الفكر القومي وتشييع العولمة الى ذمة التاريخ في زمن
الكورونا .
د.رضا لاغة .
وصلت العولمة الى قمّة مجدها إلى أن ظهر كوفيد -19 . تذكّرت
ماقاله ووترز وهو يناقش كيف سيبدو العالم منصهرا في مجتمع واحد وثقافة عالمية
واحدة واقتصاد عالمي متجانس واحد …عالم تتوارى فيه الدولة العائق ،الدولة ـ الأمة
القومية. فإذا بكوفيد ـ 19 يأخذنا الى وجهة معاكسة تراجعت فيها العولمة لصالح قيود
جغرافية الدولة القومية فتكثّف الوعي لدى المسافرون بكونهم عالقين على أعتاب
دولتهم،فتغدو الأماكن عبر العالم منفصلة ومتباعدة . فحيكت علاقات وجهود دبلوماسية
للإجلاء على صعيد قارّي وأصبح العالم فجأة رقع جغرافية متمايزة ترى الآخر بعين
مغايرة إذ هو مصدرا للعدوى أو بؤرة موبوءة وبالتالي بالمنظور الجغرافي فضاء للإقصاء
.
إن كوفيد ـ 19 أعطى الانطباع بأن العالم ارتدّ إلى حالته البدائية المستنسخة من عصائر الطبيعة الأم.لقد اختصرنا وهم الاعتراف بالغيرية في سياق مدركات جديدة : دولة موبوءة ،فهي إذن بؤرة خطرة وإنسان موبوء ، فهو إذن ناقل للعدوى ورمز للفناء والهلاك .
إن هذه الوضعية تجعلنا في مرتبة أنطولوجية صعبة التعريف.وهذا الذي يجري في العالم سيعيد بناء العالم جذريا . ولكننا لا ندري كيف يجب التنظير له ولا مدى تأثيراته وما سينتجه من بحث نظري وتجريبي سيكون مادة لعلوم بيولوجية واجتماعية ونفسية واقتصادية … مقالات مرموقة نُشرت وكلها تؤكد ان العالم ما بعد كوفيد ـ 19 ليس هو ذات العالم ما بعد كوفيد ـ 19 .
إن هذا القياس لا يعطينا الاحساس بالأهمية المتزايدة لما يحدث فحسب، وإنما والأهم من ذلك ، أهمية النقاشات العميقة داخل الحقل الإنساني بكل أبعاده الإيتيقية والأنطولوجية والسوسيولوجية ، لا سيما الحقل المنزلي كفضاء جغرافي محدد يُعاد تشكيله بتفاعلات جديدة داخل الأسرة .
إن هذا التدفق نحو الداخل ترك بتعبير كاستيل ثقبا أسود في جغرافية العولمة يقرع ناقوس تآكل الصلة وانضغاط المكان في مُسمّى ماكلوهن ” العالم كقرية عالمية” .
إن النقاش الأكثر واقعية يقول أن الجغرافيا لها حياة جديدة، وموجة الابتكار التي تدّعي على وجه التخصيص بموت الجغرافيا ، تبرهن أنها شيء متأصّل . لقد عدنا أيها السادة الى جغرافية الاختلاف .
إن وراء الاعتراف بهذه النتيجة البنيوية ،موضوع مركزي تُعيد فيه الدولة القومية أنتاج ذاتها. فهذا هو عصركم يا أبناء الفكر القومي لأن ما حدث ويحدث هو تضمين فضائي يتلخّص في أن ما وُسم في جبين العالق ليس سوى حنين الى الدولة الأم . إنها حقيقة لم تكن في الحسبان قبل نشوب هذا الوباء فيالق من ” الحرّاقة” الى الوطن المخيال ، الى أوروبا الأمل ، وفي زحام حساسيتنا لبلورة هذا المقياس الجديد ولد حنين العودة فولد مفهوم العالق استمرارا عجيبا لما طرحته حنا أرند لمفهوم اللاجئ . رأينا في خضمّ ذلك توقيعا عربيا رائعا يسترشد بتقديرات جغرافية كامنة ولنأخذ مثالا من اجلاء طلبة عرب من يوهان على طائرة مغربية طورا وأردنية وجزائرية طورا آخر . كان دليل الجغرافيا شفرة واحدة : إنه عربيّ .
من غير المرجّح ان يحدث هذا بأجندة دبلوماسية ضيقة ، لأنه يفصح عن خيارات تأكيد السؤال الأصلي : من نحن ؟
ولنتذكر أن عملية إعادة هيكلة العالم في ضوء مخلّفات هذا الفيروس كانت تتم تحت مظلّة : من أين أنت ؟
رأينا ذلك في جبهات المواجهة المكشوفة مع الوباء والتي قامت على تعبئة الشعور القومي بابعاده القيمية والسياسية والاقتصادية في يوهان الصينية . رأينا صورة المجتمع الانضباطي بمشهد خرافي وعجائبي يرقى الى اليوتوبيا الواقعية .
لقد كان الدرس الأول : نحتاج للعدوة الى جغرافيتنا لمواجهة هذا الوباء .
إن كوفيد ـ 19 أعطى الانطباع بأن العالم ارتدّ إلى حالته البدائية المستنسخة من عصائر الطبيعة الأم.لقد اختصرنا وهم الاعتراف بالغيرية في سياق مدركات جديدة : دولة موبوءة ،فهي إذن بؤرة خطرة وإنسان موبوء ، فهو إذن ناقل للعدوى ورمز للفناء والهلاك .
إن هذه الوضعية تجعلنا في مرتبة أنطولوجية صعبة التعريف.وهذا الذي يجري في العالم سيعيد بناء العالم جذريا . ولكننا لا ندري كيف يجب التنظير له ولا مدى تأثيراته وما سينتجه من بحث نظري وتجريبي سيكون مادة لعلوم بيولوجية واجتماعية ونفسية واقتصادية … مقالات مرموقة نُشرت وكلها تؤكد ان العالم ما بعد كوفيد ـ 19 ليس هو ذات العالم ما بعد كوفيد ـ 19 .
إن هذا القياس لا يعطينا الاحساس بالأهمية المتزايدة لما يحدث فحسب، وإنما والأهم من ذلك ، أهمية النقاشات العميقة داخل الحقل الإنساني بكل أبعاده الإيتيقية والأنطولوجية والسوسيولوجية ، لا سيما الحقل المنزلي كفضاء جغرافي محدد يُعاد تشكيله بتفاعلات جديدة داخل الأسرة .
إن هذا التدفق نحو الداخل ترك بتعبير كاستيل ثقبا أسود في جغرافية العولمة يقرع ناقوس تآكل الصلة وانضغاط المكان في مُسمّى ماكلوهن ” العالم كقرية عالمية” .
إن النقاش الأكثر واقعية يقول أن الجغرافيا لها حياة جديدة، وموجة الابتكار التي تدّعي على وجه التخصيص بموت الجغرافيا ، تبرهن أنها شيء متأصّل . لقد عدنا أيها السادة الى جغرافية الاختلاف .
إن وراء الاعتراف بهذه النتيجة البنيوية ،موضوع مركزي تُعيد فيه الدولة القومية أنتاج ذاتها. فهذا هو عصركم يا أبناء الفكر القومي لأن ما حدث ويحدث هو تضمين فضائي يتلخّص في أن ما وُسم في جبين العالق ليس سوى حنين الى الدولة الأم . إنها حقيقة لم تكن في الحسبان قبل نشوب هذا الوباء فيالق من ” الحرّاقة” الى الوطن المخيال ، الى أوروبا الأمل ، وفي زحام حساسيتنا لبلورة هذا المقياس الجديد ولد حنين العودة فولد مفهوم العالق استمرارا عجيبا لما طرحته حنا أرند لمفهوم اللاجئ . رأينا في خضمّ ذلك توقيعا عربيا رائعا يسترشد بتقديرات جغرافية كامنة ولنأخذ مثالا من اجلاء طلبة عرب من يوهان على طائرة مغربية طورا وأردنية وجزائرية طورا آخر . كان دليل الجغرافيا شفرة واحدة : إنه عربيّ .
من غير المرجّح ان يحدث هذا بأجندة دبلوماسية ضيقة ، لأنه يفصح عن خيارات تأكيد السؤال الأصلي : من نحن ؟
ولنتذكر أن عملية إعادة هيكلة العالم في ضوء مخلّفات هذا الفيروس كانت تتم تحت مظلّة : من أين أنت ؟
رأينا ذلك في جبهات المواجهة المكشوفة مع الوباء والتي قامت على تعبئة الشعور القومي بابعاده القيمية والسياسية والاقتصادية في يوهان الصينية . رأينا صورة المجتمع الانضباطي بمشهد خرافي وعجائبي يرقى الى اليوتوبيا الواقعية .
لقد كان الدرس الأول : نحتاج للعدوة الى جغرافيتنا لمواجهة هذا الوباء .
لقد دخلت الجغرافيا في علاقة القوة وأضحى المكان معترك للنزاع
والتأمين لا باعتباره مجرد مسرح تجري عليه الأحداث وانما لأن الحدود القومية تشكّل
جزءا من ترتيبات الخطة . إن الباب الخلفي المواجهة ، إن جاز التعبير ، يكمن في
إيقاف التدفقات الوافدة لأن العلاقة الجغرافية تحدث بمنطق مختلف يقع التمييز فيه
بين المنطقة الموبوءة والأخرى الآمنة .
تلك كانت لحظة الانعطاف والمنعرج بمعنى ريكور. ولقد ألمحنا من قبل تأثّر رئيس صربيا الذي أعلن أن كل ما بُني من تقارب أوروبي / أوروبي ليس سوى تقارب ورقي شكلاني وبروتوكولي . وقد استبصرنا من ذلك التصريح المؤثر نموذج جغرافيا ايديولوجيّة الصين الشعبية وهي تنخرط في عمل تضامني لامتصاص صدمة الدول في صربيا وايطاليا ودول افريقيا …
إنه لأمر يُلفت الانتباه أن نشاهد تقلّب الجيوبوليتيكا ما بين أفول وازدهار . وحتى في وعينا العربي الذي كان يستيعد الجيوبوليتيكا كخطاب أكاديمي وضعه الاقليميون في دهاليز السياسة ، أضحى ميراثا مرموقا لجغرافيا سياسية حان وقت انبعاثها. وهي تتخذ في نظرنا ثلاث صيغ أساسية :
تلك كانت لحظة الانعطاف والمنعرج بمعنى ريكور. ولقد ألمحنا من قبل تأثّر رئيس صربيا الذي أعلن أن كل ما بُني من تقارب أوروبي / أوروبي ليس سوى تقارب ورقي شكلاني وبروتوكولي . وقد استبصرنا من ذلك التصريح المؤثر نموذج جغرافيا ايديولوجيّة الصين الشعبية وهي تنخرط في عمل تضامني لامتصاص صدمة الدول في صربيا وايطاليا ودول افريقيا …
إنه لأمر يُلفت الانتباه أن نشاهد تقلّب الجيوبوليتيكا ما بين أفول وازدهار . وحتى في وعينا العربي الذي كان يستيعد الجيوبوليتيكا كخطاب أكاديمي وضعه الاقليميون في دهاليز السياسة ، أضحى ميراثا مرموقا لجغرافيا سياسية حان وقت انبعاثها. وهي تتخذ في نظرنا ثلاث صيغ أساسية :
أولا صيغة مختصرة حول ادارة التنافس الكوني في ظل
ظروف جديدة تشهد تدهورا في قوة الولايات المتحدة الامريكية واوروبا مقابل صعود
الصين كقوة أولى في العالم .
ثانيا : إعادة النظام الرأسمالي بمنظور جيوبوليتيكي
موجّه نحو الاقتصاد التضامني . وبالتالي دمج الاقتصاد السياسي في الجيوبوليتيكا . وهو
اتجاه بحثي لا يقتصر على المعنى المتغير للعامل الجغرافي وانما نتوقع أنه سيتساءل
عن الصيغة التي سيتخذها الوجود العربي في هذا العالم المرتقب .
ثالثا : ان السؤال المهم بالنسبة لنا كعرب لا يستند الى ذات الحجج
الكلاسيكية للدولة الإقليمية حول وجاهة التنسيق العربي / عربي وإنما وفق توصيفات
سياسة واقعية لعلاقة بينية تفرض .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق