بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 2 ديسمبر 2019

هل قانون المالية التكميلي "ميزانية ترحيلية" ؟


هل قانون المالية التكميلي "ميزانية ترحيلية" ؟
عبد السلام هرشي .
   2019-12-02

يأتي قانون المالية التكميلي لسنة 2019 في ظل تواصل الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد التونسي لأسباب هيكيلة وأخرى استراتيجية، إذ يسجل عجز الميزان التجاري أرقاما قياسية منذ سنة 2016 وترتفع نسبة التداين لتتجاوز نسبة 70% من الناتج الداخلي في ظل تراجع الدينار التونسي وارتفاع نسبة التضخم، بينما تراوح نسبة البطالة مكانها بنسبة 15.1% مع ارتفاع أو انخفاض بسيط في الفواصل. لكن أبرز ما جاء في الحصيلة المالية لسنة 2019، هو أن نسبة النمو التي تمت برمجتهما لتصل عتبة 3.1% كهدف يجب تحقيقه في 2019، لم تحقق الدولة منها سوى 1%. يأتي كل هذا في الوقت الذي عرف فيه الاقتصاد التونسي تحسنا على مستوى عدد من المؤشرات في 2019 أهمها تراجع عجز الميزانية إلى 3.9%، إيقاف تدهور الدينار وتراجع نسبي لسعر صرف العملات الاجنبية وتسجيل ارتفاع في موارد الدولة. في ظل هذه الأرقام يأتي قانون المالية التكميلي لسد الفوارق الحاصلة بين توقعات قانون المالية الأصلي والأرقام التي تم تحقيقها فيما يصفه البعض بأنه ميزانية ترحيلية (ترحيل جميع الاشكاليات إلى قانون المالية لسنة 2020). 
قانون المالية التكميلي
يعتبر قانون المالية قانون الدولة الاقتصادي الذي يحكم البلاد اقتصاديا لمدة عام ليتجدد في السنة الموالية. ويتضمن في جزئه الأول الأحكام المتعلقة بتحصيل الموارد المالية للدولة وفي جزئه الثاني المبلغ الاجمالي للاعتمادات المطبقة في إطار الموازنة العامة للدولة. وإلى جانب قانون المالية الأصلي توجد أنواع أخرى من قوانين المالية وهي قانون المالية التعديلي، قانون غلق الميزانية. ويتم إنجاز قانون المالية التكميلي في حالة وجود فوارق كبيرة بين ما تم توقعه في قانون المالية الأصلي والأرقام التي تم تحقيقها. وبحكم الفوارق الكبيرة بين توقعات المالية الأصلي لسنة 2019 والأرقام المحققة والتي تجاوزت 2000 مليون دينار، التجأت وزارة المالية إلى إنجاز قانون مالية تكميلي خاص بهذا العام، هو التاسع منذ ثورة 14 جانفي. ولا يعتبر إنجاز قانون مالية تكميلي بالشيء الجيد، فهو دليل على الاضطرابات التي تشهدها التوازنات المالية العامة للدولة. ويقول هيكل المكي النائب عن حركة الشعب والعضو باللجنة الوقتية للمالية أن هذا القانون هو عبارة عن ميزانية ترحيلية، ويضيف في تصريح للمفكرة "كل الاشكاليات تم ترحيلها إلى قانون المالية 2020، ونحن بصدد مناقشة القانون صلب اللجنة بكل جدية بالاستعانة بمجموعة من الخبراء، فهناك الكثير من الاشكاليات التي يجب فهمها والوقوف عندها". 
أسباب إنجاز قانون مالية تكميلي لسنة 2019؟ 
من خلال قراءة أرقام قانون المالية التكميلي يمكن القول إن الفارق بين قانون المالية الأصلي والأرقام المحققة على أرض الواقع قد بلغت 2260 مليون دينار. هذا وقد تم تحيين ميزانية الدولة لسنة 2019 في قانون المالية التكميلي بسبب عدة تطورات شهدتها المالية العمومية، أهمها تطور الموارد الذاتية للدولة لسنة 2019 بنسبة 18.1% مقابل 8.9% (تمت برمجتها في قانون المالية الأصلي)، ارتفاع نفقات الميزانية دون اعتبار تسديد أصل الدين بــ 1809 مليون دينار مقارنة بتقديرات قانون المالية. وقد برر وزير المالية محمد رضا شلغوم في تصريح إعلامي الارتفاع الحاصل في نفقات الدولة، باتفاق الزيادة في الأجور الذي أبرم في فيفري 2019 والذي كلّف الدولة 649 مليون دينار واتفاق الحكومة مع نقابتي التعليم الثانوي والابتدائي على صرف منحة العودة المدرسية ناهزت قيمتها الجمليّة 200 مليون دينار، إضافة إلى ارتفاع دعم أسعار المحروقات بــ 438 مليون دينار وتدخلات أخرى وصلت قيمتها إلى 376 مليون دينار وأخيرا 176 مليون دينار تحت عنوان فوائد الدين العمومي. 
أرقام قانون المالية التكميلي  

بالنظر إلى قانون المالية التكميلي، بات واضحا أن ميزانية الدولة وبحكم الفوارق ارتفعت من 40861 مليون دينار إلى ما يقارب 43.121 مليون دينار. وتتوزع نفقات الدولة كاملة بحسب النتائج المحيّنة إلى 26897 مليون دينار كنفقات تصرف، و6250 مليون دينار كنفقات تنمية و9874 مليون لخدمة الدين العمومي. ويوضح وزير المالية رضا شلغوم لـ"المفكرة" بأن نفقات التنمية ارتفعت من 6150 مليون دينار في قانون المالية الأصلي إلى 6250 مليون دينار في قانون المالية التكميلي. ليضيف: "هذه الميزانية ستمكّن من المساعدة في تحقيق أرقام جيّدة في السنة القادمة وقد برمجنا في قانون المالية لسنة 2020 حوالي 6900 مليون دينار كنفقات تنمية، كما يُتوقع أن يتقلص عجز الميزانية ليصل إلى 3%، هذا وبرمجنا حوالي 700 مليون دينار كمبالغ غير موزعة للحكومة القادمة، لكن التحسن يبقى محدودا ويجب العودة إلى الإنتاج والإنتاجية".
كما ارتفعت الموارد الذاتية المتأتية من المداخيل الجبائية وغير الجبائية بنسبة 17% إلى حدود أوت 2019 مقارنة بنفس الفترة من 2018، وعلى هذا الأساس من المتوقع أن ترتفع جملة الموارد الذاتية للدولة لسنة 2019 بما قدره 33009 أي بنسبة زيادة تصل إلى 18.1%. كما بلغت موارد الاقتراض والخزينة إلى موفى شهر أوت 2019 حوالي 8118 مليون دينار مقابل 10142 مليون دينار مقدّرة في قانون المالية الأصلي ومن المنتظر أن تصل إلى حدود 10112 مليون دينار، وهو ما يعني أن الدولة لن تلجأ إلى الاقتراض لمواجهة نفقات قانون المالية التكميلي.



قانون المالية الاصلي
نسبة التطور
قانون المالية التكميلي
الموارد الذاتية للدولة
26243 مليون دينار
17%
33009 مليون دينار
موارد الاقتراض والخزينة
10142 مليون دينار
-0.0029%
10112 مليون دينار

 
هل قانون المالية التكميلي "ميزانية ترحيلية"؟

اعتبر عدد من نواب اللجنة الوقتية الخاصة بالمالية بمجلس نواب الشعب في وقت سابق مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2019 ميزانية "ترحيلية" بالأساس، وليست ميزانية" تطهيرية"، باعتبارها آخر ميزانية للعهدة الانتخابية 2014 -2019، وهو ما يستوجب الإيفاء بجميع تعهدات الحكومة المنصرفة، وعدم ترحيلها إلى الحكومة المقبلة. موقف تتبناه حركة الشعب ممثلة في نائبها والعضو بلجنة المالية المؤقتة هيكل المكي الذي يرى كما جاء على لسانه في تصريح ل "المفكرة"، أن قانون المالية التكميلي ليس سوى ميزانية ترحيلية صدّرت جل الإشكاليات العالقة لميزانية سنة 2020. في نفس السياق، أكد فيصل دربال مقرر اللجنة أن التحسن الذي سجلته نسبة العجز في الميزانية لسنة 2019 غير حقيقي وذلك بسبب عدم تسجيل ديون الدولة التي لم يتم خلاصها في نفقات الدولة لسنة 2019 وبالتالي ترحيل قسط من عجز الميزانية التكميلية إلى 2020. كما أن إدراج منحة العودة المدرسية تحت عنوان نفقات التسيير وليس ضمن نفقات الأجور أثار انتقادات عدد من أعضاء اللجنة علاوة على أن المقرر العام للجنة وصف تطور المداخيل الجبائية المتأتية من الأداءات المباشرة بغير العادي والمخيف داعيا إلى مراجعته. ردا على هذه الانتقادات، أجاب وزير المالية رضا شلغوم في تصريح ل "المفكرة" أن هناك 700 مليون دينار بعنوان مبالغ غير موزعة سيكون للحكومة القادمة تحديد إمكانية ومجالات استعمالها في انتظار إعادة تبويب أولوياتها وهو ما يعني أن هذه الميزانية غير ترحيلية. كما أكد أن قيمة حسابات الدولة في البنك المركزي تناهز 1300.9 مليون دينار وهو ما يعني أن الوضعية المالية للدولة مستقرة. 
ردود الفعل على قانون المالية التكميلي
قال عياض اللومي النائب بمجلس نواب الشعب عن حزب قلب تونس ورئيس اللجنة الوقتية للمالية إن جلسة النقاش تناولت تفاصيل قانون المالية التكميلي والفوارق في الأرقام التي أدت إلى إنجاز القانون وأضاف ل "المفكرة" أنّ "هذا القانون هو بمثابة استكمال للسنة المالية 2019 وأن اللجنة بصدد دراسة قانون المالية لسنة 2020 وهو حسب رأيه أهم محدد لوضعية تونس في السنوات الخمس القادمة". أما مروان فلفال، النائب عن حزب تحيا تونس والذي يتزعمه رئيس الحكومة الحالي والمترشح السابق للانتخابات الرئاسية، فدافع عن قانون المالية التكميلي الذي اعتبره إثباتا على المجهود الكبير الذي بذلته الحكومة السابقة لتعبئة موارد الدولة والحفاظ على التوازنات المالية مشيرا إلى أن النقطة الإيجابية هي التحكم في عجز الميزانية الذي انخفض من 6 إلى 3%، وأضاف فلفال في تصريحه للمفكرة "نتمنى من الحكومة القادمة أن تواصل في نفس نهج الاصلاحات". أما التيار الديمقراطي فقد أكد أن تونس تواجه تحديا كبيرا بسبب تجاوز قانون المالية التكميلي الآجال القانونية والمحددة بــ 21 يوما، وأضاف على لسان نائبه بمجلس نواب الشعب والعضو بالهيئة الوقتية للمالية محمد عمار: " قانون المالية التكميلي هو قانون يخص مدة محددة ومحدودة من السنة، لكن المعضلة الأكبر هي قانون المالية لسنة 2020، وينبغي على مجلس النواب أن يتحمل مسؤوليته كاملة لأن قانون المالية للسنة المقبلة لم يتضمن أي معطيات حول الاستثمار أو التشغيل، ليقتصر على مجرد جداول وحسابات مالية. حجم الديون التونسية في 2019 وصلت قرابة 86 ألف مليون دينار، وتقديرات قانون المالية لسنة 2020 تشير إلى أن الديون ستصل إلى 94 ألف مليون دينار، وهذا يعتبر كارثة حقيقية".
هذه الانتقادات دفعت عياض اللومي، رئيس اللجنة الوقتية المخصصة لدراسة مشاريع قوانين المالية، إلى التأكيد أن اللجنة أرجأت المصادقة على مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2019 إلى حين حصولها على توضيحات كتابية من قبل وزارة المالية بخصوص الاحترازات التي عبر عنها أعضاء اللجنة.
يمكن القول أنّ قانون المالية التكميلي لسنة 2019 لم يكن سوى قانون لتحيين أرقام الدولة في ظل المتغيرات الداخلية والخارجية. لكن الأهم هو قانون المالية لسنة 2020 والذي رصدت الدولة فيه حوالي 6900 مليون دينار كميزانية للتنمية إضافة إلى 700 مليون دينار كنفقات دون عنوان وهو ما يمثل هامشا للحركة بالنسبة للحكومة القادمة. فهل يستطيع الائتلاف الذي سيشارك في الحكومة المرتقبة الإيفاء بالوعود التي قطعها على ناخبيه بهامش تحرك يصل إلى 700 مليون دينار أم سيلجأ إلى تقديم مشروع قانون مالية تعديلي؟

المفكرة القانونية .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق