شكري عاد وحيدا ... أو ما يبقى يؤسّسه الشهداء ...
فتحي المسكيني
إلى
شكري بلعيد ، ابن الجبل الذي لم يبع جلده لعلّيسة ولا للكاهنة ... فمات واقفاً في
صخب الزهور الحرة والأغنيات الجديدة ...
شكراً حبيبي
سيّدَ الشهداءِ
شكراً
لتقريب السّماَ
من حاجبيها كي ترى
دمَنا
وتعرفَ أنّنا حجرٌ
من الريحان
شكراً
لأقدام الطريق
كيف تحملنا إليه
في الأفق
شكراً
سيّدُ الشهداء
مرَّ من هناك
مرّ خلف الروح مرتاحا
كأوراق الضحى
تحت الدخان
لا تنثني
يا زفرةَ الروح الأخيرةِ
لا تلومي أحداً
لا تأكلي ثمر الجنان
صومي قليلا كي يمرّ اللهُ
في دمنا
ويتلو جرحه
قبل الظلام
لا
لا تلومي أحداً
كلّ البلابل شاركت
في حمل نيران الحشا
للمنجنيق
يا تونس الأخرى
أجيبي
أينما كنت
لماذا سُرق العطر من القلب
على عجلٍ
لِمَ لم تفتحي شبّاكَ روحي
قبل هذا اليوم ؟
لِمَ انتظرت كلّ هذا الوقتِ
كي تلدي إلهاً
من بشرْ ؟
وقفوا جميعاً
تحت سور الروحِ
ينتظرون
مشيتَك الأخيرةَ في دماهم
مثل زهر اللوزِ
لا ينسى
حفيف العابرين إلى السحرْ
لا يهمُّ
كيف جاء الموتُ مرتاحاً
إلى البيت
وألقى ظلّه في ناظريك
كلّ ما فيك شهيدٌ
سمرةُ الوادي
وعمرُ القلبِ
يرنو
في ثنايا حاجبيك
عادوا إليك من الكهوفِ
ليسرقوا
أنشودةَ الآتينَ
في صوتِ المسا
كيف أخفى صمته
في وجنتيك
كلّ ما فيك شهيدٌ:
نظراتُ النّسرِ
أصواتُ الصباح الحرِّ
بسماتُ الطريقِ
إلى البعيد
كلّ ما فيك رعودٌ للّقاَ
وزوابعْ
للرحيل
رقصٌ على حدود الروحِ
أرّقهم
وكم ظنّوا بأنّك لا أحدْ
يا حبيبي
كم من بلدْ
سوف ينجو بيديك
كم من بلدْ
يبسط الآنَ لحافَ الروحِ
كي تمشي إليه
زهرةً في الروح تجري
أو جسدْ
يا سيّد الشهداء
يا ترتيلة العشق العنيده
بعيونٍ
تتعثّرْ
كم أنت فوق القلبِ تمشي
منذ جيلينِ
وأكثر
كم أنت أنت
كم أنت منتصب
بموتك
سنديانٌ
من دموع وقمرْ
كم أنت منتصب
بموتك
باسقاً
في كل شبرٍ من بكاء الروحِ
ترفع جنّتين
واحدةً
لمن جاؤوا بلا وطنٍ
إليكْ
يطلبون الإذنَ بالحزن عليكْ
وواحدةً
لمن عبروا بقلبكَ
نحو أنوار جديده
في يديك
ما رأيتُ إذْ رأيتْ
كلّ أنواع القيامه
في جسدْ
شكراً لصوتك
كم دوّى على كثبٍ من الروحِ
ولم يصلوا إليك
شكراً
لآلام الضحى
في وحدة الآتين
لم يصلوا إليك
شكراً لحلمكَ
كم ألقى من اللهِ على دمنا
ولم نسمعْ حفيف الروحِ
إذْ أنت تصلّي
في الطريق
واقفاً في القلبِ
صوماً جائعاً للأقحوان
دولةً في سنبله
لا لم يضقْ عنك البلدْ
كلّ طريق قنبله
من ياسمين
صلّيتَ وحدك
دوننا
ورحلت للآتين
تُعلمهم
بأنّا وحدنا
خلف الطريق
شكراً لموتكَ
قد أعاد إلى السؤال طقوسه
وأعاد للموتى مودّتهم
يا لموتك يا سيّد الشهداء
كم أهدى إلى الآتين أرجلهم
كم أعطى إلينا من مدينه
في جسدْ
لا
لن نُهنّي فرحَ الأطفال
بالمنفى
ونوصي بالمدينه
للشجرْ
لا
لن نعزّي جرحه
في دمعتين
تحت أنّات المطرْ
لا
ليس في القلب حدادٌ
أو سوادٌ
للقمرْ
يا أيّها الشهداءُ
هبّوا....
في دمانا
كلّ أنواع القدرْ
يا أيّها الشهداءُ
يا ترنيمة النسرينِ
خلف القلبِ
يا صمت الألمْ
في بسمتين
للوردة الأولى بكاء الروحِ
وللأخرى كفنْ
لا
لن تسرقوا أصواته
من صمتنا
لا
لن تحرقوا أوراقه
في موقد الروح الأخيره
كلّ المدائن سارعت
للبسمة الأولى
وجاءت بالقمرْ
في سلّة الليمونِ
ذوقوا من دمانا
ليس أشهى من إلهٍ
في بشرْ
قد ألّهوه
حينما مرّوا به
قدراً ..
محمولا على الأعناقِ
خطّافاً
على ورق السحاب
زوابعاً
تُلقي خُطاه على المدينه
ألّهوه
حينما صاموا به عن حزنهم
جاؤوا عطاشى
للألمْ
أفرغ القلبُ مساجده
وجاء كي يصلّي
في يديك
حمل العصرَ إلى صمت الشوارع
مليون عام
في دقيقه
تحت أنّات المطرْ
جثمانُ من هذا ؟ تقول الريح...
كيف يسبقني إلى الآتين ؟
يقطف دمعهم قبلي
ويسخر من خطاي ؟
موتٌ
بكلّ أعراس المدينه
موتٌ
يفجأ الموتى
ويدعوهم على عجلٍ
إلى قلب المدينه
خرجوا إليك
بكلّ أعراس الوطن
كي يمسحوا دمهم
بدمعك
يا زائر الأجيالِ
منذ الآن
بالبسمات
والمنفى القليل
خرجوا إليك
ليقطفوا
بسماءِ عينيك
مدينه
وأناشيدَ جديده
للحنان
كم أنت وحدك عالياً
في دمعات من جاؤوا
لتوديع الزمان
شكراً لموتكَ
قد عاد بنا
نحو المكان
لم يسبق لآلام المدينه
أن تغنّي
مثلما غنّت لنا
جسدٌ بلا أعضاء
يمشي في خطانا
كالنخيل
كلّ القرى
تجري إلى وجه النهارِ
كلّ صوت سنبله
وملايين حديقه
أبدٌ صغيرٌ
نام في تلك الدقيقه
فجأةً
صرنا ضيوفاً في يديك
حسدوك أن تبقى جريحا
في الأفق
فاحترسْ
يا أيّها الوردُ الذي سالَ
على كتف الشفق
احترسْ
من صمت أعينهم
من شوك أيديهم
ومن جُبن الورق
أنت قطعاً لم تمت
بل عشت أكثر من خطاهم
في الطرقْ
نمْ قليلا
يا أوّل الآتين
من غدنا إلينا
وتألّق
فوق أكتاف الضحى
مثل نجم من عبقْ
قد تركت شمعتينِ
وسنبله
خلف العمُرْ
فانتظرنا خلف أنّات النهار
وهتافات السحر
شمعةٌ أخرى
وينمو زهرنا
تحت أنظار يديك
مثل أنوار الفلق
شمعةٌ أخرى
ونأتي بالأفق ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق