بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 30 ديسمبر 2024

انتحار أنور...

  PDF

انتحار أنور... 

د . عصمت سيف الدولة .

لماذا فقد السادات الشرعية الأخلاقية قبل الشرعية الدستورية ؟

وكيف اختار جلاده بدقة وجهز مسرح النهاية الطبيعية ؟

من أهم وأصعب النظريات التي يدرسها الطلبة في كليات القانون وتشغل فقهاءه وقضاءه وفيها يختلفون ما تسمى "نظرية السببية" . فالقانون يرتب آثاراً مجزية نافعة أو جزائية رادعة على أفعال يحددها . ومع وقوع الفعل يبدأ تحديد المسؤول عن وقوعه . ويتحدد المسؤول أو المسؤولون تبعاً لتحديد "سبب" وقوع الفعل . هنا ، عند محاولة تحديد السبب ، تثور أعوص الإشكالات الفقهية . ففي الواقع يكون كل فعل نتيجة نهائية لسلسلة من الأسباب المتعاقبة أو المتعاصرة ويكون على القائمين على تطبيق القانون تعيين السبب المسؤول عن وقوع الفعل بحيث لو استبعدت كافة الأسباب الأخرى لوقع الفعل ولو تخلف هو ما وقع . بعد ذلك وليس قبله يمكن تحديد الفاعل المسؤول .

نضرب مثلاً من وفاة أنور السادات . تقول تقارير الأطباء أن سبب الوفاة صدمة عصبية مصحوبة بتهتك في أنسجة الجسم الداخلية ونزيف دموي حاد . ما سبب الصدمة العصبية .. الخ ؟ اختراق عدة أجسام صلبة جسم المجني عليه وإحداثها الإصابات . ما سبب الاختراق ؟ انطلاقها من بندقية سريعة الطلقات مخشخنة . وما سبب ذلك ؟ .. إنها كانت مصوبة إلى اتجاه المجني عليه . لماذا ؟ .. لأن مطلقها قد أعدها وصوبها نحوه . وما سبب الإعداد والتصويب ؟ .. قصده قتل المجني عليه . وما سبب نجاحه فيما قصد إليه ؟ . مناسبة المكان وإهمال الحراسة وهروب الحراس . وما سبب قصد القتل ؟ .. لأنه قد حدث كذا وكيت من فلان أو علان .. وهكذا يمكن متابعة سلسلة الأسباب متراجعة في الزمان إلى درجة يمكن القول معها ان المجتمع الذي وقع فيه الفعل هو السبب في وقوعه . وقد قيل هذا فعلاً . وساد . منذ أن نشأت المدرسة الوضعية (الاجتماعية) في علم الإجرام بريادة الفقيه الايطالي لمبروزو وقيادة زميله العبقري الفقيه فري .. وانكمشت حتى كادت تتلاشى المدرسة الفردية التي حملتها الثورة الفرنسية من مخلفات عهد الإقطاع والتي تحصر السببية فيما يسمى السبب المباشر وتنسبه إلى قصد صاحبه منه .

طبقاً لهذه النظرية الأخيرة قتل أنور السادات لأن خالد الاسلامبولي قد قصد قتله وأعدّ لذلك أداة القتل فلما أن اقترب منه يوم ٦ أكتوبر ١٩٨١ أطلق عليه الرصاص فقتله . وقد حوكم خالد الاسلامبولي طبقاً لهذه الصيغة وحكم بإعدامه وأعدم وانتهت "القضية" ..

هنا يبدو واضحا الخطأ القاتل في نظرية السببية المباشرة . وتساهم شخصية المقتول وشخصية القاتل في كشف هذا الخطأ إلى درجة لا يمكن تجاهلها . فمن غرائب تلك القضية  أنه بينما استطاع الدفاع عن خالد الاسلامبولي أن يقدّم إلى المحكمة العسكرية عشرات الأسباب الخلقية والفكرية والسياسية والمالية لإدانة المقتول ، لم يستطع أن يقدّم سببا مباشرا واحدا ليكون قاتله هو خالد الاسلامبولي بالذات .

وقد كشفت التحقيقات أن دور القاتل كان من اختيار خالد الاسلامبولي شخصياً ، وأنه حين عرض اختياره على قادة تنظيم الجهاد ، لم يوافقوه على ما أراد ، ولم يقبل رأيهم . ونفذ ما أراده على مسؤوليته الشخصية . أهم من هذا أن خالد الاسلامبولي لم يستطع خلال التحقيق ولا خلال المحاكمة أن يبرّر الدور الذي اختاره لنفسه بأي سبب مباشر يتصل به شخصيا ٠ فكأنما كانت أسباب متراكمة عبر الزمان متواكبة عبر المكان ، متداخلة في نسيج المجتمع ذاته قد قضت بإعدام السادات ، ولم يكن خالد الاسلامبولي إلا الجلاد الذي نفذ الحكم بدون أن يعرف من أسبابه ما يكفي تبريرا للدور الذي قام به . ومن هنا فإن قضية مقتل السادات لم تنته بإعدام الاسلامبولي ، بل ستظل مفتوحة لتحقيق تاريخي واجتماعي يتبع سلسلة الأسباب الاجتماعية التي أدت إلى أن يختار شاب سوي الشخصية والسلوك مهمّة قتل رجل ليس بينه وبينه أي سبب مباشر يبرّر هذا الاختيار .

لقد كان أنور السادات قد تعهد بالالتزام .

1- بدستور اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة .

2- أنه لا صلح ولا تفاوض ولا تنازل عن أي شبر من الأراضي العربية المحتلة .

3- أنه لا تفريط في القضية الفلسطينية ولا مساومة عليها .

فلنتأمل الرجل وهو يصطنع عامدا أسباب نهايته :

لم يكن ملتزماً ولم يلزمه اًحد بإقامة إتحاد الجمهوريات العربية في ذلك الوقت الذي تحكم المواقف الصحيحة فيه مقتضيات القتال . ولكنه ألزم نفسه واشترك في إقامته ، ولم يكن من مقتضى إقامة الاتحاد دستورياً أن تتحول المواقف السياسية إلى التزامات دستورية ، ومع ذلك فقد  ألزم نفسه بلا مفاوضة ولا صلح مع المؤسسة الصهيونية المسماة إسرائيل .

وقد كان يمكن إرجاء إصدار الدستور الدائم ولو إلى أن تنتهي المعركة وكان ممكناً إرجاء قيام اتحاد الجمهوريات العربية والاكتفاء بالوحدة العسكرية إلى أن يتحقق النصر في المعركة ٠ وما كان أحد ليستطيع أن ينكر هذا على أنور السادات إذا ما تمسك بشعار المرحلة "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" . ولكنه هو نفسه الذي اختار وأراد وسعى ليلزم نفسه بما لم يكن ملزما به لو قنع بأن يبقى رئيس جمهورية مصر العربية ، ثم أنه هو الذي حول التزامه من موقف سياسي إلى دستور . ليضع بين أيدي الشعب قانون الاشتراكية وقانون الوحدة العربية وقانوناً جزائياً يحرم المفاوضة أو الصلح مع إسرائيل ... ليحاكمه الشعب طبقاً لقوانينه التي اختارها بدون أن يكون ملزماً كرئيس جمهورية بهذا الاختيار .

فما الذي حدث ؟

باختصار شديد انتهك أنور السادات كل ما التزم به دستورياً وسياسياً وخالف كل القوانين التي اختارها بنفسه ليحكم ويحاكم بمقتضاها .

فعلى الصعيد الاقتصادي أعلنت الحكومة لأول مرة في بيانها أمام مجلس الشعب يوم ٢١ ابريل ١٩٧٣ عن "الانفتاح الاقتصادي" وانبرت لجنة مشتركة من مجلس الشعب برئاسة السيد محمود ابو وافية (عديل السادات) ووضعت برنامجاً اقتصاديا شاملا للانفتاح الاقتصادي بقصد "تغيير المقومات الأساسية للاقتصاد المصري" . (هكذا قالت اللجنة بصراحة) وهو عنوان الفصل الثاني من الباب الأول من الدستور . فلما قيل أن هذا يخالف الدستور رد أحد أعضاء اللجنة " إذا كان المشروع متعارضاً مع الدستور فلنغير الدستور وكان السادات قد لخص التزاماته فيما قاله يوم أول مايو ١٩٧٣ . ونصه "أمريكا عايزة تحقق لإسرائيل عن طريق المفاوضات اللي ما قدرتشي إسرائيل تحققه في سنة ١٩٦٧ بعد هزيمة جيوشنا إسرائيل ما استطاعتش تحقيق حاجة بالهزيمة اللي حصلت سنة ١٩٦٧ أبدا احتلت أرض صحيح لكن ما قهرتش إرادتنا أبدا ما خلتناش نسلم ما خدتش منا توقيع على مجرد الاعتراف بأي شيء . أبدا . النهارده الحل السلمي الأمريكي ليس إلا خرافة جديدة ليه ، علشان تحقق لإسرائيل عن طريق المفاوضات اللي ما قددرتش إسرائيل تحققه عن طريق المعركة العسكرية تماما زي ما حصل سنة ٥٦ . عدوان ٥٦ حصل علينا ما استطاعتش إسرائيل تحقيق حاجة لا هي ولا انجلترا ولا فرنسا في ذلك الوقت . عايزين يعملوه اليوم لينا إحنا . لا احنا مش حنفرح بفتح قناة السويس وضياع القضية . ولازم يكون موقفنا واضح لهم علشان كثر الكلام وكثر اللت يبطل . ما فيش حل جزئي مفيش حل منفرد مع مصر لوحدها مفيش مفاوضات إطلاقا أدي موقفنا واضح برضة باكرّر لا حل جزئي لا حل مرحلي لا حل منفرد لا مفاوضات موقفنا واضح " .. فلما فاوض واصطلح منفردا لم يكن ظلما له أن يدان طبقا لما قدمت يداه من قوانين الحكم والمحاكمة .

الفرعون الأخير يختار جلاده :

4- كما اختار أنور السادات القوانين التي سيحاكم بها ، واختار أن ينتهك أحكامها ، اختار جلاده ولم يكن ملزماً باختياره .. فأنور السادات هو المسؤول الأول عن ظاهرة التعصب الديني والتطرف التي أفرزت جلاده . بدأ يخلقها بداية متواضعة ولكنها كانت أول الطريق الى نهايته استرجع إلى اسمه ما لم يكن يذكره . فبدلا من أنور السادات الذي عُرف به أُضيف "محمد" ولم يكن إسلامه المعروف متوقفاً على هذه الإضافة ، ثم أعطى لنفسه لقب "الرئيس المؤمن" فأقحم نفسه كرئيس دولة في دائرة التمييز الديني . إن إصراره على أنه "الرئيس المؤمن" لم يكن يعني فقط إدانة ضمنية لغيره بأنه لم يكن مؤمناً ، ولكنه تقديم لنفسه بأنه متميز بدينه ، تلك كانت البذرة ثم تكاثرت .

ومن بين الذين أيدوه يوم ١٥ مايو ١٩٧١ اختار مستشارا له وأمينا للدعوة في الاتحاد الاشتراكي العربي شخصاً تربي ونشأ في أحضان جماعة الأخوان المسلمين فنظم جماعات منهم وسلحها بالمطاوي (كانت توزع في مكتب مستشاره بمقر الاتحاد الاشتراكي العربي) ثانياً . ثم أباح لهم الردع بالعنف للحد من نشاط الماركسيين والناصريين في الجامعات ولما كانت تلك الجماعات من حيث هي متميزة بإسلامها يأبى عليها اعتزازها بانتمائها الديني أن تتحول إلى مجرد أدوات في يد حاكم فإنها لم تلبث أن قطعت وخرجت على الحدود التي أرادها لها أنور السادات . فانتشرت تحت ستار الشرعية الواقعية التي منحها لها السادات . خارج أسوار الجامعات . واستبدلت بأهدافه أهدافها ٠ ونمت أدوات العنف فبدلا من المطاوي تملكت الرشاشات وما هو أكثر .. ومن بين صفوفها برز جلاد أنور السادات نفسه .

وكان طبيعيا طبيعة ميكانيكية أن إنشاء تشكيلات دينية (الجماعات الإسلامية) ومنحها شرعية "ساداتية" (أعني واقعية لا قانونية) سيكون له رد فعل سلبي أو ايجابي لدى طائفة المسيحيين فشكلت وسلحت جماعاتها وبعثت بأفواج منهم للتدريب على القتال (.............................)

يريد أن يوحد الأديان ويُنشئ لوحدتهاً نصباً من مسجد وكنيسة وكنيس فى أرض سيناء (كان القصد إضافة المعبد اليهودي إلى المسجد والكنيسة المتجاورين منذ القدم) وهو يريد أن يصحح الخطأ التاريخي الذي بدأ بين اليهود والمسلمين بإجلاء اليهود عن المدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال انه يصححح خطأ وقع منذ ١٤٠٠ سنة) وهو الذي يعتكف ليتعبد وهو الذي يلهمه الله ما لم يكن له به علم من قرارات . ومع ذلك فهو لا يلتزم شخصيا ولا كرب أسرة بآداب الإسلام وهو إثم لا يغتفر عند المسلمين الذين وضع أنور السادات بنفسه بين أيديهم قانون الإسلام ليحاكموه به .

أغرب من هذا وأكثر دلالة على أن الرجل كان يسعى لحتفه ، انه وقد انقلب على ما التزم به ورأى - ايا كانت الأسباب - أن يفاوض ويصطلح مع العدو الصهيوني . كان يستطيع أن يحقق غايته بالأساليب الهادئة العلنية أو الخفية التي تتبعها الدول عادة وكان ذلك رأي وزير خارجيته والمحيطين المودين تلك الغاية . ولم يكن ما يتطلب الصلح مع دولة الصهاينة أن يتحدى مشاعر الملايين من البشر ويهين ذكرى ألوف الشيداء فيزور القدس المحتلة لم تكن تلك الخطوة الجارحة لازمة لا للمفاوضة ولا للصلح ولا للاعتراف ولا دولياً ولا دستوريا ولا قانونياً ولا سياسياً . ومع ذلك قام بها لمجرد أن يضيف إلى أسباب نهايته سبباً لم يكن في حاجة إليه .

لقد قيل عن تلك الخطوة أنها دليل "جسارة" وهي كذلك ولقد كان أنور السادات جسورا الى درجة مذهلة ولكنها جسارة "فرودية" يعرفها علماء النفس .

(...............................)

عادية محتملة (غير محسوبة) على أي حال . هكذا أراد السادات واختار بدون أن يكون ملزما - كرئيس جمهورية - بما أراده واختاره .

5-  وكما لو كان أنور السادات قد خشي ألا يصدق الناس انه ليس مجرد رئيس جمهورية له وظائف محددة في دستور . فانتحل لنفسه لقب كبير العائلة . وكبير العائلة هو التعبير المستعمل في مصر منذ حكم الفاطميين الشيعة للدلالة المحلية على ولاية الإمام .. وهي صيغة أيضا لمفهوم متخلف موروث من مرحلة ما قبل الدولة العصرية ، فهو المشرع المنفذ القاضي في أمر الجماعة ، الذي لا يخضع لقانون غير قانونه ولا تنفذ إرادة غير إرادته ويحاكم الناس ولا يحاكمونه ، ويعتبر ولاء أفراد القبيلة له التزاما خلقيا وتحولت في لبنان (نشر هذا الخبر في جريدة مايو - جريدة السادات) وهكذا نشأت الأحداث التي أطلق عليها السادات اسم "الفتنة الطائفية" أو وضعت بذورها غرسها أنور السادات نفسه فلما نمت قليلا وأراد أن يوجهها غذاها ، ففي واحد من تصرفاته المسرحية غير المبررة توجه ومعه ممدوح سالم رئيس الوزراء حينئذ وبعض الوزراء المسلمين والأقباط إلى مكتب البابا شنودة ، وهناك انقسموا إلى فريقين مسلمين وأقباط ، ثم صوتوا جميعا في المكتب ذاته . رئيس الدولة أنور السادات يؤم المسلمين والبابا شنودة يؤم الأقباط ونشر كل ذلك في الصحف ووسائل الإعلام ...

وقد كان عبد الناصر احتمل كل ما يصاحب مراحل التحول التاريخي من متاعب دولية وسياسية واقتصادية كان قد شق الطريق في الصخور الصلدة وحمل أتربته ، ومهّده لمن يأتي بعده . وكان من يأتي بعده يستطيع أن يدب على طريق واضح بدون معاناة كثيرة . كان عبد الناصر قد استطاع بمجهودات خارقة ، وبصعوبات بالغة ، تخللتها عثرات وكبوات ونكسات مؤلمة ، ان يكسب جماهير الشعب في مصر وفي العالم العربي إلى جواره ، وأن يوحد بين رؤيته للمستقبل وبين آمالها . ثم مات وهو عندها بطل قومي بالرغم من هزيمة ١٩٦٧ .

ثم جاء السادات ليلزم نفسه ، خارج نطاق التزاماته الدستورية ، بأن يكمل مشوار عبد الناصر على طريقته إلى غايته طبقاً لمواثيقه . ولكنه لم يلبث حتى خرق التزامه . وقد كان يمكنه كحاكم في زمان آخر أن يبرّر الردّة بما يريد ولكنه اختار أن يشن على ذكرى عبد الناصر حرباً شعواء لا مبرّر لها من مصلحته كحاكم أو مصلحة مصر كدولة . سيطرت عليه فكرة مرضية فلم يترك مناسبة الا واهتبلها لمحاولة تصحيح ما اعتبره معادلة تاريخية مختلفة . فهو الذي أسس تنظيم الضباط الأحرار . وهو الذي أعلن الثورة ، وهو الشريك الكامل في كل ما قام به عبد الناصر ، وهو الذي استعلى بذاته عن الأدوار القيادية وتركها لمن يتصارعون عليها من أعضاء مجلس قيادة الثورة . وهو الذي لم يعرف الحقد الذي أكل قلب عبد الناصر، وهو الذي أشفق وهو يكاد يغرق طفلا في ترعة القرية على مصير مصر بدونه . وهو الملهم الذي يبيت باحثاً عن قرار ويصحو وقد ألهمه الله القرار الصائب ٠ ثم هو - بعد - يمتاز على شريكه في الثورة عبد الناصر، ببعد النظر الاستراتيجي فلا يخطئ ، وقد اختاره الله الذي لا يسأل إلا أمامه ، لتصحيح أخطاء "ثورته" التي ارتكبها عبد الناصر في فترة قيادته .. الخ .

بصرف النظر عن حكم التاريخ على الرجلين فقد كان ذلك انتهاكا من أنور السادات ، لا للدستور . ولكن ، للقانون ، الذي اختاره هو ، والتزم أمام الشعب باحترامه لم يلزمه اًحد .. وقبل أن يحكم ويحاكم طبقا له .. وبه أدانته جموع هائلة من أفرد الشعب العاديين الذين ما يزالون متمسكين "برمز" أمتهم عبد الناصر ، في أعماق ضمير كل واحد منهم نما ، بنمو انتهاكات أنور السادات لما التزم به ، شعور إنساني بأن الرجل استدرجهم وخدعهم ليحكمهم ففقد أنور السادات عندهم الشرعية الأخلاقية قبل أن يفقد الشرعية الدستورية . كان الاتحاد الاشتراكي هو التنظيم السياسي الذي يتولى الترشيح وكان مجلس الشعب ، وهو سلطة دستورية ، أنور السادات هو الذي أضفى على الاتحاد الاشتراكي العربي سلطة دستورية أو فوق دستورية إذ رد وجوده في ورقة أنشأها تحت عنوان ورقة أكتوبر إلى الإرادة الشعبية المباشرة فقال أن الشعب هو الذي اختاره صيغة للممارسة السياسية . وبهذا المعنى أفرد له المادة الخامسة من الدستور الصادر في ١٩٧١ . هو - أنور السادات - إذن الذي اختار أن يجعل من الاتحاد الاشتراكي العربي مصدرا لشرعية اختيار رئيس الجمهورية لتأكيد شرعية اختياره حينما اختاره . وهكذا وضع بنفسه بين أيدي الشعب مقياسا لشرعية حكمه بدون أن يكون ملزما دستوريا بإضافة مصادر للشرعية غير ما جاء في الدستور .

قبل أقل من عام على توليه رئاسة الجمهورية اختلف مع أعوانه الذين عيّرهم بأنهم مراكز قوى .. وأطاح بهم وانفرد بالسلطة في حين أنهم لو لم يكونوا مراكز قوى ما كان هو مرشحهم للرئاسة ثم لم يلبث حتى زج في السجون بأعضاء اللجنة التنفيذية الذين اختاروه مرشحاً وحل اللجنة المركزية التي زكت ترشيحه ، ثم حل مجلس الشعب الذي رشحه ... وكان كل هذا بحجة غريبة وغبية معاً لقد اتهمهم جميعاً ، بمن فيهم أعضاء مجلس الشعب .. بأنهم قد شغلوا مراكزهم الشعبية والدستورية كنتيجة زائفة لانتخابات مزورة وأنه هو شاهد على ذلك ( كان سيادته هو الذي أشرف على الانتخابات) .

فلم يكن عسيرا على أي مواطن أن يحكم على شرعية توليه السلطة على ضوء مصدر الشرعية الذي اختاره بنفسه لينتهي ببساطة إلى نتيجة لا تقبل المناقشة مؤداها أن رئاسة انور السادات للجمهورية غير مشروعة لأن ترشيحه للرئاسة كان نتيجة تواطؤ مؤسسات شعبية ودستورية غير مشروعة لأنها كانت نتيجة انتخابات اعترف هو بأنها كانت مزورة .. ولا شك في أن كثيرين قد استخلصوا هذه النتيجة وتعاملوا معه - ولو صامتين - طبقاً لها والشرعية في مصر مصدر قوة رهيبة واحترام منذ أن قامت في مصر دولة . فقدها أنور السادات قبل أن ينقضي عام من ولايته . فقدها متخليا عنها باختياره وإرادته لم يسلبها منه احد غيره .. وأختار وأراد أن يبقى حاكماً بدون شرعية يوم لم يقنع بالشرعية الدستورية .

6 - حينما صدر بيان ٣٠ مارس ، آخر مواثيق الثورة التي ألزم أنور السادات نفسه بها طريقا للحكم لا يحيد عنه كان الهدف أنه لا صوت يعلوا على صوت المعركة حتى إزالة آثار العدوان وفي ظل الإعداد للمعركة والطوارئ المعلنة لم يكن من الممكن أن يتوفر المناخ الديمقراطي اللازم للمشاركة الشعبية في عرض واقتراح ونقد وحوار مبادئ مرشحة لتكون دستورا دائماً للحياة العادية .

وبالتالي لم يكن اًحد يتوقع أو طلب من أنور السادات إصدار دستور دائم أو غير دائم ، لم يكن ملزماً بذلك لا دستورياً ولا قانونيا ولا سياسيا ولا أخلاقياً ، ولكنه - الله يرحمه - شاء أن يصدره . وكانت تلك أول معركة خفية خاضها ضد ذكرى عبد الناصر، فقد بدا كما لو كان المبرّر الوحيد لإرجاء إصدار الدستور الدائم أن عبد الناصر لم يكن يريد ذلك . ولما كانت المعركة هي في جوهرها مزايدة أو منافسة على احتلال صدارة الثورة في كتب التاريخ فقد اختار أنور السادات لقيادة عملية إصدار الدستور مجموعة نشيطة من اليساريين ليثبت أنور السادات أنه أكثر حرصاً على الاشتراكية من عبد الناصر وقد كان له ما أراد .

جاء دستور ١٩٧١ أكثر إحكاما وأكثر تقدماً وأكثر اشتراكية من كثير من الدساتير حتى في دول أوروبا الشرقية يكفي انه تضمن سلطة دستورية غير معروفة إلا في الاتحاد السوفييتي اسماها "المدعي الاشتراكي" وأوكل إليه سلطة حراسة المكاسب الاشتراكية بل ورقابة مدى اتفاق السلوك الشخصي مع قواعد النظام الاشتراكي وآدابه . أما في الموضوع فقد تحول "ميثاق العمل الوطني" إلى دستور دائم ، كما تحول إعلان حقوق الإنسان الفرنسي من قبل إلى دستور (قضت المحكمة العليا فيما بعد بأن الميثاق هو بمثابة إعلان حقوق الإنسان المصري فلا يجوز لأية سلطة أن تنحرف عن أحكامه ) .. ودخل اثنان من الماركسيين القادة التاريخيين للحزب الشيوعي المصري الوزارة تأكيدا لتفوق أنور السادات على عبد الناصر في السباق إلى الاشتراكية ..

المهم أن أنور السادات لم يكن ملزما بكل هذا ولكنه - بهذا ذاته - وضع بين أيدي الشعب دستورا اشتراكيا أقسم اليمين على الولاء له فأصبح محكوماً عليه أن يلتزمه وأنه إن لم يحكم به فسيحا كم به ..

صدر دستور ١٩٧١ يوم ١١ سبتمبر ١٩٧١ عن طريق الاستفتاء الشعبي . قبل ذلك بعشرة أيام أي في يوم ١ سبتمبر ١٩٧١ ٠ استفتى أنور السادات الشعب العربي في مصر على دستور آخر اشترك فيه مع سوريا وليبيا في إنشاء اتحاد الجمهوريات العربية .. ونص هذا الدستور على أنه أسمى من أي دستور يصدره أي قطر من أقطار الاتحاد . أهم من هذا وأخطر أن الدستور الاتحادي الذي وقع على وثائقه أنور السادات واستفتى فيه الشعب وأصدره قبل أن يصدر دستوره الدائم تضمن ما أسماه الدستور الاتحادي وحدة الأمة العربية بينما عاد السادات في دستوره الدائم من الأمة إلى القبائل إلى القرى ، فأصبح من "أخلاق القرية" قبول " كبير العائلة ، حاكماً وحكماً لا يسأل عما يفعل وأهل القرى يسألون ، ويملك هو كل ما يملكون ونموذجه الأسبق في تاريخ مصر هو فرعون .. فلقب "فرعون" الذي يعرف به حكام مصر القدامى ، يعني على وجه التحديد ، صاحب البيت الكبير .. أي مالك القطر كله ..

فحين اختار انور السادات لنفسه لقب كبير العائلة ، واحتكم إلى أخلاق القرية . وافتتن بالفراعنة حين قال أنه آخر الفراعنة (كان يعبر عن علاقته بالشعب وقواه ومعاركه ، فرعونيا ، فيقول : شعبي ، جيشي ، معركتي ، أولادي .. ) كان يؤكد لذاته ولغيره بصيغ متعدّدة رفضه أن يبقى رئيس جمهورية دولة دستورية لا تلزمه إلا بأن يؤدي الوظائف المحدّدة له في الدستور . ولو قنع بأن يبقى رئيس جمهورية ما قتل ، ولكنه لم يقنع واختار لنفسه دستوره ونظامه وقوانينه الخاصة التي لم يلبث حتى انتهك أحكامها . فحوكم بها ، وأعدمه جلاد اختار نوعه بنفسه وتصادف أن اسمه خالد الاسلامبولي .. فنقول انتحر السادات ..

 

 

الأحد، 29 ديسمبر 2024

ندوة الوحدة ومستقبل المشروع القومي الوحدوي

  

في "ندوة الوحدة ومستقبل المشروع القومي الوحدوي"

د.عصمت سيف الدولة :

الدول العربية الإقليمية فشلت في تحقيق الحرية والتقدم ..

سلامة وجود الأمة وطنا وشعبا مسؤولية القوميين .

جريدة الرأي العام العدد 8618 بتاريخ 26 - 11 - 1978

كتب نضال منصور (تقديم) :

أكد الدكتور عصمت سيف الدولة أن للصهاينة ومنذ اغتصاب فلسطين خططا جاهزة للحيلولة دون الوحدة العربية ولحراسة الوجود الإقليمي للدول العربية ولو بالقوة .

وقال في ندوة "الوحدة العربية و مستقبل المشروع القومي الوحدوي" التي أقامتها جمعية الخريجين .. أن من أخطاء الحركة القومية أنها لم تحدّد منطلقها القومي الى الوحدة بل اكتفت بالقول ان العرب أمة واحدة ...

الكيان الصهيوني والتجزئة

وتحدث الدكتور عصمت سيف الدولة فقال : في مثل هذا الشهر من ثلاثين عاما أي في نوفمبر 1958 ، بعد قيام الوحدة بين مصر وسورية بتسعة أشهر ، نشرت مجلة "الابزرفاتير دي مويان أوربان" مقالا بمناسبة الذكرى الثانية لحرب 1956 قالت فيه "ان التفوق الإسرائيلي قدم ضمانا لحماية الوضع القائم في الدول العربية ضد المحاولات الوحدوية . فقد أصبح واضحا أن حفظ التوازن فيما بين الدول العربية المجاورة لإسرائيل والدول العربية عموما مهمة يتولاها الإسرائيليون وتدخل في نطاق واجباتهم . اننا نقوم هنا ان صح التعبير ، على تنفيذ مبدأ "مونرو" خاص بالشرق الأوسط ، ان القرار الذي اتخذناه بهذا الخصوص منذ عشر سنوات (أي منذ 1948) قد أدى الى الاستقرار والسلام بدلا من الخوف " .

وفي ديسمبر 1966 قال ليفي أشكول رئيس وزراي المؤسسة الصهيونية إسرائيل في رسالة بالراديو "ان سياسة إسرائيل منذ 1958 (أي منذ قيام الوحدة بين مصر وسورية) أن تحول ولو بالقوة دون أي تغيير يحدث في الوضع القائم في الدول العربية " .

وفي فبراير 1967 قال أبا ايبان في تصريح أدلى به في لندن : "يجب أن يكون واضحا أن مصير المنطقة العربية لا يمكن أن يكون للوحدة ، بالعكس ، انه الاستقلال القائم على التجزئة " .

ومنذ عشر سنوات لن يقبل الصهاينة الانسحاب من سيناء واعادتها الى مصر ولو منقوصة السيادة ، ولو مجرّدة من السلاح ، الا بعد قبول السادات الاعتراف بإسرائيل والصلح معها والانحياز اليها لعزلها أو انعزالها على وجه يقصم العمود المركزي لأي مشروع وحدوي . وتحرص إسرائيل اتفاقية كامب ديفد بالقوة .

يبدو – اذن – أنه منذ اغتصاب فلسطين – على الأقل – وللصهاينة خطط جاهزة للحيلولة دون الوحدة العربية ولحراسة الوجود الإقليمي للدول العربية ولو بالقوة . وما دمنا قد ذكرنا القوة فلا ينبغي لنا ان نخدع انفسنا أو نسمح لأحد بأن يخدعنا ، ان الصهيونية زائد القوة تساوي اليوم الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد كانت من قبل تساوي الإمبراطورية البريطانية . وأضاف وكانت من قبلها وبعدها مباشرة اشتعلت على امتداد الوطن العربي الفتن والصراعات والحروب المسماة طائفية ، وهي ليست طائفية انما هي صهيونية ، بمعنى أن اعتراف أكبر دولة عربية بأن لليهود حقا تاريخيا في فلسطين لأنهم كانوا يقيمون فيها قبل الاحتلال العربي قد أطمع بعض بقايا الشعوبيين ممن كانوا يعيشون على جزء من الوطن العربي في أن يحرروا وطنهم من الاحتلال كما فعل اليهود . وهذه حركة صهيونية المضمون أمريكية القيادة والتخطيط والتمويل عربية الضحايا . ان الصهاينة العرب اذن يمثلون الهيمنة الأمريكية .

ومالنا نذهب بعيدا . ألستُ قادما من مصر الدولة التي رفعت الولايات المتحدة الأمريكية في عاصمتها علم انتصار الصهاينة .

وذكر أن الدول العربية تساوت كبيرها وصغيرها ، غنيها وفقيرها ، في عجز الإرادة وانتقاص السيادة وتوقع الحماية واستجداء الرعاية من دول أخرى .

وقال في عهد عجز الدول العربية هذه دُعيت الى الحديث عن "الوحدة العربية ومستقبل المشروع القومي العربي" . فشكرت للداعين الدعوة والعنوان الذي اختاروه . أو لعل الواقع قد فرضه بدون اختيار . ألا يتحدث الناس في الجنائز عن تاريخ المتوفي ؟

بلى . فأي حديث غير حديث الوحدة يليق بجنازة سيادة الدول العربية . انها فرصة ليقول القوميون الوحدويون لأهل المتوفي .. ألم نقل لكم ألف مرة أن الدول العربية الإقليمية ، أية دولة عربية إقليمية ، بدون استثناء واحد ، هي دولة فاشلة في أن تحقق ما تعد به من الحرية والسيادة والتقدم والرخاء ، بصرف النظر عن نوايا ومواقف ومحاولات قادتها ؟ يستطيع من يشاء أن ينبه من يريد الى أنه لم يكن قد مضى عام على وحدة 1958 بين مصر وسورية حتى هزم أعداء الوحدة المد الوحدوي في مذبحة كركوك عام 1959 فانحسر عن العراق . فماذا لو لم ينحسر هل كان يحتاج الإقليم الشرقي من دولة الوحدة الى "مساندة" لدفع العدوان الإيراني ، أو هل كانت تجرؤ ايران على أن تهاجم العراق الإقليم ؟

وأكد أن الدول العربية قائمة على أرض وطننا القومي ، ورعاياهم هم شعبنا العربي . فكل ما تفقده دولة عربية من أرض أو بشر هو مقتطع من عناصر وجودنا القومي . أمتنا العربية هي التي تدفع في النهاية ثمن عجز الدول العربية وفشلها . وبالتالي فان تأمين سلامة وجود وحدود الأمة العربية وطنا وشعبا هي مسؤولية القوميين أولا وأخيرا . فلا يستطيع قومي ، وهو صادق في ولائه وانتمائه الى الأمة العربية ، أن يقف على الحياد من شعب عربي يذبح أو يقهر . وأرض عربية تغتصب أو تحتل أو تتعرض للمساومة بحجة أن تلك مسؤولية الإقليميين قادة الإقليم "أصحاب القضية" .

وتساءل الدكتور عصمت لماذا انهزم الوحدويون في الماضي وكيف ينهزمون في المستقبل ؟

أخطاء الحركة القومية

وبين أن الحركة القومية العربية أخطأت في أربعة مستويات فكرية :

أخطأت في المنهج . وأخطأت في المنطلقات ، وأخطأت في الغايات ، وأخطأت في الأسلوب ، فاستحقت الهزيمة في تطوير الواقع العربي من التجزئة الإقليمية الى الوحدة القومية . وأعني بالحركة القومية ما سادها افتقادها من فكر بصرف النظر عن اجتهادات فردية مبكرة ولكن غير مؤثرة .

وأوضح أن الخطأ في المنهج كان منقولا الى الحركة القومية العربية الناشئة في مطلع القرن العشرين من الحركات القومية الأوروبية المنتصرة في القرن التاسع عشر ، ونعني به الفهم الليبرالي لظاهرة الأمة .

وأشار الى أن الحركة القومية أصبحت بعد الحرب الأوروبية 1914 – 1918 حركة وحدوية تستهدف التحرر من الاستعمار الأوروبي وإقامة دولة الوحدة وبقيت كذلك ممثلة في تيارها السائد . وطوال تلك الفترة ، أي على مدى نصف قرن تقريبا ، كانت حركة ليبرالية خالصة . كان أساتذة الفكر القومي ودعاة الوحدة والمناضلون في سبيلها يطرحون قضيتهم كما طرح الليبراليون قضاياهم القومية . وينقلون عنهم ويستمدون من أقوالهم ما يدافعون به عن الوحدة العربية . ويحلمون بيوم يرون فيه "بسمارك" العربي يقيم دولة الوحدة . وساد في الوطن العربي تيار قوي يرى الأمة قدرا والوحدة مصيرا بدون أن يعرف لماذا كان القدر قوميا ولماذا يكون المصير في الوحدة ، وماذا تفعل دولة الوحدة في المجتمع القومي الموحد ؟ كانت الوحدة هدفا في ذاتها - كما نقول اليوم - عن أي مضمون اجتماعي .

وأكد أن الحركة القومية لم تستطع في أي مرحلة من مراحلها أن تربط بين تحقيق دولة الوحدة وبين تحقيق حياة أفضل للإنسان العربي العادي ليتوحد نضاله من أجل تطوير حياته مع نضاله من أجل توحيد أمته . ولهذا استمرت الحركة القومية حركة ثقافية ودعائية أكثر منها حركة ثورية اجتماعية .

وذكر أن الحركة القومية أدانت التراكم الإقليمي لعناصر الحياة الواقعية اقتصاديا وثقافيا وفنيا وروحيا واكتفت بالإدانة بدون أن تفطن الى ما يصاحب ذلك التراكم الإقليمي من نشوء مشاعر نفسية بالانتماء الإقليمي يزاحم الانتماء القومي .

وقال لقد كان طبيعيا بعد ذلك أن تعجز حركة قومية تستهدف الوحدة ولكن طبقا لمنهج ليبرالي عن أن تحدد غايتها تحديدا يحفظ وحدة قواها على مدى طويل فلا تنشق ولا تنفرط ولا تتراجع . وهدف الحركة القومية كان وما يزال إقامة دولة الوحدة . ومع ذلك ، وبعد نصف قرن تقريبا من النشاط القومي لم تستطع الحركة القومية العربية أن تحدد شكل دولة الوحدة ، ولا نظامها .

وأضاف لذلك كان يقتضي من الحركة القومية أن تضع في المرتبة الأولى من اهتمامها دراسة الواقع المادي والبشري والروحي والنفسي لكل قطر لتصل الى أفضل النظم الإدارية لتطوير الحياة فيه . ثم لتصل من خلال ما هو مشترك بين تلك النظم الإدارية المتنوعة الى نظام موحد للإدارة القومية في دولة الوحدة .

وحول الأسلوب قال الدكتور عصمت سيف الدولة ثم نأتي الى الخطأ في الأسلوب ، وهو خطأ يمكن أن يقال أنه خطأ عربي . ان الدارس للحركة الاجتماعية في الوطن العربي لا بد يندهش من أن العرب أفرادا أو جماعات أو أحزابا أو دولا يتقنون الى حد كبير تحديد ما يريدون ولو بشكل عام ، وقد يهتمون فيتقنون الواقع الذي هو بداية الطريق الى تحقيق ما يريدون ، ولكنهم لا يهتمون بدراسة ومعرفة كيف نقطع الطريق من بدايتها الى نهايتها . فلا نكاد نجد في كل الدراسات القومية العربية شيئا يذكر عن أسلوب الانتقال من التجزئة العربية الى الوحدة العربية .

وبين أن التجربة القومية العربية قدمت ثلاث أنماط من الأساليب لا يمت أي منها للقومية بصلة . وبالتالي محال أن يؤدي أي منها الى الوحدة العربية ، بل العكس ان بعضها أدى ويؤدي الى إقليمية عاتية .

واستعرض الأنماط الثلاثة فأشار الى الأسلوب الأول الحزب الجماهيري ذي الفروع في دول التجزئة فرع في كل دولة يمثل شعبها . أما الأسلوب الثاني فهو اجتماع قادة دول إقليمية على تحقيق الوحدة في دولهم ، في حين أن الأسلوب الثالث هو الأسلوب "الكاريزمي" ونعني القائد العربي الذي تقوم بينه وبين الجماهير العربية في كل الدول علاقة ثقة وانتماء وولاء فيستطيع ان يقود تلك الجماهير ويحقق بها الوحدة .

وأكد أن لن يكون أي مشروع قومي للمستقبل سوى مشروع تحرير الوطن العربي من الاحتلال والاغتصاب والهيمنة الأجنبية مبينا أن المشروع القومي هو المشروع الذي يضعه التنظيم القومي .


 

الخميس، 26 ديسمبر 2024

هل تعود مصر للامتيازات الأجنبية ؟

 هل تعود مصر للامتيازات الأجنبية ؟

د.عصمت سيف الدولة .

جريدة الأهالي – 8 ديسمبر 1982 .

نشرت "الأهالي" (يوم 24 نوفمبر 1982) أن البنك العربي الافريقي والمصرف العربي الدولي قد رفضا كل الطلبات التي تقدمت بها جهات الأمن والمدعي العام الاشتراكي لمعرفة أرصدة عصمت السادات وأميل ناجي بشاي الذي يحاكم الان بتهمة الاتجار في العملة . وأضافت أن أحد قيادات الأمن قد أكد لها ذلك وصرح بان القوانين والاتفاقات المنشئة لهذه البنوك تعطيها الحق في عدم التعاون مع جهات الأمن والقضاء والمدعي الاشتراكي وعدم السماح لأي منهم بالاطلاع على الأرصدة واتخاذ إجراءات الحجز التحفظي عليها بما يتيح لبعض الأشخاص تهريب أموالهم خارج البلاد اذا ما أرادت السلطات المصرية اتخاذ إجراءات قبلهم ..

وأوردت نص الخطاب الذي أرسله المصرف العربي الدولي في 19 ديسمبر الماضي ردا على طلب احدى الجهات الرسمية . وقد احتج البنك فيه بأن المادة 12 من الاتفاقية المنشئة للبنك قد نصت على أنه "لا يخضع المصرف وفروعه وتوكيلاته وسجلاته ووثائقه ومحفوظاته لقوانين وقواعد الرقابة والتفتيش القضائي أو الإداري أو المحاسبي في داخل بلد العضو " .. أي مصر . وان المادة 13 من الاتفاقية ذاتها تنص على أن "حسابات المودعين والتي توجد في بلد العضو سرية ولا يجوز الاطلاع عليها ولا يجوز اتخاذ إجراءات الحجز القضائي أو الإداري عليها " . ويحتج البنك بأن هذه الاتفاقية قد وافق عليها مجلس الشعب يوم 8 يونية 1974 وصدق عليها رئيس الجمهورية السابق في 10 يونية 1974 ، وبذلك أصبحت أحكام الاتفاقية تجري مجرى القانون النافذ في جمهورية مصر العربية طبقا للمادة 151 من الدستور .

ولقد علقت جريدة الأهالي والدكتور فؤاد مرسي والدكتور عثمان محمد عثمان على هذه الواقعة بإبراز ما تتضمنه من مخاطر على الاقتصاد الوطني وضرورة إعادة النظر في القوانين والاتفاقات المنشئة والمنظمة لتلك البنوك .

ضرورة إعادة النظر

 ان إعادة النظر في القوانين والاتفاقات المنظمة لما يسمّى "الانفتاح" قد أصبحت ضرورة ملحة . ولكن في خصوصية الموضوع الذي نشرته "الأهالي" - اذا صحت الوقائع وكانت هي كل شيء – فإننا لا نريد أن يبقى ذلك الاقتناع غير المبرر بأن الامتيازات الأجنبية التي فرضها الاحتلال على مصر حتى منتصف الثلاثينات قد عادت مع تلك المؤسسات الانفتاحية التي زرعت في أرض مصر .

لا ليس الأمر كما يزعم المصرف العربي الدولي أو غيره حتى في ظل القوانين والاتفاقات القائمة . ولا يجوز للقائمين على أمر تنفيذ القانون أن يتعللوا بتفسيرات مغلوطة لتبرير مواقفهم السلبية من تلك المؤسسات وهم بصدد ضبط الجرائم وتحقيقها .

صحيح أن المصرف العربي الدولي وأمثاله ، مؤسسات نشأت تنفيذا لاتفاقيات دولية . وأن تلك الاتفاقيات قد أصبحت لها قوة القانون طبقا للدستور ، أو كما يقال أصبحت "قوانين اتفاقية" .

ولكن السؤال المطروح هو عن مدى حجية تلك الاتفاقيات ومدى قوة نفاذها . ان الاتفاقيات ذاتها لا تجيب على هذا السؤال لأنه متروك لفرع خاص من فروع القانون اسمه (القانون الدولي الخاص) ، فيعني أن التمسك بها يستمد شرعيته لا من نصوص الاتفاقية وحدها ولكن من قواعد القانون الدولي الخاص الذي يحدد مجال تطبيقها على أساس أن المصالح موضوع الاتفاقية هي من موضوعات القانون الخاص (مدني تجاري) ، وفي هذا تختلف عن الاتفاقات الدولية التي تنظم موضوعات عامة والتي تخضع للقانون الدولي العام .

وقواعد القانون الخاص لا تسمح للاتفاقات الارادية سواء أبرمتها الحكومة أو أبرمها الأفراد بالنفاذ الا في حدود ما يسمى (النظام العام) ، وكما يقول الدكتور مصطفى كيرة رئيس محكمة النقض في كتابه المدخل الى القانون ، ان النظام العام هو مجموع المصالح الأساسية للجماعة أي مجموع الأسس والدعامات التي يقوم عليها بناء الجماعة وكيانها بحيث لا يتصور بقاء هذا الكيان سليما دون استقراره عليه ، ولذلك كانت القواعد القانونية بالمصالح الأساسية للجماعة أي المتعلقة بالنظام العام قواعد امرة لا تملك الإرادة الفردية ازاءها أي سلطان أو قدرة على مخالفتها اذ تعرّض مخالفتها كيان المجتمع نفسه للانهيار والتصدع ، فلا يسمح لاي كان بأن تجري ارادته على خلافها . وفي الطليعة من القواعد المتعلقة بالنظام العام أي من القواعد الامرة قواعد قانون العقوبات التي ترسي دعامة الأمن في المجتمع ..

هذا الرأي سليم بدون خلاف في مصر وفي كل دول العالم . وقد كان اخر تأكيد له ما أسفر عنه المؤتمر الدولي الذي انعقد في لاهاي في أكتوبر 1951 لوضع القواعد الدولية الخاصة بالشركات الأجنبية أو التي يدخل في تكوينها عنصر أجنبي . وقد نصت المادة 8 من الاتفاق الذي اسفر عنه المؤتمر على ان (للدولة المتعاقدة أن تعطل تطبيق أحكام الاتفاق اذا تعارضت مع النظام العام فيها) .

خرق الاتفاق

هذا من ناحية .

ومن ناحية أخرى فان للمصرف العربي الدولي ، أو لغيره من أمثاله ، أن يحتج ويتمسك باتفاقية انشائه في أي مجال يدخل في وظيفته المعينة بهذه الاتفاقية أي هو يؤدي وظيفته كمصرف . له الّا يسمح بالاطلاع على أوراقه ووثائقه وحسابات عملائه في مواجهة أجهزة الرقابة على النشاط المصرفي . أما حين يرتكب البنك "جريمة" تهريب مثلا أو يشترك فيها بالتحريض أو الاتفاق أو المساعدة (المواد من 39 الى 44 عقوبات) أو يخفي ما هو متحصل عن جريمة (المادة 44 مكرر عقوبات) أو يخفي أوراقا أو وثائق وهو يعلم أنها تتعلق بأمن الدولة أو بأية مصلحة قومية أخرى (المادة 77 د ، فقرة 2 من قانون العقوبات) .. الى اخر مواد التجريم ، فان نشاطه هذا لا يكون داخلا في نطاق اتفاقية انشائه بل يكون في الواقع خرقا لها قبل أن يصبح جريمة . وبالتالي لا يجوز له الاحتماء وراءها فرارا من المسؤولية .

فاذا طبقنا هذه القواعد على الواقعة المنشورة نجد – أولا – أن الدستور قد نص في المادة 179 على أن "يكون المدعي العام الاشتراكي مسؤولا عن اتخاذ الإجراءات التي تكفل تأمين حقوق الشعب وسلامة المجتمع ونظامه السياسي والحفاظ على المكاسب الاشتراكية والتزام السلوك الاشتراكي ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى " .

قبل أن نصل الى هذه الاختصاصات الأخرى نلاحظ أن ما اختص به المدعي العام الاشتراكي بنص الدستور غير قابل للانتقاص منه ولو بمقتضى قانون ، لأن الدستور أسمى من القانون ، وكل قانون أو اتفاقية لها قوة القانون تقف قوة نفاذها وحجية التمسك بها عند حدود هذا النص الدستوري فلا يجوز الاحتجاج بها على المدعي العام الاشتراكي حين يرى وفاء بالتزامه الدستوري اتخاذ اجراء يرى أنه يكفل تأمين حقوق الشعب وسلامة المجتمع .. الخ .

ثم جاء قانون المدعي العام الاشتراكي رقم 95 لسنة 1980 وخول له سلطة التحقيق في الأفعال المجرّمة بالقانون رقم 34 لسنة 1972 (المادة 3) ، هذا القانون يورد من بين الجرائم التي عدّدها "الاستيلاء بغير حق على الأموال العامة أو الخاصة المملوكة للدولة أو الأشخاص الاعتبارية" مادة 35 فقرة 5 ثم يضيف القانون 95 لسنة 1980 أن للمدعي العام الاشتراكي ، اذا اقتضت ضرورة التحقيق ضبط أو اخطار أحد الأشخاص أو تفتيشه أو تفتيش منزله أو اتخاذ اجراء من الإجراءات المنصوص عليها في المواد 91 تفتيش الأماكن و94 تفتيش الأشخاص و95 ضبط الأوراق والرسائل و126 القبض على الأشخاص و134 الحبس الاحتياطي و306 الاطلاع على الوثائق وضمها الى ملف الدعوى من قانون الإجراءات الجنائية ويجب الحصول مقدما على أمر بذلك من أحد مستشاري محكمة القيم " ..

الاتفاق لا يحميه

نحن اذن بصدد تحقيق يجريه المدعي العام الاشتراكي وهو سلطة دستورية والدستور من النظام العام ، خول فيه حق التحقيق طبقا لقانون الإجراءات الجنائية وهو قانون من النظام العام ، تحقيقا قد يسفر عن وقوع جريمة جنائية ، المادة 26 تخضع لقانون العقوبات أو القوانين العقابية المكملة لها وكلها من النظام العام .. انه ذات النظام العام الذي يعطي البنك الحق في الاستعانة بالسلطة العامة اذا ما تعرض للاعتداء . وللسلطة العامة حينئذ ، وهي بصدد حمايته ، أن تدخل مقره ، وتجرد خزائنه ، وتطلع على أوراقه وحساباته اذا ما كانت الجريمة التي وقعت عليه جريمة اختلاس مثلا . فهل يقبل البنك أو احدى الدول الموقعة على اتفاقية انشائه احتجاج النيابة أو رجال الأمن مثلا بأنهم لا يستطيعون حمايته لأن الاتفاقية تمنع اطلاعهم على وثائقه وحساباته ، طبعا لا . فكيف يمكن أن يتحصن عندما يكون جانيا أو لمساعدة أحد الجناة وراء (اتفاقية) مالية أو تجارية أو مدنية حتى لا تمتد اليه يد الدستور أو يد النظام العام .. في أي قانون أو مذهب أو دولة قيل هذا أو يمكن أن يقال ؟

ثم ما هذا الاحتجاج بالسرية ؟ ان القانون 95 لسنة 1980 ذاته قد احتاط لمثل هذا الاحتجاج فأورد نصا صريحا هو نص المادة 63 التي تقول .. "على الجهات المختصة أن تستجيب الى ما تطلبه محكمة القيم والمدعي العام الاشتراكي من بيانات وأن تضم تحت تصرفها ما يحدد أنه من أوراق ووثائق ومستندات بما في ذلك الجهات التي تعتبر البيانات التي تتداولها سرية . ولكل منهما أن يأمر بالتحفظ على أية أوراق أو وثائق ومستندات تكون لها أهمية في التحقيقات التي يجريها" .

ثم ان قيل بعد ذلك أن كل هذا لا يمس الاتفاقية التي أصبح لها قوة القانون مادامت قائمة لم تلغ أو تعدل ، نقول فلتكن قانونا وليست مجرد اتفاقية ، فماذا يمكن أن يقال ردا على المادة الثانية من قانون اصدار القانون رقم 95 لسنة 1980 الخاص بالمدعي العام الاشتراكي وسلطاته والتي تقول نصا : (يلغى كل نص يتعارض مع أحكام هذا القانون) .

لقد صدر هذا القانون في 15 مايو 1980 فهل يمكن التمسك بأي نص من قانون أو اتفاقية خاصة سابقة عليه وان كانت لها قوة القانون لتعطيل أحكامه ؟

مسألة سيادة

وبعد ..

فان المسألة ليست مسألة فرد أو بضعة أفراد ، وليست مسألة مالية الأجنبية يمكن أن تثير انتباه أصحابها فقط ، للإفلات من المسؤولية الجزائية .

فهل هي عودة الى الامتيازات ، لا. انها مسألة سيادة الدولة . ذلك لأن عدم نفاذ القواعد القانونية المكونة للنظام العام وعلى رأسها القوانين الجزائية على أي شخص عادي أو اعتباري مقيم على إقليم لدولة هو مساس صريح بسيادتها على اقليمها الا ما اتصل بالإعفاءات الدبلوماسية . لهذا كانت الامتيازات الأجنبية التي فرضها الاحتلال البريطاني على مصر انتقاصا من سيادتها واستقلالها الى أن الغيت عام 1937 وما كانت الامتيازات الا تحديا باتفاقات دولية للإفلات من المسؤولية الجزائية . فهل هي عودة الى الامتيازات الأجنبية ؟

الأربعاء، 25 ديسمبر 2024

ندوة مستقبل الديمقراطية في مصر .

 د.عصمت سيف الدولة : الانفتاح الاقتصادي بداية الرّدّة .

ندوة مستقبل الديمقراطية في مصر .

جريدة السفير / 4 /10/ 1979 .

القاهرة – السفير .

بدأ في القاهرة أول حوار بين ممثلي كافة القوى الوطنية التقدمية والديمقراطية في مصر حول القضية الوطنية والديمقراطية وحرية الصحافة وتكوين الأحزاب والأزمة الاقتصادية والحلف الجديد في المنطقة العربية بين الاسرائيل والنظام الساداتي .

ففي ليلة الثلاثاء (18 – 9) عقدت في مقر حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي ، ندوة "مستقبل الديمقراطية والحريات العامة والقضايا الاقتصادية والوطنية" ، اشترك فيها ممثلو أحزاب ... من مختلف التيارات السياسية الوطنية وشهدها ما يقرب من ألف مدعو ..

(وفي الوقت الذي اتجهت فيه أغلب مداخلات الندوة الى نقد سياسة السادات سواء في الجوانب المتعلقة بموضوع الصلح مع اسرائيل أو بالنسبة للديمقراطية والحقوق السياسية والحريات والتجاوزات الدستورية ، مطالبة بالديمقراطية .. الخ ... أتت مداخلة الدكتور عصمت سيف الدولة ضد التيار ..)

الانفتاح الاقتصادي ، بداية الرّدّة ..

.... ثم تقدم د.عصمت سيف الدولة المحامي ليفجر قضية مفهوم الديمقراطية قائلا : ان بعض ما سأقوله لن يعجب البعض . فلقد أتينا لنتحاور . ولو كنا متفقين لما كان هناك حاجة للحوار . وليس هناك كلمة أكثر زيفا من كلمة ديمقراطية غير منسوبة الى مجتمع معين وظروف اقتصادية واجتماعية معينة . ونحن نتكلم كما لو كنا ونظام السادات لنا نفس المفهوم للديمقراطية . فنتحدث عن التراجع في الديمقراطية . وهذا فخ . ففي رأيي فان الرّدّة عن الديمقراطية بدأت بصدور قانون الانفتاح الاقتصادي الذي سلم السلطة للرأسمالية . الرّدّة حدثت يوم أن حرم الفلاحون من حق استمرارهم واستقرارهم في الأرض . ويوم حرم العمال من الاستقرار قي العمل والمشاركة في الإدارة . كل الذين غضبوا من الرئيس السادات ونظامه ، ليس لهم حق الغضب . فالقضية ليست السادات انما هي ردّة رأسمالية . والنظام الرأسمالي لا بد أن تصحبه ليبرالية أو يتحوّل الى فاشية .

وهذا قانون سياسي . ونحن اما أن نكون اصلاحيين فنؤمن بالنظام الرأسمالي ونطالب ببعض التعديلات ، واما أن نرفض هذا النظام فيكون صراع . وهم الذين أوجدوا الأسباب الموضوعية لهذا الصراع ويحاولون أن يقهروه بما يسمّى قانون الوحدة الوطنية ولم يقولوا وحدة وطنية على ماذا ليتركوا أنفسهم يفسرونه كما يشاؤون . لكنهم هم الذين خالفوه بتغليبهم الطبقة الرأسمالية على الطبقات الأخرى . والطبقة الرأسمالية التي تحكم ، السادات رمزها الحاكم . لماذا اذن نتكلم عن الديمقراطية كما لو كنا جميعا متفقين على معناها ؟