بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 29 ديسمبر 2024

ندوة الوحدة ومستقبل المشروع القومي الوحدوي

  

في "ندوة الوحدة ومستقبل المشروع القومي الوحدوي"

د.عصمت سيف الدولة :

الدول العربية الإقليمية فشلت في تحقيق الحرية والتقدم ..

سلامة وجود الأمة وطنا وشعبا مسؤولية القوميين .

جريدة الرأي العام العدد 8618 بتاريخ 26 - 11 - 1978

كتب نضال منصور (تقديم) :

أكد الدكتور عصمت سيف الدولة أن للصهاينة ومنذ اغتصاب فلسطين خططا جاهزة للحيلولة دون الوحدة العربية ولحراسة الوجود الإقليمي للدول العربية ولو بالقوة .

وقال في ندوة "الوحدة العربية و مستقبل المشروع القومي الوحدوي" التي أقامتها جمعية الخريجين .. أن من أخطاء الحركة القومية أنها لم تحدّد منطلقها القومي الى الوحدة بل اكتفت بالقول ان العرب أمة واحدة ...

الكيان الصهيوني والتجزئة

وتحدث الدكتور عصمت سيف الدولة فقال : في مثل هذا الشهر من ثلاثين عاما أي في نوفمبر 1958 ، بعد قيام الوحدة بين مصر وسورية بتسعة أشهر ، نشرت مجلة "الابزرفاتير دي مويان أوربان" مقالا بمناسبة الذكرى الثانية لحرب 1956 قالت فيه "ان التفوق الإسرائيلي قدم ضمانا لحماية الوضع القائم في الدول العربية ضد المحاولات الوحدوية . فقد أصبح واضحا أن حفظ التوازن فيما بين الدول العربية المجاورة لإسرائيل والدول العربية عموما مهمة يتولاها الإسرائيليون وتدخل في نطاق واجباتهم . اننا نقوم هنا ان صح التعبير ، على تنفيذ مبدأ "مونرو" خاص بالشرق الأوسط ، ان القرار الذي اتخذناه بهذا الخصوص منذ عشر سنوات (أي منذ 1948) قد أدى الى الاستقرار والسلام بدلا من الخوف " .

وفي ديسمبر 1966 قال ليفي أشكول رئيس وزراي المؤسسة الصهيونية إسرائيل في رسالة بالراديو "ان سياسة إسرائيل منذ 1958 (أي منذ قيام الوحدة بين مصر وسورية) أن تحول ولو بالقوة دون أي تغيير يحدث في الوضع القائم في الدول العربية " .

وفي فبراير 1967 قال أبا ايبان في تصريح أدلى به في لندن : "يجب أن يكون واضحا أن مصير المنطقة العربية لا يمكن أن يكون للوحدة ، بالعكس ، انه الاستقلال القائم على التجزئة " .

ومنذ عشر سنوات لن يقبل الصهاينة الانسحاب من سيناء واعادتها الى مصر ولو منقوصة السيادة ، ولو مجرّدة من السلاح ، الا بعد قبول السادات الاعتراف بإسرائيل والصلح معها والانحياز اليها لعزلها أو انعزالها على وجه يقصم العمود المركزي لأي مشروع وحدوي . وتحرص إسرائيل اتفاقية كامب ديفد بالقوة .

يبدو – اذن – أنه منذ اغتصاب فلسطين – على الأقل – وللصهاينة خطط جاهزة للحيلولة دون الوحدة العربية ولحراسة الوجود الإقليمي للدول العربية ولو بالقوة . وما دمنا قد ذكرنا القوة فلا ينبغي لنا ان نخدع انفسنا أو نسمح لأحد بأن يخدعنا ، ان الصهيونية زائد القوة تساوي اليوم الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد كانت من قبل تساوي الإمبراطورية البريطانية . وأضاف وكانت من قبلها وبعدها مباشرة اشتعلت على امتداد الوطن العربي الفتن والصراعات والحروب المسماة طائفية ، وهي ليست طائفية انما هي صهيونية ، بمعنى أن اعتراف أكبر دولة عربية بأن لليهود حقا تاريخيا في فلسطين لأنهم كانوا يقيمون فيها قبل الاحتلال العربي قد أطمع بعض بقايا الشعوبيين ممن كانوا يعيشون على جزء من الوطن العربي في أن يحرروا وطنهم من الاحتلال كما فعل اليهود . وهذه حركة صهيونية المضمون أمريكية القيادة والتخطيط والتمويل عربية الضحايا . ان الصهاينة العرب اذن يمثلون الهيمنة الأمريكية .

ومالنا نذهب بعيدا . ألستُ قادما من مصر الدولة التي رفعت الولايات المتحدة الأمريكية في عاصمتها علم انتصار الصهاينة .

وذكر أن الدول العربية تساوت كبيرها وصغيرها ، غنيها وفقيرها ، في عجز الإرادة وانتقاص السيادة وتوقع الحماية واستجداء الرعاية من دول أخرى .

وقال في عهد عجز الدول العربية هذه دُعيت الى الحديث عن "الوحدة العربية ومستقبل المشروع القومي العربي" . فشكرت للداعين الدعوة والعنوان الذي اختاروه . أو لعل الواقع قد فرضه بدون اختيار . ألا يتحدث الناس في الجنائز عن تاريخ المتوفي ؟

بلى . فأي حديث غير حديث الوحدة يليق بجنازة سيادة الدول العربية . انها فرصة ليقول القوميون الوحدويون لأهل المتوفي .. ألم نقل لكم ألف مرة أن الدول العربية الإقليمية ، أية دولة عربية إقليمية ، بدون استثناء واحد ، هي دولة فاشلة في أن تحقق ما تعد به من الحرية والسيادة والتقدم والرخاء ، بصرف النظر عن نوايا ومواقف ومحاولات قادتها ؟ يستطيع من يشاء أن ينبه من يريد الى أنه لم يكن قد مضى عام على وحدة 1958 بين مصر وسورية حتى هزم أعداء الوحدة المد الوحدوي في مذبحة كركوك عام 1959 فانحسر عن العراق . فماذا لو لم ينحسر هل كان يحتاج الإقليم الشرقي من دولة الوحدة الى "مساندة" لدفع العدوان الإيراني ، أو هل كانت تجرؤ ايران على أن تهاجم العراق الإقليم ؟

وأكد أن الدول العربية قائمة على أرض وطننا القومي ، ورعاياهم هم شعبنا العربي . فكل ما تفقده دولة عربية من أرض أو بشر هو مقتطع من عناصر وجودنا القومي . أمتنا العربية هي التي تدفع في النهاية ثمن عجز الدول العربية وفشلها . وبالتالي فان تأمين سلامة وجود وحدود الأمة العربية وطنا وشعبا هي مسؤولية القوميين أولا وأخيرا . فلا يستطيع قومي ، وهو صادق في ولائه وانتمائه الى الأمة العربية ، أن يقف على الحياد من شعب عربي يذبح أو يقهر . وأرض عربية تغتصب أو تحتل أو تتعرض للمساومة بحجة أن تلك مسؤولية الإقليميين قادة الإقليم "أصحاب القضية" .

وتساءل الدكتور عصمت لماذا انهزم الوحدويون في الماضي وكيف ينهزمون في المستقبل ؟

أخطاء الحركة القومية

وبين أن الحركة القومية العربية أخطأت في أربعة مستويات فكرية :

أخطأت في المنهج . وأخطأت في المنطلقات ، وأخطأت في الغايات ، وأخطأت في الأسلوب ، فاستحقت الهزيمة في تطوير الواقع العربي من التجزئة الإقليمية الى الوحدة القومية . وأعني بالحركة القومية ما سادها افتقادها من فكر بصرف النظر عن اجتهادات فردية مبكرة ولكن غير مؤثرة .

وأوضح أن الخطأ في المنهج كان منقولا الى الحركة القومية العربية الناشئة في مطلع القرن العشرين من الحركات القومية الأوروبية المنتصرة في القرن التاسع عشر ، ونعني به الفهم الليبرالي لظاهرة الأمة .

وأشار الى أن الحركة القومية أصبحت بعد الحرب الأوروبية 1914 – 1918 حركة وحدوية تستهدف التحرر من الاستعمار الأوروبي وإقامة دولة الوحدة وبقيت كذلك ممثلة في تيارها السائد . وطوال تلك الفترة ، أي على مدى نصف قرن تقريبا ، كانت حركة ليبرالية خالصة . كان أساتذة الفكر القومي ودعاة الوحدة والمناضلون في سبيلها يطرحون قضيتهم كما طرح الليبراليون قضاياهم القومية . وينقلون عنهم ويستمدون من أقوالهم ما يدافعون به عن الوحدة العربية . ويحلمون بيوم يرون فيه "بسمارك" العربي يقيم دولة الوحدة . وساد في الوطن العربي تيار قوي يرى الأمة قدرا والوحدة مصيرا بدون أن يعرف لماذا كان القدر قوميا ولماذا يكون المصير في الوحدة ، وماذا تفعل دولة الوحدة في المجتمع القومي الموحد ؟ كانت الوحدة هدفا في ذاتها - كما نقول اليوم - عن أي مضمون اجتماعي .

وأكد أن الحركة القومية لم تستطع في أي مرحلة من مراحلها أن تربط بين تحقيق دولة الوحدة وبين تحقيق حياة أفضل للإنسان العربي العادي ليتوحد نضاله من أجل تطوير حياته مع نضاله من أجل توحيد أمته . ولهذا استمرت الحركة القومية حركة ثقافية ودعائية أكثر منها حركة ثورية اجتماعية .

وذكر أن الحركة القومية أدانت التراكم الإقليمي لعناصر الحياة الواقعية اقتصاديا وثقافيا وفنيا وروحيا واكتفت بالإدانة بدون أن تفطن الى ما يصاحب ذلك التراكم الإقليمي من نشوء مشاعر نفسية بالانتماء الإقليمي يزاحم الانتماء القومي .

وقال لقد كان طبيعيا بعد ذلك أن تعجز حركة قومية تستهدف الوحدة ولكن طبقا لمنهج ليبرالي عن أن تحدد غايتها تحديدا يحفظ وحدة قواها على مدى طويل فلا تنشق ولا تنفرط ولا تتراجع . وهدف الحركة القومية كان وما يزال إقامة دولة الوحدة . ومع ذلك ، وبعد نصف قرن تقريبا من النشاط القومي لم تستطع الحركة القومية العربية أن تحدد شكل دولة الوحدة ، ولا نظامها .

وأضاف لذلك كان يقتضي من الحركة القومية أن تضع في المرتبة الأولى من اهتمامها دراسة الواقع المادي والبشري والروحي والنفسي لكل قطر لتصل الى أفضل النظم الإدارية لتطوير الحياة فيه . ثم لتصل من خلال ما هو مشترك بين تلك النظم الإدارية المتنوعة الى نظام موحد للإدارة القومية في دولة الوحدة .

وحول الأسلوب قال الدكتور عصمت سيف الدولة ثم نأتي الى الخطأ في الأسلوب ، وهو خطأ يمكن أن يقال أنه خطأ عربي . ان الدارس للحركة الاجتماعية في الوطن العربي لا بد يندهش من أن العرب أفرادا أو جماعات أو أحزابا أو دولا يتقنون الى حد كبير تحديد ما يريدون ولو بشكل عام ، وقد يهتمون فيتقنون الواقع الذي هو بداية الطريق الى تحقيق ما يريدون ، ولكنهم لا يهتمون بدراسة ومعرفة كيف نقطع الطريق من بدايتها الى نهايتها . فلا نكاد نجد في كل الدراسات القومية العربية شيئا يذكر عن أسلوب الانتقال من التجزئة العربية الى الوحدة العربية .

وبين أن التجربة القومية العربية قدمت ثلاث أنماط من الأساليب لا يمت أي منها للقومية بصلة . وبالتالي محال أن يؤدي أي منها الى الوحدة العربية ، بل العكس ان بعضها أدى ويؤدي الى إقليمية عاتية .

واستعرض الأنماط الثلاثة فأشار الى الأسلوب الأول الحزب الجماهيري ذي الفروع في دول التجزئة فرع في كل دولة يمثل شعبها . أما الأسلوب الثاني فهو اجتماع قادة دول إقليمية على تحقيق الوحدة في دولهم ، في حين أن الأسلوب الثالث هو الأسلوب "الكاريزمي" ونعني القائد العربي الذي تقوم بينه وبين الجماهير العربية في كل الدول علاقة ثقة وانتماء وولاء فيستطيع ان يقود تلك الجماهير ويحقق بها الوحدة .

وأكد أن لن يكون أي مشروع قومي للمستقبل سوى مشروع تحرير الوطن العربي من الاحتلال والاغتصاب والهيمنة الأجنبية مبينا أن المشروع القومي هو المشروع الذي يضعه التنظيم القومي .


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق