خارج الظلم والنفاق .
منصف البوزازي .
في تونس 2021 طائفتان ، من الظالمين المنافقين اختلفتا فاتفقتا ، طائفة تناهض
التحرر الوطني بالديمقراطية ، و الأخرى تناهض الانعتاق الاجتماعي بالديمقراطية ،
فهما مختلفتان ، و تجهل كلتاهما التحرر الوطني و الديمقراطية و الانعتاق الاجتماعي
، فهما متفقتان ...
ثلاثية التحرر الوطني و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية هي جوهر الفعل
السياسي و الجماهيري و الحقوقي و الحزبي الذي تعيشه تونس المعاصرة ..
طائفتنا تثيران في تونس عاصفة كبيرة من الجدل و النقاش في عقول شبابها حتى
تكاد تلهيه عن التصدي الواعي للمشكلات الحقيقية لشعبه و سبل حلها ..
هذا حديث للطائفتين تباعا ، حديث ليس عن كل من الديمقراطية و التحرر الوطني و
العدالة الاجتماعية بل حديثا عن العلاقة بينها ، و تداخلها في سياق بناء تونس
الجديدة . حديث نريد من خلاله توجيه شبابنا الى الخروج من دائرة الضباب الكثيف
الذي تثيره المعارك الوهمية للطائفتين الى مربع الفعل الناجز الذي يحدث التغيير ..
1 ـ عن الظالمين :
طائفة واسعة في تونس كانت عبر عقود متمكنة من مقدرات البلاد و مهيمنة على كل
مفاصل الحياة ، و كانت مصالحها و مواقعها في الحكم متشابكة و مرتبطة بعديد الدوائر
الدولية ، مالية و أمنية و تجارية ، هذه الطائفة تمكنت خلال عشرية ما بعد 17
ديسمبر2011 من نسج جملة من العلاقات الداخلية و الخارجية مكنتها من التواري و
الانسحاب التكتيكي الى الوراء .
هذه الطائفة التي أضعفتها ثورة الشباب و قواه الحية و شتتت قواها و بعثرت
مخططاتها تعود اليوم الى الساحة من بوابة الديمقراطية ، تعود الى ممارسة نفس الدور
و بنفس الآليات اعتمادا على منجز الحرية الذي ناهضته لعقود ...
أن الذين ناهضوا الديمقراطية لعقود لا يمكن أن يتحولوا الى ديمقراطيين ، و
الذين عاشوا طوال حياتهم وكلاء للدوائر الدولية لا يمكن أن يصدقهم شعب تونس أذا
تحدثوا عن السيادة الوطنية ..
أنهم يريدون" دمقرطة " عمالتهم و تغليف ولاءاتهم الخارجية برداء
الحريات .. انهم يريدون مقايضة الشعب التونسي بين حريته و تحرره ، يريدون ركوب المنجز
الديمقراطي لتثبيت و تبرير بقاء تونس في نفس المربع الموالي للغرب و المحافظة على
ذات المصالح التي تضمنها العلاقات التاريخية بينهم ..(يقول أحد أعضاء هذه الطائفة
، الصادق شعبان :الديمقراطية سوف تعيد الدستوريون الى الحكم من جديد ..).
تثير هذه الطائفة اليوم في تونس زوبعة كثيفة حول الديمقراطية ، و يعلو صوتها
عبر وسائلها المتعددة دفاعا عن الحريات ، و تعتمد في ذلك على تلويناتها المختلفة
تضليلا و رياءا وهي بذلك لا ترغب الا في ترذيل الديمقراطية و تشويهها و نسف ما
حققه الشعب التونسي بدماء شهدائه عبر عقود في سبيل حريته ..
أنهم يناهضون التحرر الوطني و السيادة الوطنية و يعارضون استقلالية قرار شعب
تونس في التحكم في ثرواته و مقدراته و بناء مستقبله الحر ، و يتسترون في سبيل ذلك
بالديمقراطية خداعا ، أن الديمقراطية في غياب السيادة الوطنية لا تعدو أن تكون
مجرد غطاء للهيمنة الخارجية و تبريرا للسيطرة و العدوان الناعم ..
هؤلاء ظلموا أنفسهم و ظلموا البلاد لعقود ، و لن يستمر ظلمهم، لان الديمقراطية
قد حصنت شعب تونس منهم و من مشغليهم ...
2 ـ عن المنافقين :
فئة ثانية لا تقل غوغائيتها و ضجيجها عن الأولى ، و رغم حداثة عهدها بالحكم و
قلة معرفة التونسيين ببرامجها و حقيقة نواياها ، و رغم محاولة تموقعها في صفوف "
الثوار " ، الا ان اندفاعها السريع نحو التمكن و التمكين و تشبثها الزائد عن
اللزوم بصندوق الاقتراع و بنتائج الانتخابات قد كشف بالسرعة ذاتها لدى عموم الشعب
أن الديمقراطية لديها لا تعدو أن تكون سوى سفينة تركبها ، بعد طرد راكبيها القدامى
، كي تقودها في نفس الاتجاه و اعتمادا على نفس المحددات البحرية و الجوية ...
عنصر قوة هذه الفئة هي قدرتها على أنتداب القوى التي تناقضها جوهريا ، أي
القوى التي لا تعيد طرح القضايا الجوهرية ، المواضيع التي تهم التونسيين ، مواضيع
الشأن الاقتصادي و الاجتماعي و تغيير منظومة المجاميع المتحكمة في حياة الناس ..و
قد تفطنت الفئة الظالمة لهذا المنحى و تأكدت أن أقصى ما يطمح له المنافقون ليس سوى
المشاركة في الحكم و أخذ نصيب من أدارة الشأن العام وفق نفس القوانين القديمة ..
الديمقراطية في قاموس هذه الفئة لا تعدو ان تكون سوى لعبة انتخابية و صناديق و
معونات خيرية و بروبقندا إعلامية و لا علاقة لها بحياة الناس ، و لا صلة لها بكل
ما هو اقتصادي و اجتماعي ...
خلاصة ما انتهت اليه سياسات هذه الفئة على امتداد 10 سنوات هو ترذيلا
للديمقراطية و تقديمها للناس فارغة من أي مضموم اجتماعي و خالية من أي وقع تنموي يعيد
للجهات و للفئات دورها في الكرامة و العزة و الرخاء ..
بهكذا تمشي وبهكذا سياسات ، تفطن التونسيون الى نفاق هذه الفئة ، و تبينت
مناهضتها للعدالة الاجتماعية بل معاداتها لها تحت غطاء الديمقراطية ...
أنهم يناهضون العدل الاجتماعي و يعارضون بكل السبل التوزيع العادل للثروة بين
عموم التونسيين و يعمدون الى مواصلة تركيز مفاعيل الرأسمالية الطفيلية الفاسدة تحت
جبة الحريات الانتخابية و أغلبية الصندوق المبنية على المعونات الخيرية و فقر
الناس
..
3 ـ بعيدا عن الظلم والنفاق :
بعيدا عن الجهل بالديمقراطية وبعيدا عن الجهل بالعدالة الاجتماعية وبعيدا عن
الجهل بالسيادة الوطنية ، بعيدا عن الظلم والنفاق وما يحدثانه من لغو وسفسطة وجدل
عقيم ، بعيدا عن الغبار الذي يثار حجبا للحقيقة وتغييرا للمسار ، نريد ان ننبه شباب
تونس ومستقبلها وقوة بنائها ومحرك نماؤها وعزتها ، نقول بكل الثقة فيهم وفي أنفسنا
أننا وإياكم حماة للديمقراطية والمدافعون عنها والساهرون على تثبيتها وتدعيمها وتحصينها
، نحن جميعا من تضررنا من غيابها ولن نسمح بتلويثها وترذيلها وتشويهها ..
نحن أكثر المتمسكين بالديمقراطية بما هي أسلوبنا في التطور ، بما هي أداتنا في
النهوض وبما هي درعنا في التحرر والسيادة ، ان الديمقراطية هي كرامتنا وهي عنوان
عزتنا ومبعث فخرنا ، وهي سبيلنا في تحويل تطلعاتنا الى واقع نعيشه ..
سيادتنا وكرامتنا ورفاه شعبنا هي مضامين ديمقراطيتنا ، هي جوهرها وركائزها وأعمدتها
ولن نقبل بغيرها ديمقراطية ولن يهدأ لنا بال ولن نستريح الا وقد تحولت الديمقراطية
الى مشروع للنمو والعدالة والعدل والاستقلال ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق