عبد الناصر والحملة الظالمة .. « 4 »
عبدالله امام .
... وأموال أسرة محمد علي أيضًا وحتى أموال أسرة محمد على أدخلوها في الحملة على جمال
عبد الناصر.. وهم عادة يرددون كلمات قديمة: وقصصًا ملفقة. سبق أن رددتها بعض أجهزة
المخابرات الإسرائيلية والأمريكية المعادية للعرب ولجمال عبد الناصر.. ولا يتحدثون
أبدا عن أشياء محددة.. أو وقائع معينة.. ولكنهم يكتفون بتعميمات تسئ ولكنها لا
تمسك عليهم: معتمدين على أن أحدا لن يجد الوسيلة للرد وتفنيد أقوالهم. أو حتى مساءلتهم
حول وقائع معينة.
جريدة مشبوهة
كانت تصدر في بيروت خلال الخمسينات اسمها الحياة.. نشرت أن نجل جمال عبد الناصر
شوهد وهو يبيع بعضها من مجوهرات الملك فاروق في لندن..
وكان أكبر
أولاد جمال عبد الناصر في ذلك الوقت طفلًا بالمدرسة الابتدائية.
وهي نفس القصة
التي عادت بعض الصحف تنشرها أخيرًا؛ بنفس الكلمات، ونفس التفاصيل.
وهذه ليست كل القضية، فهم يطرحون قضية أموال أسرة محمد علي.. وهي الأموال التي
خصصت للمجلس الدائم للخدمات الذي كان يشرف عليه عضو مجلس قيادة الثورة عبد اللطيف
البغدادي. والذي أقام حتى عام 58 حوالى 864 وحدة مجمعة بالقرى تخدم كل وحدة 15
ألفًا وتضم مدرسة ومستشفى وعيادة وصيدلية وخدمات زراعية مختلفة وقسم للصناعات
الزراعية الريفية.
وأقام كورنيش
النيل، و1235 مدرسة في السنوات الخمس الأولى للثورة، وكان عدد المدارس التي أقيمت
في العام السابق للثورة ثلاث مدارس فقط.. كل هذه المشروعات تمت بتمويل من أموال
أسرة محمد على المُصادرة.
وكان عدد الذين
صودرت أملاكهم 407 فردًا من أسرة محمد على سُمِح لهم بأن يسكنوا قصورهم مقابل
إيجار رمزى، وقد صودر للملك السابق 24 قصرًا وتفتيشا و48 ألف فدان عدا الأموال
التي التى كانت باسمه في البنوك، ويختان هما فخر البحار وفيض البحار.
وقد بدأ جرد
القصور الملكية بقرار من الدكتور عبد الجليل العمري وزير المالية بتشكيل لجان لجرد
محتويات السرايات والقصور الملكية.. ثم عينت الثورة وزيرين سابقين للإشراف على هذه
العملية هما حسين فهمي وأحمد خشبة، وظلا يقومان بأداء عملهما حتى عهد بهذه المهمة
إلى الاستاذ عبد العزيز على، وكان أحد أقطاب الإخوان المسلمين، وقد عين وزيرًا بعد
الثورة.
وقام عبد
العزيز على بتأجير أرض المعمورة وكانت فضاء - بإيجار رمزى - للإخوان المسلمين،
ليقيموا فيها معسكرا صيفيًا، ثم اتضح أنهم يستغلونها في تدريب بعض أفراد الجماعة
على استخدام السلاح.. وكلف السيد كمال الدين حسين ببحث الأمر معه، وتم الاتفاق على
إلغاء التعاقد.
وقد قام عبد العزيز على وكان وزيرا للشئون البلدية والقروية بجولة على
استراحات الملك وقصوره، ووصل على رأس وفد الى استراحة رأس الحكمة، وانتقي أفضل
الغرف ليقضي ليلته فيها.. وفي اليوم التالي نشرت جريدة الأخبار أن الحارس على
أموال الملك ينام على سرير الملك.
وكان المكتب الفني في مجلس قيادة الثورة، الذي عهد إليه بتلقي كل التقارير حول
هذا الأمر برئاسة المهندس محمود يونس.
وصدر قرار بمنع
دخول القصور الملكية إطلاقا إلا على أعضاء لجان الجرد، وبموجب تصريحات خاصة.. وندب
أحمد حسنی وزير العدل للإشراف على هذه اللجان وكان أيضا من الإخوان المسلمين.. كما
شكلت لجنة قانونية برئاسة المستشار أحمد خيرى سعيد لتلقي التظلمات وبعدها شكلت
لجنة عليا للإشراف على الأموال المُصادرة من وزراء المالية د. العمري. د عبد
المنعم القیسونى. د. علي الجريتلى. ومثل مجلس قيادة الثورة فيها زكريا محيي
الدين.. أى أن جمال عبد الناصر كان بعيدًا تمامًا عن هذه القضية.
قواعد لجان الجرد:
اجتمعت ثلاث
لجان للجرد برئاسة أحمد مصطفى سلطان المدير العام لحساب ومشتريات الحكومة بمكتبه
وقد تناقشت اللجان بحضور مندوب من قيادة القوات المسلحة في كل لجنة «1».
وتم الاتفاق على الخطوات الواجب اتباعها عند الجرد وقد وقع رئيس اللجنة على
محضر الاجتماع الذي تم يوم 31 يوليو 1952. وهذه الخطوات كما يذكرها الدكتور محمود
محمد الجوهرى هى:
جميع المفاتيح تُحفظ يوميا في دولاب زجاجي يُغلق ويُختم بالشمع الأحمر بنفس
الطريقة المبينة في البند 6 ويسلم مفتاح الدولاب الزجاجى المذكور إلى النوبتجى
ويؤخذ عليه الإيصال اللازم:
1 - على كل عضو
مراعاة منتهى الأمانة والدقة والسرعة الواجب إنجاز عملية الجرد بها.
2- تحرر استمارات الجرد 121 ج من
ثلاث صور إحداها للقيادة العامة والثانية لوزارة المالية والثالثة تسلم لصاحب
العهدة بالسراي أو القصر.
3 ـ للقيادة العامة
أن تعين مندوبا عنها للإشراف على أعمال هذه اللجان الأربعة الى أن تنتهي المأمورية
ولحضرة أحمد مصطفی سلطان الإشراف العام على جميع هذه اللجان.
4 ـ
جميع حضرات أعضاء اللجان من رجال الجيش ووزارة المالية ومصلحة الأملاك
الأميرية وغيرهم وكذلك المشرفون على أعمال هذه اللجان خاضعون للتفتيش اليومي الذي
يقوم به الضباط المسئولون عن حراسة هذه القصور والسرايات.
5 ـ
لا يسمح بدخول أو خروج أي مهمات أو أصناف أو اشخاص غير مختصين بالدخول الى
السرايات المذكورة.
6 ـ على كل لجنة
قبل البدء في عملية الجرد أن تقوم بإغلاق جميع الأمكنة والمنافذ وتشميعها بالشمع
الأحمر وختمها بخاتمى مندوبى وزارة المالية والقيادة العامة للقوات المسلحة.
7 ـ عند البدء في الجرد تفض أختام المكان الذي سيجرد فقط وبعد ذلك يُغلق ويختم
بنفس الطريقة الموضحة بالبند 6 وإذا استمرت عملية جرد أحد الأماكن أكثر من يوم
يغلق هذا المكان ويختم بنفس الطريقة السابقة ويفتح في اليوم التالي من أيام العمل
لإتمام الجرد.
ويلاحظ ضرورة
عمل محضر يومي بفتح وغلق الأمكنة السابقة يوقع عليه أعضاء اللجنة الموجودة أختامهم
على الأبواب ويتم ذلك بحضور مندوب الحرس.
لا طرد للأسرة:
كان كل فرد من
أفراد أسرة محمد على يوقع على إقرار يثبت فيه أمواله وعقاراته، ومنقولاته، ومجوهراته
ويحفظ الإقرار في ملف خاص لكل منهم، ثم أصدر مكتب القائد العام بمجلس قيادة الثورة
تعليمات في 9/7/6731 بتاريخ 11 نوفمبر 1952 نصها:
بالإشارة
لكتابنا رقم 9/7/6683 بتاريخ 9/11/1953 - وبناء على ما تم الاتفاق عليه في
الاجتماع الذي عقد في مكتب السيد وزير العدل وبحضور السيد البكباشي أ. ح. مهندس
محمود يونس والسيد
الصاغ أ. ح.
محمود محمد الجوهرى يتبع الأتى:
1
ـ يسمح لأفراد
أسرة محمد على الاحتفاظ بالآتى:
أ) جميع
المجوهرات وتُحصر إذا قُدرت من أصحابها.
ب) سيارة واحدة
ويسمح باختيارها.
ج) سكن واحد
ويسمح بانتخابه.
د) جميع
الملابس الشخصية.
2 ـ علي الحراس المعينين على هذه المساكن اتباع الآتي:
أ) عدم التعرض
للأفراد عند الدخول والخروج ولا داع لتفتيشهم.
ب) لا يسمح
اطلاقا بخروج الأثاث.
3 ـ تمرر إجراءات من أربع صور وتوزع كالآتي:
أ) صورة إلى
السيد وزير العدل (إدارة تصفية الأملاك المصادرة).
ب) صورة إلى
مدير مكتب القائد العام للشئون الفنية بمجلس قيادة الثورة.
ج) صورة تسلم
إلى أصحاب هذه المساكن بعد توقيعهم على المحضر بالاستلام.
4 ـ يترك موظفو وخدم هذه القصور والمباني بها كما كانوا.
5 ـ يُبلغ فورًا عن الطيور والخيول والمواشي والأشياء سريعة التلف التي لم
يتسلمها أصحابها أو الموجودة في القصور والمباني التي أغلقت لسرعة إصدار قرار
بشأنها.
ومن هذه التعليمات المكتوبة لمجلس الثورة تتضح الحقائق الآتية كما يرويها
محمود الجوهري:
1 ـ
أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أمر بتعديل تعليمات وزارة المالية القاضية
بطرد أفراد أسرة محمد على من بيوتهم.
2 ـ
أن كل فرد من أفراد أسرة محمد على يعلم ما قدم بمحض إرادته ودون إجبار الى
لجان الجرد من تحف ومجوهرات وغيرها ووقع على محضر بذلك.
3
ـ لم تكن لجان الجرد مكلفة بعمل تفتيش بوليسي للبحث عن المجوهرات والأموال
المصادرة من أسرة محمد على.
مزاد بيع التحف:
لقد بيعت معظم
تحف ومجوهرات أسرة محمد على بالمزاد العلني الذي أقيم في قصر القبة في مارس 1954،
وحضره كثم من أثرياء العالم.
وكان يشرف على
هذا المزاد بيت خبرة عالمى متخصص رأی ان تعد كتالوجات فخمة. طبعت بالخارج تشمل
التحف ونبذة عن كل منها، وروعي عند البيع القيمة التاريخية للمعروضات حيث أن بيت
الخبرة متخصص. ومع ذلك فإنه من الصعب مقارنة الأسعار التي بيعت بها المعروضات
بأسعار هذه الأيام.
أن الرئيس جمال عبد الناصر.. لم يكن هو الذي أمر ببيع تحف ومجوهرات أسرة محمد
علي بل كان الموضوع محل دراسة لجنة وزارية فنية انتهت الى هذا القرار بعد أخذ رأی
سليمان حافظ الذي كان مستشارًا قانونيًا لرئيس الجمهورية، ولم يكن رئيس الجمهورية
هو جمال عبد الناصر.
وكان إيقاف البيع للتاريخ بأمر من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بناء على
اقتراح من المهندس محمود يونس.
وحقيقة الأمر
أن وزارة القصر كانت قد تقدمت إلى مجلس الوزارة بمذكرة وافق عليها في 26/11/1952،
بتشكيل لجنة من السادة وزراء المالية والاقتصاد والأشغال والمواصلات والقصر
والحارسين على أموال الملك السابق، وانتهت اللجنة فيما يختص بتحف ومجوهرات أسرة
محمد على إلى مشروع اتفاق بعمل مزاد علنى عالمى لبيع تحف الملك السابق وافق عليه
مجلس الوزراء بجلسته في 18, 25/2/1953 مع تفويض السيد وزير المالية والاقتصاد في
توقيع العقد مع شركة «سوزبی» بلندن وهي الشركة التي وقع عليها الاختيار للإعداد
الفني لهذا المزاد العالمى، وقد شمل المشروع الموافق عليه طريقة الإشراف على
المزاد العالمي وطريقة التثمين ونظام البيع والسداد والتسليم، وطريقة تصدير التحف
المباعة للخارج للمشترين الأجانب.
وكان الدكتور
عبد الجليل العمري يرى أن الاحتفاظ بكل هذه الثروة يعتبر تجميدًا لها وبالتالي
سيؤدي إلى تضخم في وقت كانت فيه الثورة قد تسلمت خزانة الدولة خاوية.
تصفية طبقة:
صادرت لجان
الجرد مجموعات من المجوهرات وتم رصدها، ووضعت في صناديق خاصة، وأودعت في إحدى خزائن
البنك الأهلي..
ويقول الدكتور
الجوهرى أن جمال عبد الناصر كان يقول لهم «يجب أن تضعوا نصب أعينكم أن الناس دول
كانوا يملكون كل شيء وبين يوم وليلة أصبحوا لا يملكون شيئًا، علشان كده انا
أطالبكم بضبط النفس ولازم تفهموا الناس اللي معاكم الكلام ده، احنا مش ضد أفراد.
احنا بنصفي طبقة».
وبعد ذلك أشرف عبد اللطيف البغدادي على لجان الجرد، وكان رئيسًا للمجلس الدائم
للخدمات العامة ووزيرا للشئون البلدية والقروية. وكان المقصود دفع عملية تصفية هذه
الممتلكات لتخصص حصيلتها للمشروعات التي يقوم بها المجلس.
وكان أول عمل
قام به أن أرسل لجنة من الدكتور عزيز صدقى، والدكتور عبده سلام واللواء مهندس عبد
المنعم خضر مدير إدارة التعبئة لدراسة الإسراع في تصفية المسائل المعلقة، ثم أُصدر
قرارًا بتشكيل لجنة للإشراف على لجان الجرد برئاسة السيد عبد الشافي عبد المتعال
وزير المالية الأسبق، ومرة ثانية عاد الإشراف على هذه الأموال للدكتور عبد المنعم
القيسونى، ويقول الدكتور الجوهرى أنه في يوم 14 أبريل 53 زار الرئيس عبد الناصر
قصر قيادتها عبد المحسن أبو النور، وكان يرافقه عبد الحكيم عامر وصلاح سالم، وخالد
محيي الدين وجمال حماد وغيرهم.. وزاروا المتحف، ومخازن الفضيات بقصر عابدين، حيث
وضعت الفضيات على أرفف، وكانت الفضيات مسجلة تسجيلًا دقيقا وقد أوصى الرئيس عبد
الناصر بعدم التصرف في أي شيء من الفضيات بعد أن طلب بعض قادة وحدات القوات
المسلحة التصرف فيها.
أين المجوهرات؟
على أي حال فإن
المسئول عن لجان الجرد لم يكن عبد الناصر بل كان عددًا من وزراء المالية بعضهم
مازالوا أحياء.. وبعض أعضاء مجلس الثورة الذي كان يتحمل المسئولية كاملة..
مجوهرات أسرة
محمد على مودعة الآن في خزائن البنك المركزي داخل 32 صندوقًا كبيرًا، وشُكلت لجان
من الأثريين والمخصصين لفحصها وعليهم أن يحددوا ما حدث فيها بالضبط، ومن أنه على
افتراض أنه قد بُدِدَت بعض أموال ومجوهرات أسرة محمد علي في بداية الثورة، فإن
المسئول منطقيًا لا يُمكن أن يكون جمال عبد الناصر الذي لم يكن قد أصبح رئيسا
عندما جردت الأموال ورُصِدت في كشوف ووضعت في البنك المركزي.
.. وذمة عبد الناصر أيضًا
.. و.. وصلوا إلى ذمة جمال عبد الناصر..
تحدثوا في
البداية عن الملايين التي هربها جمال عبد الناصر للخارج.. ثم تحدثوا عن مجوهرات
أسرة محمد علي.. وأخيرًا أعادوا ترديد ما سمي بشيكات الملك سعود.. وبين هذا كله
تطفو على السطح فقاعات تحاول إثارة ضوضاء حول أمور جانبية.. وفرعية مثل ما نشره
عثمان حول الفيلا التي تسكنها السيدة هدى عبد الناصر.. وقد ذهب عثمان بنفسه إلى
مجلس الشعب ليُكذِب ما ذكره في كتابه.. ويدعي أنه كان يقول (كلاما مرسلا يدور على
ألسنة الناس.. ولم يقصد أي شخص معين، ولقد ثبت بالوثائق ان كل ما قيل عن فيلا
السيدة هدى غير صحيح وبقيت قضية الملايين التي هربها عبد الناصر للخارج..
ولا يتصور عقل
أن القوى المعادية لعبد الناصر. ومن ورائها أمريكا وإسرائيل لم تكن قادرة على
معرفة البنوك التي أودعت فيها هذه المبالغ، وأرقام الحسابات مهما كانت سريتها،
فهذه القوى ظلت معركتها الأساسية لمدة سنوات وحتى الآن، تشوبه جمال عبد الناصر
وفكره.. وأعماله.. وشخصه، وسمعته..
فإذا مضت كل هذه السنوات، ولم تقدم ما يثبت ادعاءها يكون التسليم بعدم صحتها
هو الأمر المقبول..
ويحاول البعض أن يلبس ثوب المدافع عن جمال عبد الناصر بطريقة لا تدعو للريبة
بحيث يثبت الإشاعة، فيدعي أن الأموال المودعة بالخارج مشروعة لأن هدفها تأمين
الثورة ضد أي انقلاب من القوى المضادة.
من المعقول أن
تأمين الثورة في الداخل يتم عن طريق أموال توضع في الخارج، وبأرقام سرية... كما
أنه لم يكن من المعقول تصور أنه في حالة حدوث انقلاب مضاد يمكن أن يهرب عبد الناصر
إلى الخارج، فلم يكن من طبيعة الرجل الهروب أو عدم المواجهة وحتي إذا حدث، فهل كان
عبد الناصر سوف يحتار كيف يعيش هو وأولاده، حتى يؤمن نفسه بأموال يودعها في الخارج.
ولقد قال لي
صلاح نصر إذا كان جمال عبد الناصر قد هرب أموالا إلى الخارج فلماذا لا تتدخل
الدولة لتعيد هذه الأموال.. وقد كانت هناك سابقة، فإن الأموال التي كانت مودعة في
الخارج باسم الزعيم الجزائري خيضر لحساب جبهة التحرير، طلبت الحكومة الجزائرية بعد
مصرعه، استعادة هذه الأموال من البنك على أساس أنها أموال عامة تخص جبهة التحرير..
وكانت مودعة باسم شخص، وقد استجاب البنك..
وقد نشرت ذلك
فعلا في وجود السادات.. طالبت الحكومة المصرية بحسم هذا الأمر، ولكنها لم تحسمه،
لأنها كانت تريد أن تظل الاشاعة المغرضة قائمة..
وإذا كانت هناك
أموال أودعها عبد الناصر في الخارج، وعجزت عن بيانها مخابرات الدول العظمى التي
مازالت تأخذ منه موقف العداء، وتسعى لتشويه صورته في أذهان الجماهير، فإن التساؤل
يكون من قيمة وجدوى هذه الأموال.
هل عادت الى
أسرته.. وكيف.. والناس جميعا يعرفون الأسرة فردًا فردًا، وأنهم جميعًا يعيشون حياة
عادية، وفي شقق يستأجرونها، فيما عدا السيدة هدي وزوجها حاتم صادق، والسيدة مني
وزوجها الدكتور اشرف مروان.
وفيلا الدكتورة
هدى عبد الناصر كان قد اشترى والدها الأرض من الجمعية التعاونية المصرية لبناء
المساكن لضباط القوات المسلحة على أن تسدد على خمسة عشر قسط سنوى، وتم السداد حتى
أصدر مجلس الوزراء قرارًا بعد وفاته بأن تتحمل الحكومة ديون جمال عبد الناصر فسددت
الحكومة بقية الأقساط.. وقد تم الاقتراض من الجمعية لبدء البناء كما هو ثابت
بالوثائق التي قدمت لمجلس الشعب
عندما أثار
عثمان أحمد عثمان هذه القضية في كتابه الذي تراجع عنه، ولا يختلف كثيرًا موقف فيلا
السيدة مني عن ذلك.
وكان زوجها
الدكتور أشرف مروان مجندًا بالقوات المسلحة، ثم منتدبا للعمل بمكتب سامى شرف عند
وفاة عبد الناصر، ولم يكن قد أصبح من رجال الأعمال.. وقد استطاع أن يكون ثروة
ابتداء من أراضي البناء، وهبها له بعض شيوخ الخليج في بلادهم.. وعندما بدأت
المضاربة على الأرض. وارتفع ثمنها عشرات الأضعاف، والتهبت أسعار البترول وامتد
العمران إلى الاراضي النائية استطاع أشرف أن يبدأ الطريق إلى الثروة عن طريق بيع
هذه المساحات من الأراضي.. ولم يكن لأشرف مروان أعمال تذكر داخل مصر، وإنما كانت،
وظلت أعماله في الخارج.ولقد تغيرت
الظروف بالنسبة له، عندما اختلف مع السادات وترك موقعه، وافتتح مكتبا حرًا
لأعماله، حاولت أجهزة المخابرات أن تدس له فيه أجهزة تصنت، إلا أنه كشفها وأبلغ
الأمر للمسئولين، وكانت فضيحة.. بدأت هذه الأجهزة تنقب لأشرف مروان، وتبحث عن
ثروته، وأبلغت كل إدارات وأجهزة الرقابة، مع التوصية اللازمة.
ويقول أشرف مروان في رده على عثمان أحمد عثمان أنه.. «يكفيني أن أقول أن
الرقابة الإدارية وأجهزة الكسب غير المشروع باعتبارهما جهات اختصاص فحصت بدقة
بالغة كافة الإقرارات المتعلقة بثروتى وتأكدت من حقيقة ممتلكاتى، وقد خلص آخر
تقرير للرقابة الإدارية في هذا الشأن المؤرخ 16 أبريل 1980 إلى أن عناصر الذمة
المالية المتعلقة بي وبعائلتي فيها مصادرها المشروعة، وأنه بالتالي لا توجد أية
وقائع للكسب غير المشروع تتعلق بنا، ولا أحد ينكر أن الدكتور أشرف مروان قد كون
ثروة كبيرة أو صغيرة ولكن النظرة الموضوعية هنا لابد أن تضع أمامها عدة اعتبارات:
- أن هذه الثروة
– مثل غيرها من الثروات التي حفل بها المجتمع المصري - لم تكن أيام جمال عبد
الناصر.. حيث كان الدكتور أشرف حتى وفاة عبد الناصر موظفًا برئاسة الجمهورية.
ـ أن
هذه الثروة قد تكونت من العمل في الخارج، وليس داخل مصر.. فليس لأشرف مروان في مصر
أعمال تذكر.
ـ أن
القضية ليست في ثروة أشرف مروان، فهناك ألوف قد حققوا خلال السبعينات ثروات تفوق
ثروته، ولا أحد يذكرهم، وإنما القضية هي محاولة النيل من ذمة جمال عبد الناصر عن
طريق سهره أشرف مروان.
ـ لو
كانت هذه الثروة التي منها أشرف مروان مرتبطة بجمال عبد الناصر. لكان الأولى
بتحقيقها أولاد جمال عبد الناصر.. وهم ثلاثة ذكور، وابنتين.. خالد يعمل أستاذًا
بكلية الهندسة: المهندس عبد الحكيم ويشارك أخاه عبد الحميد في شركة محدودة
للمقاولات بعد أن آثر الابتعاد عن العمل الحكومي.
ولم نسمع أن واحدًا من هؤلاء قد أصبح في حياة أبيه من أصحاب الملايين أو أنه
كون ثروات، وسكن القصور في مصر، أو الخارج كما يحلو للبعض، وكان أولاد جمال عبد
الناصر - دون غيرهم - إذا تحركوا.. أو عملوا، أو سافروا، فإن حركتهم مرصودة، وأن
أی مال يكسبونه لابد أن يكون من أموال الدولة.
ولم يبد مظاهر الثراء على أي منهم.. ولم يبد على واحد منهم أنه عاطل بالوراثة
فكلهم يعملون، من أجل توفير مستقبل أفضل لأسرهم.. وكلهم يستأجرون شققًا يسكنونها،
هم وأسرهم، مثل سائر أبناء الشعب المصري.
ثروة عبد الناصر:وحتى نقف على الحقيقة والكذب حول ذمة
جمال عبد الناصر فإننا لابد أن نعرف
ولم يعرف عبد
الناصر حبه للمال، أو جريه وراء مظاهر أو متع مهما كانت.. فهو لم ينفصل عن بيته..
مكتبه في بيته.. حياته في بيته.. الزوار يستقبلهم في بيته.. الأصدقاء يذهبون إلي
بيته.. فلم يكن عاشقا للرفاهية كما أنه لم يكن يستخدم مئات أو عشرات الاستراحات.
ومثل هذا الرجل الذي لم تستهوه ملذات الحياة من ملبس أو متع، عندما رحل عن
دنيانا كانت كل ممتلكاته كما رصدتها الوثائق الرسمية لا تتجاوز ثلاثة آلاف جنيه من
أسهم وسندات وأموال سائلة، وقد سُجِلت جميعها، وسُدِدَت عنها ضريبة التركات ثم
وزعت على أولاده تقول ابنته الدكتورة هدى:
«أود حسما لكل جدل أن أحدد -
مؤيدة بالوثائق - ما كان لدى والدي حتى يوم 28 سبتمبر 1970، وهو التاريخ الذي
ينتهى عنده تحمل اسم جمال عبد الناصر لمسئوليتنا جميعًا:
أ) مبلغ ثلاثة آلاف وسبعمائة
وثمانية عشر جنيها و372 مليمًا في حسابه الخاص رقم 64226 / 19 في بنك مصر.
ب) عدد من الأسهم قيمتها رمزية
اشتراها من ماله الخاص مساهمة في بعض الصناعات الوطنية، وقد أبقيناها باسمه.. ولقد
تمكنت من الحصول على قيمة بعضها كما هو موضح أدناه، وهذه الأسهم مودعة باسم والدي
في بنك مصر.
ـ مائتا سهم شركة كيما.
ـ خمسة أسهم شركة مصر للألبان. · سهم واحد بنك الاتحاد.
ـ مائة جنيه في قرض الإنتاج. · سند واحد بنك عقاري.
ـ ستمائة جنيه شهادات استثمار أسهم
الحديد والصلب.
ـ عشرة أسهم شركة النصر لصناعة
الأقلام قيمتها الاجمالية ثمانية عشر جنيهًا وسبعمائة مليم.
ـ عشرة أسهم بنك الاتحاد التجاري
قيمتها الإجمالية واحد وثلاثون جنيها وخمسمائة مليم.
ـ مائة سهم الشركة القومية
للأسمنت · تسعة وثلاثون جنيها سندات تأمين.
ج) وثائق تأمين على الحياة لم
يرد ذكرها في شهادة الإفراج الضريبي عن التركة حيث أن وثائق
التأمين معفاة من الضرائب بحكم
القانون بيانها كالآتي:
ـ وثيقة بصندوق تأمين الجيش
بمبلغ ألف وخمسمائة جنيه مصري.
ـ وثيقة لدى شركة الشرق للتأمين
بمبلغ ألف جنيه مصري زيدت في 1 / 5 / 70 إلى ألفين وخمسمائة جنيه مصرى.
ـ وثيقة لدى شركة القاهرة
للتأمين بمبلغ ألف جنيه مصری ثم زيدت إلى ألفين وخمسمائة جنيه مصرى.
ـ وثيقة لدى شركة مصر للتأمين
بمبلغ ألف جنيه مصری.
ـ وثيقة لدى شركة التأمين الاهلية
بمبلغ الفين وخمسمائة جنيه مصری.
د) السيارة الأوستين التي كان
يملكها وهو ضابط وقاد بها الثورة في ليلة 23 يوليو 52 ولقد تم تسديد ضريبة التركات
ورسوم الأيلولة والبلدية المستحقة على هذه العناصر وبلغت مائتين وثمانين جنيها
و633 مليمًا.
هذا هو كل ما تركه والدي تدعمه
الوثائق المرفقة وغير ذلك لم يكن هناك على الإطلاق أي شيء
غيره: لا محال - ولا عقار - ولا
أرض.
وتظل هناك مسألة أخيرة، وهي
تتعلق بسيارات أعطيت لأبناء جمال عبد الناصر ولا تشكل امتيازا لأنها لم تكن متكررة
وإنما اعطيت لمرة واحدة، وكذلك قرار الحكومة بتسديد ما كان على جمال عبد الناصر من
ديون.
وفيما يتعلق بهذا الدين الذي
سددته الدولة عن والدي بعد رحيله، وقد حصلت على مسكن أستطيع تسديد ما يخصني من هذا
الدين وهو مبلغ وقدره ثلاثة آلاف وخمسمائة جنيه مصرى و985 مليمًا وبفوائده إذا كان
ذلك هو الأصوب والأكثر ملائمة دفعًا لأى تأويل ولكي يستقر كل أمر في نصابه.
تلك هي قصة
الامتيازات التي يقال أن أسرة جمال عبد الناصر تتمتع بها».
هذه هي مجمل ثروة جمال عبد الناصر يوم رحيله كما رصدتها ابنته هدى، وأيدت أقوالها
بوثائق رسمية لكل ما ذكرته[1] وتبقى قصة
الشيكات.
شيكات الملك سعود:
وقصة شيكات
الملك سعود.. التي تحدث عنها جلال الدين الحمامصى، بدأت عندما ترك الملك السعودية
وسافر إلى اليونان وأرسل رشاد الحسيني إلى القاهرة ليقول أنه يريد أن يبدأ صفحة
جديدة مع مصر.. ويحضر ليقيم بها.
وطلب عبد
الناصر أن يرسل الملك خطابا بذلك يقول فيه أنه يريد الإقامة بمصر لأنها مركز
إسلامى حتى لا يهاجمه البعض لاستضافة مصر للملك سعود، فالاستضافة هنا لعربي مسلم.
وتم الاتفاق
على كل ترتيبات الإقامة.. وطلب عبد الناصر أن يستقبله في المطار سعد زايد محافظ
القاهرة.. ثم استقبله في بيته بعد ذلك..
وكان صلاح نصر
المسئول عن إقامة الملك سعود، وهو حلقة الاتصال بينه وبين عبد الناصر..
ورصد الملك
سعود مليونى جنيه لمعاونته في استرداد عرشه.
وكتب شيكًا
بالمبلغ باسم صلاح نصر.. وبعد حرب 1967 كان الموقف الاقتصادي سيئًا وكانت مصر في
حاجة إلى عملات صعبة وخاصة بعد إغلاق القناة، فأرسل عبد الناصر صلاح نصر للملك
سعود ليقرض مصر عشرة ملايين جنيه واستجاب الملك، وتم توقيع بروتوكول بين الملك
وحسن عباس زكى وزير الاقتصاد على قرض قيمته عشرة ملايين دولار.
ولقد سلم صلاح
نصر الشيك الذي كان باسمه إلى وزير الاقتصاد بعد استئذان الملك.. وحولت كل الشيكات
على البنك المركزي.. هذه هي قصة شيكات الملك سعود، كما تثبتها وثائق البنك.
ولكن جلال الحمامصى أصر على أن الشيكات دخلت في حساب جمال عبد الناصر.. وذكر
ذلك في كتاب أصدره، وقد أثار هذا النشر ضجة لاتهام عبد الناصر بالسرقة وكان
منطقيًا أن يسأل هؤلاء أنفسهم.. انه حتى اذا أراد أن يسرق، ألم يكن أمامه إلا
شيكات من الملك؟..
وعلى كل فقد
حول الأمر إلى المدعي العام الاشتراكي للتحقيق، وأرسل نتيجة تحقيقاته لمجلس الشعب،
ولكنها لم تنشر حتى اليوم.
ولا يمكن أن
يكون في التقرير - الذي أعد في زمن السادات وفي ظروف صعبة - ما يدين جمال عبد
الناصر لأن ذمته فوق مستوى الشبهات.. كما أنه في نفس الوقت يصعب ان يبرئ التقرير
الذي وضع في تلك الظروف جمال عبد الناصر..
والنتيجة أنه
لم يعلن حتى الآن.. وسوف يمضي وقت طويل، قبل أن يُنشر. آن وقائع الحياة التي عاشها
عبد الناصر تؤكد أنه لم يكن عاشقًا للمال.. أو الاستمتاع بملذات الدنيا. ولكنه
سيظل هناك من يشك في ذمته لأن هناك إصرار ومصلحة لجهات معينة في تشويه صورة
الرجل.. فالهدف هو القضاء على صورة جمال عبد الناصر.. والهدف هو القضاء على
النموذج الذي مازال الناس يتطلعون إليه.. ثم القضاء على كل منجزاته.. والمواطن
العادي في أي نجع من العالم العربي يعرف هدف الحملة الشرسة ومن هم وراءها فيزداد
تمسكا بعبد الناصر الفكر.. والعمل القومي.
قصة استراحة المعمورة
في البداية
حاولوا اخراج عائلته من البيت الذي كان يقيم فيه، وخصصه مجلس الأمة لإقامة أسرته
بعد رحيله.. وأثير الموضوع في مجلس الشعب، وتحول البيت الذي تسكنه عائلة جمال عبد
الناصر إلى قضية، وكأنه هو الذي سيحل مشاكل مصر، ويسدد ديونها.
وراوا فجة،
فصمتوا بعض الوقت، ثم قررت الحكومة سحب الحرس الجمهوري الذي يقف أمام ضريحه كمظهر
من مظاهر التكريم، وكان ذلك إرضاء لجماعة الاخوان المسلمين التى رأت أن تصفي حقدها
حتي على حراسة مقبرة الرجل.. ثم اتجهوا بعد ذلك إلى المقبرة ذاتها... نشرت احدى
المجلات أن قضية قد رُفِعَت أمام المحكمة تطالب بنقل مقبرة جمال عبد الناصر من
مسجده إلى مكان آخر، فقد أقام رئيس جمعية كوبري القبة الخيرية قضية ضد كل من محافظ
القاهرة ووزير الأوقاف لطلب نقل مقبرة جمال عبد الناصر.. وقال أن جمعية القبة
الخيرية تأسست وتم إشهارها بوزارة الشئون الاجتماعية برقم 33 لسنة 1955 ثم أعيد
اشهارها برقم 515 لسنة 1969 لإضافة أنشطة خيرية أخرى.. لأغراضها الدينية والثقافية.
في 25 نوفمبر
1959 تسلمت الجمعية قطعة الأرض رقم 1021 من مراقبة أملاك القاهرة ومساحتها 3387.5
متر مربع.. وصدرت موافقة الهيئة الإدارية لمجلس بلدي القاهرة على تسليم الأرض
بجلستها المنعقدة في 24 أغسطس 1958. وبذلك أصبحت المساحة المشار إليها في حيازة
وملكية الجمعية.
عندما توفي الرئيس جمال عبد الناصر في شهر سبتمبر 1970 فوجئت الجمعية - كما
تقول صحيفة الدعوى - بالسلطة الحاكمة، تقوم بحفر مقبرة بالطابق الأرضي.. لدفن
جثمان عبد الناصر.. بدون الحصول على أي موافقة من الجمعية.
« وأدى ذلك الى استقطاع أكثر من نصف
مساحة هذا الطابق، لإقامة المقبرة وملحقاتها من غرف الحرس وخلافه.
وجاء في صحيفة
الدعوى: إن استقطاع جزء من الأرض، لإقامة مقبرة للرئيس الراحل عبد الناصر، جاء على
حساب جزء كبير من الاماكن المخصصة للعيادة الطبية، مما تسبب في ضيق شديد وعجز في
مساحة الأماكن الخاصة بها.. مازالت تعاني منه الجمعية حتى الآن.
« ولقد ضاق المكان تماما.. نتيجة اتساع
وازدياد أنشطة الجمعية أصبح المكان عاجزًا عن استيعاب المترددين من المرضى على
العيادة للكشف والعلاج.
« أن الجمعية تحوز قطعة الأرض المشار
إليها، حيازة قانونية كاملة.. ولها الحق في الانتفاع بهذه الأرض.
وبناء عليه.. تطلب الحكم بمنع تعرض كل من: محافظ القاهرة.. ووزير الأوقاف..
لجمعية كوبري القبة الخيرية في حيازتها لهذه الارض.. مع الاحتفاظ بكافة الحقوق
الاخرى.. والتي منها الحق في طلب التعويض ونقل مقبرة الرئيس الراحل جمال عبد
الناصر إلى مكان آخر تدبره محافظة القاهرة»
ولم يكن ذلك صحيحًا.. فقد خصصت مساحة من الأرض لإحدى الجمعيات لإقامة مسجد،
وكان اللواء سعد الدين الشريف أحد العاملين في مكتب الرئيس والمقربين له رئيس
الجمعية ولاحظ عبد الناصر أثناء عودته لمنزله أكثر من مرة أن العمل يسير ببطء في
المسجد، لأن الجمعية تعاني من ضائقة مالية وسأل سعد الدين الشريف، ثم تولاه
بالإنفاق من أموال التبرعات. وعندما توفي جمال عبد الناصر، كان هناك أكثر من فكرة
لإقامة مكان لمقبرته.. وتبارى الفنانون في وضع تصميمات للمقبرة، واختار البعض
مكانًا بجوار مجلس قيادة الثورة، ورأى البعض أن تقام مقبرته في منطقة تخطط لذلك،
بمدينة نصر، أو على هضبة الهرم..
ولكن سعد الدين
الشريف عرض فكرة أن يدفن جمال عبد الناصر في جزء مستقل من المسجد المجاور لمنزله
الذي كان يتابع العمل فيه باهتمام، واتفق عليه، على أن يعاد تخطيط المنطقة بأكملها
بعد ذلك. .. وأقيمت المقبرة في جزء مستقل عن المسجد الذي عرف باسم
مسجد جمال عبد الناصر.
وخلال السنوات التالية لم يعد تخطيط المنطقة، وبذلت محاولات للاستيلاء على
مساحة الأرض المجاورة للضريح مرة بحجة إقامة دار للمناسبات، ومرة أخرى لوزارة
الحربية، وغيرها، وتصدي أولاد جمال عبد الناصر في صمت لهذه المحاولات، وهم الذين
تولوا مهمة حراسة المقبرة على نفقتهم.. وأصبح الموظفون في الضريح من طرف أولاد
جمال عبد الناصر فور أن سحبت الحكومة، الحرس الجمهورى.
وكان نشر نبأ
القضية مستفزًا للناس، فالحقد والتشفي لا تكون من الموتى بهذه الطريقة، فضلا أن
يكون هذا الحقد موجهًا ضد زعيم الأمة العربية بلا منازع.. وتراجعت الجمعية، وأصدرت
بيانات تقول فيها أن أحد المحامين لجأ الى القضاء باسمها دون أن تعرف.. وانتهت
القصة، ولكنها قد تتجدد مرة ثانية في وقت آخر. إذا نفذت كل سهامهم ولم يجدوا
أمامهم إلا أن يعودوا لترديد ما سبق أن قالوه.
استراحة
المعمورة:
مجلة «حوار»
التي تصدرها منظمة حرية الثقافة العالمية في بيروت قررت منح الدكتور يوسف إدريس
جائزتها السنوية، وقدرها ألفي جنيه.. وثارت ضجة بين الكتاب والمفكرين في مصر على
هذه الجائزة، متهمين المجلة بأنها ممولة من المخابرات الأمريكية المركزية وكان
الدكتور يوسف إدريس قد اتخذ موقفًا شجاعًا بمجرد علمه بالجائزة، فقد أعلن رفضه
للجائزة من المجلة المشبوهة وقدر عبد الناصر هذا الموقف الوطني من الدكتور يوسف
إدريس، وقرر أن تصرف قيمة الجائزة كاملة للدكتور يوسف ادريس من الدولة لا من
المجلة المشبوهة، كما قرر منح الدكتور يوسف إدريس وسام الآداب والفنون.. وعندما
مات ناصر كتب د. يوسف ادريس:
« الحفاة خرجوا ساعة سماع النبأ يشقون ثيابًا لا يملكون
غيرها، ويلطمون خدودًا ضامرة أولئك الذين لم تصلهم الثورة بعد وكان لهم الأمل.
فكنت الأمل، فزعوا في منتصف الليل، وغاب الأمل، وقد مات الأمل، وأصبحت مفرد وأصبحت
الدنيا لأول مرة بلا عبد الناصر، ونحن لم نتعود أبدا أن نتنفس هواء لا يتنفسه عبد
الناصر، ولا أن ننام إلا ونحن نحس أنه هناك في كوبري القبة ولا أن نستقبل الصباح
إلا على صورة له وابتسامة جهد مخلص آخر في سبيلنا وفي سبيل الحرب.
المصيبة أننا لا نبكى فيك البطل،
ولا المقاتل الشجاع، ولا مفجر الثورة، إن كارثتنا أبشع لأننا نبكي فيك قبل هذا كله
الحبيب وحبيبنا جميعًا الذي كان لكل منا فيه قطعة: وكان له في كل منا قطعة.»
فالدكتور يوسف إدريس ليس معاديًا لعبد الناصر ولم يغير موقفه، لذلك كان غريبًا
أن يثير هو قضية استراحة المعمورة المخصصة لأسرة عبد الناصر بمعلومات خاطئة، ويقول
أنها 400 فدان، وأنها يمكن وحدها أن تسدد ديون مصر، ولأن المقال كتبه يوسف إدريس
بالذات، بثقله وموقفه، فقد تلقفته قوى معينة لتثير ضجة حول استراحة المعمورة،
وسلمت أسرة عبد الناصر الاستراحة فورا إلى الحكومة، والمفارقات الغريبة أن أعلن
الرئيس حسنى مبارك أنها ستتحول إلى مكان سياحي.
وكان الدكتور خالد عبد الناصر قد أرسل للأهرام يرد على الدكتور يوسف إدريس جاء
فيه:
بداية فإنني
أود أن أصحح المعلومات غير المسئولة التي استقاها يوسف إدريس من مصدره «المسئول»
ليعلم الجميع أن البيت الذي كان يقيم فيه جمال عبد الناصر في المعمورة هو ملك
للدولة وقد خصص لإقامة الرئيس قبل إنشاء شركة المعمورة وأن مساحة هذا البيت
بحدائقه ليست أربعمائة فدان بحال من الأحوال وقد قمت بنفسي بقياس المنزل والحديقة
التي تحيط به فوجدت أن مجمل هذه المساحة لا يتجاوز خمسة أفدنة محاطة بسور، ويبدو
أن السيد المسئول صندق الدكتور يوسف إدريس مصاب بعمي الأرقام حيث نمت الفدادين
الخمسة إلي مائة ضعف مساحاتها الحقيقية أما إذا كان المعنى بالفدادين الأربعمائة
المساحات الأخرى من أراض وشواطئ في هذه المنطقة فإنه كان بوسع كاتب المقال أن بعرف
بسهولة أن هذه الأراضي موزعة بشكل رئيسی بين جهتين
الجهة،
الأولى: وزارة الزراعة التي تستخدم بعض العمال الزراعيين في زراعه مساحات مما
تملكه وأيضًا تؤجر الأراضي للفلاحين يقومون بزراعتها بالفواكه ولقد قمت يومًا
بشراء جوافة منها في إحدى السنوات السابقة.
الجهة الثانية - وزارة الدفاع
التي تستخدم بعض هذه الأفدنة في أغراض خاصة بها.
ومن هنا
فإننى لا أستطيع التبرع لسداد ديون مصر بأموال أو أراضي لا أمتلكها وتمتلكها وزارة
الزراعة ووزارة الدفاع كما أنه لا يمكن السماح لمعاول الهدم أن تمس بيتًا كان يقيم
فيه جمال عبد الناصر بأية حجة كانت فنحن دولة التاريخ العريق التى يحترمها العالم
أجمع من خلال حفاظها على تراثها.
ففي هذا
البيت عانس جمال عبد الناصر والتقى بزعماء العالم وخرجت منه أخطر القرارات التي
غيرت
مصير مصر والوطن عربي بل وأمتد تأثيرها
إلى العالم كله.
ولا شك أن معرفة د. يوسف إدريس
لهذه الحقائق كانت ستكفيني مشقة كتابة هذا الرد.. وبعد هذا التصحيح، الواجب، يلزم
أن اضيف إلى معلومات الدكتور بعض الحقائق فقد أصدر مجلس الأمة قانونًا بأن يكون
هذا البيت لعائلة جمال عبد الناصر مدى الحياة يعود بعدها للدولة المصرية وإني
اعتبر هذا القرار تكريمًا لعائلة جمال عبد الناصر بمسئولية المحافظة على هذا البيت
من أن تمتد إليه معاول الهدم والتخريب.
وأصدقك القول أنه لو كان هذا
البيت ملكًا شخصيا للأسرة ما فكرت في أن تمس ولو عرضت عليها كنوز الأرض حتى وإن
ماتت جوعا لأننا كوطنيين نقدر تراث هذا الوطن وتاريخه تقديرًا عاليا بسمو فوق
أرقام الجنيهات أو الدولارات. وأظن أنني لست بحاجة إلى أن أُذكر الدكتور بخطورة
هذا المنطق الذي تبناه في مقاله والذي يمكن أن يؤدى بنا إلى مشروع جديد لتأجير
هضبة الأهرام أو طرح جانب من قلعة صلاح الدين للبيع في مزاد علني.. وإذا كان د.
يوسف إدريس يرى أن بيتا أقام فيه عبد الناصر نقل أهميته التاريخية بالنسبة للأجيال
القادمة عن أهمية بيت جوته بألمانيا أو دار بن لقمان بالمنصورة فأعتقد أن الملايين
من أبناء مصر والوطن العربي لا توافقه على ما يراه.
وأخيرا أحب
أن أقول لصديقي الدكتور يوسف إدريس بكل اعتزاز وقوة أنني أحمل نفسى مسئولية الحفاظ
علی تراث جمال عبد الناصر بنفس القدر الذى يجب أن نتحمل به جميعًا مسئولية الحفاظ
على تراثنا وتاريخنا حتى لا نكون أضحوكة للأجيال القادمة.
التنازل عن الاستراحة:
وكان يمكن أن
يكون في هذا الخطاب الإيضاح الكافي حول الاستراحة ومساحتها، ولكن البعض انتهز فرصة
الرد لكي يحور موضوعة، فما كان من السيدة الجليلة حرم الزعيم إلا أن أرسلت إلي
الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب رسالة تعلن فيها تنازلها عن بيت المعمورة
قالت فيها: «[2]»
تابعت بمزيد
من الاهتمام الحوار الدائر حول الاستراحة المخصصة لاستخدام عائلة الرئيس جمال عبد
الناصر في المعمورة بالإسكندرية.
وأود ابتداء أن أضع أمام الكل
بعض الحقائق المتصلة بهذا الموضوع حتى لا نتوه عن أصول المسائل، ونخلط - إن عمدا
أو بحسن نية - بين منابع النهر وروافده:
1 ـ إن هذه الاستراحة.. كانت ولم تزل
- مملوكة للدولة وكان جمال عبد الناصر يدفع عنها إيجارًا شهريًا وفق ما أودعناه من
وثائق في مجلسكم الموقر عام 82م.
2 ـ أن الحوار الدائر حاليًا
موضوعه قطعة أرض مساحتها خمسة أفدنة تقع داخل أسوار استراحة الرئيس بالمعمورة وليس
أربعمائة فدان على النحو الذي يدعيه البعض كذبًا وافتراء. وكل ما زاد عن هذه
الأفدنة الخمسة موزع ملكيته بين وزارات الدولة: وليس لعائلة جمال عبد الناصر عليه
أية حقوق ولا لهم فيها منافع.
3 ـ إن مساحة أرض هذه الاستراحة
- وهي لا تتعدى الأفدنة الخمسة - فرضتها مقتضيات الأمن الخاصة برئيس الجمهورية في
ذلك الوقت، حيث بني هذا المنزل في منطقة كانت نائية تحوطها المزارع وبعض المواقع
العسكرية، وشاطئ لم تكن يد التعمير قد امتدت له على النحو الذي نعرفه اليوم بشاطئ
المعمورة.
4 ـ أن الترتيبات المتصلة بتنظيم
حياة أسرة الرئيس جمال عبد الناصر من بعد رحيله قد صدرت عن مجلس الأمة بالقانون
رقم 77 الصادر في 21 أكتوبر 1970.
ومن البديهي أن تلك الترتيبات هي
تحت تصرف الشعب ممثلا في مجلسه النيابي الذي يمارس دوره التشريعي وفق تقديره.
تطبيقًا للقاعدة الأصيلة. أن من يملك حق المنح يملك حق المنع.
(5) وقبل ذلك
كله فلا يجب أن يغيب عن أحد أن مجلس الأمة قد قرر تخصيص هذه الاستراحة لأسرة
الرئيس جمال عبد الناصر من بعد رحيله. فكل مخاوفه إذن للزج باسمه في هذا الموضوع
مردود عليها سلفًا بأن ما تقرر كان لاحقا على تاريخ انتقاله الى رحاب الله.
ومن بعد وضع النقاط على الحروف
انتقل إلى وجهة نظري في الموضوع. وفي اختصار شديد فإنني لا أستطيع ان اتصور موقفًا
تقف فيه العائلة التي تحمل اسم جمال عبد الناصر في سبيل ما قد يرتئي فيه مجلسكم مصلحة
عامة. لقد وهب جمال عبد الناصر شعب مصر العربي العظيم حياته كلها حتى آخر نفس فيها
- من قبل ثورة 23 يوليو 1952 وبعدها - مناضلا من أجل تحقيق أمانيه القومية، وكانت
مبادئه ترجمة حية للآمال التي تجيش بها صدور المواطنين في حياته ومن بعد رحيله.
لقد قدم
جمال عبد الناصر كل فكره وكل جهده وكل وقته من أجل شعب مصر وقليل من ذلك كله كان
متاحًا لعائلته.. ولكن جمال عبد الناصر شاء أن يعيش حياته رسالة عظيمة من أجل شعب
عظيم.
وترتيبًا
على ذلك فإنني أعلن لمجلسكم الموقر - بغير تردد وباقتناع كامل - عن تنازل أسرة
جمال عبد الناصر عن الحق الذي شرفت به لسنوات بأن تبقى في المنزل الذي وضعه مجلس
الأمة تحت تصرفها في المعمورة.
وأظنني في ذلك أعبر عن القرار
الصحيح الذي كان جمال عبد الناصر يبادر باتخاذه لو أنه كان في موقفى.
اما فيما
يتعلق بالحملات الشرسة التي تعرض لها جمال عبد الناصر عبر سنوات مضت، محاولة
استغلال قانون مجلس الأمة رقم 3 لسنة 1970، فيكفيني أن أسجل أمامكم أننا قبلنا
قرار مجلس الأمة الموقر على أساس أنه رغبة كريمة لترتيب حياة الأسرة من بعد رحيل
جمال عبد الناصر، وتقدير من المجلس نعتز به، ومن أسرة جمال عبد الناصر الذي استشهد
من أجل القومية والكرامة العربية ليست على استعداد لأن يحاول البعض تحويل تلك
الرغبة أو ذلك التقدير إلى مصادر النيل من كرامتها.
إن كل ما
أرجوه منذ رحيل الرئيس لم يكن منزلا في المعمورة وإنما أن يوفر لي مكان إلى جانبه
في جامع جمال عبد الناصر حين ننفذ إرادة الله عز وجل.
راجية من السيد رئيس المجلس
الموقر ايداع هذا الخطاب مضبطة المجلس مع شكري وتقديري.
رسالة من
ابنته:
اعتذر الدكتور
يوسف ادريس، وكتب مقالا عن السيدة العظيمة حرم الرئيس.. وكان من المفروض أن ينتهي
ملف هذه القضية بهذه الرسالة التي تعلن تنازل الأسرة عن الاستراحة بل وتسليم
الاستراحة فعلا، التي كان جمال عبد الناصر يدفع عنها إيجارا شهريًا يخصم من مرتبه
قدره 25 جنيهًا.. وهو ليس مبلغًا تافها إذا عرفنا أنه تحدد ويدفع منذ ما قبل قيام
شركة المعمورة.. أي منذ أكثر من ربع قرن.
ولكن الذين انتهزوا فرصة إشعال هذه النيران، لتصفية حساباتهم مع جمال عبد
الناصر لن يهدأوا.
وكانوا من قبل قد أثاروا قضية مخصصات أسرة عبد الناصر، وفي عام 1983، أرسلت
الدكتورة هدى عبد الناصر رسالة إلى المستشار ممتاز نصار عضو مجلس الشعب الذي تبني
القضية.. ولكنه لم يشر إلى هذه الرسالة، كما أنه لم يشأ أن يخطر بها فيما بعد حزبه
الذي جعل مهمته الأولى الهجوم على عبد الناصر وثورة يوليو.. الرسالة التي أشار
اليها المستشار ممتاز نصار تاريخها 7 فبراير 1983 وقد جاء فيها:
خلال السنوات الأخيرة امتنعت عن
الخوض في طوفان من الجدل الذى حفلت به الصحف وغيرها من وسائل الإعلام في مصر، إلى
الحد الذي كان معه توضيحان لبعض الوقائع المتصلة بوالدي - في إحدى المرات -
استثناء لا يقاس عليه.
ولم يكن ذلك - علم الله - عن قلة
اهتمام ابنة باسم ابيها، أو عن ساعية إزاء ما يجري في وطن أعطاه جمال عبد الناصر
شبابه وحياته، عمله ومشرد، فلم أملك أكثر من ذلك في غية فرصة حقيقية للتصحيح، ولا
كان في طاقتي شيء أواجه به حملات غير مبررة ثم أنها ظالمة في حق مقاتل وشهيد مصرى
لا يختلف أحد في الدنيا على حجم إخلاصه وعطائه، ولا على قيمة إسهامه في التاريخ
العربي المعاصر، ولا في انه أصبح بعد رحيله - مثلما كان في حضوره - رمزًا وتجسيدًا
لأعظم آمال وطموحات أمته العربية.
ولقد كنت أدرك في تلك الظروف
أنني أكاد أن لا أملك فرصة التصحيح ولاحق الشكوى.
وفي كل
الأحوال فلقد كان اعتقادي أن والدي ليس ملك أسرته وإنما هو ملك شعبة وأمته،
وعليهما وعلى التاريخ تقع مسئولية التصحيح وإحقاق الحق ووضع كل أمر وضعه الصحيح.
ولم تكن
ممارسة حق الشكوى واردة مهما كانت الضغوط. فأول ما يخطر على البال. في شأنها هو
التساؤل: ومن الشاكى؟ ولمن الشكوى؟ وقد عاش جمال عبد الناصر ئائرًا ورحل مناضلا،
وليس لأحد بعده - ولا أقرب الناس إليه - أن يتقدموا باسمه أو نيابة عنه بشكوى
لمخلوق مهما كان.
لكنني في الشهور والأسابيع
الأخيرة لاحظت عودة إلى الزج باسم جمال عبد الناصر في صدد ملابسات ليس من شأني أن
أخوض فيها رغم اعتقادى أن اسم جمال عبدالناصر قد أُقحم في هذه الملابسات المؤسفة
إقحاما ليس له ما يبرره إلا أن يكون ستارًا لمأرب وأهواء بعرفها أصحابها. وكانت
آخر هذه الملابسات في هذا، في مناسبة مزمعة في مجلس الشعب لمخصصات أسرة جمال عبد
الناصر استغلتها بعض الصحف مرة أخرى بتناول إعلامي يجئ في توقيت يصيب أن تخطى
حقيقة مقاصده، وهي النيل من جمال عبد الناصر، والرغبة في التغطية على تجاوزات
آخرين. واتخذت هذه الصحف في ذلك أسلوبًا يُصنَف في أقل تقدير بالتهويل وعدم
التحديد ليترك - عن عمد - لشطحات الخيال مساحات واسعة.
وعكفت على
استقبال الوثائق المتعلقة بهذا الموضوع رأيت أن أكتب لكم، وقد تغيرت الظروف، كي
أضع بعض النقاط على الحروف في أمر امتيازات التي قيل أن أسرة جمال عبد الناصر
تتمتع بها.
وبالتأكيد
فإن هناك بعض الامتيازات، لكني أسمح لنفسي بأن أنبه ذاكرة الكل إلى أن هذه
الامتيازات قد تقررت بواسطة مجلس الأمة في أعقاب رحيل والدي وكبادرة حفاوة شعبية
ورعاية كريمة لأسرته.
وكانت هذه
الامتيازات تنحصر في ثلاثة اشياء:
(1) معاش شهرى مساو لمرتبه وقدره
أربعمائة وواحد وأربعون جنيها ومخصصاته كرئيس للجمهورية وتبلغ خمسمائة جنيه مصري
في الشهر وهذا هو المبلغ الذي تعيش عليه والدتي وتبقى به بيته مفتوحًا.
(2) ثم مقر منزله بمنشية البكرى وخدماته، وقد خصص
لوالدتي وأبنائه مدى الحياة على أساس تحويله بعد ذلك إلى متحف
) 3 (ثم استراحة المعمورة في
الإسكندرية.
واسمحوا لي أن أوجز الحقائق
المتصلة بهذا الموضوع ووجهة نظرى فيه على النحو التالي:
أولا: أن مجلس الأمة قد قرر هذه
الامتيازات بعد رحيل والدي. فكل محاولة إذن للزج باسمه في هذا الموضوع مردود عليها
سلفًا بأن ما تقرر كان لاحقا على تاريخ عودته الى رحاب الله.
ثانيا: سبق أن أثير موضوع
امتيازات أسرة جمال عبد الناصر في مجلس الشعب بعد رحيله بحوالي أربع سنوات وتوجهت
يومها إلى السيد / حسن كامل رئيس الديوان الجمهوري في ذلك الوقت معترضة على اقحام
اسم والدي في هذا الموضوع ومطالبة بتخفيض هذه الامتيازات.
ثالثا: أن مقر منزل والدي بمنشية
البكرى والمخصص لسكنى والدتي، واستراحة المعمورة، تحت تصرف مجلس الشعب في أي وقت
يراه، وإذا بلغت الأمور هذا الحد فإنني سأترك لها بيتي تنزل فيه مهما كانت العقبات،
وألى أن نتمكن من تدبير مقر ملائم لها.
رابعًا: أننى أعلن عن تنازلى عن
حصتي الشرعية في معاش والدي الذي قرر مجلس الأمة في حينه - وبصفة استثنائية - أن
ينتقل الى أولاده بعد حياة والدتي - أطال الله عمرها. لأن الحكمة من هذا القرار
الذي صدر حين كان أخوتي قصرًا وفي المراحل الدراسية المختلفة قد انتفت بعد أن
تخرجنا في الجامعات وأصبح لكل منا عمله وحياته.
خامسًا: في ظل الظروف الاقتصادية
السائدة الآن فقد ترون ملائمة المبلغ الذي تصرفه والدتي شهريا والسابق الإشارة
إليه والذي تعيش عليه حاليًا، وذاك للأسباب الآتية:
1 ـ أنني لا أظن أحدًا منزهًا عن
الغرض يقبل لقرينة جمال عبد الناصر أن تعيش معتمدة على آخرين - ولو كانوا أبناءها.
وما يعنيني هنا - بغير لبس - هو الجانب المعنوي.
فلقد تركها جمال عبد الناصر
أمانة في عنق شعبه ولم يحاول حتى أن يؤمن لها من بعده حياة. وقد قضتها راضية في
صمت في ظل زوج كان لأمته ولشعبه المكان الأول في تفكيره ومشاعره، في همة وفي أمله
2 ـ أن والدتي ليس لديها اية ممتلكات
شخصية تدر لها دخلا.
ومن بعد الحقائق أصل إلى تعليق
لعله يكون واضحًا في زمان غلبت عليه الاعتبارات المادية.
فمجلس الأمة
قد قرر هذه المخصصات لأسرة جمال عبد الناصر فور رحيله وفي وقت كنا فيه جميعا لا
نكاد نعي ما يحدث من حولنا من هول وعصف المفاجأة. وتقبلنا قرار المجلس ولم نزل على
أساس أن هذه المخصصات رموز تقدير شعب لزعيمه وأمة لبطلها، ومظاهر تكريم لنضال
مشترك للاثنين ولعصر من أعظم عصورهما.
ولكن في الوقت الذي فيه يشن الكل
حملات ضارية أستبيح فيها التاريخ واستبيحت فيها أمجاده، فإن أسرة باعث الكرامة
العربية ليست على استعداد لأن تتحول الرموز ومظاهر التكريم إلى معاير النيل من
كرامتها.
ولقد كان
والدي يعي تمامًا مدى ضراوة المعركة الاجتماعية والسياسية التي يخوضها لصالح
القطاعات العريضة لشعبه، وأذكر قوله لي قبل عام من رحيله: «إن هذا المنزل ملك
للدولة، والأثاث فيه عهدة، ويجب أن تتوقعوا كل الاحتمالات بما فيها أن تجدوا
أنفسكم يوما في الشارع».
وانني أكتب
هذا الخطاب بصفتى الابنة الكبرى لجمال عبد الناصر عشت معه وعملت معه، وفهمت
مبادئه، ورأيت مدى التزامه بها وتقديسه لها، حتى أصبحت جزءًا مني اقتناعا
والتزاما. وأوجهه لكم بوصفكم عضوا في مجلس الشعب تجمعون بين الحيدة والاستقلالية،
راجية التكرم بإيداعه مضبطة المجلس.
الحملة
المستمرة:
لم تنته الحملة
بعد...
فسوف يطالبون بمنزل
الأسرة..
فقد طالبوا في
البداية بمقبرته.. ثم طالبوا باستراحته، وسيأتي الدور على منزله.
وهناك ملايين في عالمنا يمكن أن يقيموا قصورا لزوجة جمال عبد الناصر، ولكنه من
الجحود، ألا تقيم
في منزل تملكه
الحكومة المصرية.
وستظل المعركة
مستمرة، لأن هناك من يريد استمرارها وهم لا يطالبون بتكريم أسرة عبد الناصر، أو
تخليد ذكراه، أو إنشاء متحف للثورة، أو تمثال لزعيمها، ولكنهم يطالبون بطرد زوجته
من منزل تملكه الحكومة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق