها لا ندري ان كانت تبعد عنا او تقترب . وانت يا عالم الغيب ادرى بالفلك الذي تسير فيه ، رغم اننا علمنا مما علمتنا ان سيرها محكم الى يوم الدين ، ذلك تقديرك و انت العزيز العليم ن فأنت القائل سبحانك : ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ ( يس /38 ).
لكننا يا ربنا قد اتبعنا المنجمين الذين يرصدون لنا السماء ، ويقرؤون لنا طالعنا ونازلنا واكف ارجلنا ، اذ هم يا الله يصلبوننا على رؤوسنا لكي يقوموا بمهمتهم التاريخية .. ومن حسن حظنا أنهم صاروا أكثر من أن يحصوا ، وانت سبحانك قد احصيت كل شئ عددا .. و نحن يا ربنا استانسنا بهم في ظلمتنا ، وهم أملنا الوحيد في المستقبل القريب والبعيد .. حتى انهم كما تعلم سبحانك يستكشفون لنا غدنا المجهول عبر الفضائيات من حين الى حين ، ونحن نترقبهم بفارغ الصبر باهتين مشدوهين . حيث علمنا يا ربنا ان أصواتهم عندما تخترق الفضاء الخارجي من ملكك الرّحب ، وقبل ان تصل مسامعنا التي هي من نعمك ، تراقب لنا النجوم ، نجما نجما ، والكواكب ، كوكبا كوكبا .. وحين تصل الينا تلك الاصوات تسري في أجسادنا ، اذ قيل يا الله انها مشحونة بهالة سحرية ، لا نشعر بها عندما تستقر في اعماقنا للحظات ، فتستجلي ما بداخلنا بحكمة انت أعلم بها منا يا حكيم يا عليم ، ثم تعود هذه التجليات اليهم بكل اسرارنا عبر الهاتف الذي كثيرا ما يحرّضوننا على استعماله ونحن لم نفهم دواعي حرصهم ففرطنا بجهلنا في الكثير من الحظ ، وأخّرنا مصلحتنا بعدم مساهمتنا في تسهيل مهمتهم ..
هكذا يا ربنا صرنا في الالفية الثالثة ، وانت اعلم بما خفي عنا ، ورغم ان منجّمينا المخلصين ما قصّروا في محاولة الاستجلاء ، والبحث عن مصير الشمس وسرّ الظلمة القاهر وانت الواحد القهار ، الا ان يدا واحدة لا تصفق يا الله ، وهذا قد يكون عذرهم ، ولكن نحن ليس لنا من عذر في طول النوم الا طول الظلام نفسه ، مما ولد عندنا كثرة الهذيان وقلة التركيز وضعف الذاكرة والبصر، فتغيرت حواسنا لغرض الاستشعار عن قرب فقط ، وهذا يا ربنا لا حيلة لنا فيه ، فانت سبحانك من سنّ قوانين الخلق ، وحتى حينما حاول البعض مدنا بالحلول ، كانت الظلمة لها أحكام ، فاخرجوا لنا كتبا مشوّهة صفراء لا ندري ما شابها وانت اعلم باسرار خلقك ، حتى صرنا في زمن القحط يلبسنا الجهل ونلبسه وفي وقت عز فيه القول الا ما قل وندر فلا يشفي الغليل ، الا هذه الكتب الصفراء المكدسة على الارصفة تسكنها العفاريت ، و يستعملها البعض لطرد الجنّ والشياطين ، او بين القبور يستعملها آخرون لاحياء الموتى ، وانت سبحانك القادر وحدك على احيائهم وبعثهم من جديد ، حتى وان كانوا من الصالحين . وفي الجانب الآخر من الرصيف وعلى بعد امتار هناك كتب وافدة حمراء ، ولا ندري ما الحكمة في اختلاف الالوان .. ربما يا ربنا لضعف البصر لا غير . كتب محشوّة بعقيدة ممسوخة حتى كدنا يا ربنا ـ وانت غافر الذنب ـ نعتنق عقيدة المسخ ، وكانت لحظات ضعف وجهل وعمى ، كادت تجرّ الكثيرين منا الى سوء الظن بافضل خلق صنعته من طين ، وطردت لاجله ابيلس اللعين ، المتكبر المغرور، وانت سبحانك جاعل بعض الظن اثم ، فأنجانا رصيد دفين فينا ، في اعماقنا وفي اللاشعور.. واخرجنا من دائرة الظن والاثم العظيم ، الا من تاه .. تلك فضيلتنا الوحيدة يا الله ، فما تنكرنا لفضلك ، وعزتك ، وجلالك .. اما تقصيرنا في عدم تفعيل كلامك يا ربنا فانت من بيده امرنا تفعل بنا ما تشاء ، وانني يا قوي يا عزيز اخاف ان يكون قد اصابنا غضبك وسخطك فنكون من الخاسرين . لذلك يا الله ساخالف كل المستانسين بالظلام حتى صاروا ظلاميين حقا ، وانت القائل سبحانك في الذين لا يحكّمون عقولهم : ﴿ قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ ( الاعراف .( / 38
و انت سبحانك القائل : ﴿ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ ( النحل / . ( 111
هكذا يا الله فهمت من كلامك الكريم ان المسؤولية يوم نـُحضر بين يديك مسؤولية فردية ، لا ينفع فيها من ظلّ عن سبيلك بمن اظلّه . لذلك لا بد من تحكيم العقل مهما كان ضعفه .
الا يفهم هذا المعنى من الآيتين ؟
استغفرك يا عفو يا رحيم فانا لا اجادلك الآن رغم انك سبحانك سمحت بالجدال في الآخرة ، وجعلت النفس مجادلة كما ذكرت في الآية الاخيرة ، لكنني اجادل نفسي الآن امامك لاقنعها بما اقول لها ، اوتقنعني هي بما تقول لي ، لاراجعها ان كانت مخطئة ، او تراجعني ان كنت مخطئا ، لان مصيرنا كما فهمت واحد في ذلك اليوم ، وقبل ان يفوت الاوان ، وانت يا الله تعلم صدقي ، وتعلم ما اخفي وما ابطن ولا تخفى عنك خافية . كما استغفرك ربي ثانية لانني حاولت ان اوضّح موقفي ونسيت انك عالم السرائر ولا تحتاج للايضاح فاعف عني وانا عبدك الضعيف .
و انني يا مفرّج الكروب اذ اناجيك فلا اقصد التوضيح ، بل اللّجوء اليك في حالة الضيق لاستريح مما ضقت به من نفسي ، ومما ضاقت به مني ، فلم يعد احدنا يصبر على الآخر لرهافة احساسها واحساسي ، حتى صار جدلنا عقيما من دون هذا الصبر ، وانت سبحانك خالق الانسان وميزته بالجدل ، والجدل حكمته تحكيم العقل والرأي .
و مجمل تحكيم الرأي كما علمتنا يا الله مفيد لنا للنجاة في مثل هذه الظروف التي اختلطت فيها الامور علينا ، حتى صرنا لا نميز بين العالم والجاهل ، وقد صار العلم يا ربنا حفظا وتكرارا ، ووسيلة للاقصاء الاحتكار .
مشكلتنا يا فعال لما تريد في قلة التفعيل .
اذ ان الكثيرمن كلامك يا من له الامر ولنا التنفيذ ، نسيناه او تناسيناه رغم ما فيه من الامر الواضح او النهي الصريح ، وانت من له العلم كله ونحن لا نحيط بشئ من علمك الا بما تشاء لنا وترضى وهذا يا الله بعض من قلّة التفعيل :
ربي انني اعلم انك القائل الصادق الآمر بشروط : ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ (الانفال /61 ). لكنك قلت يا الله ناهيا : ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ ( محمد / 35 ).
و قلت سبحانك آمرا : ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ ) البقرة / 194 ) ، وقلت يا الله محرّضا : ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ ( الانفال / 60 ) .
كما أذنت يا ربنا للذين ظلموا فأخرجوا من ديارهم : ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّه ُ﴾ ( الحج / 39 – 40 ) .
وأمرت في كتابك المبين : ﴿ وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ﴾ ( البقرة / 190 ) .
لكننا يا ربنا اكتفينا بتفعيل الآية الاولى و تناسينا الثانية والثالثة و... و السادسة ... بل اكثر كما تعلم يا عليم يا حكيم .
وقلت ايضا وقولك ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تاويلا ﴾ ( النساء / 59 ) واخيرا يا قريب يا مجيب فانني اعلم انك قلت : ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ ) النحل / 43 ) . لكنني يا غافر الذنب اميل الى التّفعيل الشّامل لكلامك لذلك ساعمل بما فهمت من مجمل هذه الآيات برأيي الذي جمعته بعناء ممن اعانني عليه ، ليس معصية لامرك ، بل انني لم اجد فيمن حولي من أسال يا الله ، ونحن أمة تعيش في الظلام ، تعطلت فيها ملكة التفكير .. نجتر الكلام والافكار حتى غدونا بلا فكر ولا افكار ولا مفكرين الا ما قل و ندر ممن شاء بمشيئة منك .. ولا يوجد فينا لا أولي الامر المعنيين ولا أهل الذكرالمقصودين ، وان بعض اشباههم اولى منا بالسؤال ..
ان كنت مخطئا يا مجيب يا قريب فاهدني الى صراطك المستقيم وأعنّي على ما جئتك طالبا العون فيه وانت وحدك المعين ، بعطف و رحمة منك يا رؤوف يا رحيم .
ربي انني فهمت اننا امة معتدى عليها منذ قرون ، وقد قام برد الاعتداء عنا العاقلون المؤمنون من اسلافنا وأجدادنا ، لكن اعداءنا عاودوا الاعتداء فنكلوا بنا ، وشردونا بعد ان اخرجونا من ديارنا ، وظاهروا على اخراجنا ، وانت سبحانك قلت آية اخرى في هذا المعنى سأختصر عليها القصد بالنية لتعلمها وانت عالم النوايا وما تخفي الصدور ، ثم ان اولي الامر منا وأهل الذكر يا الله ، اغمضوا أعينهم عن آياتك الثانية والثالثة و.... والسادسة وردّدوا لنا الاولى فقط ، حتى جاءنا في عصرنا هذا رجل عاقل مؤمن من عبادك المخلصين في موقع اولي الامر منا ، مقتديا ببعض من سبقوه في التفعيل ، فاراد ان يفعّل آياتك الثانية والثالثة و... السادسة المذكورة ، وقد كان يلهمنا ويحرّضنا على ردّ الاعتداء كما امرتنا يا حي يا قيوم ، وقد فعل .. لكن بعض عبادك المتخاذلين من امتنا ، تآمروا عليه كما تعلم وتحالفوا مع اعدائه واعدائنا الذين هم يا ربنا اعداؤك واعداء دينك الحنيف ، حتى حرقوا اعصابه فمات في اوج عطائه ، فكانت نكبتنا فيه بقدر فرصتنا معه ، وهكذا كان .. وانت اعلم منا بما خفي عنا و ربما ما خفي كان اعظم ..
كما جاءنا يا ربنا شيخ آخر والغريب ان كلاهما من الصعيد نحن لا نعلم الحكمة في ذلك لكنك اعلم بها منا ، وكلاهما اليوم بين يديك اللهم اسعدهما في آخرتهما جزاء ما تعبا وما بذلا وما فعلا من اجلنا في دنياهما .
الرجل الثاني يا الله كان بقضائك وقدرك اطول عمرا من الاول ، لكنه لا يقل قدرا وقدرة ، ولا اخلاصا وولاء ، ولا جلدا وصبرا من الاول ، غير ان احدهما كما تعلم يا حي يا قيوم كان يعمل في العلن والثاني يعمل في صمت . وهذا الصعيدي الثاني كما تعلم يا ربنا قد تنبه تماما كما تنبه الصعيدي الاول الى الظلمة التي نعيش فيها فبدأ ينثر حكمته حتى تفطنوا اليه وأرادوا ان يطفؤا نورا كان يوقده من فيض انت صاحب الفضل فيه ، بما منحته من قدرة على ايقاد هذا النور من تفاعلات في خلاياه العصبية لينير طريقنا . لكنه كان اكثر منهم تصميما وعزما وحكمة ، وقد كان .. حتى ان النور يا ربنا باق بيننا ينير المسالك مسلكا مسلكا ، وكانني بالظلمة تنقشع لكن ببطئ ..
نسيت يا الله ان ابوح ببعض اسراري فهممت بالتدارك لكنني تفاديت ما كنت انوي تداركه حين جاءني اليقين ثانية بانك عالم السرائر ، وعذري انني عبد ضعيف وشاني شان عبادك الذين منحتهم النسيان رحمة منك وفضلا عظيما كله لك ، وخلاصة سري يا من لا تخفى عنه خافية هو انني كنت كثير التردّد في التمرّد على اهل الذكر و اولي الامر ، خوفا من معصية امرك ، و تقديسا لكلامك يا قوي يا جبار ، وانت شاهد على سريرتي التي لا شك انك تعلم منها ايضا انني اشك احيانا في وجاهة التمرّد عليهم وهذا لانهم كما تعلم يا الله قد شددوا الامر علينا بوضعهم لشروط الاجتهاد ، وكم كنت اخاف ان اظل عن سبيلك واكون من الخاسرين .. لكن الامر يا عزيز يا غفار لم يعد يحتمل السكوت والانتظار .. فأمتنا التي اخترتها مهدا لرسالاتك واصطفيت منها انبياءك مهددة بالمسخ والانقراض كما ترى يا الله . و دينك الحنيف ملاحق ومستهدف بالتشويه والارهاب .. فلا بد من كسر عقدة الاجتهاد لاستعادة الروح من جديد ، وتفعيل المعطل ، فلا كهانة في الدين .. هذا ايمان راسخ عندي وانت سبحانك اعلم بسريرتي ، قوامه مبدأ ظللت ابحث عنه حتى وجدت سره في كتابك العزيز، وعند رسولك الكريم ( ص ) ومن تبعه من الرجال الافذاذ ، اصحاب الرأي والتفعيل والتنفيذ ، وعند هذين الرجلين بامتياز ، كل شيئ يبدا بالانسان ..
وانني لا اقنط من رحمتك وأسالك عفوك ورضاك ..
ولا حول ولا قوة الا بالله .
( القدس ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق