بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 27 يناير 2018

الفرز الممكن ... والفرز المستحيل ...



الفرز الممكن ... والفرز المستحيل ...

من يتابع اراء ومواقف المنتمين للعائلة القومية من الداخل  ،  يجد تباينا ظاهريا واضحا في المواقف والتاويلات الخاصة بالمتغيرات والتحالفات والاولويات  في الواقع العربي ، وهو ما يظهر ايضا  للمتابعين من خارجها ، فيبدو للكثيرين ان الحركة القومية متشرذمة الى حد التناقض .. ولكن لو تاملنا كل المواقف  بعمق وشمولية على اساس واقع المرحلة سوف نجد ان اغلبها اجتهادات تكمل بعضها البعض ولا تتناقض ، بل يكاد الواحد يجزم ان ما فيها من تنوع للاراء والمواقف يثري الى حد بعيد الطرح القومي سواء في مستوى فهم المشكلات ، او في مستوى الحلول .. وكل ما في الامر ان اختلاف الاحكام يكون عادة  في علاقة مباشرة باختلاف المقاييس التي ينظر من خلالها كل متابع لحركة الظواهر عامة .. اذ ان من يدرك خصوصيات الحركة القومية كاداة تغيير اجتماعي يتجاوز دورها مهمات تغيير الواقع الاقليمي ليتعاداه الى الواقع القومي على عكس جميع التنظيمات الاخرى الاقليمية منها والاممية وما سواها .. غير الخاضعة لمعوقات التجزئة ، يدرك تماما انها تمر – موضوعيا - بمرحلة لا تسمح لها فيها تلك الحواجز بجعل الاختلاف يتطور الى فهم مشترك للواقع  ، وحلول مشتركة ، وفعل موحد .. مما يؤخر الى حد بعيد قيام الاداة  التنظيمية القادرة وحدها على تحويل كل الافكار والمواقف والحلول الفردية الى افكار مشتركة بين المتحاورين حينما تنتقل بينهم – جدليا – لتعود من اي واحد منهم الى الاخر وقد مرت بمراحل النقد والتعديل والاضافة والاغناء .. حتى ينتهي الجدل بفرز الحلول الجماعية الاقرب الى الصحة ، وهو ما يكسبها مشروعية الالزام والالتزام بالحل الاغلبي .. وهذا على المستوى القومي ، اما على المستوى القطري ، فان استمرار المشكلة في بعدها الاول ، له بالتاكيد انعكاسات سلبية مباشرة على جميع القوميين داخل الساحات القطرية وهم يبحثون على الدوام عن كيفية حل التناقض بين ما يفرضه عليهم الواقع الاقليمي وما يتطلبه الحل القومي ... وهو ما يعني ان مثل هذا العبء الحركي والتنظيمي على المستوى القومي ، حينما يصطدم بالعجز ، يتحول الى عبء اكبر داخل كل الساحات القطرية على مستوى الافكار والرؤى والمواقف والاجتهادات التي تتحول بدورها الى تجارب وتنافس وتقلبات وازمات .. ففشل وخلافات وصراعات ... وتشتت وتشرذم .... وهو ما يعيشه القوميون بكل مرارة في الواقع .... وتبقى مسالة تحديد المرحلة تحديدا دقيقا من اهم العوامل المساعدة على تجاوز الحالة الراهنة .. وهي باختصار مرحلة تحرر قومي بدون اداة قومية .. وفي مثل هذه المراحل لا يصح ان يتم الفرز والتموقع على اساس الموقف من المتغيرات والمستجدات بل على اساس الثوابت التي لا يختلف حولها اثنان داخل الحركة القومية .. وما عدا ذلك يفترض ان يكون الفصل والحكم فيه للجدل الاجتماعي ، القاعدة الاولى والاخيرة للديمقراطية حينما تتوفر شروطها .. اما البحث عن التطابق الكلي في المواقف من جميع المستجدات – سواء في هذه المرحلة او غيرها -  فلن يحصل ابدا ما بقي الناس مختلفين في مقدرتهم الجدلية .. ومن البداهة حينما تكون تلك الشروط غائبة ، يكون الخلاف والتشتت تحصيلا حاصلا ..... 
وعليه ، فان الموقف القومي القائم على هدف استراتيجي واحد لا خلاف عليه : بناء دولة الوحدة الديمقراطية الاشتراكية ، يمكن ان يستوعب كل الاجتهادات والتاويلات الخاصة بالمتغيرات الراهنة ذات الصلة بهذا الهدف .. وبالتالي يمكن ايجاد مبررات على مستوى الفكر والواقع لكل المواقف الرائجة ومنها : 
- ان الانظمة ديكتاتورية .
- وان الموقف القومي يرفض مساندتها المطلقة مهما كانت مواقفها .
- وان مصالح ايران معادية للمصالح العربية وهي دولة محتلة لقطر عربي  .
- وان روسيا تنافس الدول الاخرى من اجل النفوذ والسيطرة .
- وان هذه الدولة يمكن التعاون معها باعتبار وقوفها تاريخيا الى جانب القضايا العربية .
- وان الدول الاقليمية تشهد هجمة بقصد تفتيتها باسم الديمقراطية . 
- وان الاولويات تقتضي مواجهة الاخطار الخارجية .
- وان فصائل المقاومة تبالغ في تحالفاتها الاقليمية  .
- وان تحالفات المقامة مقبولة نظرا لاستهدافها وحصارها وقلة امكانياتها  .
- وان المقاومة لها كل التاييد والمساندة مهما كان لونها وعنوانها .
- وان يكون البعض داخل الاحزاب الاقليمية .
- وان يكون البعض الاخر خارجها ..
- الخ ....  
وهذا على قدر من الاهمية .. 
ومن ناحية اخرى فان الاسئلة التالية لا تقل اهمية : 
- هل هناك قوميون يختلفون في رفض استمرار الدولة الاقليمية مهمى كان الحكام حتى ولو كانوا قوميين ؟
- وهل هناك قوميون يرفضون السعي لتحقيق الاشتراكية والعدالة الاجتماعية في اي مرحلة من المراحل حينما تتوفر لهم الفرصة لتحقيقها ؟
- وهل هناك قومي واحد يقبل التفريط في فلسطين التاريخية او في اي شبر من الارض العربية ؟ 
- وهل هناك من القوميين من يرفض الانتماء للحركة العربية الواحدة او المساهمة في تاسيسها حينما تتوفر الفرصة لذلك ؟ 
- وهل هناك من القوميين من يقبل بالتبعية ونهب الثروات القومية من اي طرف اجنبي او محلي ؟ 
- وهل هناك من القوميين من يرفض مبدا الحرية والديمقراطية في الداخل والتحرير لما هو مغتصب من اقطار وثروات ؟ 
لا يبدو هذا واردا من القوميين الصادقين ... 
ولكن ماذا يعني كل هذا في النهاية ... ؟ 
انه يعني اولا ان الواقع العربي يطرح مشكلات معقدة ، وان امكانية تاويلها بطرق مختلفة على ضوء المستجدات والحاجة الى التحالفات  يخضع اولا واخيرا لزوايا النظر والتركيز على المتغيرات التي ينظر من خلالها كل متابع وكل محلل للاحداث ، فتاتي المواقف منها متباينة بالضرورة .. فضلا عن مناقضة الواقع لخصوصية الحركة القومية خلافا لكل الحركات الاخرى التي لا تتاثر في حركتها بواقع التجزئة فلا تترتب عنها تلك الاثار السلبية بمثل ما هو حاصل لحركة لا تتعافى الا بمدى تلاؤم طبيعتها القومية مع واقعها القومي ، وهو وضع غير قائم .. 
وثانيا ان الموقف القومي في مثل هذه الظروف المعقدة يمكن ان يستوعب كل هذه التاويلات والاجتهادات للاستفادة منها – على اختلافها – في بناء مواقف نظالية مرحلية وتكتيكية مهمة حسب الاولويات على اساس تلك الثوابت  لو توفرت لها ظروف تاطيرها وهي مستحيلة بغير حد ادنى من الثقة هي ذاتها لا تتوفر الا في اطار تنظيم ديمقراطي موحد .
المشكلة – على ما يبدو - تتمثل في غياب الاليات التي تستطيع تاطير الاختلاف وجعله يرتقي بالحركة القومية من موقع البحث عن اطراف تلبي طموحاتها ،  وحينما لا تجدها – وهي خارج دائرة الفعل – تختلف حولها ، الى مواقع الريادة وصنع الحدث الذي يوحد صفوفها حينما تكون سيدة نفسها في اختيار الاولويات وبناء التحالفات ومواجهة التحديات التي يفرضها الواقع .. والحصيلة  امة مجزاة واداة توحيدها مشتتة في ظل استهداف مستمر للطرفين ، وهي من اشد المراحل قسوة وخطورة على الوجود القومي  مثلما يجري في الواقع .. غير ان الاكثر خطورة على المستقبل هو استمرار الحالة السلبية الراهنة القائمة على التنافر الداخلي الذي يؤدي في كثير من الاحيان الى المزيد من التشدد والتعسف في استعمال مقولة الفرز الفارغة من اي مضمون حينما تصبح الدعوة الى الحركة العربية الواحدة دعوة مثالية قائمة على التطابق الكامل في المواقف والاراء مما يجري في الواقع العربي ، فيكون موقف التاييد لنظام عربي بالنسبة للبعض سببا كافيا لتخوين البعض الاخر ، فيحول دون التقائهم في نفس المشروع .. في وقت لم يدرك فيه الكثيرون الى حد الان حاجة الامة لوجود حد ادنى من التضحية والوعي داخل الحركة القومية يخرجها نهائيا من وضع الفرز المستحيل الى وضع الفرز الممكن ... وهذا الحد الادنى لن يكون ابدا غير ثوابت المشروع القومي لا أكثر ولا اقل ... 

( القدس ) في 20 يناير 2018  .





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق