بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 3 ديسمبر 2020

عبد الناصر والحملة الظالمة / عبدالله امام .

 عبد الناصر والحملة الظالمة . 

 عبدالله امام .

5/7

من حارب في اليمن ؟
من المقارنات المضحكة أن الذين لا يملون من الهجوم علی العرب لأنهم لا يدعمون مصر ولا يمدون لها فى أزمتها يد المعونة، هم أنفسهم الذين لا يملون من الهجوم على جمال عبد الناصر لأنه دعم العرب. ومد لهم يد المعونة في أزماتهم، فكأنهم يستنكرون ألا يقوم الحكام العرب بنفس ما قام به جمال عبد الناصر.
ودور مصر العربي مازال موضع هجوم. وإن كان قد خفت قليلا. بعد أن امتدت الأيدى ذات يوم تحاول اقتلاع مصر من أرضها العربية. وتخلع عنها عروبتها.. وهي معركة لم تستمر طويلا، وإن كان قد شارك فيها كبار الكتاب - الذين انهالوا أرضًا على عبد الناصر - حيث لم تلق هذه الحملة إلا الازدراء من المواطن العادي، الذي يعرف أن أبسط مصالحه وأكبرها يرتبط بأمته العربية التي يشاركها اللغة والأرض وطموحات المستقبل كما شاركها معارك الماضى كلها، ولم يكن لجمال عبد الناصر فضل اكتشاف عروبة مصر. فمصر عربية من قبل عبد الناصر، ومن بعده، وربما كانت اسهامات عبد الناصر الجوهرية، أنه أعاد بعث القومية العربية، وواجه الاستعمار الذي كان يتعامل مع العالم العربي على أنه كم مهمل ممزق.
ولابد أن ننظر إلى خريطة العالم العربي قبل جمال عبد الناصر حيث كانت الغالبية العظمى من أقطاره - بما فيها مصر - مستعمرات.
وعندما رحل جمال عبد الناصر، كان الاستعمار قد حمل عصاه على كتفيه ورحل من جميع الأقطار العربية، وكانت بداية مواجهة الاستعمار إعلاميًا بخلق التيار المعادي له افتتاح إذاعة صوت العرب في أوائل يوليو 1954 مع توجيه محدد، بأن تواجه الاستعمار الجاثم على صدر الأمة العربية.
ومع مرور السنوات، أصبح صوت العرب وسيلة ثورة مصر للاتصال بالشعوب العربية، ورصدت بريطانيا 25 مليون جنيه استرلينى للتشويش على صوت العرب، وكان المواطن في أقصی مكان من العالم العربي لا يشترى الراديو إلا لأن به صوت العرب، كما كان سماع صوت العرب جريمة تعاقب عليها بعض الحكومات.
وقاد عبد الناصر بعد ذلك معركة ضد الأحلاف العسكرية التى تهدف لربط العالم العربي بعجلة الاستعمار، وكانت أشد معاركه ضراوة ضد حلف بغداد.
وعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر التهبت الأمة العربية كلها مع مصر. وفجرت أنابيب البترول، وقطع العرب بترولهم عن الدول المعتدية. وهددت مصالحها في العالم العربي. واجتاحت المطارات العارمة الدول العربية حتى التي كانت تحت سيطرة الاحتلال.
وقامت المظاهرات في سوريا ولبنان وليبيا وقطر والبحرين، والكويت، والإمارات، والمغرب وتونس.
كانت معظم الدول العربية تقع تحت سيطرة الاستعمار الأجنبي، وبمساندة ثورة مصر المادية والمعنوية تحررت، وعاش عبد الناصر أعياد تحريرها، وساهم في الاحتفال ببعضها. بل بدعمه قامت ثورات تحرير في بعض الدول العربية.. في العراق وفي ليبيا، وفي اليمن، وغيرها من أقطار الوطن العربي.
كان لإسهامات عبد الناصر إذن دور لا ينكره أحد في معارك الشعوب ونضاله ضد قوى الاستعمار.
رؤية نضالية:
عندما ضربت إذاعة القاهرة اثناء العدوان الثلاثي، أعلنت إذاعة عمان «هنا القاهرة» وقالت إذاعة دمشق «هنا القاهرة» وكانت عمان قد طردت الجنرال الانجليزى جلوب قائد الجيش، وعندما حشدت تركيا حشودها على حدود سوريا، بادر عبد الناصر بإرسال قوات مسلحة إلى سوريا لحمايتها.
وعندما هددت الكويت، أرسل عبد الناصر قواته لتحمى استقلال الكويت.
وجاءت سوريا تطلب الوحدة مع مصر عبد الناصر الذي تجسد فيه آمال الأمة العربية ونضال شعوبها.
وقال المجلس الثوري بضرورة الوحدة ووافق عبد الناصر على الوحدة يوم 21 فبراير 1958 وقامت أول وحدة دستورية بين دولتين عربيين في العصر الحديث بإرادة شعبية كاسحة وقال بن جوريون أن إسرائيل أصبحت بين فكي كسارة البندق، بعدها بشهور قامت ثورة العراق وسقط رجل الاستعمار البريطاني نوري السعيد، وسقط معه نظامه بالكامل، وتآمر الاستعمار على الوحدة ووقع الانفصال في 28 سبتمبر 1961م.
ولكن سوريا ظلت في قلب عبد الناصر وضميره. كما ظل هو في قلب الشعب السوري، وفي ضميره وحاول الشعب السوري أن يعيد الوحدة أكثر من مرة مع عبد الناصر.
لم يشهد التاريخ الحديث فترة تقارب بين الشعب العربي في جميع أقطاره مثل سنوات عبد الناصر، حيث عاشت الوحدة أمل الجماهير، وفي وجدانها، وكان عبد الناصر يرى أن الخلافات بين الحكومات العربية هي نتيجة الصراع الاجتماعي في الواقع العربي، وأن وحدة الهدف قائمة عند القواعد الشعبية، كما أن الوحدة لا يمكن أن تتم فرضًا لأن الأهداف العظيمة للأمم يجب أن تتكافأ أساليبها شرفًا مع غاياتها. وأن أي حكومة وطنية في العالم العربي تمثل إرادة شعبها ونضاله في إطار الاستقلال الوطني هو خطوة نحو الوحدة لأنها ترفع كل سبب للتناقض بينها وبين الآمال النهائية في الوحدة، وأن أي وحدة جزئية في العالم العربي تمثل إرادة شعبين وأكثر هي خطوة وحدوية متقدمة تقرب من يوم الوحدة الشاملة وأن الجمهورية العربية المتحدة وهي تؤمن بأنها جزء من الأمة العربية لابد لها أن تنقل دعوتها والمبادئ التي تتضمنها لتكون تحت تصرف كل مواطن عربى، على ألا تدخل طرفا في المنازعات الحزبية المحلية وأن عليها مساندة كل حركة شعبية وطنية وأن تفتح مجال التعاون بين الحركات الوطنية التقدمية.
وعندما رحل جمال عبد الناصر كان العالم العربي كله ملتفا حوله.
وحزن عليه كل العرب، وبكاه الشعب العربي بأكمله، وشارك كل العرب شعوبًا ورسميين في جنازته.. وكانت الجامعة العربية الرسمية تتوسط قلب القاهرة، كما تتوسط مصر قلب العالم العربي.
ولم تكن رؤية جمال عبد الناصر لنضال الشعوب العربية أقوالا كانت أعمالا.
تحرير اليمن:
وهذا ما يوصلنا إلى القضية الهامة، وهي حرب اليمن.
فعندما قامت ثورة اليمن، في 28 سبتمبر 1961، طلبت إلى مصر معاونتها.
وكان السادات مسئولا عن اليمن والخليج العربي.. وكانت الجمهورية العربية المتحدة أول دولة تعترف بالنظام الثوري الجديد في اليمن، الذي سيخلص الشعب من حكم الإمامة وينقله من ظلمات القرن التاسع عشر، ويضعه على مشارف القرن العشرين. ولم تكن هناك بشاعة حكم، أفظع مما في اليمن.. حيث يتولى الإمام كل شيء.. والشعب يئن تحت وطأة الفاقه، والحرمان، من التعليم، والعلاج، والخدمات كلها، فالإمام هو الدولة كلها.. وهو كل الوزارات والإدارات.. ولا أحد يعرف عما يدور داخل اليمن شيئا، حتى أن مصر عندما أرادت معرفة معلومات عن اليمن بعد ثورتها، وقبل التدخل لم تجد إلا لدى السفارة الأمريكية تقريرًا أعده أحد السفراء الأمريكيين عمره ربع قرن.
وطلب النظام الجديد، والشرعي من الجمهورية العربية المتحدة أن تضع مبادئها في نصرة الشعوب في التطبيق، بأن تساند ثورة اليمن الوليدة، خاصة وأن بعض القوى بدأت حرب التدخل ضد النظام الجديد.
واجتمع مجلس الرياسة لبحث هذا المطلب، ووافق الأعضاء جميعًا على أن مصر لابد أن تساند اليمن في ثورتها ويقول حسن ابراهيم أن أحدا من مجلس الرئاسة لم يعترض على الإطلاق، فكلنا وافقنا، بما فينا كمال الدين حسين وأيدنا مساندة ثورة اليمن، والوقوف إلى جانبها إلى أن تسيطر على مقاليد البلاد، فلم يكن تواجد الجيش المصري في اليمن إذن قرارًا فرديًا من عبد الناصر، وأرسلت مصر كتيبة واحدة، سافرت على طائرة مدنية ذات ليلة، ومعها جهاز لاسلكي واحد، للاتصال، وعدد من المدنيين.
وخلال أربع سنوات كان هناك من يهمه الإجهاز على ثورة اليمن، والقضاء عليها وكانت الثورة قد اشتعلت في الجنوب اليمني تطالب أيضا بطرد الاستعمار البريطاني من عدن، وقد أطلقت رصاصتها الأولى في أكتوبر 1964.
وعززت مصر قواتها في اليمن لكي تسيطر الثورة على اليمن، وتقلق أيضا المستعمر البريطاني في الجنوب حتى يرحل.. فقد كان تحرير اليمن الجنوبي من الاستعمار البريطاني عملا لا يقل أهمية عن تحرير اليمن الشمالي من الاستعباد الإمامى.
وكان الذين يقاتلون في اليمن هم جنود مصريون إلى جانب أشقائهم اليمنيين. وفي الجبهة الأخرى كانت بقايا فلول القبائل المأجورة من النظام الإمامي، والأهم من ذلك الجنود المرتزقة الذين جمعوا من كل أنحاء العالم ليحاربوا نظير المال، إلى جانب قوات الإمام البدر وعمه الحسن الذي عاد من رئاسة وفد اليمن في الأمم المتحدة ليقود عمليات التدخل عندما كان البدر مازال مختفيًا وتردد أنه قُتل أثناء اقتحام قوات الثورة لقصره والاستيلاء على الحكم.
وخلال الحرب انتقلت اليمن من القرون الماضية إلى العصر الحديث. أنشئ فيها جهاز للدولة لأول مرة ودرب وسلح جيش يمنى، وأقيمت المدارس والمستشفيات والمصانع لأول مرة، ودخلت الكهرباء، وعبدت الطرق، وأطيح بالنظام الإمامي الرجعي، وأقيمت جمهورية في اليمن وتحرر اليمن الجنوبى، وسيطر العرب على باب المندب، وتمكنوا من إغلاقه خلال حرب 1973 في وجه العدو الصهيوني.
وكانت هناك قوات مصرية لم تشارك في الحرب، أو كانت مشاركتها رمزية.. كالدفاع الجوي، والقوات الجوية، والمدرعات ومع ذلك فقد كان عبد الناصر حريصا على السلام في اليمن، وعلى عدم الاقتتال، حرصه على استمرار الثورة والنظام الجديد، وعقد أكثر من اتفاقية للهدنة نقضها الملكيون وفي أغسطس 1965 بادر عبد الناصر بصحبة زكريا محيي الدين بالذهاب الى جدة دون حساسيات لوضع حد للحرب، وانتهت الزيارة باتفاق ينص على أن تسحب مصر قواتها خلال عام.
وعهد إلى ممثله الشخصي الدكتور حسن صبري الخولي بأن يتابع الاتفاقية مع السعودية قال لي الدكتور الخولى في حديث مسجل أنه كانت لديه تعليمات محددة، أن يؤجل في الاتفاق، حتى لا يخرج آخر جندي مصري من اليمن الشمالي إلا بعد جلاء الاستعمار البريطاني عن الجنوب.
فقد كان الوجود المصري في الشمال هو القوة الدافعة للحركة الوطنية الثورية في الجنوب، وهي أيضا التي تمدها بكل الطاقات.
كانت مساندة حركات التحرير الوطني ومقاومة الاستعمار على كل شبر من الأرض العربية هدفا أساسيا لدى عبد الناصر.. لذلك فانه سيظل رغم الحملة في مساندة شعب اليمن في التحرر من النظام الأمامي من أبرز إنجازات عبد الناصر، وهو فضل يذكره له جميع أبناء اليمن شماله وجنوبه، الذين كرموا ذكري عبد الناصر، بل وكرموا كل الجنود المصريين الذين شاركوا في معارك التحرير الكبرى.
ولم يكن من الممكن أن يترك الاستعمار عبد الناصر لكي يقيم تنمية حقيقية لذلك كان تحرير الأرض العربية هو أحد القلاع لحماية منجزات الشعب المصري في الداخل.
وفي المحصلة النهائية لحرب اليمن فقد انتصرت الجمهورية، وتحرر الشعب اليمني وتحرر باب المندب وسيطر العرب على مدخل البحر الأحمر وخسرت مصر 10 آلاف جندي استشهدوا على أرض اليمن خلال خمس سنوات في معارك لتحرير اليمن، وإقامة الجمهورية، ومساندة الثورة وكان عدد سكان مصر 30 مليونا، ولقد خسر محمد على 8 آلاف جندي في حربه بالجزيرة العربية التي لم تحقق شيئًا، ولم يساند أحدا، وكانت رغبة في التوسع وكان عدد سكان مصر ثلاثة ملايين ودفعت مصر في معارك اليمن 30 مليونًا من الجنيهات، من اقتصادها المرهق، تنفيذًا لأهداف آمنت بها، ولشعارات رفعتها، وعملت جادة على تحقيقها، وتحمل الاتحاد السوفيتي ثمن السلاح كاملا، كما تحمل أيضا نفقات نقل القوات وهكذا فإن عبد الناصر لم يندفع إلى القتال في اليمن ولكنه أرسل قوة محدودة لمساندة ثورة الشعب اليمني، والذين حولوها إلى حرب هم الاخرون الذين لا يهاجمهم أحد.. فهم الذين واجهوا الثورة، وهم الذين حولوا هذه المساندة إلى حرب، وحولوا الكتيبة الصغيرة إلى جيش كبير.
ولم يكن عبد الناصر راغبًا في الحرب، بل كان حريصًا على السلام، وكان الملكيون يصرون على أن يقفوا في وجه عجلة التاريخ وأن يوقفوا التطور، ولكنهم لم ينجحوا.. وانتصر الشعب اليمني وعاشت ثورته، ومازالت رغم اختلاف الحكام، تحمل للشعب المصري وقائده كل الحب والتقدير.
ويقول د. حسن صبري الخولى في حديث خاص: أن عبد الناصر عندما اختاره مسئولا عن اليمن وضع أمامه عددًا من القضايا بوضوح:
- أن مصر ليست لها مطامع في اليمن. هدفها الوحيد هو دعم الشعب اليمني وتأكيد رغبته في القضاء على التخلف. وأن يعيش حياة حضارية.. كأى شعب آخر.
- أنه لابد من الحفاظ على العلاقات الودية الطيبة التي كانت قائمة باستمرار بين الشعبين المصرى والسعودي بقدر الإمكان.
- أن القوات المصرية لن تعود من اليمن إلا بعد أن تتأكد من مسألتين أساسيتين:
الأولى: أن يقوم في اليمن حكم وطني يرضى عنه الشعب اليمني.
الثانية: أن يخرج آخر جندي بريطاني من جنوب اليمن ويتحرر الجنوب اليمني الذي كان محتلا باستعمار بريطانى.
كان عبد الناصر يقلقه فقد جندي مصري في اليمن، ويريد وقف الخسائر في الأرواح، ووافق على أن تبدأ اتصالات هادئة مسع السعودية، وكانت الكويت قد أبدت رغبتها في التوسط لإنهاء النزاع.
سافر الدكتور الخولي إلى الكويت وأمضى ما يقرب من ثلاثة أشهر في لقاءات مع الدكتور رشاد فرعون الممثل للملك فيصل بعيدًا عن العاصمة الكويتية.. وكان يحضرها الشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية الكويتي.. وانتهت اللقاءات بسفر الدكتور الخولى إلى جدة وثم التمهيد لتوقيع اتفاقية جدة.
كانت بداية تدخل مصر في اليمن كما يقول الدكتور الخولي بمعاونة صغيرة، طائرة حربية واحدة تحمل اللواء علي عبد الخبير وبضعة جنود كحرس خاص له.. وجهاز لاسلكي ويرافقهم عبد الرحمن البيضانى.. وانتهى الأمر بسبعين ألف جندى مصرى.. ثم خروج آخرهم يوم 7 ديسمبر 1967 بقيادة الفريق عبد القادر حسن آخر قائد عام مصري في اليمن.
الحل السلمي:
رغم مساندة مصر العسكرية فإنها كانت دائما ترى حل المسألة اليمنية بالطرق السلمية وفقا لرغبة الشعب اليمني ولم تدخر جهدا في هذا السبيل، ولكن الآخرون كانوا يصرون على استمرار الحرب، ففي عام 1963 قبلت مصر وساطة الرئيس الأمريكي كنيدي.. الذي أوفد السفير «بانكر» وتم توقيع اتفاقية بين القاهرة والرياض ومضمونها.
- قيام السعودية بإنهاء مساعدتها للملكيين ومنع الزعماء الملكيين من استخدام أراضيها لمواصلة الصراع في اليمن.
- تبدأ الجمهورية العربية المتحدة في سحب قواتها في نفس الوقت الذي تتوقف فيه معونة السعودية للملكيين.
- إقامة منطقة منزوعة السلاح تمتد مسافة 20 كيلو مترًا على جانبي الحدود المرسومة بين السعودية واليمن.
- مرابطة مراقبين محايدين في كل جانب من المنطقة المنزوعة السلاح.
- تتعاون الجمهورية العربية المتحدة والسعودية مع ممثل السكرتير العام للأمم المتحدة وغيره من الوسطاء المقبولين من كلا الجانبين في التوصل إلى اتفاق على إجراءات وقف الاشتباك والتحقق منه،
ولكن هذه الاتفاقية تعثرت.. ولم تنفذ...
اتفاقية الطائف:
وكانت المحاولة الثانية عربية في فبراير 1964 عقب مؤتمر القمة الأولى عرضت كل من العراق والجزائر وساطتهما ورحبت الجمهورية العربية المتحدة والسعودية بهذه الوساطة.
وسافر المشير عامر إلى السعودية على رأس وفد من مصر.. وأجرى محادثات سورية انتهت بتوقيع اتفاقية الطائف. وقد نص الاتفاق السري الذي وقعت عليه كل الأطراف على ما يأتي:
سعيا وراء جمع الشمل العربي وتكتل الأمة العربية في سبيل تحقيق أهدافها العليا ورسالتها الإنسانية الحضارية السلمية، وتمشيًا مع مقررات مؤتمر القمة العربي التي أعدت عن اجتماع ملوك ورؤساء العرب بالقاهرة يوم 17 يناير 1964.
واستجابة للمساعي الحميدة التي بذلها كل من الرئيسين المشير الركن عبد السلام عارف والرئيس أحمد بن بللا في سبيل الوفاق وتصفية الجو العربى بواسطة وفدهما المشترك.
وتنفيذاً لما جاء في البيان الذي صدر عن الرياض بتاريخ 4 فبراير 1964 إثر المباحثات التي أجراها وفد المساعي الحميدة المذكور مع سمو الأمير فيصل ورجال المملكة العربية السعودية فقد اجتمع بمدينة الرياض فيما بين يوم 1 و 3 مارس 1964 وفد يمثل الجمهورية العربية المتحدة مؤلف من سيادة المشير عبد الحكيم عامر نائب رئيس الجمهورية ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وسعادة السيد أحمد عمر السقاف وكيل وزارة الخارجية الدائم وبحضور وفد المساعي الحميدة المؤلف من معالي السيد أحمد توفيق المدني وزير الأوقاف في الجمهورية الجزائرية ومعالي الدكتور شامل السامرائى وزير الصحة في الجمهورية العراقية وسعادة الحاج عبد الحميد نعمان سفير الجمهورية العراقية في المملكة العربية السعودية.
وقد عقدت عدة اجتماعات سادتها الصراحة التامة وروح الأخوة الإسلامية والتضامن العربي والرغبة المشتركة في التعاون الصادق لما فيه خير الأمة العربية وتحقيق آمالها وفي هذا الجو الأخوى تم بحث القضايا والمسائل المتعلقة بين الطرفين وفي طليعتها المشاكل المتعلقة باليمن.
ونظرا للتقدم الملحوظ وتقارب وجهات النظر فقد اتفق الطرفان على استمرار هذه المباحثات كی تسوى في الاجتماع القادم بين سيادة الرئيس جمال عبد الناصر وسمو الأمير فيصل في مدينة القاهرة بعد انتهاء موسم الحج مباشرة في حوالي نهاية شهر أبريل 1964 وذلك استجابة للدعوة الصادرة من سيادة المشير عبد الحكيم عامر باسم الرئيس جمال عبد الناصر.
كما تعلن المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية المتحدة أن لا مطمع لهما في اليمن وأنهما تؤيدان التأييد المطلق استقلال اليمن وحرية شعبه وتقاومان كل محاولة استعمارية ضد اليمن.
كما يعلن الطرفان لما جاء في بيان الرياض الصادر بتاريخ 4 فبراير 1964 عودة العلاقات السياسية فورًا بينهما على أن يتحقق سفير كل منهما بمقر عمله في أقرب وقت ممكن وتسوى كافة القضايا المالية والمادية المتعلقة بين الطرفين بروح التآخي العربي.
إن وفد الجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إذ يسعدهما إعلان هذا البيان ليسعدهما أن يقدما باسم حكومتيهما شكرهما العميق للرئيس السيد أحمد بن بللا والسيد المشير الركن عبد السلام محمد عارف ولممثليهما الشخصيين معالي السيد أحمد توفيق المدني ومعالي الدكتور شامل السامرائى ويتمنيان للأمة العربية دوام العزة والصفاء.
وكان هذا البيان بداية مرحلة جديدة في العلاقات المصرية السعودية حول حرب اليمن.. مرحلة تميزت بالتحرك لإنهاء هذا النزاع.. كانت مصر إذن راغبة في إنهاء الحرب.. ولكن كان هناك من هو صاحب مصلحة في استمرار الحرب، ومن يصر على أن تظل النيران مشتعلة.
لقاء مع الملك فيصل:
وأثناء انعقاد مؤتمر القمة الثاني بالإسكندرية حدث تطور آخر.. فقد كانت زيارة الأمير فيصل فرصة كي يلتقي بالرئيس عبد الناصر في عدة اجتماعات اشترك فيها الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع، والمشير عامر واستقر الاتفاق على:
- عزم المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية المتحدة على التعاون التام لفض الخلافات بين الأطراف المختلفة في اليمن وتصميمهما على منع الاشتباكات المسلحة.. وأن تقوم الدولتان بالاتصالات اللازمة لدى الأطراف المعنية لتهيئة جو من التفاهم للوصول إلى حل للخلافات القائمة بالطرق السليمة، على أن تستمر هذه الاتصالات إلى أن تزول هذه الخلافات وتستقر الأمور في اليمن، وأن تتمسك الدولتان الشقيقان بالتعاون التام فيما بينهما في جميع الشئون وشتى الميادين وتعلنان تأييد كل منهما للأخرى في جميع الظروف سياسيًا وماديًا ومعنويًا.
وأتفق أيضا على ثلاث نقاط عملية لم تعلن هي:
· تعمل الدولتان على وقف القتال فورًا بين الأطراف المعنية في اليمن.
· توقف المملكة العربية السعودية مساعداتها العسكرية والمالية والتي من شأنها أن يستمر القتال وأن يتم انسحاب جميع قوات الجمهورية العربية المتحدة من أراضي اليمن على مراحل على أن يتفق على الطرق الكفيلة بحفظ الأمن والاستقرار.
· يبدأ تنفيذ النقاط الواردة في المادتين السابقتين بعد الاتصال بالأطراف المعنية في اليمن والاتفاق على مراحل الانسحاب وطريقته ومدته وتكوين لجنة تحضرية تمثل الفئات المختلفة.
مرة أخرى كانت مصر إذن ساعية لإنهاء الحرب.. ولكن الآخرين لم يكونوا يرغبون في إنهائها.
واجتمعت هذه اللجنة يوم 29 أكتوبر 1964 في أركويت «شرق السودان» فيما عرف باسم مؤتمر أركويت الذي حضره من مصر السفير أحمد شكري والعميد أ. ح. محمد محمود قاسم ومن الجانب السعودي الدكتور رشاد فرعون والزعيم حمود عبد الهادي محمد عبد الواحد وكان أعضاء اللجنة التحضيرية هم: محمد محمود الزبیری، محمد أحمد نعمان، علي بن ناجی القومي، محمد بن أحمد المطاع، على ناصر طريق، احمد محمد هاجى، محمد عبد الواسع حميد، أحمد محمد الشامى، محمد بن على بن إبراهيم، حسنين موفق، أحمد الحكمي، حسن ابن إسماعيل، يحيى لطفي الفيل، عبد الرحمن الواسع، صلاح المصري.
وقد اتفق في هذا الاجتماع على:
- وقف إطلاق النار وأعمال العنف ابتداء من السابعة مساء يوم 8 نوفمبر.
- عقد مؤتمر وطني يمني في مدينة يمنية في 23 نوفمبر لوضع الأسس الكفيلة بحل الخلافات القائمة بالطرق السلمية، واستقرار الأمور في اليمن.
- يحضر المؤتمر اليمني مائة وتسعة وستون شخصًا من العلماء والمشايخ والقادة العسكريين وأهل الرأي والخبرة من أهل الحل والعقد بحسب النسب الآتية:
3.8 من العلماء، 3.8 من المشايخ، 2.8 من القادة العسكريين وأهل الرأي والخبرة على أن ينضم إلى هؤلاء أعضاء اللجنة التحضيرية أنفسهم وعددهم ثمانية عشر شخصًا.
- يلتزم المجتمعون بتنفيذ هذه القرارات كما يطالبون الجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مجتمعين وكلا منهما من جانبها أن تساعد على تنفيذ هذا الاتفاق.
ولم يجتمع المؤتمر الوطني بسبب الخلافات على نسبة الملكيين فيه.. مرة أخرى كان هناك من لا يريد للحرب أن تنتهي.
وكان لابد من عقد لقاء جديد بين الرئيس عبد الناصر والملك فيصل، قال لي الدكتور الخولى: في بداية صيف 1965 استدعاني عبد الناصر وطلب مني السفر للسعودية لأنه قرر أن يقابل الملك فيصل لإنهاء الحرب، فقد كانت مصر راغبة في استقرار الأمور، ولم تكن ساعية إلى الحرب، وكان على أن أرتب هذا اللقاء... وكان الملك في الطائف وذهبت إليه واقترحت أن يكون مكان اللقاء مطار رأس بناس، باعتباره أقرب بقعة مصرية للأراضي السعودية قلت ضاحكا للملك فيصل:
- يقال أن الطائرات المهاجمة تخرج من مطار رأس بناس.. فلماذا لا نجعله منطقة اللقاء بينكما انت والرئيس عبد الناصر.
ورد الملك فيصلولماذا نلتقي في رأس بناس.. سوف اذهب أنا إليه في الإسكندرية..
وعدت إلى الإسكندرية وقلت للرئيسأن الملك فيصل سيحضر الى هنا ليلتقي بك.
وقام عبد الناصر ليتمشى على الشاطئ.. دقائق معدودة.. وبعدها عاد ليقول لي أنا ذاهب إلى الملك فيصل في جدة.. أخطرهم هناك.. وتصرف على هذا الأساس فنحن نريد إنهاء الحرب..
وعدت فورًا إلى الطائف حيث وجدت ترحيبًا شديدًا بزيارة عبد الناصر التي صحبه فيها زكريا محيي الدين، وأنور السادات، ومحمد حسنين هيكل، والسفير السعودي بالقاهرة محمد علی رضا.
وطلب الرئيس عبد الناصر قبل أن يتم أي لقاء بين الجانبين أن يقوم بتأدية العمرة وفعلا قام الوفد يرافقه الأمير سلطان، والأمير فواز بأداء العمرة بعد العشاء الرسمي الذي أقيم يوم الوصول.. ثم تمت عدة جلسات ودية بعد أن قال عبد الناصر أنه لا داعي لمباحثات رسمية بالوضع التقليدي، وأنه من أجل ذلك لم يرافقه وزير الخارجية المصرية..
محضر اجتماع عبد الناصر:
كانت الجلسة الأولى يوم الاثنين 23 أغسطس 1965 يقول محضر الاجتماع المغلق أن الرئيس عبد الناصر بدأ حديثه بأن أوضح أنه يهمنا أن تعود العلاقات بين مصر والسعودية كما كانت.. الأعداء فقط هم الذين يكسبون من عداوتنا.. العناد يجعلنا تصطدم.. إنني أتكلم بوضوح لمصلحتنا.. الوضع الطبيعي أن تكون مصر والسعودية أصدقاء إن عاجلا أو آجلا لابد أن نصل إلي عودة الصداقة.. نحن لم نهاجم إلا بعد أن هوجمنا.. انا قلت للملك سعود الكلام ده.. وأنا لم أدفع قرشًا واحدًا ضد الملك سعود أو حكمه.. سنة 1965 طلبنا منكم بترول أعطيتموه لنا بدون اتفاق.. لما طلبنا قرضًا أخذناه منكم عملة صعبة دون اتفاق ثم جاءت الوحدة ونتج عن هذا عملية مؤامرة سعود، وسرنا هكذا حتى جاء موضوع اليمن.. هل نحن متفقون في عودة العلاقات إلى طبيعتها..؟ أنا أعتقد أننا.. متفقون.
وهل أنتم متصورون أننا شيوعيون وأننا نمثل خطرًا على العرب.. الحقيقة أعداؤنا هم الذين يقولون هذا الكلام.
هناك فرق كبير بين الاشتراكيين والشيوعيين، وأنتم لا تقبلون أن تكون البلد في أيدي حفنة من الأقلية.. لقد صرفنا 4 آلاف مليون جنيه.. عندنا مشاكل بالنسبة لزيادة السكان في بلدنا.. يوجد خلافات كبيرة بيننا وبين الشيوعية، سنة 1956 حبسنا الشيوعيين وطلعناهم منذ فترة قريبة، ولكنهم لم ولن يستطيعوا تجنيد واحد، ومن أجل هذا قرروا حل الحزب الشيوعي، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ اي بلد.
وتحدث عبد الناصر عن المعلومات المضللة التي وصلت المخابرات الأمريكية عن طريق أحد الصحفيين وكان الصحفي قد ألقى القبض عليه بتهمة التجسس لحساب أمريكا - كما تحدث عن بعض عناصر الإخوان المسلمين الذين يعيشون في السعودية، ومعلوماتهم غير الصحيحة.
وانتهى عبد الناصر من حديثه إلى أن الوضع في مصر مستقر جدًا وليس كما يصور الإخوان المسلمين من أن الوضع سينهار قريبًا.
محضر هذا اللقاء يحوى ردًا للملك فيصل على ما قاله جمل عبد الناصر.. قال الملك بالنصمصر والسعودية يجب أن يكونوا متفاهمين، وأكثر من متفاهمين وهذا هو الشيء الطبيعي والمنطقي لأن الواقع والتاريخ يقومان على ذلك، والأشياء التي عطلت الصف، وأنا ما بتكلم فيها لأنها شيء معروف.
أنا مرتين جيت لمصر لمحاولة إصلاح الحال، وتمكنت بمساعدتك من إزالة بعض الأشياء، ولكن بترجع الأمور تتكرر، أيام الملك سعود لو كان ماضى طيب ما كانت العلاقة ساءت. ونحن مشينا مع الملك سعود بكل اخلاص، وبكل أمانة، وكنا لا نريد أي تفرقة ونفى الملك فيصل أن الحكومة السعودية سلمت نقودًا لأحد لكي يحمل ضد مصر في عهده.
وقال الملك فيصل «سيادتك تتذكر اجتماعنا في شبرد، وكان معك المشير عامر، وصلاح سالم، وتكلمنا، وبينت لسيادتك أننا على علاقة بفاروق. ونذكر له أنه جاب مصر للعرب ونحن كصداقة نعم. ولكن كون فاروق يحكمها ده شئ آخر لا علاقة لنا به، ومصر يحكمها من يريده أبناؤها وسيادتك تتذكر هذا الحديث.
وواصل الملك فيصل حديثه قائلا:
«في العراق انشال الملوك إللى منها، لم نتدخل مادام الشعب يريد ذلك.. من ناحية الكلام على الشيوعيين الإخوان يذكروا كلامي، وأنا بأقول أن مصر تكون شيوعية هذا مستحيل، وان جاءتنا الشيوعية فتأتي لنا من طريق آخر.
الرئيس جمال عبد الناصرهذا شيء آخر غير العلاقة بالاتحاد السوفيتي.
الملك فيصلالمهم إزالة ما يسبب تعكير ما في النفوس.. إن جاءكم تقارير أننا ندفع فلوس ضدكم نحن كذلك تأتينا تقارير أن الجمهورية العربية المتحدة لها مخططات وتريد إحداث شر في المملكة.
وقال الملك فيصل بعد مناقشة اشترك فيها الأمير سلطانولماذا ندفع ولمصلحة من ندفع إذا استطعنا أن نقوم بخدمة بلدنا فهذا أهم.. مصاريف مثل هذه الأمور ليس لها أول أو آخر.. وأكثرها يروح سرقة.. نشتغل ضد مين.. الإنجليز.. الأمريكان.. الروس معقول.. ولكن نشتغل ضد القاهرة.. وأؤكد أنه لا يمكن في يوم من الأيام أن يكون في نفوسنا سعی أو عمل ضد الجمهورية العربية المتحدة بالذات أو ضد أي بلد عربي آخر. وذلك لأن علاقاتنا بالجمهورية العربية المتحدة أكبر وأقوى من أي بلد آخر.
ومن أجل ذلك.. الوضع الطبيعي أن يكون هنا ومصر شيء واحد.. والمهم عندنا أن مثل هذه الأشياء التي تصلك لا تجد عندك قبولا.. أبرك الساعات وأسعد الأوقات علی نفوسنا كلنا هو حضور والشاعر النفراوى والله، ما عندي خبر بحضوره إلا قبل الجلسة بخمس دقائق - وكان الشاعر النفراوى قد كتب قصائد عديدة في الهجوم على جمال عبد الناصر ولكنه حضر في تلك الليلة وألقى قصيدة يشيد فيها بالرئيس جمال - وبعد مناقشات طويلة ومهت اتفاقية جدة.
وكانت اتفاقية جدة من أهم الاتفاقيات في تاريخ العلاقات المصرية السعودية، ولم تنشر الاتفاقية وإنما صدر عن الاجتماع بيان مشترك صاغه الأستاذ محمد حسنين هيكل الذي رافق الوفد المصری وفيما يلي النص الكامل لهذه الاتفاقية الهامة:
- إن الهدف الذي قصد إليه الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل في مباحثاتهما التي تمت في جدة أيام 25، 26، 27 ربيع الثاني 1385(الموافق 22، 23، 24 أغسطس 1965) هو التمكين للإرادة الحرة للشعب اليمني حتى تكون قادرة على خدمة الآمال الكبيرة التي تحدو هذا الشعب العربي المجيد وتوفر جو السلام الذي يعطي هذه الآمال موضوعيًا المناخ الملائم للنمو والازدهار، هذا فضلا عن إزالة كل سبب للخلاف الطارئ بين الجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وتوثيق الروابط التاريخية بين شعبيهما وتأكيد الحرص على الرغبة الأكيدة في صون هذه الروابط من مضاعفات أي سبب للخلاف:
وفيما يخص علاقات الجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بالموقف الحالي في اليمن فإن الملك فيصل والرئيس عبد الناصر - بعد الاتصال بكل ممثلي الشعب اليمني وقواه الوطنية والتعرف على رغباتها - يريان أن طريق الحق والأمان لمواجهة المسئولية تجاه الشعب اليمني وضمانًا للهدف الذي قصد إليه من الاجتماع، يتحقق على النحو التالي:
1- يقرر ويؤكد الشعب اليمني رأيه في نوع الحكم الذي يرتضيه لنفسه وذلك في استفتاء شعبي في موعد أقصاه 23 نوفمبر 1966م.
2-تعتبر المدة الباقية حتى تاريخ الاستفتاء فترة انتقالية بقصد الإعداد والترتيب للاستفتاء المذكور.
3- تتعاون المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية المتحدة في تشكيل مؤتمر انتقالي يتكون من خمسين عضوًا ويمثل جميع القوى الوطنية وأهل الحل والعقد للشعب اليمني بعد التشاور مع الفئات اليمنية المختلفة حسبما يتم الاتفاق عليه.
ويجتمع المؤتمر المذكور في مدينة «حرض» يوم 22 نوفمبر 1965 وعلى هذا المؤتمر القيام بالمهام التالية: -
(أ) تطوير طريقة الحكم في فترة الانتقال وحتى إجراء الاستفتاء الشعبي.
(ب) تنكيل وزارة مؤقتة تباشر سلطات الحكم خلال فترة الانتقال.
اج) تقرير شكل ونظام الاستفتاء الذي سيتم في موعد أقصاه 21 نوفمبر 1966م.
4- تتبني الحكومتان قرارات المؤتمر الانتقالي اليمني المذكور وتدعمانه وتتعاونان في إنجاح تنفيذها وتعلنان من الآن قبولهما لوجود لجنة محايدة منهما معًا للمتابعة والإشراف على الاستفتاء وذلك فيما إذا رأي المؤتمر ضرورة لوجود مثل هذه اللجنة المحايدة.
5- تقوم المملكة العربية السعودية على الفور بوقف كافة عمليات المساعدة العسكرية بجميع أنواعها أو استخدام أراضي السعودية للعمل ضد اليمن.
6- تقوم الجمهورية العربية المتحدة بسحب كافة قواتها العسكرية من اليمن في ظروف عشرة أشهر ابتداء من يوم 23 نوفمبر 1965م.
7- توقف الاشتباكات المسلحة في اليمن فورًا وتشكل لجنة سلام مشتركة من الجانبين تقوم بما يأتي:
(أ) مراقبة وقف إطلاق النار بواسطة لجان المراقبة.
(ب) مراقبة الحدود والمواني ووقف المساعدات العسكرية بجميع أنواعها، أما المساعدات الغذائية فتتم تحت إشرافها.. والجان المراقبة المذكورة أن تستخدم الأراضي السعودية إذا دعت الضرورة لذلك التي توصلها لنقط المراقبة التي سوف ينفق عليها.
8- تتعاون المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية المتحدة وتعملان إيجابيا على تأمين تنفيذ هذا الاتفاق وفرض الاستقرار في الأراضي اليمنية حتي إعلان نتيجة استفتاء وذلك بتخصيص قوة من الدولتين تستخدمها اللجنة عند اللزوم للقضاء على أي خروج على هذا الاتفاق أو أي عمل على تعطيله وإثارة القلاقل في سبيل نجاحه.
9- بغية دفع التعاون بين الجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى التقدم واجتياز المرحلة الحالية إلى الوضع الطبيعي كما كانت وكما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين البلدين يتم اتصال مباشر بين الرئيس جمال عبد الناصر وجلالة الملك فيصل لتلافي حدوث أي مصاعب تقف في طريق تنفيذ هذا الاتفاق.
لم يكن الأمر سهلا بعد توقيع هذه الاتفاقية.. لقد رفضت كل الأطراف اليمنية الاتفاقية، أصدر المشير عبد الله السلال بيانًا قال فيه أن الجمهورية العربية اليمنية حكومة وشعبا لا تقبل بأي حال كل ما من شأنه أن يمس استقلالها، وسيادتها من قريب أو بعيد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وأن اتفاقية جدة عقدت بين الجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. ولم تكن الجمهورية اليمنية طرفًا فيها، ولم تقرها... أو تلتزم بها وكل ما يقال عن استفتاء يعتبر تدخلا سافرًا في استقلال الجمهورية العربية اليمنية واعتداء صارخًا على سيادتها ومخالفًا لكل القوانين الدولية.
وقد طبعت سفارة اليمن في موسكو هذا البيان نشرته على نطاق واسع قائلةإنه جاء تعبيرًا صادقًا عن إرادة الشعب اليمني.
وقالتإن الاتفاقية المعقودة في جدة تعتبر سارية على الطرفين الموافقين عليها فقط وأن الشعب اليمني عبر عن رأيه في مؤتمر (حرض).
أما بالنسبة للقبائل فقد عارضها الجمهوريون، وأيدها الملكيون في البداية، ثم أعلنوا أنهم يرفضون أي محاولة للوساطة لإنهاء الحرب الأهلية ضد نظام الحكم الجمهوري في اليمن، ويطلبون انسحاب القوات المصرية حفاظا على أرواحها.
أي أن الأطراف اليمنية جميعها، وقفت ضد الاتفاقية، لأسباب مختلفة بحكم موقع كل طرف.
وقامت مشاكل أخرى أدت الى تعطيل تنفيذ الاتفاقية.. وعرضت الكويت وساطتها أثناء زيارة أميرها لمصر في أبريل 1966، ومرة أخرى.. بدأت الاتصالات لإنهاء المشكلة اليمنية.. وكان محور النقاشات التي دارت بين الدكتور حسن صبري الخولى، والدكتور رشاد فرعون يتلخص في نقاط أربع:
- تسوية الوضع في اليمن - تشكيل الحكومة الانتقالية - سحب القوات المصرية - سحب أسرة حميد الدين.
وكانت الكويت قد تقدمت بمقترحتها في 31 يوليو 1966 وتنص على:-
· تشكيل حكومة انتقالية في اليمن من الجمهوريين والملكيين في ظل النظام الجمهوري القائم.
· تشكيل الحكومة الانتقالية بنسبة 50% لكل من الجمهوريين والملكيين تطلب الحكومة الانتقالية من بعض دول الجامعة العربية إرسال قوات رمزية إلى اليمن لحفظ النظام بالاشتراك مع قوات متساوية العدد من كل من مصر والسعودية.
· تطلب الحكومة انتقالية من السعودية سحب أسرة حميد الدين.
· تطلب الحكومة الانتقالية من القاهرة سحب القوات المصرية.
· تحدد الحكومة موعد استفتاء الشعب اليمني.
ووافقت مصر على هذه المقترحات، ولكن السعودية رفضتها، قدم وزير الخارجية الكويتي بمقترحات كويتية أخرى وافقت عليها مصر، ورفضتها السعودية، وهي قبول تسمية «الدولة» اليمنية.. تشكيل الحكومة الانتقالية بنسبة ثلاثة أخماس جمهوريين وخمسين ملكيين وأن يتم سحب أسرة حميد الدين عند سحب نصف القوات المصرية أو نصف المدة التي يتفق عليها.
وعندما تعثر مؤتمر حرض الذي نصت عليه الاتفاقية، كان هناك اتصال بين الرئيس والملك عبر الرسائل السرية وتلقي عبد الناصر رسالة سرية من الملك وقعها باسم أخيكم فيصل في 14 رمضان 1385 الموافق 5 يناير 1966 وكان نصها:
فخامة الأخ الرئيس جمال عبد الناصر
رئيس الجمهورية العربية المتحدة
تحية وتقديرا وبعد،،
فإن الحافز الذى دفعنى إلى أن أكتب لفخامتكم شخصيا هو ما لمسته من تغيير فى سير أعمال مؤتمر «حرض»، قد يكون مرده إلى الطريق التى أتبعت فى تنفيذ اتفاقية جدة أو إلى تباين وجهات نظر الإخوان الذين عهد إليهم بتنفيذها.
لهذا وجدت من الضرورى الاتصال بفخامتكم ومصارحتكم بذلك؛ لأننى على يقين بحسن نواياكم وتصميمكم الأكيد على إيجاد حل للمشكلة اليمنية التى لم يقتصر لهيبها على اليمن وحدها؛ بل تعداها إلى العلاقات الطيبة التى كانت تربط بلدينا.
وانطلاقا من الروح الخيّرة التى أملت علينا توقيع اتفاقية جدة، ومن جو الود والتفاهم التام الذى ساد المباحثات، كل هذا جعلنى أثق كل الوثوق بأنه لا يمكن أن تقف أى صعوبة فى سبيل تنفيذ هذه الاتفاقية ما دامت النوايا الحسنة رائدنا، والرغبة الصادقة فى الوصول إلى حل لهذه المشكلة نبراسنا.
ولقد كان مفهوما لدينا أثناء المباحثات وما سبقها أن الهدف الرئيسى من هذه الاتفاقية يرمى إلى نقطتين:
1- وضع الأسس العملية لحل المشكلة اليمنية، وإقرار الأمن والسلام فى ربوع اليمن العزيز بعد حرب طاحنة دامت ثلاث سنوات لم يتمكن خلالها أى طرف من إحراز نصر عسكرى حاسم يحقق معه أهدافه.
وهذا ما حدا بنا إلى التفكير فى إيجاد تسوية سلمية تلتقى عندها الأطراف المتنازعة فى فترة انتقالية لا يصر أى فيها على التمسك بنظامه، بل ينصهر النظامان القائمان حاليا فى اليمن فى طريقه على أن تباشر السلطة فى هذه الفترة وزارة مؤقتة لحين إجراء الاستفتاء الشعبى الذى سيتم بموجبه تحديد نوع الحكم النهائى الذى يرتضيه الشعب اليمنى لنفسه.
2- تدعيم التعاون البناء بين الجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وإزالة أسباب الخلاف بينهما وتوثيق الروابط التاريخية بين الشعبين الشقيقين، ولهذا فلقد التزمت المملكة العربية السعودية بتنفيذ المادة الخامسة من الاتفاقية التى تنص على وقف جميع المساعدات العسكرية فور التوقيع عليها، والتزام الجمهورية العربية المتحدة بسحب كافة قواتها العسكرية من اليمن فى ظرف عشرة أشهر ابتداء من 23 نوفمبر 1965.
ومن منطوق هاتين المادتين بأنه ليس هناك ثمة علاقة بينهما وبين ما يتخذه المؤتمر من قرارات؛ بدليل أن وقف المساعدات العسكرية من قبل المملكة العربية السعودية نفذ فور التوقيع على الاتفاقية، وعلى أن يبدأ بسحب القوات المسلحة للجمهورية العربية المتحدة يوم انعقاد المؤتمر فى 23نوفمبر1965 أى قبل أن يتخذ المؤتمر أى قرار.
ولتنفيذ النقطة الأولى من هدف الاتفاقية الرامية إلى إيجاد تسوية بين الأطراف المتنازعة كان لابد من تهيئة الرأى العام اليمنى لقبولها، وعلى أن تتم هذه التهيئة فترة الأشهر الثلاثة الواقعة بين تاريخ توقيع الاتفاقية وموعد انعقاد المؤتمر فى «حرض».
وهذا ما قامت به المملكة العربية السعودية من جانبها بينما تركت الجمهورية العربية المتحدة للمسئولين فى صنعاء حرية التصرف حسب رأيهم وهو أهم. ولهذا فقد تعثرت مباحثات المؤتمر وتباينت المفاهيم، وامتزجت طريقة الحكم المؤقتة فى فترة الانتقال بالنظام الدائم الذى سيحكم اليمن، والذى سينبثق منه الاستفتاء الشعبى الذى سيتقرر إجراؤه فى بحر سنة.
وإن عدم السعى لدى الجانب الجمهورى فى صنعاء بتهيئته لقبول التسوية فى الفترة التى سبقت انعقاد مؤتمر «حرض» كان من نتائجه تعقيد الأمور وإحداث البلبلة فى المفاهيم مما أعاق سير أعمال المؤتمر.
وهنا لابد من الإشارة إلى ما تعرضت إليه لجنة السلام من مواقف عدائية قام بها المسئولون فى صنعاء سواء عن طريق وسائل الإعلام أو فى تنظيم المظاهرات ضدها، كما ورد فى الكتاب الذى أرسلته لجنة السلام للمسئولين فى كل من الجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية فى 21/10/1965، والذى جاء فيه:
«وإنه لمما يؤسف اللجنة أن تذكر أن الحوادث التى وقعت، وأن الاتصالات التى قامت بها بعد وصولها تثبت بما لا يقبل الشك أن الجهات المسئولة فى صنعاء لم تبذل أى جهد فى وقف الحوادث؛ بل على العكس مهدت لها، وساهمت مساهمة فعلية فيها. وأن اللجنة تود أن تذّكر بالحوادث المشابهة التى وقعت يوم السبت 16/10/1965، وأن تشير إلى عدم اتخاذ أية إجراءات إيجابية حاسمة فى الوقت المناسب كان من أهم أسباب اندلاع حوادث يوم الجمعة 29/10/1965.
وتقول اللجنة فى مكان آخر من الكتاب نفسه:
«وأن اللجنة تستخلص من هذه الحوادث المؤسفة مغزى أعمق فى أن كل ما حدث لم يقع إلا لأن الأطراف اليمنية المعنية لم تتجاوب مع اتفاقية جدة».
هذا حسب رأينا ما أعاق تنفيذ اتفاقية جدة، ويضاف إلى ذلك السماح فى فترة التهيئة بتشكيل منظمات شعبية داخل اليمن، وتزويدها بالأسلحة لإثارة الفتن والقلاقل.
ولكن المملكة العربية السعودية لم تعبأ بكل هذه الإجراءات اعتقادا منها حسبما فهمت من قبل المسئولين فى القاهرة بأن اتفاقية جدة تطبق نصا وروحا. وما هذه الاستفزازات والدعايات إلا مجرد إثارات يقوم بها بعض المغرضين الذين ستتأثر مصالحهم الشخصية من جراء تنفيذ الاتفاقية.
وجاءت الاجتماعات التى عقدتها لجنة القادة فى مؤتمر حرض مؤيدة لهذا الاعتقاد فى بادئ الأمر؛ إذ نوقش فيها طريقة الحكم فى فترة الانتقال تحت اسم ـ الدولة اليمنية ـ واتسع لبحث تحديد عدد أعضاء كل جهاز من أجهزة الحكم فيها.
وفى ضوء ما تقدم فإذا كان رأى فخامتكم منسجما مع مفهومنا من أهداف اتفاقية جدة فإنه يسرنا أن نرسل شخصا موثوقا ومفوضا من قبلنا إلى القاهرة بناء على الرغبة التى أبداها سيادة الأخ حسن صبرى الخولى لسفيرنا فى القاهرة، وذلك للتفاهم مع من ينتدبه فخامتكم لوضع الخطوط العريضة حتى التفصيلية الرامية لحل هذه المشكلة التى لن يستعصى حلها بإذن الله ما دامت النوايا الحسنة متوفرة من الجانبين.
هذا وإننى لعلى يقين بأن فخامتكم ستولون هذا الموضوع ما يستحقه من الاهتمام، وستبذلون قصارى جهدكم لإنجاح المؤتمر، تحدوكم الرغبة الأكيدة المتبادلة فى وضع العلاقات بين بلدينا حيث كانت وينبغى أن تكون دائما قرب وتعاونا وثيقا بناء.. متمنيا لفخامة الأخ الصحة والتوفيق ولشعب الجمهورية العربية المتحدة الشقيق الرفعة والازدهار.

رسالة من عبد الناصر:
تلقي عبد الناصر رسالة الملك فيصل.. وأعد ردًا عليها أرسله للملك وقعه باسم «أخوكم جمال عبد الناصر» وكان نص الرسالة:
جلالة الأخ الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود
ملك المملكة العربية السعودية
أحييكم أطيب تحية وبعد.
فقد قابلت الشيخ محمد على الرضا، سفيركم فى القاهرة، وتسلمت رسالتكم.
وإننى لشاكر لجلالتكم مبادرتكم ومتابعتكم المخلصة لقضية السلام فى اليمن. ولقد اهتممت بما أثرتموه من آراء فى رسالتكم حول تنفيذ اتفاقية جدة.
ولقد تحدثت إلى سفيركم بكل صراحة ووضوح، وشرحت له وجهة نظر الجمهورية العربية المتحدة، وإننى لواثق أنه سينقل لجلالتكم كل ما دار بيننا فى هذا الصدد، وبهذه المناسبة فإننى أود أن أوضح أمرين:
أولهما: أننا عندما وقعنا اتفاقية جدة آلينا على أنفسنا الالتزام بهذه الاتفاقية نصا وروحا مذللين أية عقبات قد تصادفنا، وذلك لتوفير الاستقرار على الأرض اليمنية؛ لكى يستطيع شعبها العربى المجيد أن يبدأ عملية بناء حياته، وأود أن أطمئن جلالتكم أن الجمهورية العربية المتحدة ستظل على التزامها بهذه الاتفاقية التزامها بكل كلمة ارتبطت بها.
والأمر الثانى: الذى أردت أن أؤكده لجلالتكم هو أننى وشعب الجمهورية العربية المتحدة حريصون - غاية الحرص - على أن تظل روح الأخوة هى السائدة فى كل أمر يجرى بيننا، ذلك أننا نؤمن بأن العلاقات المصرية السعودية هى الأبقى، وأن كل جهد من أجل تقويتها يجب أن يبذل، ففى ذلك صالح الأمة العربية كلها. وإذا كان لشعب اليمن الشقيق اليوم مشاكله، فإن كل الأمل والرجاء معقود على أن يستطيع هذا الشعب مواجهتها والتغلب عليها بحكمة أبنائه، وبكل ما تملكون ونملك من جهد نساهم به فى هذا السبيل حتى يستقر لليمن العزيز كيانه المستقل، فنخرج جميعا من هذه القضية التى شغلتنا أعواما ونحن جميعا أقوى اخوة وعملا وارتباطا من أجل مستقبل أمتنا العربية، ومن أجل حريتها وكرامتها ورفاهيتها.
وتأكيدا منا للحرص على صون العلاقات المصرية السعودية من مضاعفات أى سبب للخلاف خارج إرادتنا، فقد اقترحنا إيفاد ممثل شخصى لجلالتكم ليكون مفوضا، وأرجو أن تكونوا على ثقة من أننا سنيسر له كل سبيل للتباحث بوضوح وبصراحة حول تفاصيل ما ذكرته فى حديثى مع الأخ محمد على الرضا.
وإننى لأسأل الله أن يمدنا بفضله ما نستعين به على توجيه طاقاتنا الوجهة الخيرة التى يتحقق بها الخير لشعبينا، ولشعب اليمن الشقيق، ولكافة شعوب الأمة العربية.
ومع تمنياتى الصادقة لجلالتكم بالصحة والسعادة، أرجو أن يتحقق للشعب العربى السعودى تحت قيادتكم كل عزة ورفاهية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كانت هاتان الرسالتان أحد السبل لعل المشكلة اليمنية.. التي لم يتوان عبد الناصر في حلها حلا سلميا مع الإبقاء على النظام الجمهوري والحرص على استقلال الجنوب، حتى تم حلها وعادت القوات المصرية.
وفي المحصلة النهائية فقد كانت حرب اليمن تأكيدًا لدور مصر ومساندتها لحركات التحرر، الأمر الذي دفع القوى المعادية إلى أن تحول هذه المساندة إلى حرب.. ولم تكن معركة مساندة ثورة اليمن هي كل معارك عبد الناصر العربية.
والعرب أيضا..
و.. وانتهى نظام الامامية المتخلف في اليمن، وانتهت معه الطائفية والقبلية، وأصبح اليمن جمهورية مستقلة ذات مجتمع موحد، وعاد المهاجرون اليمنيون، بعد أن كانت اليمن أكثر البلاد العربية طردًا لسكانها، الذين هاجروا بسبب قسوة الحكم أو قسوة الحياة.
وفي المحيط العربي لابد أن نذكر سريعًا لعبد الناصر أن تونس حصلت على استقلالها، وأجريت فيها انتخابات المجلس التأسيسي في مارس 1956 فاز فيها حزب الدستور الجديد بالأغلبية، وأعلنت الجمهورية في يوليو 1957 وانتخب الحبيب بورقيبة رئيسًا. وسافر عبد الناصر إلى تونس ليشهد أعياد استقلالها.
وبدا جيش التحرير في المغرب معاركه التي استمرت حتي عاد الملك محمد الخامس إلى العرش بعد عامين من نفيه، وانتهت الحماية على المغرب وأصبح مستقلا في مارس 1956.
وكانت تربط الملك محمد الخامس بعبد الناصر صداقة متينة وقد شارك في وضع حجر الأساس للسد العالي في يناير 1960.
وقامت ثورة في ليبيا.. وفي السودان، وتحررت كل دول الخليج، وكان صوت عبد الناصر مدويًا وهو يرفع ش عار «بترول العرب للعرب»، ويسعى لتحويله إلى حقيقة الأمر الذي قدره له كل العرب عندما تحقق الشعار بعد رحيله.
ولم يبادر عبد الناصر رؤساء الدول بالهجوم، كما أنه لم يفتعل معارك.. لقد كانت قضيته الأولى تحرير إرادة الإنسان، ومواجهة الاستعمار، واختار موقعه إلى جانب الشعوب.
ولقد اشتعلت ثورة الجزائر ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي عام 1954 ووجدت في مصر عبد الناصر السند القوى الذي أمدها بالسلاح، والعتاد. ودرب الجنود واحتضن الثوار، وخصص إذاعة سرية للجزائر.
القضية الفلسطينية:
ومن أجل فلسطين كانت ثورة عبد الناصر فقد كانت القضية الفلسطينية هي قضيته التي عاش من أجلها واستشهد علی ساحتها، وليس هناك من يجحد دور عبد الناصر بالنسبة للقضية.
الهزيمة.. قمة المؤامرات الاستعمارية
كان لابد من القضاء على عبد الناصر، وأن تظل مصر بلدًا زراعيًا متخلفًا، ولا تلحق بحضارة وعلم، وصناعة العصر. لتكون إسرائيل هي منارة المنطقة العالية التفوق والتقدم..
وكان لابد أيضا من مواجهة البعد القومى للثورة الذي بدأ ماردًا صاعدًا يقلق أمريكا وإسرائيل..
فشلت كل محاولات التآمر من الداخل، فبدأ التآمر من الخارج، وهذه المرة خطط للمؤامرة الخارجية بدقة وأسهمت فيها كل الأطراف التي تريد أن تتخلص من عبد الناصر.. وهي الأطراف التي تنهال عليه الآن لأنه مازال يزعجها بعد رحيله بأكثر من خمسة عشر عامًا.
وكانت مؤامرة يونيو 1967.. وعندما كتب محمد حسنين هيكل خطاب التنحي بعد الهزيمة، قرأه عبد الناصر قبل أن يلقيه، فوجد به جملة تقول «وأنا اتحمل نصيبي من المسئولية» أمسك عبد الناصر بقلمه، وكتب بدلا منها..«وأنا أتحمل المسئولية كاملة».
وعندما أراد صلاح نصر أن يخفف عنه صدمة الهزيمة المرة، قال له عبد الناصرإنها قصة محمد على تتكرر يا صلاح.
وكانت الدول العظمى قد تكالبت على محمد على، حتى هزمته، عندما أراد أن يخرج بمصر عن حدودها الإقليمية، ويمتد بها، ويكون لها دور مؤثر في المنطقة.
وللهزيمة العسكرية أسبابها التي يتحمل عبد الناصر أيضًا نصيبه فيها..
ومع أن اسرائيل قد احتلت أراضی تعادل ثلاثة أضعاف مساحتها، إلا أنها لم تستطع أن تقضي على روح القتال عند العرب جميعًا، ولم تحقق بالانتصار العسكرى ما كانت ترجوه من إنهاء الصراع العربي الاسرائيلي، وأن يجلس العزب ليتفاوضوا معها فلم يستسلم أي نظام عربى، كما لم يسع أحد إلى عقد صلح منفرد أو غير منفرد معها. فالعرب لم يستسلموا، ولم يفاوضوا، ولم يقبلوا الهزيمة.. ورفعوا اللاءات الثلاثة في أحلك الظروف.. وبعد الهزيمة مباشرة.. لا صلح.. ولا تفاوض.. لا مرور لإسرائيل في قناة السويس.. كما أنها لم تستطع أن توقف المد التحرري فى المنطقة ولا أن تجهز على أعمال وفكد وروح عبد الناصر.
ولقد أجريت عدة دراسات رسمية وتحقيقات في أسباب الهزيمة.. كما قامت لجنة التاريخ التي شكلها السادات بسؤال كل الذين عايشوها.. ولم تنشر بعد هذه الدراسات.
وكانت المعركة قد بدأت بعد أن وضعت الولايات المتحدة عزل مصر، والقضاء على النظم التي تسير على طريقة في التحرر والبناء.. واثقة أن عبد الناصر لن يقف مكتوف اليدين لو تعرضت سوريا لغزو فكان التلويح بغزو سوريا.
وتطورت الأمور إلى إعلان إغلاق خليج العقبة.. وأرسل الرئيس الأمريكي جونسون يقترح ارسال نائبه هيوبرت همفرى إلى القاهرة لمناقشة الأزمة مع عبد الناصر ووافق عبد الناصر، واقترح أيضا أن يسافر نائبه زكريا محي الدين إلى أمريكا على الفور، بدلا من انتظار حضور نائب الرئيس الأمريكي.. وتقرر أن يسافر زكريا محيي الدين يوم 6 يونيو، ولكن إسرائيل قامت بضربتها يوم 5 يونيو.
موعد الحرب:
لم يتصرف عبد الناصر في اتخاذ القرارات من تلقاء نفسه فمنذ بداية الأزمة جمع كل المشاركين معه في الحكم. واستشارهم، على رأسهم رجال المؤسسة العسكرية، بل أنه ثابت من المؤتمرات التي عقدها عبد الناصر في تلك الفترة مع رجاله، والمسجلة بالصوت والصورة أنه حذر من الحرب، بل وحدد موعدها بالدقة صباح 5 يونيو حيث تقوم إسرائيل بضربة مباغتة، ولكن رجال الجيش لم يهتموا بهذه التحذيرات.
وفي المحكمة العلنية التي حاكمت رجال المشير عامر قال أحد المتهمين أن المشير قال له أن العوامل تداعت بسرعة دون أن يدري، فرد عليه حسين الشافعي رئيس المحكمة قائلا بالنص:
«إن الرئيس جمال عبد الناصر عقد اجتماعا شهده جميع نوابه وعرض عليهم مسألة سحب البوليس الدولي باعتبار أنه حق لمصر، الدولة التي استضافت هذا البوليس.. وقد وافق الجميع على هذا الرأي.. ثم اتبع الرئيس هذا بأن قال بالحرف الواحد أن هذه العملية تزيد من احتمالات المواجهة العسكرية من 50% إلى 80% ونظر إلى المشير عامر فأبدى موافقة كاملة على ما قاله الرئيس من توقع، وأبدى موافقته على التنفيذ على أساس أن الموقف العسكري مستعد للزيادة المتوقعة في نسبة احتمالات المواجهة العسكرية إلى 80%.
«وأنه بالنسبة لإغلاق خليج العقبة فان الرئيس جمال عبد الناصر عقد اجتماعا أخر شهده جميع نوابه، وعرض فيه مسالة إغلاق خليج العقبة كآخر أثر بقى من آثار عدوان 1956. يمكن تصفيته وقال الرئيس أن هذا العمل سوف يرفع احتمالات المواجهة العسكرية من 80% إلى100%، وأن المشير عامر قال حينذاك بالحرف الواحد «برقبتى يا ريس».
«ولو كان المشير عامر أبدى أقل بادرة فيما يتعلق باستكمال الاستعداد لكانت هذه البادرة هي الراي الحاسم في الموضوع: وقد عقد الرئيس اجتماعًا آخر وحدد فيه موعد العدوان على وجه التقريب، وقال أنه سيبدأ بضربة جوية، وأننا سنتلقى الضربة الأولى، تكلم لأول وآخر مرة الفريق صدقي محمود قائد الطيران وقال أنه يفضل أن نبدأ بالضربة الأولى، ورد عليه المشير.. وقال أنه سيخسر حوالى 10% في الضربة الأولى، وقال له عبد الناصر يكفيني حتی 20.
أي أنه دار حوار واضح حضره المشيم والقادة، ووافقوا على كل الإجراءات..
العدوان البري أولا:
على أن إسرائيل بدأت عدوانها عام 1967، بتحركات عسكرية برية، وليس بضربة جوية كما هو شائع.
ويقول الفريق صلاح الحديدي رئيس المحكمة التي حاكمت العسكريين المسئولين عن النكسة«أنه حدث هجوم برى إسرائيلى على الحدود المصرية في الساعة السابعة والربع من صباح نفس اليوم 5 يونيو حيث قامت إسرائيل باحتلال موقع متقدم داخل حدودنا المصرية كانت تدافع عنه سرية مشاة مدعمة في منطقة أم بسيس «الأمامية» أي أن الهجوم البري قامت به إسرائيل قبل الهجوم الجوي المشهور بحوالي سبعين دقيقة، وأن إسرائيل قامت بهذا الهجوم كاختبار أخير لجس نبض رد الفعل المصري، والواقع أنه لو كان هذا الهجوم قد وجد العناية الكافية من القيادات المحلية لاعتبر بمثابة إعلان الحرب بيننا وبين إسرائيل، ولكن الغريب أن هذا الهجوم لم يأبه له القادة المحليون بل لم يعتبروه حدثًا هامًا ينبئ بأحداث أكثر جسامة لابد أن تقع في أعقابه، وبالطبع ما لبث الهجوم البري أن فقد أهميته عندما بدأ الهجوم الجوى الرئيسي ضد الطيران المصري في التاسعة إلا ربع»
فإسرائيل بدأت هجومها إذن بقوات برية على منطقة أم بسيس الأمامية قبل ضربة الطيران بساعة وعشر دقائق.
وكان يمكن أن يكون ذلك بمثابة إعلان الحرب، وبمثابة الضربة الأولى لتتحرك قواتنا على أثرها، أو على الأقل تنبه لبداية الحرب، ووقاية الطيران، ولكن ذلك لم يحدث.
ويقول الفريق محمد فوزي «أن المقدم إبراهيم سلامة قائد مكتب مخابرات العريش قد أرسل إنذارًا في الساعة السابعة صباحًا - حتى قبل احتلال قرية أم بسيس - يتحدث عن تجميع لدوريات العدو ومشاهدات أنوار وسماع أصوات عربات جنزير، واستعداده للهجوم، وقد حدث ذلك حوالي الساعة الرابعة من صباح 5 يونيو، وأرسلت الإشارة في السابعة صباحًا إلى مكتب وزير الحربية شمس بدران.. واستقبلت الإشارة، وأرسلت من كوبري القبة إلى مدينة نصر للقيادة العامة حيث كان المشير نائمًا، وتسلمها على شفيق، وعرضها على المشير في غرفته، ولم يؤشر عليها أحد.. ولكنها وصلت لهيئة العمليات في الساعة العاشرة إلا ثلث أى بعد حدوث الهجوم الإسرائيلى الفعلي»
وكان هذا إنذارًا ثانيًا.. إذا كانت القيادة العسكرية واعية وعلى حذر.. أو على الأقل تمارس مسئولياتها العادية.
وكان هناك إنذار ثالث شهير.. هو ما أطلق عليه إشارة عجلون.. كان الفريق عبد المنعم رياض قد سافر إلى الأردن ليتولى قيادة الجبهة هناك.
ولاحظت قواته على شاشات الرادارات الأردنية إقلاع الطائرات الإسرائيلية بأعداد كبيرة.. وقامت القوات الأردنية بإبلاغ هذه المعلومات لاسلكيًا إلى القيادة العامة، وإلى قيادة القوات الجوية.
ويقول صلاح الحديدى «إنه كان من الممكن أن تكون هذه البرقية نقطة تحول لصالحنا في تاريخ المعركة لو أنها وصلت في الوقت المناسب وأمكن الاستفادة من المعلومات التي تحملها ولكن القدر من ناحية، والإهمال من ناحية أخرى، وعدم أخذ الأمور بالجدية اللازمة من ناحية ثالثة والثقة السياسية من عدم قيام الحرب حالت دون الاستفادة من هذه المعلومات الثمينة بل التي لا تقدر بثمن حيث أن مفتاح هذه الشفرة كان قد تغير في الدقائق الأولى يوم 5 يونيو ولم يتمكن الذي استقبلها في القاهرة من فك رموزها حيث استخدم مفتاح الشفرة التي سبقت يوم 5 يونيو بجهل وإهمال. وقد انتهت إشارة عجلون إلى محاكمة عريف وعزله إلى رتبة عسكرى»
الضربة الأولى:
وليست القصة هي الضربة الأولى التي يتهم جمال عبد الناصر بأنه طلب بتحملها فإسرائيل وجهت إليها الضربة الأولى عام 1973، ولكنها قاتلت، وألمانيا وجهت هي الضربة الأولى، ولكنها انهزمت، والأمثلة كثيرة من التاريخ.. ولقد كانت نصيحة كل من الاتحاد السوفيتي وأمريكا ضبط النفس، وألا تبدأ مصر بالقتال، وقال ديجول أنه سيحدد موقفه على ضوء من الذي سيبدأ بالضربة الأولى..
وفي التحقيقات يروى شمس بدران قصة الضربة الأولى قائلا:
» عدت من موسكو بعد أربعة أيام وكان الرئيس في غرفة العمليات فأبلغته بنتائج محادثات موسكو فقال الرئيس: احتمال الحرب ارتفع من 80% إلي 100% وقال: «عندي معلومات مؤكدة بأن اليهود سيهاجمون، بعد غد» وأنه عرف ذلك من مصدر أمريكى وقال «أن الموقف السياسى يحرمنا من الضربة الأولى، لأن أمريكا ستدخل في الحرب لو حدث هذا واحنا مش حمل الكلام ده». واعترض صدقى محمود قائد الطيران وقال: «إن الضربة الأولى من اليهود ستصيبنى بالشلل؛ وقال له المشير: تحب الضربة الأولى، ولا تحب أن يتدخل الأسطول السادس.
صدقى: خلاص.
المشير: ما هي الخسائر؟
صدقى: الخسائر 20%
المشير: عجز 20%وتحارب إسرائيل أو تحارب أمريكا؟
صدقي: أحارب إسرائيل فقط« .
وهكذا وافق المشير على تحمل الضربة الأولى التي لم تكن مفاجئة بعد كل هذه التحذيرات، وفي ظل الاستعداد للحرب. بل والمذهل أن عبد الناصر حدد موعد العدوان فعلا في التاريخ الذي وقع فيه وهو يوم 5 يونيو.
يقول الفريق صلاح الحديدي رئيس المحكمة العليا التي حاكمت قادة الطيران «إن الرئيس جمال عبد الناصر أمر بعقد مؤتمر سياسي مساء يوم 2 يونيو حضره كل من السادة أنور السادات، وحسين الشافعي، وزكريا محي الدين، وعلى صبرى، وعدد من القيادات السياسية كما حضره المشير عبد الحكيم عامر وقائد القوات الجوية ومساعدوه، ورئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة ومساعدوه، ورؤساء الهيئات العسكرية، بعض مديري الإدارات، وكان هذا أكبر مؤتمر سیاسى عسكرى عقد حتى ذلك الحين ونقطة التحول في المعركة.
واستعرض الرئيس الموقف السياسي بالتفصيل وانتهي إلى أننا كسبنا المعركة السياسية، وأن إسرائيل خسرتها على طول الخط.
ومن الناحية الأخرى فإن الظروف الدولية تحتم علينا ألا نتبع استراتيجية عدوانية حتى لا نضحى بموقف أمريكا وباقى الدول الكبرى منا، ولا سيما بعد أن أعلن الجنرال ديجول أن فرنسا ستقف ضد البادئ بالعدوان.
وأوضح الرئيس بأن إسرائيل ليس أمامها إلا أن تسلم بالأمر الواقع أو أن تعلن حربا علينا، وعلى الدول العربية المتاخمة.
وأشار إلى أنه لا يستبعد الاحتمال الأخير، بل يتوقعه مائة في المائة لا سيما بعد تشكيل وزارة حرب وتعيين الجنرال موشي ديان وزيرًا للدفاع في هذه الوزارة، وكذا بعد الاتفاق الذي تم مع الحكومة العراقية على إرسال قواتها للأردن للمشاركة في المعركة القادمة.
وأعلن أن استراتيجيتنا وقد تحولت إلى استراتيجية دفاعية بحتة تلزمنا أن نكون في حالة يقظة قامة من أعمال العدوان إن قامت بعمليات هجومية واسعة وهذا غير مستبعد بل محتمل جدًا فلن يتأخر قيامها بهذه العمليات عن يومين أو ثلاثة «أى - 4 - 5 يونيو  . «
ويقول الفريق صلاح الحديدى« إن صدقى محمود اعترف في المحكمة أمامي بأنه أصدر التعليمات لزيادة الاستعدادات بعد أن حضر هذا المؤتمر، وهذا الاعتراف من الفريق صدقي محمود حقيقة، كما أن تحذير عبد الناصر حقيقة مثبتة في السجلات العسكرية، بل أن اللواء إسماعيل لبيب قائد الدفاع الجوي كان يعمل تحت أمر صدقى مباشرة، حوكم على تهمة واحدة وأُدين فيها، وهي انه لم يُبلغ المرؤوسين له بتعليمات قائد الطيران الفريق صدقي الخاصة برفع درجات الاستعداد وقد دافع عن نفسه بأن القوات الجوية كانت في أعلی درجات الاستعداد«
ويقول الفريق محمد أحمد صادق رئيس المخابرات الحربية:
« إن عبد الناصر تقف عقد مؤتمرًا وهو مسجل بالصوت والصورة وذكر أن السيد الرئيس عندما لاحظ تجمع قوات العدو أمام مثلث رفح والعريش، أبو عجيلة «ثلاث عمليات» خلاف مجموعة لواء مدعم أمام غزة أوصى بتقوية الدفاع في اتجاه رفع.
وكنت قد أشرت في تقريري الذي قدمته له أن العدو أكمل استعداده للهجوم، ويستطيع أن يبدأ من فجر 3 يونيو، فرد الرئيس عبد الناصر قائلا أعتقد أنه من المرجح أن يبدأ في 5 يونيو «وهذه حقيقة للتاريخ « :
«عقب انتهاء الاجتماع توجهت إلى مكتب السيد المشير عبد الحكيم عامر، وبوجود الفريق صدقی محمود، واقترحت إخلاء مطارات سيناء المتقدمة لتعذر تجنب المفاجأة وطلبت أن توزع الطائرات في المطارات الأخرى، ولكن الفريق صدقي رفض هذا الرأى رغم أن المشير كان يضم رأيه إلى رأيى، وعقب صدقي، وقال: أنه أدرى بعمله مني، وأنه لا يريد أن يؤثر على الروح المعنوية لطياريه.
ويقول أمين هويدى: أن الرئيس عبد الناصر حدد تقديراته يوم 2 يونيو كالآتي:
- أن إسرائيل سوف تبدأ عملياتها خلال يومين أو ثلاثة بل حدد سيادته يوم 5 يونيو موعدًا لبدء الهجوم الاسرائيلي.
- أن إسرائيل سوف تبدأ عدوانها بالضربة الجوية.
- أن إسرائيل تعتمد على المفاجأة والمرونة وأن معركتها قصيرة.
ولكن هذه التقديرات لم تتجاوز خارج القاعة.. حيث استمع القادة للتوجيهات ولم يتخذوا أي قرار لتنفيذها، أو لتحويلها إلى عمل، فخرجوا من الاجتماع الذي تحدد فيه موعد بدء الهجوم.. وكأنهم لم يسمعوا شيئًا..
الانسحاب الكارثة:
رغم كل هذه التحذيرات ففي صبيحة 5 يونيو كان المشير عامر وكل قيادة القوات المسلحة الكبار يستقلون طائرة في الجو لتفقد القوات في سيناء.
وكان بقية القادة يودعون المشير في المطار، أما قادة كل القوات الموجودة بسيناء فقد كانوا مجتمعين في مطار بير تمادا انتظارا للمشير.
أي أنه وقعت الضربة الجوية، والمشير ورجاله في طائرة، وقد قيد إطلاق المدفعية المضادة للطائرات لأن المشير في الجو، كما أن كل القادة كانوا بعيدين عن مواقع قياداتهم حتى قادة الفرق والألوية.
يضاف إلى ذلك الحفل الذي أقيم في قاعدة أنشاص الجوية ليلة 5 يونيو، والذي تحول فجأة إلى حفل ساهر واستمر حتى ساعة متأخرة من الليل.
ولم تكن الكارثة فقط في الضربة الجوية.. التي سبقتها ضربات برية - ولكنها كانت في قرار الانسحاب الذي اتخذه المشير عندما علم بضرب الطيران دون دراسة، وهو القرار الذي وصفه بعض السياسية بأنه كان أمرا بالانتحار «  .
ويقول الفريق اول محمد فوزي أن المشير طلب منه وحالته النفسية منهارة، وضع خطة لانسحاب القوات من سيناء خلال عشرين دقيقة. واستدعى الفريق أنور القاضي رئيس هيئة الأركان واللواء ممدوح التهامي مساعداه. وبعد أن وضعوا الخطة مكتوبة توجه للمشير قائلا أنهم وضعوا الخطة على أن يتم سحب القوات بعد أربعة أيام، ورد المشير قائلا «أربعة أيام إيه يا فوزى أنا أعطيت أمرًا بالانسحاب.. خلاص«  .
ولم يكن هناك قرار مكتوب أو منظم لعملية الانسحاب حتى أن بعض القوات كانت تنسحب بينما كانت هناك قوات أخرى متجهة إلى الجبهة، بل أن المشير نفسه أراد أن يدفع الفرقة الرابعة المدرعة إلى سيناء بعد قرار الانسحاب بأربعة وعشرين ساعة إلا أن قادتها رفضوا.
المسئولية السياسية والعسكرية:
في كل الحروب تقع المسئولية على القيادة العسكرية التي تتسلم المعركة وتوافق على قرار القيادة السياسية بالحرب وتقبله وتقوم بتنفيذه. ولو أن القيادة العسكرية أبدت رأيًا مخالفًا، وقالت إنها غير مستعدة لتغير الموقف تمامًا.
ففي كل الاجتماعات، وفي كل المؤتمرات، وفي كل المناقشات التي دارت قبل الحرب، والتي اتخذت بعدها خطوات قد تؤدي إلى المواجهة، لم يبد القادة العسكريون من مختلف المستويات أنهم غير مستعدين.. كما لم يعترضوا على إجراءات القيادة السياسية بل وافقوا عليها وساهموا في صنعها. وبذلك أصبحوا مسئولين عن ممارسة مهامهم.
على أن المؤسسة العسكرية طوال سنوات عبد الناصر، كان لها من السيطرة والقوة والعنفوان ما يجعلها وحدها قادرة على تحمل المسئولية وأن تبدي رأيها، فقد كانت في الواقع هي التي تحكم.
ولم يعلن عبد الناصر كل ذلك، وإنما أعلن مسئوليته الكاملة عن النكسة، وآثر التنحي، وخرجت الجماهير تعلن تمسكها به، وشارك في هذه المسيرات الحاشدة كل الشعب حتى ربات البيوت اللواتي خرجن ملتاعات يعلن تمسكهن بقيادة عبد الناصر، ولو أن تنظيمًا كان قادرًا على إخراج كل هؤلاء الجماهير في ظلام الليل، وفي محنة الهزيمة لكان أقوى تنظيم في العالم، ولما وصلنا إلى ما وصلنا إليه بعد ذلك من ردة على كل المنجزات، التي قام الاتحاد الاشتراكي ليدافع عنها.
وإذا كان هناك - كما يقولون - من دفع الناس في مصر إلى الخروج تمسكًا بجمال عبد الناصر، فمن الذي دفع الجماهير إلى مثل هذا الخروج الحاشد في كل الوطن العربي، بل من الذي دفع العرب في كل العواصم الأوربية إلى الاعتصام في السفارات حتى يقبل عبد الناصر التراجع عن قرار التنحي.
حرب الاستنزاف:
بعد أقل من عشرين يومًا من عودة عبد الناصر بدأت مدافع مصر تنطلق في اتجاه العدو، رفضًا للهزيمة، وتحديًا للأمر الواقع، وكانت معركة رأس العش في أول يوليو، وبعدها لم تسكت المدافع المصرية، وانطلقت قوات مصر المسلحة تقوم بواجبها في إزالة آثار العدوان، فيما أطلقت عليه إسرائيل اسم حرب الاستنزاف، وأطلقت عليه مصر مرحلة الردع استعدادا لمرحلة التحرير.
وأعلن عبد الناصر أن القدس قبل سيناء، والجولان قبل سيناء، ورفض في ظل الهزيمة أن يساوم على حق الشعب الفلسطيني أو على الأرض المحتلة، ورفض الصلح بشروط جيدة من العدو الغاصب الذي أبدى استعداده للتنازل عن سيناء.. وأعلن أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.
وأعاد بناء القوات المسلحة تدريبًا، وتسليحًا وإعدادًا، فى الوقت الذي كان يقاتل فيه العدو.
وأنشئت منظمة سيناء، وعبرت القوات المصرية لتقوم بأعمال فدائية ضد العدو.
وبعد معركة رأس العش بشهرين أغرقت القوات المصرية أكبر قطعة بحرية لدى العدو وهي المدمرة ايلات ومعها 250 بحريًا إسرائيليًا.. ثم تصاعدت العمليات العسكرية ضد العدو مما اضطره إلى أن يضرب في العمق. ولقد كان رأی قادة إسرائيل أنهم هزموا العرب، وقضوا على إرادة القتال عندهم، وأعلنوا أنهم ينتظرون أن يسلم عبد الناصر، ولكنهم فوجئوا بأن إرادة القتال لم تُهزم، وأن عبد الناصر يعيد بناء القوات المسلحة من صفوة أبناء مصر الخريجين، وهو يقاتل في نفس الوقت، فكانت حرب الاستنزاف مناورة كبيرة استعدادًا للمعركة الفاصلة، وتطورت حرب الاستنزاف تطورًا محسوبًا ليصل في نهايته إلى مرحلة التحرير.
وكان عبد الناصر عندما عهد إلى الفريق محمد فوزي بناء القوات المسلحة من جديد قد طلب إليه أن يخلص من هذه المهمة خلال ثلاث سنوات تنتهي بتحرير الأرض.
وكان عبد الناصر يتابع عمليات البناء، كما كان دائم التردد على الجبهة واللقاء مع أفراد القوات المسلحة، وبحث احتياجاتهم بنفسه.
وخلال حرب الاستنزاف كانت جملة خسائر إسرائيل أكثر من خسائرها في كل حروبها مع العرب على جميع الجبهات.
وفي أواخر سنة 69 استكملت القوات المسلحة هيكلها التنظيمي الذي خطط بناءه على أساس الخطة 200، ونجحت مصر في إقامة أكبر شبكة دفاع جوى على أحدث الأسس المتطورة في العالم. وتمكنت القوات المسلحة من تغيير الموقف العسكري لصالحها، وتأكدت الولايات المتحدة أن تصعد حرب الاستنزاف ليس لصالح إسرائيل، وأن الاستنزاف بعد الخسائر الجسيمة التي لحقت بإسرائيل هو استنزاف للمعدات الأمريكية، التي تعمل بها إسرائيل، أعلنت أن هذه هي الحرب الوحيدة التي خسرتها خلال المواجهة العربية وقامت الولايات المتحدة بمبادرة لإنهاء النزاع تقوم على إيقاف إطلاق النيران لمدة ثلاثة شهور فيما عرف باسم مبادرة روجرز، وقبل عبد الناصر المبادرة بعد أن التقى بالفريق فوزى ليكون جاهزًا بخطة العبور جرانيت بعد انتهاء وقف إطلاق النار..
وكان واضحًا أن قبول وقف إطلاق النار يهدف تحريك حائط الصواريخ إلى الأمام خلال هذه الفترة. وقد قدمت إسرائيل أكثر من شكوى ضد مصر لأنها نقوم بأعمال عسكرية أثناء فترة وقف القتال.
ويقول الفريق محمد فوزى «أنه في أكتوبر 1971 حدد المارشال جريتشكو، التفوق في القوي بين الجبهتين المصرية والسورية وبين إسرائيل بنسبة 2 إلى 1 كما كان متفقًا عليه في خطط عمليات تحرير الأرض في نهاية 1970 وأوائل عام 1971 وأن هذا التفوق يمكن أن يصل إلى 3 إلى 1 لصالح الجبهة المصرية، بالإضافة إلى ما كنا نتوقعه من إمدادنا طائرات ميراج من القوة الليبية، التي اشترتها الثورة الليبية من فرنسا، وأرسل فنيون مصريون للتدريب عليها تحت ستار هوية ليبية»
وقال عبد الناصر للفريق فوزى، ولمحمود رياض وزير الخارجية
«إن توقيت المعركة لن يتجاوز ربيع 1971»
ويقول الفريق أولى محمد فوزي «أنه التقى بالرئيس السادات يوم 26 أبريل 1971 في جلسة منفردة معه استغرق أكثر من ساعة، كان التركيز خلالها منصبًا على تنفيذ الخطة جرانيت وهي الخطة المرحلية لتحرير الأرض الشاملة، وكان الرئيس ناصر قد صدق على تنفيذها في سبتمبر 1970 وتقضي باقتحام القوات المسلحة قناة السويس وتدمير القوات الإسرائيلية، شرقها والوصول إلى خط المضيق الاستراتيجية.
معركة الاستقلال الوطني:
كان الاستعمار يتربص بمصر المستقلة سياسيًا واقتصاديًا المتحررة من النفوذ الأجنبي ويريد عزلها عن الأمة العربية، وهي المحاولات التي سعى لها طويلًا بضرب الثورة بعد أن نشطت الولايات المتحدة في إسقاط نظم زعماء العالم الثالث الذين كانت لهم فاعلية في حركة عدم الانحياز، وتأييد حركات التحرر.
وكانت هزيمة 1967 مؤامرة اشتركت فيها أطراف كثيرة بهدف القضاء على ثورة مصر وإرادتها وتحجيم دورها، ولم تحقق الهزيمة رغم قسوتها ما أرادته الولايات المتحدة وإسرائيل، وقاومت الثورة فرض الهزيمة. فرفضت الصلح، أو التفريط، أو التنازل وأعادت بناء قواتها المسلحة، ودخلت بها حربا لاستنزاف قوات الاحتلال الصهيوني، ودعمت منظمة التحرير الفلسطينية، ووضعت خطة لتحرير الأرض.
والذين يهاجمون عبد الناصر، ينسون دائمًا أن الهدف كان القضاء على استقلال مصر، وحريتها، وإعادتها إلى التبعية.. وعزلها عن أمتها العربية. فهل تراهم يفعلون غافلين، أو متعمدين.. وعندها يكون السؤال.. من هم أصحاب المصلحة في هذا الهجوم..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق