بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
بحث هذه المدونة الإلكترونية
الثلاثاء، 30 يناير 2018
الاثنين، 29 يناير 2018
اين الوجه الحقيقي في خطاب المعارضة ..؟
اين الوجه الحقيقي في خطاب المعارضة .. ؟
الكل يتظاهر بالموضوعية وبتحبين الخطاب على المشاكل والهموم التي يعيشها المواطن في تونس ، والواقع ان مثل هذا القول حينما ياتي من الاحزاب – اغلب الاحزاب - فهو يرمي لاستعطاف الناس وارضائهم اكثر من قول الحقيقة ، لنيل اصواتهم في الانتخابات ولو بالكذب والنفاق ، والدليل انك تجد في المنابر الاعلامية الاحزاب الحاكمة والمعارضة تقول نفس الكلام .. الكل يتحدث عن الفساد والتهريب والتشغيل والتهرب الجبائي .. ولا احد " يقول خبزي بارد " كما يقول المثل .. المشكل ان الاطراف التي تؤمن بحلول اخرى لا تجهر بها صراحة ولا توجه وعي الناس الى جوانب اخرى من المشكلة او من الحل حتى وان كانت صادقة في توصيفها للواقع وفي نواياها كما هو شان بعض الاحزاب .. فاذا كان الحديث الان عن الفشل الاقليمي او عن الاشتراكية غير مناسب فمتى يكون .... ؟؟ لا بد ان يعرف الناس وجوه الفشل ووجوه الحلول المخفية ان لم يكن من اجل الفرز فعلى الاقل من اجل الحقيقة الغائبة عن الناس .. فهذه الدول المحاصرة والمستباحة استنفذت كل طاقاتها وانتهت فترة صلوحيتها ولن تقدر على الخروج من ازماتها على الاطلاق .. لا بد ان يقال للناس ان الجشع الراسمالي العالمي وتبعية راس المال المحلي لن يزيدهم الا فقرا وتهميشا لانهما حليفان .. لا بد ان يقال للناس ان الجيوش الجرارة من البطالة لن تقدر دولة مريضة قاصرة عرجاء عن استيعابهم ، وان البطالة لن تحل دون قاعدة صناعية واسعة .. وان الاستقلال الوطني والتخلص من التبعية والاملاءات الخارجية لن تتحقق دون قاعدة انتاجية صلبة في جميع المجالات ، وان غياب دور الدولة الفاعل ، والتوجه الى الخوصصة ، والخضوع لاملاءات البنك الدولي لن يؤدي الا الى المزيد من العجز والفشل ، وان الديمقراطية الفارغة من المضامين الاجتماعية وهم وتضليل .... فاين الدولة الاقليمية الهجينة من هذه الحلول .... ؟؟
ان التفكير في الانتخابات وحدها وعدم قول الحقيقة كاملة حتى يظهر كل طرف بوجهه الحقيقي امام الناس جعلت المواطن العادي لا يفرق – في مستوى الخطاب الاعلامي - بين اليسار واليمين والوسط وغيرهم ، سوى بما يطفو على السطح بين المعارضة والحكم من سجال واتهامات كثيرا ما يجد لها ممثلو السلطة ردودا جاهزة من نوع : ان " من يده في النار ليس كمن يده في الماء " وان " المتفرج فارس " وان هذا الموجود في السلطة عاجز لان التركة ثقيلة ، والاخر " يحط العصا في العجلة " ... وهذا المربع الضيق الذي يدور فيه الجميع ساهم في المزيد من الضبابية حول فرز الحلول ، واصبح خطاب المعارضة تكرارا لما يقوله الحكام الشاطرون في التلاعب بالحقائق وايجاد الذرائع واتقان المسرحيات .. مما يزيد في درجة الملل والسلبية والنفور من السياسيين الذين يظهرون بوجه وواحد وهدف واحد امام الناس ..
ما يهمنا في هذا كله ان يظهر القوميون باطروحاتهم القومية مهما كان تفاعل الناس معها ، دون ان يغيبوا لحظة عن الاشتباك مع الواقع اليومي ، ودون تخلي عن اي كبيرة او صغيرة تتصل بهموم الناس ومشاغلهم ..
فالعيش الكريم والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لا تتحقق في الواقع الاقليمي بمجرد الاعلان عن محاربة الفساد ، لان مثل هذه الحلول والامال لها ابعاد قومية غائبة عن وعي الناس ، مثلما للفقر والتهميش والمذلة والتخلف من ابعاد قومية مخفية ايضا تستوجب اظهارها للعامة ..
ولعلنا لا نكون مبالغين حين نقول ان الخطاب القومي لا يكاد يسمع الا في الجلسات المغلقة وفي النقاشات داخل المؤسسات الحزبية ، في حين ان الجدوى من هذا الخطاب تكون في توجيهها لمن يجهلها من العامة اكثر من تداولها بين من يعلمها من الخاصة ..
( القدس ) .
السبت، 27 يناير 2018
الفرز الممكن ... والفرز المستحيل ...
الفرز الممكن ... والفرز المستحيل ...
من يتابع اراء ومواقف المنتمين للعائلة القومية من الداخل ، يجد تباينا ظاهريا واضحا في المواقف والتاويلات الخاصة بالمتغيرات والتحالفات والاولويات في الواقع العربي ، وهو ما يظهر ايضا للمتابعين من خارجها ، فيبدو للكثيرين ان الحركة القومية متشرذمة الى حد التناقض .. ولكن لو تاملنا كل المواقف بعمق وشمولية على اساس واقع المرحلة سوف نجد ان اغلبها اجتهادات تكمل بعضها البعض ولا تتناقض ، بل يكاد الواحد يجزم ان ما فيها من تنوع للاراء والمواقف يثري الى حد بعيد الطرح القومي سواء في مستوى فهم المشكلات ، او في مستوى الحلول .. وكل ما في الامر ان اختلاف الاحكام يكون عادة في علاقة مباشرة باختلاف المقاييس التي ينظر من خلالها كل متابع لحركة الظواهر عامة .. اذ ان من يدرك خصوصيات الحركة القومية كاداة تغيير اجتماعي يتجاوز دورها مهمات تغيير الواقع الاقليمي ليتعاداه الى الواقع القومي على عكس جميع التنظيمات الاخرى الاقليمية منها والاممية وما سواها .. غير الخاضعة لمعوقات التجزئة ، يدرك تماما انها تمر – موضوعيا - بمرحلة لا تسمح لها فيها تلك الحواجز بجعل الاختلاف يتطور الى فهم مشترك للواقع ، وحلول مشتركة ، وفعل موحد .. مما يؤخر الى حد بعيد قيام الاداة التنظيمية القادرة وحدها على تحويل كل الافكار والمواقف والحلول الفردية الى افكار مشتركة بين المتحاورين حينما تنتقل بينهم – جدليا – لتعود من اي واحد منهم الى الاخر وقد مرت بمراحل النقد والتعديل والاضافة والاغناء .. حتى ينتهي الجدل بفرز الحلول الجماعية الاقرب الى الصحة ، وهو ما يكسبها مشروعية الالزام والالتزام بالحل الاغلبي .. وهذا على المستوى القومي ، اما على المستوى القطري ، فان استمرار المشكلة في بعدها الاول ، له بالتاكيد انعكاسات سلبية مباشرة على جميع القوميين داخل الساحات القطرية وهم يبحثون على الدوام عن كيفية حل التناقض بين ما يفرضه عليهم الواقع الاقليمي وما يتطلبه الحل القومي ... وهو ما يعني ان مثل هذا العبء الحركي والتنظيمي على المستوى القومي ، حينما يصطدم بالعجز ، يتحول الى عبء اكبر داخل كل الساحات القطرية على مستوى الافكار والرؤى والمواقف والاجتهادات التي تتحول بدورها الى تجارب وتنافس وتقلبات وازمات .. ففشل وخلافات وصراعات ... وتشتت وتشرذم .... وهو ما يعيشه القوميون بكل مرارة في الواقع .... وتبقى مسالة تحديد المرحلة تحديدا دقيقا من اهم العوامل المساعدة على تجاوز الحالة الراهنة .. وهي باختصار مرحلة تحرر قومي بدون اداة قومية .. وفي مثل هذه المراحل لا يصح ان يتم الفرز والتموقع على اساس الموقف من المتغيرات والمستجدات بل على اساس الثوابت التي لا يختلف حولها اثنان داخل الحركة القومية .. وما عدا ذلك يفترض ان يكون الفصل والحكم فيه للجدل الاجتماعي ، القاعدة الاولى والاخيرة للديمقراطية حينما تتوفر شروطها .. اما البحث عن التطابق الكلي في المواقف من جميع المستجدات – سواء في هذه المرحلة او غيرها - فلن يحصل ابدا ما بقي الناس مختلفين في مقدرتهم الجدلية .. ومن البداهة حينما تكون تلك الشروط غائبة ، يكون الخلاف والتشتت تحصيلا حاصلا .....
وعليه ، فان الموقف القومي القائم على هدف استراتيجي واحد لا خلاف عليه : بناء دولة الوحدة الديمقراطية الاشتراكية ، يمكن ان يستوعب كل الاجتهادات والتاويلات الخاصة بالمتغيرات الراهنة ذات الصلة بهذا الهدف .. وبالتالي يمكن ايجاد مبررات على مستوى الفكر والواقع لكل المواقف الرائجة ومنها :
- ان الانظمة ديكتاتورية .
- وان الموقف القومي يرفض مساندتها المطلقة مهما كانت مواقفها .
- وان مصالح ايران معادية للمصالح العربية وهي دولة محتلة لقطر عربي .
- وان روسيا تنافس الدول الاخرى من اجل النفوذ والسيطرة .
- وان هذه الدولة يمكن التعاون معها باعتبار وقوفها تاريخيا الى جانب القضايا العربية .
- وان الدول الاقليمية تشهد هجمة بقصد تفتيتها باسم الديمقراطية .
- وان الاولويات تقتضي مواجهة الاخطار الخارجية .
- وان فصائل المقاومة تبالغ في تحالفاتها الاقليمية .
- وان تحالفات المقامة مقبولة نظرا لاستهدافها وحصارها وقلة امكانياتها .
- وان المقاومة لها كل التاييد والمساندة مهما كان لونها وعنوانها .
- وان يكون البعض داخل الاحزاب الاقليمية .
- وان يكون البعض الاخر خارجها ..
- الخ ....
وهذا على قدر من الاهمية ..
ومن ناحية اخرى فان الاسئلة التالية لا تقل اهمية :
- هل هناك قوميون يختلفون في رفض استمرار الدولة الاقليمية مهمى كان الحكام حتى ولو كانوا قوميين ؟
- وهل هناك قوميون يرفضون السعي لتحقيق الاشتراكية والعدالة الاجتماعية في اي مرحلة من المراحل حينما تتوفر لهم الفرصة لتحقيقها ؟
- وهل هناك قومي واحد يقبل التفريط في فلسطين التاريخية او في اي شبر من الارض العربية ؟
- وهل هناك من القوميين من يرفض الانتماء للحركة العربية الواحدة او المساهمة في تاسيسها حينما تتوفر الفرصة لذلك ؟
- وهل هناك من القوميين من يقبل بالتبعية ونهب الثروات القومية من اي طرف اجنبي او محلي ؟
- وهل هناك من القوميين من يرفض مبدا الحرية والديمقراطية في الداخل والتحرير لما هو مغتصب من اقطار وثروات ؟
لا يبدو هذا واردا من القوميين الصادقين ...
ولكن ماذا يعني كل هذا في النهاية ... ؟
انه يعني اولا ان الواقع العربي يطرح مشكلات معقدة ، وان امكانية تاويلها بطرق مختلفة على ضوء المستجدات والحاجة الى التحالفات يخضع اولا واخيرا لزوايا النظر والتركيز على المتغيرات التي ينظر من خلالها كل متابع وكل محلل للاحداث ، فتاتي المواقف منها متباينة بالضرورة .. فضلا عن مناقضة الواقع لخصوصية الحركة القومية خلافا لكل الحركات الاخرى التي لا تتاثر في حركتها بواقع التجزئة فلا تترتب عنها تلك الاثار السلبية بمثل ما هو حاصل لحركة لا تتعافى الا بمدى تلاؤم طبيعتها القومية مع واقعها القومي ، وهو وضع غير قائم ..
وثانيا ان الموقف القومي في مثل هذه الظروف المعقدة يمكن ان يستوعب كل هذه التاويلات والاجتهادات للاستفادة منها – على اختلافها – في بناء مواقف نظالية مرحلية وتكتيكية مهمة حسب الاولويات على اساس تلك الثوابت لو توفرت لها ظروف تاطيرها وهي مستحيلة بغير حد ادنى من الثقة هي ذاتها لا تتوفر الا في اطار تنظيم ديمقراطي موحد .
المشكلة – على ما يبدو - تتمثل في غياب الاليات التي تستطيع تاطير الاختلاف وجعله يرتقي بالحركة القومية من موقع البحث عن اطراف تلبي طموحاتها ، وحينما لا تجدها – وهي خارج دائرة الفعل – تختلف حولها ، الى مواقع الريادة وصنع الحدث الذي يوحد صفوفها حينما تكون سيدة نفسها في اختيار الاولويات وبناء التحالفات ومواجهة التحديات التي يفرضها الواقع .. والحصيلة امة مجزاة واداة توحيدها مشتتة في ظل استهداف مستمر للطرفين ، وهي من اشد المراحل قسوة وخطورة على الوجود القومي مثلما يجري في الواقع .. غير ان الاكثر خطورة على المستقبل هو استمرار الحالة السلبية الراهنة القائمة على التنافر الداخلي الذي يؤدي في كثير من الاحيان الى المزيد من التشدد والتعسف في استعمال مقولة الفرز الفارغة من اي مضمون حينما تصبح الدعوة الى الحركة العربية الواحدة دعوة مثالية قائمة على التطابق الكامل في المواقف والاراء مما يجري في الواقع العربي ، فيكون موقف التاييد لنظام عربي بالنسبة للبعض سببا كافيا لتخوين البعض الاخر ، فيحول دون التقائهم في نفس المشروع .. في وقت لم يدرك فيه الكثيرون الى حد الان حاجة الامة لوجود حد ادنى من التضحية والوعي داخل الحركة القومية يخرجها نهائيا من وضع الفرز المستحيل الى وضع الفرز الممكن ... وهذا الحد الادنى لن يكون ابدا غير ثوابت المشروع القومي لا أكثر ولا اقل ...
( القدس ) في 20 يناير 2018 .
الاثنين، 22 يناير 2018
الى دعاة السلبية والاحباط واليأس .. / د.صبحي غندور .
إلى دعاة السلبية
والإحباط واليأس ..
د.صبحي غندور
.
ما تشهده بلاد العرب الآن
من أفكار وممارسات سياسية خاطئة باسم الدين والطائفة أو "الهُويّات
الإثنية" سيكون هو ذاته، خلال الفترة القادمة، الدافع لتحقيق الإصلاح الجذري
المطلوب في الفكر والممارسة، في الحكم وفي المعارضة. فقيمة الشيء لا تتأتّى إلّا
بعد فقدانه، والأمّة العربية هي الآن عطشى لما هو بديل الحالة الراهنة من أفكار
وممارسات سيّئة.
هذه ليست مجرّد تمنيّات
أو أحلام، بل هي خلاصة تجارب الأمّة العربية نفسها في العقود الماضية، وهي أيضاً
محصّلة تجارب شعوب أخرى، كالأوروبيين الذين خاضوا في النصف الأول من القرن الماضي
حربين عالمتين دمّرتا أوروبا وسقط نتيجتهما ضحايا بالملايين، وكانت بين شعوب الدول
الأوروبية صراعات قومية وإثنية وطائفية أكثر بكثير مما تشهده الآن المجتمعات
العربية. رغم ذلك، وحينما توفّرت الظروف والقيادات والرؤى السليمة، طوت أوروبا
صفحات الماضي المشين بينها واتّجهت نحو التوحّد والتكامل بين شعوبها، متجاوزةً ما
بينها من خلافات في المصالح والسياسات، واختلافات في اللغات والثقافات والأعراق.
نعم هو حاضرٌ عربيٌّ
سيّء، لكن ماذا بعد وماذا عن المستقبل؟! وهل الحلُّ في السلبية وفي الإحباط وفي
الابتعاد عن السياسة وعن أيِّ عملٍ عام؟!. وهل يؤدّي الهروب من المشاكل إلى
حلّها؟! وهل سيصلح الإحباطُ واليأس، الأوطانَ والمجتمعات ومستقبل الأجيال القادمة؟!
الحقيقة هي بشكلٍ معاكس،
أي أنّ الابتعاد عن السياسة وعن العمل العام سيزيد من تفاقم الأزمات ولن يحلّها،
وسيصنع الفراغَ لمنتفعين ولمتهوّرين يملأونه بمزيدٍ من السلبيّات، وسيترك الأوطانَ
والمجتمعات فريسةً سهلة للطامعين بها، وسيضع البلدان أمام مخاطر الانشقاق والتمزّق
إذا ما انحصر "العمل السياسي" فيها على أصحاب المفاهيم والأطر والأساليب
الانشقاقية.
كذلك، فإنّ الحلّ ليس
طبعاً في مزيدٍ من التهوّر، ولا هو في إشعال الغرائز الانقسامية والانقياد للعنف
المسلّح، الذي يُدمّر الأوطان ووحدة الشعوب ويخدم دعاة التقسيم والتدويل لأزمات
المنطقة. الحلّ أساسه وقف حال الانهيار الحاصل في وحدة المجتمعات وبناء البدائل
الوطنية السليمة، على مستوى الحكومات والمعارضات معاً. فشعوبٌ كثيرة مرَّت في ظروف
مشابهة لكنّها رفضت "الموت السريري" البطيء، فنهضت من جديد وصحّحت
أوضاعها وأرست دعائم مستقبل أجيالها.
وبمقدور الأوطان العربية
أن تحقّق خطواتٍ على طريق الأمل بمستقبلٍ أفضل لو وضعت باعتبارها التمييز المطلوب
في العمل السياسي ما بين تغيير الحكومات وبين مخاطر تفكيك الكيانات الوطنية، ثمّ
التمييز بين الطائفة أو المذهب، وبين الطائفية والمذهبية. فالحالة الأولى هي ظاهرة
طبيعية إنسانية موجودة في أكثر من مجتمع. أمّا الحالة الثانية، فهي ظاهرة مرَضيَّة
تؤدّي إلى تفكّك المجتمع وضعفه وانقسامه. كذلك التمييز مطلوب بين الاعتزاز
بالوطنية المحليّة، وبين الانعزاليّة الإقليمية التي لا تحقّق أمناً ولا تصنع
وطناً قادراً على العيش في عصر العولمة والتكتلات الكبرى. وكما التمييز مطلوبٌ بين
الحرص على الولاء الوطني وبين التقوقع الإقليمي، فإنّ من المهم أيضاً التمييز بين
الانفتاح على الخارج وبين التبعيّة له.
الأمّة العربية بحاجةٍ
أيضاً للتمييز بين قدرة العرب على تصحيح انقساماتهم الجغرافية، وبين انقساماتهم
التاريخية في الماضي التي ما زال البعض يحملها معه جيلاً بعد جيل، ولا قدرة له
أصلاً على تغييرها!.
نعم هو واقعٌ عربي يدفع
حتماً ببعض الناس لليأس والإحباط والسلبية والابتعاد عن أيِّ عملٍ عام، كما أنّه
قد يكون مبرّراً للبعض الآخر من أجل استخدام العنف المسلّح ضدّ "الآخر"
في الوطن الواحد. لكن هل هذا هو ما نأمله لمستقبل أوطاننا وأجيالنا القادمة؟!
لقد شهدنا في الفترة
الماضية تفسيراتٍ مختلفة للتراجع الحاصل في عموم المنطقة العربية، وللهواجس التي
تشغل الآن بالَ كلّ إنسانٍ عربي، لكن قلّة من هذه التفسيرات تضع الإصبع على الجرح
العربيِّ الأكبر. فأساس المشكلة هو أصلاً بالمجتمعات العربية نفسها، وبكلِّ من
فيها.
فغياب الفهم الصّحيح
للدّين والفقه المذهبي وللقيم الأخلاقية ولمسألة الهُويّة وللعلاقة مع الآخر أيّاً
كان، هو المناخ المناسب لأيّ صراع طائفي أو مذهبي أو إثني يُحوّل ما هو إيجابي
قائم على الاختلاف والتّعدّد إلى عنفٍ دموي يُناقض جوهر الرّسالات السّماويّة
والفهم السليم للهُوية الثقافية العربية، ويحقّق غايات الطامحين للسيطرة على العرب
وعلى أرضهم ومقدّراتهم!.
فإعفاء النفس العربيّة من
المسؤوليّة هو مغالطة كبيرة تساهم في خدمة الطّامعين بهذه الأمّة وتسهيل مهمّة
العاملين على شرذمتها، كما إنّ عدم الاعتراف بالمسؤوليّة العربيّة المباشرة عن
واقع الحال السيء، فيه تثبيت لعناصر الخلل والضّعف وللمفاهيم التي تغذّي الصّراعات
والانقسامات.
صحيحٌ أنّ للأطراف
الخارجية، الدولية والإقليمية، أدواراً مؤثّرة في تأجيج الانقسامات، لكن ماذا عن
مسؤولية الذات العربية نفسها عمَّا حدث ويحدث من شرخٍ كبير داخل المجتمعات
العربية؟ ماذا عن مسؤولية المواطن نفسه في أيّ بلدٍ عربي: مسؤولية الأب والأم في
المنزل، مسؤولية المُدرّس في المدرسة؟ مسؤولية المراجع الدينية؟ مسؤولية المفكريين
والكُتّاب والإعلاميين؟ وماذا عن تلك القوى التي تتحدّث باسم "الجماهير
العربية"، وعن الذين يُوجّهون عقول "الشارع العربي" وحركته؟!.
أوروبا شهدت في النصف
الأول من القرن الماضي تجارب فكرية وحزبية سيّئة، كالنازية في ألمانيا والفاشية في
إيطاليا، ودفعت القارّة الأوروبية كلّها ثمناً باهظاً لسياسات هذه التجارب السيئة.
لكن هذا "النموذج الأوروبي" في التقاتل والتصارع أولاً، ثمّ في التكامل
والتوحّد لاحقاً، احتاج طبعاً في فترةٍ لاحقة إلى مناخ سياسي ديمقراطي داخلي، على
مستوى الحكم والمجتمع معاً، ممّا سمح بحدوث التحوّل الكبير. فالمسألة ليست فقط
انتخاباتٍ وآلياتٍ للممارسة الديمقراطية الشكلية لأنّها، إذا لم تقترن بثقافة
ديمقراطية سليمة داخل المجتمع نفسه، قد تزيد الأمور تعقيداً، كما جرى في تجربتيْ
ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية.
أيضاً، فإنّ مسألة
الحرّيات في الولايات المتحدة لم تنتعش وتزدهر في العقد السادس من القرن الماضي
إلّا بعد فترة "المكارثية" الظالمة في العقد الخامس. كذلك لم يصل
"الأميركيون الأفارقة" إلى حقوقهم المدنية إلاّ بعد عقودٍ طويلة من
مواجهة الممارسات العنصرية، ومن إحداث تغيير في ثقافة المجتمع الأميركي نفسه.
فالدستور الأميركي العظيم ساوى بين كل المواطنين، مهما كان لونهم أو عرقهم أو دينهم،
لكن المجتمع الأميركي لم يكن ناضجاً لتقبّل فكرة المساواة بين الناس كما نصّ عليها
الدستور والقوانين الأميركية.
إذن، التغيير يجب أن يبدأ
أولاً في مكوّنات المجتمع نفسه، وعندها يتحقّق مضمون ما هو منسوب للأحاديث
النبوية: " أعمالكم عمالكم كما تكونون يولّى عليكم
."
إنّ نقد الواقع ورفض
سلبياته هو مدخل صحيح لبناء وضع أفضل، لكنْ حين لا تحضر بمخيّلة الإنسان العربي
صورة أفضل بديلة لواقعه، تكون النتيجة الحتمية هي تسليمه بالواقع تحت أعذار اليأس
والإحباط وتعذّر وجود البديل!. وكذلك المشكلة هي كبرى حينما يكون البديل هو سيء
وهناك عمل، لكنه عشوائي فقط أو في غير الاتجاه الصحيح.
إنّ للأرض العربية حقوقاً
على أبنائها المقيمين والمهاجرين، فالأرض البور قد تصطلح إذا كانت هناك إرادة
إنسانية فاعلة ومهيَّأة لعمل الإصلاح.. لكن المعضلة تكبر حين لا تكون الأرض بوراً،
بل أرض خيرات وثروات، بينما قيادات الشعب هي البور!
إنّ الحركة السليمة هي
تلك التي تنبع من فكرٍ سليم وتتبع قيادات سليمة... ولأنّ الفكر السليم هو الذي
يستلهم نفسه من الواقع ليكون حلاً لمشاكله، فإنّ المرحلة القادمة تستوجب العمل
لبناء فكرٍ عروبيٍّ نهضويٍّ يكون بديلاً لطروحات التطرّف والانقسامات الدينية
والمجتمعية، ومرشداً لجيلٍ عربيٍّ جديد عليه تقع مسؤولية الحراك لتغيير الحاضر
السيء ولبناء المستقبل الأفضل.
الخميس، 11 يناير 2018
زوبعة الفصل 39 ..
زوبعة الفصل 39 ..
لا تزال زوبعة الفصل 39 متواصلة في وسائل الاعلام وعلى صفحات التواصل وقد وصلت الى رئاسة الحكومة لتكون عند السيد يوسف الشاهد بمثابة القشة التي ستنقذ الغريق امام موجات الغضب والاحتجاجات المتصاعدة ، في حين ان المسالة طرحت مغلوطة منذ البداية من طرف نائب النهضة السيد محمد بن سالم من ثلاثة جوانب :
الاول عندما قال ان حزبه اقترح عدم المساس بالجزء الاول من الفصل 39 ( وقد يكون هذا صحيحا ) وهو عدم الترفيع في القيمة المضافة من 6 الى 7 في المائة ، لكن المغالطة في ادعاءه ان الهدف من ذلك هو مصلحة الشعب ، وهم من صوت على القانون برمته ..
الثاني هو ادعاءه بانهم انسحبوا ولم يصوتو على هذا الفصل ( وهو صحيح ) بما يوحي انه رفض للفصل ( وهو غير صحيح ) لان الانسحاب كان بسبب مشكلة اخرى ، او انهم ابرياء من الزيادات وان الزيادة في الاسعار سببها الفصل 39 ( وهو غير صحيح ايضا ) لان المشكلة في قانون المالية لا تتعلق بهذا الفصل وحده ..
الثالث هو تصوير عدم التصويت على مقترح او على فصل بطولة والتصويت عليه جريمة ( وهو غير صحيح ) لان تجميد الزيادة في حدود 6% ليس لها وزن في تخفيف العبئ على المواطن باعتبار ضعف النسبة ، ولا في انقاذ الميزانية نظرا لضعف المردودية وهو ما برر به نائب النهضة نفسه اقتراح التجميد . كما ان الموافقة على الفصل بالكامل ( الجزء الاول مع الثاني والثالث اي الترفيع ب 1 % من 12 الى 13% ومن 18 % الى 19 % ) لا يمثل الاسوء في قانون المالية ، مقارنة بالكم الهائل الوارد فيه من الزيادة في الضرائب والترفيع في الاستخلاصات المالية ومعاليم التسجبل والترفيع ب1 % في الخصم من المرتب والزيادة في معلوم الجولان وفي اسعار المحروقات والطاقة والكهرباء والغاز والهاتف .. وغيرها .. وكلها مذكورة في فصول اخرى .. وحسابيا لو اخذنا اعلى نسبة وهي ال 19 % فان الزيادة في السلع المتعلقة بهذه الجزئية و التي يكون ثمنها دينارا هي 10 مليمات فقط عند المحافظة على نفس نسبة الربح ، علما ان اغلب اسعار المواد الاستهلاكية تتاثر اسعارها بالعرض والطلب وبالمنافسة مع السلع الموردة وارتفاع الكلفة وعدم خضوعها للرقابة الخ ..
هذا من ناحية ، اما من ناحية ثانية فان الرافض لقانون المالية لا يعني بالضرورة ان يكون رافضا لكل فصوله ، والرافض للزيادات المجحفة لا يعني ان يرفض كل الزيادات ، فالدولة في حاجة لبعض الاجراءات لدعم الخزينة ( بقطع النظر عن طبيعة التوجهات ) ، ولذلك يمكن للمعارضة ان تقبل بعضها وترفض بعضها الاخر حسب تقديرها ، كما هو نفس الشيء بالنسبة لنواب الحكومة والعبرة في النهاية بروح الميزانية فيما توفره من حلول .. كما ان الرؤية لا تتوضح بالكامل الا بانتهاء التصويت على كافة الفصول بعد معرفة ما بقي منها في القانون اثر التصويت ، لذلك يحق للنائب ان يصوت بنعم او لا على كامل القانون دون اعتبار التصويت على اجزائه ، والا تصبح المسالة عبثية ، فما فائدة ذلك اذا كان التصويت الجزئي يغني عن التصويت الكامل ..!! وما على الذي يريد ان يعرف توجهات نواب المعارضة والحكومة سوى العودة الى جلسات التصويت كاملة دون انتقاء ..
والمغالطات في الواقع لا تتوقف عند هذا الحد بل في اعتبار تصويت بعض الافراد من ممثلي المعارضة على زيادة من الزيادات ازدواجية وتوريط للاحزاب الحاكمة وكان احزاب السلطة لم يكن امامها خيار رفض القانون بالكامل .. ثم في تمادي الاطراف الحاكمة في التضليل والهروب من مواجهة اسباب الازمة الحقيقية بحصرها في فصل من فصول قانون المالية او حتى في القانون باكمله .. فالزيادات يمكن ان تقع في اي ظرف وفي اي بلد ، لكن بشكل متوازن مع التشغيل والسيطرة على الاسعار المنفلتة منذ سنوات بسبب الاختيارات الفاشلة والجشع الراسمالي والفساد الذي ينخر الدولة والمجتمع .. ولعل الكثيرين لا يعلمون ان سنة 2017 شهدت تخفيضا في الاداء على القيمة المضافة على الكراس المدعم من 12 % الى 6% ، فهل ساهم هذا الاجراء في تخفيض سعر الكراس ام في ظهور ما يسمى ب ( super ) بزيادة 700 مليما في بعض الاصناف ..؟ وان سنة 2015 شهدت تخفيضا في الاداء على القيمة المضافة من 22.5 % الى 18 % دون اثر يذكر على الاسعار وتدهور المقدرة الشرائية للمواطن ..
ويبقى التحدي الاخير .. اذا كانت المشكلة تنحصر في الفصل 39 لماذا لم تحسم لجانكم هذا الفصل قبل تقديمه للتصويت ..؟؟ واذا كنتم حريصين على مصلحة المواطن لماذا توافقتم على تمرير القانون بصورته الحالية ...؟؟
تخفيض الاداء على القيمة المضافة على الكراس المدعم من 12 % الى 6 % سنة 2017 .
الاداء على القيمة المضافة في المواد المكتبية ب 22.5 % سنة 2014 .
تخفيض الاداء على القيمة المضافة لنفس المواد من 22.5 % الى 18 % سنة 2015 .
( القدس ) .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)