القدس عنوانها وفلسطين بوصلتها

القدس عنوانها وفلسطين بوصلتها
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 13 مايو 2025

الاستراتيجية الإسرائيلية للثمانينات (2)

 الاستراتيجية الإسرائيلية للثمانينات

د.عصمت سيف الدولة

(2)

 من كتابه : دفاع عن ثورة مصر .

ملحق قدم الى المحكمة مع أصله العبري : استراتيجية لاسرائيل في الثمانينات .  

في مطلع الثمانينات تحتاج إسرائيل الى رؤية جديدة لوضعها ولأهدافها القومية في الداخل والخارج ، لقد بات ذلك ضروريا بسبب بعض الاحداث الرئيسية التي تمر بها الدولة والمنطقة والعالم .

اننا نعيش الان في المراحل الأولية لعصر جديد في تاريخ الإنسانية يختلف اختلافا تاما عن العصور السابقة ، كما أن الملامح الأساسية للمرحلة القادمة ، تختلف اختلافا جوهريا عن كل ما عرفنا حتى الان . لذلك فإننا في حاجة الى تفهم الأحداث الرئيسية والملامح الأساسية التي تتميز بها تلك المرحلة من ناحية ومن ناحية أخرى فإننا في حاجة الى تبني أفكار استراتيجية قابلة للتنفيذ وتتناسب مع الظروف الجديدة .

ان بقاء وازدهار وصمود الدولة اليهودية سوف يكون مرتبطا بقدرتها على تبني أسلوب جديد ومفهوم جديد لعملها في الداخل والخارج . ان هذا العصر يتسم ببعض السمات التي يمكننا أن نتبينها اليوم أيضا وهي تشكل تحوّلا حقيقيا عن نمط سلوكنا الحالي . ان السمة الرئيسية هي انهيار المبادئ الإنسانية والعقلانية التي لم تعد تشكل عنصرا أساسيا من عناصر بقاء ونجاح الحضارة الغربية منذ عصر النهضة . ان المبادئ السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ترتبت على هذه السمة المميزة لعالمنا قد تبنت بعض الحقائق التي أخذت اليوم في الزوال من ذلك مثلا القول بأن الفرد هو أساس الكون وأن كل ما عليه قد خصص لمواجهة متطلباته المادية . هذا القول لم يعد مقبولا في العصر الحالي لأنه من الواضح أن حجم الموارد في الكون لم يعد يفي بمتطلبات الانسان ولا باحتياجاته الاقتصادية ولا بظروفه السكانية القهرية .

في عالم يعيش به أربعة مليارات نسمة بينما موارده في مجال الاقتصاد والطاقة لا تنمو بالقدر الذي يتناسب مع زيادة متطلبات الانسانية ، في مثل هذا العالم ، لا يمكن في الواقع الوفاء بالشرط الاساسي للمجتمع الغربي . أي الرغبة في الاستهلاك غير المحدود . ان القول بأن الأخلاق لا تلعب أي دور في تحديد سلوك الانسان الا حينما يتعلق باحتياجاته المادية لم يعد له ما يبرره لأننا نرى بعض القيم في هذا العالم آخذة في التلاشي ، اننا نعتقد كل المعايير البسيطة جدا وخاصة فيما يتعلق بتحديد ماهية الخير والشر .

ان القول بأنه لا حدود لتطلعات ولا لقدرات الانسان لم يعد له ما يبرره بعدما رأينا انهيار نظام الكون من حولنا . ان الرأي القائل بحرية الفرد يبدو اليم مدعاة للضحك على ضوء الحقيقة المؤسفة بأن ثلاثة أرباع البشر يعيشون تحت حكم أنظمة شمولية وبذلك يتلاقى هذا الرأي مع الرأي الداعي الى المساواة والعدالة الاجتماعية الذي جعلت منه الاشتراكية الشيوعية مادة للسخرية والاستهزاء . وليس هناك شك في ايجابية هذه الآراء ولكن من الواضح أنها لم تحقق النجاح المطلوب وأن الغالبية العظمى من بني البشر قد فقدت الحرية والأمل في تحقيق المساواة والعدالة . وفي العالم الذي نعيش فيه في هدوء نسبي منذ ثلاثين سنة لم يعد هناك أي مغزى لمفاهيم الأخوة والسلام والتعايش بين الشعوب في وقت تتبنى فيه دولة عظمى مثل الاتحاد السوفياتي تلك المبادئ العسكرية والسياسية . وعليه فان حربا ذرية تصبح ممكنة وضرورية من أجل تحقيق الأهداف الماركسية . ليس هذا فحسب وانما يجب أيضا الخروج من هذه الحروب والانتصار فيها ..

ان المفاهيم الأساسية للمجتمع الانساني وخاصة في الغرب ، قد تغيرت اليوم على اثر التغيرات السياسية والعسكرية والاقتصادية الثورية ، وبذلك فان القوة الذرية وغير الذرية للاتحاد السوفييتي ، تجعل من هذ النصر مرحلة ما قبل العاصفة الكبرى التي من شأنها أن تدمر وتخرب القسم الأكبر من عالمنا في حرب شاملة تعد الحروب العالمية السابقة بالنسبة لها لعب أطفال . ان قوة السلاح الذري وغير الذري وما طرأ عليه من تطور ودقة من حيث نوعيته سوف يقلب الجزء الأكبر من عالمنا رأسا على عقب بكل ما للكلمة من معنى خلال سنوات معدودة ويجب أن نكون مستعدين لذلك في اسرائيل أيضا . ان هذا هو التهديد الرئيسي لوجودنا ولوجود سائر العالم الغربي . 

ان حرب الموارد في العالم وليس فقط احتكار العرب للبترول وحاجة الغرب كله لاستيراد معظم احتياجاته من المواد الخام من العالم الثالث ، كلها أمور قد تجعل عالمنا يختلف عن ذلك الذي عرفناه . ويتجلى لنا أن من بين الأهداف الرئيسية للاتحاد السوفييتي أن يتحكم في الغرب عن طريق السيطرة على موارد الطاقة الضخمة في الخليج الفارسي وفي جنوب القارة الافريقية حيث توجد أكبر كميات في العالم من المعادن . اننا نستطيع أن نتصور ونتخيل أبعاد المواجهة الشاملة التي تنتظرنا في المستقبل .

ان نظرية جورشكوف تدعو الى فرض السيطرة البحرية السوفييتية على المحيط الهادئ وعلى مناطق العالم الثالث الغنية بالمواد . والى جانب النظرية السوفييتية الذرية الحالية القائلة بأنه يمكن شن حرب ذرية والانتصار فيها والخلاص منها في الوقت الذي يتم فيه القضاء على القوة العسكرية الغربية وتسخير بقايا سكان الغرب لخدمة الأهداف الماركسية اللينينية هي أخطر ما يهدد سلام العالم ووجودنا نحن . 

لقد اتخذ السوفييت منذ عام 1967 من قول كلاوزوفيتش "ان الحرب هي استمرار للسياسة ولكن بالوسائل الذرية" الى شعار يتحكم في رسم كل سياساتهم . وهم اليوم ينفذون أهدافهم في منطقتنا وفي العالم كله ، وان ضرورة التصدي لهم قد اصبحت تشكل عنصرا اساسيا لدى رسمنا لأية سياسة أمنية لدولتنا ولسائر دول العالم الحر . ان هذا هو التحدي الخارجي الرئيسي الذي يواجهنا .

ان العالم العربي والاسلامي ليس اذن المشكلة الأساسية التي سوف تواجهنا في الثمانينات ولكنه أيضا يشكل أكبر تهديد لإسرائيل بسبب قوته العسكرية الاخذة في التعاظم . ان هذا العالم بطوائفه وأقلياته وتقسيماته ونزعاته الداخلية والتي تتسبب في دمار داخلي لا حدود له مثلما نشاهد في لبنان وايران غير العربية وفي سوريا أيضا لم يعد قادرا على مواجهة مشكلاته الاساسية الشاملة ، ولذلك فانه لا يشكل اي تهديد حقيقي لدولة اسرائيل على المدى البعيد ، بل على المدى القصير فقط بسبب تزايد قوته العسكرية ، على صورته الحالية في المناطق المحيطة بنا دون أن يتعرض لتقلبات حقيقية . ان العالم العربي الاسلامي هو بمثابة برج من الورق أمامه الأجانب (فرنسا وبريطانيا في العشرينات) دون أن توضع في الحسبان رغبات وتطلعات سكان هذا العالم . لقد قسم هذا العالم الى 19 دولة كلها تتكوّن من خليط من الأقليات والطوائف المختلفة والتي تعادي كل منها الأخرى وعليه فان كل دولة عربية اسلامية معرضة اليوم لخطر التفتت العرقي والاجتماعي في الداخل الى حد الحرب الداخلية كما هو الحال في بعض هذه الدول .

ان معظم العرب 118 مليون من أصل 170 مليون يعيشون الان في افريقيا والجزء الأكبر من هذا العدد (45 مليون) يعيشون في مصر . وبخلاف مصر فان جميع دول المغرب يتكون من خليط من العرب والبربر من غير العرب . ففي الجزائر هناك حرب أهلية في المناطق الجبلية بين الشعبين الذين يكونان هذا البلد ، كما في المغرب والجزائر بينهما حرب بسبب المستعمرة الصحراوية الاسبانية بالإضافة الى الصراعات الداخلية التي تعاني منها كل منهما . كما أن التطرف الاسلامي يهدد وحدة تونس ، والقذافي يشن حروبه المدمرة ضد العرب أنفسهم انطلاقا من دولة تكاد تخلو من وجود السكان يمكن أن يشكلوا قومية قوية وذات نفوذ ومن هنا جاءت محاولة لعقد اتفاقيات باتحاد مع دول حقيقية كما حدث في الماضي مع مصر ويحدث اليوم مع سوريا . وأما السودان أكثر دول العالم العربي الاسلامي تفككا فإنها تتكون من أربع مجموعات سكانية كل منها غريبة عن الأخرى ، فمن أقلية عربية مسلمة مقابل أقلية كبيرة من المسيحيين الذين يشكلون الأغلبية في مصر العليا ، حوالي 8 مليون نسمة . وكان السادات قد أعرب في خطابه في مايو عام 1980 عن خشيته من أن تطالب هذه الأقلية بقيام دولتها الخاصة أي دولة لبنانية مسيحية جديدة في مصر ..

ان جميع الدول العربية الموجودة الى الشرق من اسرائيل مقسمة ومفككة من الداخل أكثر من تلك التي في الغرب . ان سوريا لا تختلف اختلافا جوهريا عن لبنان الطائفية باستثناء النظام العسكري القوي الذي يحكمها ، ولكن الحرب الداخلية الحقيقية اليوم بين الأغلبية السنية والأقلية الحاكمة من الشيعة العلويين الذين يشكلون 12% فقط من عدد السكان تدل على مدى خطورة المشكلة الداخلية .

ان العراق لا تختلف كثيرا عن جاراتها ولكن الأغلبية فيها من الشيعة والأقلية من السنة . ان 65 % من السكان ليس لهم أي تأثير على الدولة التي تشكل الفئة الحاكمة فيها 20 % الى جانب الأقلية الكردية الكبيرة في الشمال . ولو لا القوة العسكرية للنظام الحاكم وأموال البترول لما كان بالإمكان أن يختلف مستقبل العراق عن ماضي لبنان وحاضر سوريا . ان بشائر الفرقة والحرب الأهلية تلوح فيها اليوم خاصة بعد تولي الخميني الحكم والذي يعتبر في نظر الشيعة العراقيين زعيمهم الحقيقي وليس صدام حسين . 

ان جميع امارات الخليج وكذلك السعودية قائمة على بناء هش ليس فيه سوى البترول . وأما في الكويت فان الكويتيين يشكلون ربع عدد السكان فقط ، وفي البحرين يشكل الشيعة أقلية السكان ولكن لا نفوذ لهم . وفي دولة الامارات العربية المتحدة يشكل الشيعة أغلبية السكان وكذلك الحال في عمان وفي اليمن الشمالية وكذلك في جنوب اليمن الماركسية توجد أقلية شيعية كبيرة . وفي السعودية نصف السكان من الأجانب المصريين واليمنيين وغيرهم بينما القوى الحاكمة هي اقلية من السعوديين .

والأردن هي في الواقع فلسطينية حيث الأقلية البدوية من الأردنيين هي المسيطرة ولكن غالبية الجيش من الفلسطينيين وكذلك الجهاز الاداري . وفي الواقع تعد عمان فلسطينية مثلها مثل نابلس . في جميع هذه الدول جيوش قوية وواسعة النفوذ . ان غالبية الجيش السوري اليوم من السنة بينما القيادة علوية وأما الجيش العراقي ففي معظمه يتكون من الشيعة بينما القيادة سنية . ان لهذه الحقيقة مغزى عظيم على المدى البعيد ، وعليه فلن يكون بالإمكان ضمان ولاء الجيش لفترة طويلة الا فيما يتعلق بالقاسم المشترك والعنصر الوحيد الذي يتفق عليه الجميع ، وهو العداء لإسرائيل ، وحتى هذا الأمر لم يعد كامنا اليوم .

والى جانب العرب المنقسمين أنفسهم فان الوضع هو نفسه في الدول الاسلامية . فايران تتكون من النصف المتحدث بالفارسية والنصف الاخر تركي من الناحية العرقية واللغوية وفي طباعه ايضا . وأما تركيا منقسمة الى النصف من المسلمين السنة أتراك الأصل واللغة ، والنصف الثاني اقليات كبيرة من 12 مليون شيعي علوي و6 مليون كردي سني . وفي أفغانستان خمسة ملايين من الشيعة يشكلون حوالي ثلث عدد السكان . وفي باكستان السنية حوالي 15 مليون شيعي يهددون كيان هذه الدولة .

ان هذا العرض للحالة القومية العرقية والطائفية الممتدة من المغرب وحتى الهند ومن الصومال وحتى تركيا يشير الى عدم الاستقرار والى التفتت السريع في جميع أرجاء المنطقة من حولنا . واذا ما أضفنا الى ذلك الوضع الاقتصادي يتبين لنا كيف أن المنطقة كلها في الواقع بناء مصطنع كبرج الورق لا يمكنه التصدي للمشكلات الخطيرة التي تواجهه .

في هذا هذا العالم الضخم ، والمشتت توجد جماعات قليلة من واسعي الثراء وجماهير غفيرة من الفقراء . ان معظم العرب متوسط دخلهم السنوي حوالي 300 دولار في العالم ، هكذا الحال في مصر وسائر دول المغرب باستثناء ليبيا وفي دول المشرق باستثناء العراق . أما لبنان فإنها مقسمة ومنهارة اقتصاديا لكونها دولة ليس بها سلطة موحدة بل خمس سلطات سيادية (مسيحية في الشمال تؤيدها سوريا وتتزعمها أسرة فرنجية ، وفي الشرق منطقة احتلال سوري مباشر وفي الوسط دولة مسيحية تسيطر عليها الكتائب والى الجنوب منها وحتى نهر الليطاني دولة لمنظمة التحرير الفلسطينية هي في معظمها من الفلسطينيين ثم دولة الرائد سعد حداد من المسيحيين وحوالي نصف مليون من الشيعة) . وأما سوريا فهي في وضع أكثر خطورة وحتى المساعدات التي سوف تقدم لها مستقبلا بعد الاتحاد مع ليبيا لن تكفي للتصدي لمشكلات المجتمع وللإنفاق على جيش بهذا الحجم واصلاح الاقتصاد المنهار . أما مصر فهي أخطر الحالات حيث الملايين من السكان على حافة الجوع نصفهم يعانون من البطالة وقلة السكن في ظروف تعد أعلى نسبة تكدس سكان في العالم . وبخلاف الجيش فليس هناك أي قطاع يتمتع بقدر من الانضباط والفعالية والدولة في حالة دائمة من الافلاس بدون المساعدات الخارجية الامريكية التي خصصت لها بعد اتفاقية السلام .

ان دول الخليج والسعودية وليبيا تعد أكبر مستودع في العالم للبترول والمال ولكن المستفيد بكل هذه الثروة هي اقليات محدودة لا تستند الى قاعدة عريضة وأمن داخلي وحتى الجيش ليس باستطاعته أن يضمن لها البقاء . وان الجيش السعودي بكل ما لديه من عناد لا يستطيع تأمين الحكم ضد الأخطار الفعلية من الداخل والخارج ، وما حدث في مكة عام 1980 ليس سوى مثال لما قد يحدث . ان هذه صورة قائمة وعاصفة جدا للوضع من حول اسرائيل وتشكل بالنسبة لإسرائيل تحديات ومشكلات وأخطار ولكنها تشكل أيضا فرصا عظيمة تتاح لأول مرة منذ عام 1967 .

ان الفرص والاحتمالات التي أهدرت آنذاك يمكن تحقيقها في الثمانينات بمعدلات لا يمكننا أن نتخيلها اليوم .

ان سياسة السلام واعادة المناطق والأراضي والارتباط بالولايات المتحدة تحول دون تحقيق واقتناص الفرص الجديدة التي ظهرت لنا . فمنذ عام 1967 أخضعت حكومات اسرائيل أهدافها القومية لمتطلبات الحكم المحدودة جدا وللتيارات الفكرية المدمرة في الداخل والتي حدّت من قدرتنا على التحرك على الصعيدين الداخلي والخارجي . ان عدم اتخاذ خطوات ازاء السكان العرب للمناطق الجديدة التي اكتسبناها في حرب فرضت علينا هو أكبر خطأ استراتيجي ارتكبته اسرائيل غداة حرب الايام الستة . وفي مقابل هذا الخطأ الذي كان تفاديه سيجنبنا كل هذا الصراع الحاد والخطير منذ نهاية الحرب وحتى الان فقد كان باستطاعتنا أيضا آنذاك أن نحسم هذا النزاع عن طريق اعطاء الاردن للفلسطينيين الذين أقاموا غربي نهر الأردن . وبذلك كنا سنتمكن من تحجيم المشكلة الفلسطينية التي تواجهنا اليوم والتي أوجدنا لها حلولا غير عملية مثل التنازل عن الارض مقابل السلام أو الحكم الذاتي . واليوم تلوح لنا فرصة عظيمة تمكننا من تغيير الوضع بشكل جوهري وهذا ما يجب أن نفعله في العقد القادم والا فإننا لن نستطيع الحفاظ على كياننا كدولة .

ان اسرائيل سوف تضطر في الثمانينات الى اجراء تغييرات جوهرية على بنائها السياسي والاقتصادي الداخلي الى جانب تغيرات راديكالية على سياستها الخارجية حتى تتمكن من الصمود في وجه التحديات الدولية الاقتصادية والاقليمية التي يتسم بها هذا العصر الجديد . ان فقداننا لحقول البترول الواقعة على خليج السويس وكذلك فقداننا للاحتياطي الهائل من البترول والغاز والخدمات الطبيعية التي تتمتع بها شبه جزيرة سيناء والتي يطابق تكوينها الجيولوجي تكوين دول نفطية غنية في المنطقة سوف يؤدي بنا الى الاختناق مستقبلا فيما يتعلق بمصادر الطاقة وكذلك الى تدمير الاقتصاد الداخلي وذلك لأن ما يعادل ربع الدخل القومي أو ثلث الميزانية سوف يخصص لشراء احتياجاتنا من البترول . كما أن الكشف عن خامات البترول في النقب والسهل الساحلي لن يؤدي على المدى القريب الى تغيير الوضع .

ان استعادة شبه جزيرة سيناء بما تحتويه من موارد طبيعية ومن احتياطي يجب اذن أن يكون هدفا اساسيا من الدرجة الاولى اليوم الا أن اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام تحول دون تحقيق هذا الهدف والسبب كما هو مفهوم هو حكومة اسرائيل الحالية وكذلك هؤلاء الذين مهدوا الطريق لسياسة اعادة السلام بعد اعادة سيناء ، واعني بذلك حكومات العمل منذ عام 1967 . ان المصريين لن يلتزموا باتفاقية السلام بعد اعادة سيناء ، وسوف يفعلون كل ما في وسعهم لكي يعودوا الى أحضان العالم العربي والاتحاد السوفياتي وذلك بسبب أهمية العالم العربي والمساعدات العسكرية السوفياتية لهم . ان المساعدات الأمريكية هي قصيرة المدى ، الى ان يتحقق السلام ، كما ان ضعف موقف الولايات المتحدة ذاتها على الصعيدين الداخلي والخارجي سوف يؤدي الى ذلك . وعليه فإننا بدون البترول وعائداته وبسبب المبالغ الطائلة التي ننفقها اليوم لتوفيره فإننا لن نستطيع الصمود على الوضع الحالي لأكثر من عام 1982 وسوف نضطر الى العمل لإعادة الاوضاع في سيناء الى ما كانت عليه قبل مجيء السادات واتفاقية السلام التي لم يكن هناك ما يبررها والتي تم التوقيع عليها معه في مارس من عام 1979 .

ان أمام اسرائيل طريقين لتحقيق هذا الهدف ، احداهما مباشرة والاخرى غير مباشرة . أما المباشرة فهي الاقل واقعية بسبب طبيعة اسرائيل وحكمة السادات الذي يعد انسحابنا من سيناء هو أهم انجاز له منذ اعتلاءه لسدة الحكم بعد حرب 1973 . ان اسرائيل لن تكون البادئة بالإخلال ببنود الاتفاقية لا اليوم ولا في عام 1982 الا اذا كانت واقعة تحت ضغوط شديدة اقتصادية وسياسية ، واذا اعطتها مصر ذريعة لكي تستولي على سيناء للمرة الرابعة في تاريخنا القصير . ويبقى اذن الخيار الثاني . ان الوضع الاقتصادي في مصر وطبيعة نظام الحكم وسياسة القومية العربية سوف تؤدي بعد أبريل 1982 الى وضع تجد فيه اسرائيل نفسها مضطرة للحل بشكل مباشر أو غير مباشر من اجل استعادة سيناء الى احضان اسرائيل لاحتياطي استراتيجي للمدى البعيد في مجال الاقتصاد والطاقة . ان مصر لا تشكل خطرا عسكريا استراتيجيا على المدى البعيد بسبب تفككها الداخلي ومن الممكن اعادتها الى الوضع الذي كانت عليه بعد حرب يونية 1967 بطرق عديدة .

ان اسطورة مصر القوية والزعيمة للدول العربية قد تبددت في عام 1956 وتأكد زوالها في عام 1967 . ولكن سياستنا المتمثلة في اعادة سيناء قد ادت الى تحول الاسطورة الى واقع اليوم . ولكن الحقيقة ان قوة مصر بالنسبة لإسرائيل وحدها أو بالنسبة لكل العالم العربي قد هبطت منذ عام 1967 بحوالي 50 % ولم تعد الزعيمة السياسية للعالم العربي ، كما أن بإمكانياتها الاقتصادية الواهنة وبدون المساعدات الاقتصادية الخارجية يمكن ان تنهار غدا وعلى المدى القصير . بعد اعادة سيناء ، استعادت مصر بعض قوتها على حسابنا ولكن ذلك لن يطول الى أبعد من عام 1982 . ان الأمر لا يغير الموازين لصالحها بل ربما يؤدي الى الدمار . ان مصر بطبيعتها وبتركيبتها السياسية الداخلية الحالية هي بمثابة جثة هامدة فعلا بعد سقوطها وذلك بسبب التفرقة بين المسلمين والمسيحيين والتي سوف تزداد حدتها في المستقبل . ان تفتيت مصر الى اقاليم جغرافية منفصلة هو هدف اسرائيل السياسي في الثمانينات على جبهتنا الغربية .

ان مصر المفككة والمقسمة الى عناصر سيادية متعددة ، على عكس ما هي عليه الان ، سوف لا تشكل اي تهديد لإسرائيل بل ستكون ضمانا للزمن والسلام لفترة طويلة ، وهذا الأمر هو اليوم في متناول ايدينا . ان دول مثل ليبيا والسودان والدول الأبعد منها سوف لا يكون لها وجود بصورتها الخالية ، بل ستنضم الى حالة التفكك والسقوط التي ستتعرض لها مصر . فاذا ما تفككت مصر فستتفكك سائر الدول الاخرى . ان فكرة انشاء دولة قبطية مسيحية في مصر العليا الى جانب عدد من الدويلات الضعيفة التي تتمتع بالسيادة الاقليمية في مصر بعكس السلطة والسيادة المركزية الموجودة اليوم ، هي وسيلتنا لإحداث هذا التطور التاريخي والذي أعاقت معاهدة السلام تحقيقه ، ولكن لا يبدو بعيد المنال على المدى البعيد .

ان الجبهة الغربية التي تبدو للوهلة الأولى وكأنها مكمن الخطر هي في الحقيقة أقل خطورة من الجبهة الشرقية التي تتوافر فيها جميع الاشتراطات التي نتمنى وجودها في الجبهة الغربية ونراها تتداعى اليوم امام اعيننا . ان التفتت التام للبنان الى خمس مقاطعات اقليمية يجب ان يكون سابقة لكل العالم العربي بما في ذلك مصر وسوريا والعراق وشبه الجزيرة العربية . ان تفكك سوريا والعراق في وقت لاحق الى اقاليم ذات طابع قومي وديني مستقل كما هو الحال في لبنان هو هدف اسرائيل الاسمى في الجبهة الشرقية على المدى القصير فسوف تتفتت سوريا تبعا لتركيبها العرقي والطائفي الى دويلات عدة كما هو الحال الان في لبنان . وعليه فسوف تظهر على الشاطئ دويلة علوية وفي منطقة حلب دويلة سنية وفي منطقة دمشق دويلة سنية أخرى معادية لتلك التي في الشمال وأم الدروز فسوف يشكلون دويلة في الجولان التي نسيطر عليها وكذلك في حوران وشمال الاردن وسوف يكون ذلك ضمانا للأمن والسلام في المنطقة بكاملها على المدى القريب . وهذا الامر هو اليوم في متناول ايدينا .

ان العراق الغنية بالبترول والتي تكثر فيها الفرقة والعداء الداخلي هي المرشح المثالي لتحقيق اهداف اسرائيل . ان تفتيت العراق هو أهم بكثير من تفتيت سوريا وذلك لان العراق اقوى من سوريا . ان في قوة العراق خطورة على اسرائيل في المدى القريب اكبر من الخطورة النابعة من قوة اية دولة اخرى . ان قيام حرب عراقية سورية أو عراقية ايرانية من شأنه أن يفتت العراق ويؤدي بها الى انهيار داخلي قبل ان تتمكن من تشكيل جبهة صراع عريضة ضدنا . ان اي نوع من المواجهة بين دول عربية بعضا البعض سوف يساعدنا على الصمود على المدى القريب ويقصر الطريق المؤدي الى تحقيق الهدف الاسمى وهو تفكيك العراق الى عناصر كما هو الحال بالنسبة لسوريا ولبنان . وسوف يصبح بالإمكان تقسيم العراق الى مقاطعات اقليمية طائفية كما حدث في سوريا في العصر العثماني ، وبذلك يمكن اقامة ثلاث دويلات (او أكثر) حول المدن العراقية في البصرة وبغداد والموصل بينما تنفصل المناطق الشيعية في الجنوب عن الشمال السني الكردي في معظمه . ومن المحتمل ان تؤدي الحرب الايرانية العراقية الدائرة اليوم الى زيادة الاستقطاب .

ان شبه الجزيرة العربية بكاملها يمكن أن تكون خير مثال للانهيار والتفكك كنتيجة لضغوط من الداخل ومن الخارج ، وهذا الامر في مجمله ليس بمستحيل على الاخص بالنسبة للسعودية سواء دام الرخاء الاقتصادي المترتب على البترول أو قل في المدى القريب . ان الفوضى والانهيار الداخلي هي أمور حتمية وطبيعية على ضوء تكوين الدول القائمة على غير اساس . وكذلك الحال بالنسبة للاردن ، فهي هدف استراتيجي وعاجل للمدى القريب وليس للمدى البعيد وذلك لأنها لن تشكل أي تهديد حقيقي على المدى البعيد بعد تفتيتها ووضع نهاية لحكم الملك حسين الذي طال ، ونقل السلطة الى ايدي الفلسطينيين على المدى القصير .

ان من غير الممكن أن يبقى الاردن على حالته وتركيبته الحالية لفترة طويلة لأن سياسة اسرائيل - اما بالحرب أو بالسلم - يجب أن تؤدي الى تصفية الحكم الاردني الحالي ونقل السلطة الى الأغلبية الفلسطينية . ان تغيير السلطة شرق نهر الأردن سوف يؤدي ايضا الى حل مشكلة المناطق المكتظة بالسكان العرب غربي النهر سواء بالحرب أو في ظروف السلم . ان زيادة معدلات الهجرة من المناطق وتجميد النمو الاقتصادي والسكاني فيها هو الضمان لإحداث التغيير المنتظر على ضفتي نهر الاردن ويجب أن نكون نشطين لكي نجعل إحداث هذا التغيير في اقرب وقت ممكن . ويجب ايضا عدم الموافقة على مشروع الحكم الذاتي أو اي تسوية أو تقسيم للمناطق وذلك لأنه بعد اعلان خطة منظمة التحرير الفلسطينية وخطة عرب اسرائيل أنفسهم ومشروع شنا عمرو في سبتمبر من عام 1980 لم يعد بالإمكان العيش في هذه البلاد في الظروف الراهنة دون الفصل بين الشعبين بحيث يكون العرب في الاردن واليهود في المناطق الواقعة غربي النهر . ان التعايش والسلام الحقيقي سوف يسودان البلاد فقط اذا فهم العرب بانه لن يكون لهم وجود ولا أمن دون التسليم بوجود سيطرة يهودية على المناطق الممتدة من النهر الى البحر ، وان أمنهم وكيانهم سوف يكونان في الاردن فقط .

ان التمييز في دولة اسرائيل بين حدود عام 1967 وحدود عام 1948 لم يكن له أي مغزى بالنسبة لعرب اسرائيل ولم يعد له أي مغزى بالنسبة لنا ايضا . ويجب التعامل مع المشكلة كاملة دون تقسيم الحدود تبعا للمراحل الزمنية مثل حدود 1967 . وفي اي وضع سياسي أو عسكري مستقبلي يجب أن يكون واضحا بان حل مشكلة عرب اسرائيل سوف يأتي فقط عن طريق قبولهم لوجود اسرائيل ضمن حدود امنة حتى نهر الاردن وما بعده تبعا لمتطلبات وجودنا في العصر الصعب - العصر الذي ينتظرنا قريبا - فليس بالإمكان الاستمرار في وجود ثلاثة أرباع السكان اليهود على الشريط الساحلي الضيق والمكتظ بالسكان في العصر الذري .

 ان اعادة توزيع السكان هو اذن هدف استراتيجي داخلي من الدرجة الاولى وبدون ذلك فسوف لا نستطيع البقاء في المستقبل في اطار اي نوع من الحدود . ان مناطق يهودا والسامرة والجليل هي الضمان الوحيد لبقاء الدولة ، واذا لم نشكل اغلبية في المنطقة الجبلية فاننا لن نستطيع السيطرة على البلاد وسوف نصبح مثل الصليبيين الذين فقدوا هذه البلاد التي لم تكن ملكا لهم في الاصل وعاشوا غرباء فيها منذ البداية . ان اعادة التوازن السكاني الاستراتيجي والاقتصادي لسكان البلاد هو الهدف الرئيسي والاسمى لإسرائيل اليوم . ان السيطرة على المصادر المائية من بئر السبع وحتى الجليل الاعلى هي بمثابة الهدف القومي المنبثق من الهدف الاستراتيجي الاساسي والذي يقضي باستيطان المناطق الجبلية التي تخلو من اليهود اليوم .

ان تحقيق أهدافنا على الجبهة الشرقية مرتبط بتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي الداخلي كما ان تغيير البناء السياسي والاقتصادي الداخلي لكي يتطابق مع تحقيق الاهداف الاستراتيجية هو مفتاحنا لإنجاز التغيير المطلوب بكامله . ويجب أن يكون هناك تحول من اقتصاد مركزي تلعب الحكومة فيه دورا اساسيا الى اقتصاد منفتح وحر يصاحبه الانتقال من التبعية الاقتصادية لإسرائيل لدافع الضرائب الامريكي الى تطوير بنية اساسية حقيقية وخلاقة على الصعيد الاقتصادي الداخلي اعتمادا على قدراتنا الذاتية . واذا لم يكن بالإمكان تحقيق هذا التغيير بدافع وبمبادرة ذاتية فان الاحداث وخاصة التطورات السياسية والاقتصادية المتعلقة بمصادر الطاقة مضاف اليها عزلتنا على الصعيد الدولي ، كلها عوامل تؤدي الى ذلك .

ومن الناحية العسكرية والاستراتيجية لن يستطيع الغرب بشكل عام وعلى راسه الولايات المتحدة الصمود في وجه الضغوط السوفيتية في جميع ارجاء العالم . ولذلك فان على اسرائيل الصمود بمفردها في الثمانينات دون اية مساعدات خارجية عسكرية كانت او اقتصادية ، وهذا الامر هو في مقدورنا دون حلول وسط . ان المتغيرات السريعة في العالم سوف تؤدي بالضرورة الى تغيرات في اوضاع يهود الشتات الذين ستكون اسرائيل بالنسبة لهم ليست مجرد ملاذ أخير بل ايضا الخيار الوحيد للبقاء على قيد الحياة . ولا يمكن الافتراض بان يهود الولايات المتحدة والطوائف اليهودية الاخرى في أوروبا وأمريكا اللاتينية سوف تكون باستطاعتهم مواصلة حياتهم على نفس النمط الحالي مستقبلا .

ان وجودنا في هذه البلاد مأمون وليس باستطاعة أي قوة أن تجبرنا على الخروج منها سواء بالقوة أو بالحيلة (على طريقة السادات) ورغم الصعوبات المتعلقة بسياسة "السلام" الخاطئة ومشكلة عرب اسرائيل والمناطق فانه بالإمكان التصدي بفعالية لهذه الصعاب على المدى القريب .

الاستراتيجية الإسرائيلية للثمانينات (1)



الخميس، 8 مايو 2025

الاستراتيجية الإسرائيلية للثمانينات (1)

  

الاستراتيجية الإسرائيلية للثمانينات

د.عصمت سيف الدولة

(1)

 من كتابه : دفاع عن ثورة مصر .

أخيرا : القوم المفسدون :

257 – وأخيرا أيها السادة المستشارون ، فوراء الصراع تناقض حضاري . ويقول علماء الاجتماع والحضارات المقارن ان الهيكل الحضاري للشخصية يكتمل تكوينا قبل أن يبلغ الشخص السادسة عشر من عمره . تنتقل القيم الحضارية المميزة للأمم من خلال الأمهات الى أطفالهن بعد أن يكنّ قد تلقينها وهن أطفال من أمهاتهن . بعد السادسة عشرة يبدأ كل شخص في أن يكتسب من تجربته الخاصة ما يضيفه الى هيكله ، ولا يستطيع شخص أي شخص أن يغير هيكله حتى لو طمس معالمه بما اكتسب . انه حينئذ يغترب كما يقول علماء الاجتماع .

من هنا شعوبا كاملة تتميز بحضارات روحية أو مثالية ، أو مادية ، أو إنسانية ، أو فردية . ومن الشعوب ما يتميز بحضارة وحشية . جاء ذكر أحدها في القرآن . قال تعالى : "ان يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض" (العنكبوت – 94) . ولم يقل جل جلاله أنهم أفسدوا أو أنهم يفسدون أو أنهم سيفسدون . لأن الآية لا تحكم على أعمالهم الماضية أو الحاضرة أو المستقبلية . بل قال جل شأنه أنهم "مفسدون في الأرض" لأنه ينبئ بما هم عليه من طبيعة غير قابلة للتغيير حسب الزمان . وهي طبيعة وان تكن شريرة الا أنها قيمة جارية فهي تنتقل من خلال الأمهات الى اطفالهن وتصاحب الشعب المفسد حتى فنائه ، لا حيلة له في هذا . ويقول المؤرخون أن أولئك المفسدين يأجوج ومأجوج هم الشعب وحشي الطباع المعروف باسم الخزر والذي كانت تقيم قبائله العديدة في الجزء الجنوبي من الاتحاد السوفيتي الحالي .

ويقول المؤرخ المعاصر ألفريد ليتنتال في كتابه "التجمع الصهيوني الثاني" المنشور عام 1983 "ان الخزر وهم شعب من الرعاة الوثنيين كان يقيم في جنوب روسيا ما بين نهر الفولجا والدون انتشر على شواطئ البحر الأسود وبحر قزوين وبحر آزون . ولقد لجأ اليهم اليهود الذين طُردوا من القسطنطينية أيام الحاكم البيزنطي ليو الثالث ونافسوا المبشرين المسيحيين والمسلمين وكسبوا الخاقان بولان حاكم الخزر لليهودية نحو عام 740 ميلادية . فتبعه الى اليهودية صفوة شعبه ثم شعبه كله . وان بعض تفاصيل تلك الأحداث قد تضمنته رسائل متبادلة بين الخاقان جوزيف الخزري وبين الحاخام حسداي بن شبروط (915 – 970) ... فلما اجتاح المغول بلاد الخزر هرب اليهود الاشكناز الى روسيا وألمانيا والبلطيق وبولندا وأصبح هؤلاء الأشكيناز الطاغين عددا على اليهود الذين وصلوا الى أوروبا من طرق أخرى . وهكذا فان الأغلبية العظمى من يهود شرق أوروبا ليسو يهودا ساميين أصلا " .

القصة ذاتها بتفاصيل أكثر أو اقل واردة في دائرة المعارف الامريكية الجزء 13 . وفي كتاب المؤرخ أرثر كوستلر المعنون "القبيلة الثالثة عشرة" المنشور في لندن عام 1986 الذي ينقل عن ابراهام بولياك ، رئيس قسم تاريخ اليهود في القرون الوسطى – جامعة تل أبيب قوله : "ولهذا فان بعض المتعلمين من اليهود الخزر يسمون أنفسهم أشكنازى عندما يهاجرون من بولندا" .

والان ،

من هم قوام الحركة الصهيونية من اليهود ؟ اليهود الشرقيون أو الاشكناز ؟ ومن هم الحاكمون رجال دولة الصهاينة ؟

الأشكناز .

ومتى دخل الأشكناز الديانة اليهودية ؟

في القرن الثامن الميلادي .

ومن اين جاءوا الى فلسطين ؟

من روسيا وبولندا وألمانيا ودول البلطيق .

وما هو اصلهم الحضاري ؟

انهم يأجوج ومأجوج الذين وصفهم الله بانهم "مفسدون في الأرض" .

فهل نقاتلهم أو لا نقاتلهم ..؟

هذا هو السؤال .

الضرورة :

وبعد ،

276 - فقد قدمنا اليكم من الحضارة ، والتاريخ القديم ، والتاريخ الحديث ، ومن الحرب الخفية ، ومن الحرب الظاهرة ، ومن العقيدة الصهيونية التي تحملهم حملا على أن يبيدوا العرب ، ومن نظريتهم في الحرب والسلام ، ومن اغتصابهم الأرض العربية ، ومن خططهم للاستيلاء على ما بين النيل والفرات ومن قتلهم ابناءنا ، وحتى من استدراجهم رئيسنا واكراهه وغشه للحصول منه على اعتراف بدولة الصهاينة وإقامة علاقات دبلوماسية معها ، لنقول لكم أن الأمة العربية أرضا وشعبا تعيش مهددة بخطر ماحق ، خلقه ، وينميه ويزيد من آثاره المهلكة الصهاينة الاشكيناز الخزر يأجوج ومأجوج .

فهل لهذا تكييف قانوني .

نعم .

انها المادة 61 من قانون العقوبات التي تنص على أن "لا عقاب على من ارتكب جريمة ألجأته الى ارتكابها ضرورة وقائه نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ولا في قدرته بطريقة أخرى" .

وحالة الضرورة بعد من مبادئ القانون . جميع فروع القانون من أول الدولي الى الدستوري الى المدني الى العقوبات . وخطر الصهاينة الذي يتمثل في إبادة البشر واغتصاب الوطن ، قام وهو قائم وسيستمر قائما من جيل الى جيل الى أن يبيدونا نحن العرب بأمر الههم . وتؤيدهم دولة ما قامت الا بعد أن ابادت شعبا واستولت على ارضه ..

وقد تكاملت أسباب الضرورة بالنسبة الى الافراد العرب في مصر العربية حين تخلت الدولة التي تحمل ، طبقا للدستور ، مسؤولية حماية رعاياها من المخاطر ، عن تحمل هذه المسؤولية باتفاقية كامب ديفيد . تخلت الدولة عن دورها وانسحبت من مواجهة الخطر الصهيوني الأمريكي تاركة الشعب يرد الخطر عن نفسه .

أما بالنسبة الى الشعب العربي خارج مصر ، فقد تفاقمت حالة الضرورة بعجز الدول العربية عن حماية الشعب العربي فيها ، ومثاله ما حدث في لبنان للشعب اللبناني حين اجتاحته قوات الصهاينة ، وما حدث للشعب الفلسطيني في مذابح صبرا وشاتيلا ، وما حدث في تونس من اغتيال أبو جهاد ، وما حدث في ليبيا من محاولة اغتيال القذافي قصفا بالصواريخ ... فالخطر ، كواقع أو وقائع ، في كل مكان يحيط بكل فرد عربي لا يعرف متى يكون ضحيته ، مما تتوافر معه أركان حالة الضرورة .

وهي سبب اباحة وليست مانعا من العقاب وذلك اتفاقا مع الدراسة الرصينة الصحيحة التي قدمها الدكتور أحمد فتحي سرور في كتابه "الوسيط في قانون العقوبات" – الجزء العام صفحة 272 وما بعدها .

فندفع بالإباحة للضرورة بالنسبة للأفعال المنسوبة الى المتهمين طبقا للمادة 32 من قانون العقوبات ، وهي ضرورة لم يكن لإرادتنا نحن العرب ، الإرادة العامة أو الفردية ، دخل في حلول ذلك الخطر الداهم ، ولا في مقدورنا منعه بغير قتال .

فهل نقاتلهم أو لا نقاتلهم ؟

هذا هو السؤال .

السادة المستشارون :

277 – وحتى تثقوا ثقة نهائية بألا شيء قد حدث حدّ من هذا الخطر المهلك أو أوقفه أو ألغى أسبابه نقدم اليكم ، أيها القضاة العظام ، وثيقة انتزعناها من بين أسنانهم في الأرض المحتلة ، عنوانها : "استراتيجية إسرائيلية للثمانينات" . نشرت عام 1982 في مجلة كيفونيم التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية .

278 – واذا كانت ثمة جدوى لكل ما أطلنا فيه فهي أنه لا ينبغي أن نستخف بوثيقة تصدر من المنظمة العالمية الصهيونية حتى لا يدفع أبناؤنا من دمائهم ثمن استخفافنا . مهما يبدو على مضمونها من خيال فيجب ألا ننسى أنه قبل قرن كان اغتصاب الصهاينة لفلسطين أبعد من الخيال . ولنتذكر دائما أن المؤسسة الصهيونية المسماة إسرائيل ليست الا الأداة للمنظمة العالمية الصهيونية اذ تضع خطة استراتيجية للثمانينات في هذا القرن فإنها تضعنا في مواجهة خطر حقيقي على اقصى درجة من الجدية . وأنه لمن الغفلة التي تصل الى حد الغباء أن ننسى أن هذه المنظمة ذاتها هي التي حاربتنا بأدواتها عام 1948 وبدولتها أعوام 1956 و1967 و1973 وطبقا لخطط قد وُضعت ونُفذت من قبل . خطط عشرية منذ ثمانينات القرن الماضي . وأنها حين حاربتنا بأدواتها المتاحة عام 1948 وبدولتها أعوام 1956 و1967 و1973 كانت تنفذ تلك الخطط تباعا . لسنا اذن أمام اجتهاد في الرأي قد يصيب وقد يخطئ ولسنا أمام مقال لكاتب صهيوني مسؤول أو غير مسؤول ، ولكننا أمام خطة عدوانية ملزمة لكل الصهاينة . نقدمها كما هي بأصلها العبري وترجمتها العربية الى عدالة المحكمة لنثبت أمرين :

الأمر الأول : أنه اذا كانت المدافع قد سكتت مؤقتا بعد الحرب الظاهرة عام 1973 مع استمرار الصراع الدموي على الجبهات العربية الأخرى ، فان الحرب الخفية ما زالت مستمرة بين الشعب العربي في مصر وبين الصهاينة في العالم أجمع ، كل ما في الأمر أنها من الجانب الصهيوني معبأة القوة ، كثيفة المعدات ، ذات قيادة موحدة هي "المنظمة العالمية الصهيونية" في حين أنها على الجانب العربي أفراد وجماعات يدافعون عن أنفسهم وعن شعبهم ، بل وعن دولتهم بالرغم من تخلي قيادة الدولة عن قيادتهم وبالرغم من افتقادهم الى التعبئة الشعبية ، والمعدات المؤثرة ، والقيادة الموحدة .

الأمر الثاني : ان ما قاله الصهيوني مناحيم بيجن في كتابه "الثورة" من أنه "لن يكون سلام لشعب إسرائيل ولا لأرض إسرائيل ولا حتى للعرب ما دمنا لم نحرر وطننا باجمعه بعد ، حتى لو وقّعنا مع العرب معاهدة صلح وسلام" ، وليس رأيا شخصيا للصهيوني مناحم بيجن عدل عنه حين وقع مع أنور السادات تلك الأوراق التي يسمونها معاهدة سلام ، بل انه المبدأ الأساسي للمنظمة العالمية الصهيونية صاحبة الأمر والنهي في الحرب والسلام ، التي يتبعها ويعبر عنها مناحم بيجن ، كما كان يتبعها ويعبر عنها ديفيد بن جريون في حديثه المنشور في جريدة "هاآرتز" الصهيونية يوم 2 أكتوبر 1967 ، قال : "علينا أن نتخذ من الفتوحات العسكرية أساسا للاستيلاء وواقعا يجبر الجميع على الرضوخ والانحناء أمامه" .

اقرأوها أيها السادة المستشارون ،

ثم قولوا لنا في حكمكم هل نقاتلهم أو لا نقاتلهم ؟

أشكركم وأترك المتهمين في ذمة عدالتكم ، والسلام عليكم ورحمة الله .

الاستراتيجية الإسرائيلية للثمانينات (2)



الأربعاء، 7 مايو 2025

الوثيقة الصهيونية لتفتيت الامة العربية

 PDF1   PDF2

الوثيقة الصهيونية لتفتيت الامة العربية

وثيقة اعتمدها د.عصمت سيف الدولة في دفاعه عن " ثورة مصر" .

قراءة وتقديم : محمد سيف الدولة .

تقديم :

1 - في عام 1982 نشرت مجلة "كيفونيم" التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية ، وثيقة بعنوان "استراتيجية إسرائيلية للثمانينات" . ولقد نُشرت الوثيقة باللغة العبرية . وتم ترجمتها الى اللغة العربية ، وقدمها الدكتور عصمت سيف الدولة كأحد مستندات دفاعه عن المتهمين في قضية تنظيم ثورة مصر عام 1988.

2 - ولقد رأيت أهمية إعادة نشر هذه الوثيقة الان للأسباب الاتية :

- ان تقسيم العراق كأحد أهداف العدوان الأمريكي على العراق هو أحد الأفكار الرئيسية الواردة في الوثيقة المذكورة .

- ان الخطط الحالية الساعية لفصل جنوب السودان وتقسيمه ، هي أيضا ضمن الأفكار الواردة في الوثيقة .

- ان الاعتراف الرسمي بالأمازيغية كلغة ثانية ، بجوار اللغة العربية في الجزائر ، خطوة لا تبتعد عن التصور الصهيوني عن المغرب العربي .

- ان مخطط تقسيم لبنان الى عدد من الدويلات الطائفية ، الذي حاولت الدولة الصهيونية تنفيذه في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ، وفشلت في تحقيقه ، هو تطبيق عملي لما جاء بهذه الوثيقة بخصوص لبنان .

- ان الحديث الدائر الان في الأوساط الصهيونية حول تهجير الفلسطينيين الى الأردن ، والتخوفات العربية من استغلال أجواء احتلال العراق لتنفيذ ذلك ، هو من اساسيات الأفكار المطروحة في الوثيقة .

- وأخيرا وليس اخرا، ان الأخطار التي تتعرض لها مصر ، واردة بالتفصيل في الوثيقة الصهيونية.

والحديث عن وثيقة من هذا النوع ، ليس حديثا ثانويا ، فهم ينصصون فيها صراحة على رغبتهم في مزيد من التفتيت لامتنا العربية الإسلامية .

كما أن تاريخنا الحديث هو نتاج لمشروعات استعمارية مماثلة ، بدأت أفكارا ، وتحولت الى اتفاقيات ووثائق ، تلزمنا وتحكمنا حتى الان :

- فمعاهدة لندن 1840 سلخت مصر منذئذ وحتى تاريخه عن الامة العربية . فسمحت لمحمد علي وأسرته بحكم مصر فقط ، وحرّمت عليه أي نشاط خارجها . ولذلك نسمّي هذه الاتفاقية "اتفاقية كامب ديفيد الأولى" .

- واتفاقية سايكس بيكو 1916 قسمت الوطن العربي ، هذا التقسيم البائس الذي نعيش فيه حتى الان ، والذي جعلنا مجموعة من العاجزين ، المحسوبين داخل حدود مصطنعة ، محرومين من الدفاع عن باقي شعبنا وباقي ارضنا في فلسطين أو في العراق أو في السودان .

ـ ووعد بلفور 1917 كان المقدمة التي أدت إلى اغتصاب فلسطين فيما بعد . تم تلاه وقام على أساسه ، صك الانتداب البريطاني على فلسطين ، في 29 أيلول / سبتمبر 1922 ، الذي اعترف في مادته الرابعة "بالوكالة اليهودية" من أجل "إنشاء وطن قومي لليهود". فأعطوا بذلك الضوء الأخضر للهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين .

فلما قوي شأن العصابات الصهيونية في فلسطين ، أصدرت لهم الأمم المتحدة ، قراراً بتقسيم فلسطين في 29 تشرين الثاني / نوفمبر 1947 ، وهو القرار الذي أعطى "مشروعية" للاغتصاب الصهيوني ، وأُنشأ بموجبه الكيان الصهيوني . وهو القرار الذي رفضته الدول العربية في البداية . وظلت ترفضه عشرون عاماً لتعود وتعترف به بموجب القرار رقم 242 الصادر من الأمم المتحدة في 1967 ، الذي ينص على "حق" الكيان الصهيوني في الوجود ، و "حقه" أن يعيش بأمان على أرض فلسطين المغتصبة .

وعلى أساس هذا القرار أُبرمت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة في 26/03/1979 والتي خرجت بموجبها مصر من الصراع العربي ضد المشروع الصهيوني ، واعترفت بإسرائيل وتنازلت لها عن 78% من فلسطين . لتلحق بها منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 ثم الأردن 1994 وأخيرا جامعة الدول العربية عام 2002 . كل ذلك وغيره الكثير ، بدأ أفكاراً ، وأهدافاً استعمارية ، وتحول فيما بعد إلى حقائق .

وبالتالي ليس من المستبعد أبداً أن تتحول الأفكار ، التي وردت في الوثيقة الصهيونية المذكورة ، إلى أمر واقع ولو بعد حين . خاصة الآن بعد العدوان الأمريكي على العراق ، ومخاطر التقسيم التي تخدم ذات التصور الصهيوني عن المنطقة .

- والوثيقة الصهيونية منشورة في الصفحات التالية بنص كلماتها وفقراتها ، مع فرق واحد ، هو أنني أخذت ما جاء متفرقاً بالوثيقة بخصوص كل قطر ، وقمت بتجميعه في فقرة واحدة ، وحاولت ترقيمه وتبنيده ، لتسهل متابعته .   

- وأخيراً فإن الهدف الذي رجوته من نشر هذه الوثيقة ، هو أن ننظر إلى العدوان علينا في مساره التاريخي . وأن نراه على حقيقته كمخطط ، موحد ، منتظم ، متسلسل ، ممتد . وأن نحرر أنفسنا من منطق التناول المجزأ لتاريخنا ، الذي يُقسّمه إلى حوادث منفصلة عن بعضها البعض .. آملاً في النهاية ألا تقتصر حياتنا على مجموعة من الانفعالات وردود الفعل اللحظية المؤقتة ، التي تعلو وقت الشدة ، وتخبو في الأوقات الأخرى . فتاريخنا كله ومنذ زمن بعيد ، ولزمن طويل آتٍ ، هو وقت شدّة .

نص الوثيقة الصهيونية :

أولاً : نظرة عامة على العالم العربي والإسلامي

ـ إن العالم العربي والإسلامي هو بمثابة برج من الورق أقامه الأجانب ( فرنسا وبريطانيا في العشرينيات) ، دون أن توضع في الحسبان رغبات وتطلعات سكان هذا العالم .

ـ لقد قُسِّم هذا العالم إلى 19 دولة كلها تتكون من خليط من الأقليات والطوائف المختلفة ، والتي تُعادي كل منهما الأخرى ، وعليه فان كل دولة عربية إسلامية معرضة اليوم لخطر التفتت العرقي والاجتماعي في الداخل إلى حد الحرب الداخلية كما هو الحال في بعض هذه الدول .

ـ وإذا ما أضفنا إلى ذلك الوضع الاقتصادي يتبين لنا كيف أن المنطقة كلها ، في الواقع ، بناء مصطنع كبرج الورق ، لا يمكنه التصدي للمشكلات الخطيرة التي تواجهه .

ـ في هذا العالم الضخم والمشتت ، توجد جماعات قليلة من واسعي الثراء وجماهير غفيرة من الفقراء . إن معظم العرب متوسط دخلهم السنوي حوالي 300 دولار في العام .

ـ إن هذه الصورة قائمة وعاصفة جداً للوضع من حول دولة (إسرائيل) ، وتشكل بالنسبة لها تحديات ومشكلات وأخطار، ولكنها تشكل أيضاً فرصاً عظيمة ...

ثانياً ـ مصر :

1ـ في مصر توجد أغلبية سنية مسلمة مقابل أقلية كبيرة من المسيحيين الذين يشكلون الأغلبية في مصر العليا ، حوالي 8 مليون نسمة . وكان الرئيس محمد أنور السادات قد أعرب في خطابه في أيار / مايو من عام 1980 عن خشيته من أن تطالب هذه الأقلية بقيام دولتها الخاصة ، أي دولة "لبنانية" مسيحية جديدة في مصر ...

2ـ والملايين من السكان على حافة الجوع نصفهم يعانون من البطالة وقلة السكن في ظروف تعد أعلى نسبة تكدس سكاني في العالم .  

3ـ وبخلاف الجيش فليس هناك أي قطاع يتمتع بقدر من الانضباط والفعالية .

4ـ والدولة في حالة دائمة من الإفلاس بدون المساعدات الخارجية الأمريكية التي خُصصت لها بعد اتفاقية السلام .

5ـ إن استعادة شبه جزيرة سيناء بما تحتويه من موارد طبيعية ومن احتياطي يجب إذن أن يكون هدفاً أساسيا من الدرجة الأولى اليوم …. إن المصريين لن يلتزموا باتفاقية السلام بعد إعادة سيناء ، وسوف يفعلون كل ما في وسعهم لكي يعودوا إلى أحضان العالم العربي ، وسوف نضطر إلى العمل لإعادة الأوضاع في سيناء إلى ما كانت عليه ....

6ـ إن مصر لا تشكل خطراً عسكرياً استراتيجياً على المدى البعيد بسبب تفككها الداخلي ، ومن الممكن إعادتها إلى الوضع الذي كانت عليه بعد حرب حزيران / يونيو 1967 بطرق عديدة .

7ـ إن أسطورة مصر القوية والزعيمة للدول العربية قد تبددت في عام 1956 وتأكد زوالها في عام 1967 .

8ـ إن مصر بطبيعتها وبتركيبتها السياسية الداخلية الحالية هي بمثابة جثة هامدة فعلاً بعد سقوطها ، وذلك بسبب التفرقة بين المسلمين والمسيحيين والتي سوف تزداد حدتها في المستقبل . إن تفتيت مصر إلى أقاليم جغرافية منفصلة هو هدف (إسرائيل) السياسي في الثمانينات على جبهتها الغربية .

9ـ إن مصر المفككة والمقسمة إلى عناصر سيادية متعددة ، على عكس ما هي عليه الآن ، لن تشكل أي تهديد لدولة (إسرائيل) بل ستكون ضماناً للزمن و"السلام" لفترة طويلة ، وهذا الأمر هو اليوم في متناول أيدينا .

10ـ إن دول مثل ليبيا والسودان والدول الأبعد منها لن يكون لها وجود بصورتها الحالية ، بل ستنضم إلى حالة التفكك والسقوط التي ستتعرض لها مصر . فإذا ما تفككت مصر فستتفكك سائر الدول الأخرى ، وإن فكرة إنشاء دولة قبطية مسيحية في مصر العليا إلى جانب عدد من الدويلات الضعيفة التي تتمتع بالسيادة الإقليمية في مصر ـ بعكس السلطة والسيادة المركزية الموجودة اليوم ـ هي وسيلتنا لإحداث هذا التطور التاريخي .  

كما إن تفتيت لبنان إلى خمس مقاطعات إقليمية يجب أن يكون سابقة لكل العالم العربي بما في ذلك مصر وسوريا والعراق وشبه الجزيرة العربية.

ثالثاً ـ ليبيا :

إن الرئيس معمر القذافي يشن حروبه المدمرة ضد العرب أنفسهم انطلاقاً من دولة تكاد تخلو من وجود سكان يمكن أن يشكلوا قومية قوية وذات نفوذ . ومن هنا جاءت محاولاته لعقد اتفاقيات باتحاد مع دولة حقيقية كما حدث في الماضي مع مصر ويحدث اليوم مع سوريا .

رابعاً ـ السودان :

وأما السودان ـ أكثر دول العالم العربي الإسلامي تفككاً ـ فإنها تتكون من أربع مجموعات سكانية كل منها غريبة عن الأخرى ، فمن أقلية عربية مسلمة سنية تسيطر على أغلبية غير عربية أفريقية إلى وثنيين إلى مسيحيين .

خامساً ـ سوريا :

1ـ إن سوريا لا تختلف اختلافاً جوهرياً عن لبنان الطائفية باستثناء النظام العسكري القوي الذي يحكمها . ولكن الحرب الداخلية الحقيقية اليوم بين الأغلبية السنية والأقلية الحاكمة من الشيعة العلويين الذين يشكلون 12% فقط من عدد السكان ، تدل على مدى خطورة المشكلة الداخلية .

2ـ إن تفكك سوريا والعراق في وقت لاحق إلى أقاليم ذات طابع قومي وديني مستقل ، كما هو الحال في لبنان ، هو هدف دولة (إسرائيل) الأسمى في الجبهة الشرقية على المدى القصير، وسوف تتفتت سوريا تبعاً لتركيبها العرقي والطائفي إلى دويلات عدة كما هو الحال الآن في لبنان .

3ـ وعليه فسوف تظهر على الشاطئ دولة علوية .

4ـ وفي منطقة حلب دويلة سنية .

5ـ وفي منطقة دمشق دويلة سنية أخرى معادية لتلك التي في الشمال .

6ـ وأما الدروز فسوف يشكلون دويلة في الجولان التي نسيطر عليها .

7ـ وكذلك في حوران وشمال الأردن وسوف يكون ذلك ضماناً للأمن والسلام في المنطقة بكاملها على المدى القريب . وهذا الأمر هو اليوم في متناول أيدينا .

سادساً ـ العراق

1ـ إن العراق لا تختلف كثيراً عن جارتها ولكن الأغلبية فيها من الشيعة والأقلية من السنة ، إن 65% من السكان ليس لهم أي تأثير على الدولة التي تشكل الفئة الحاكمة فيها 20% إلى جانب الأقلية الكردية الكبيرة في الشمال .

2ـ ولولا القوة العسكرية للنظام الحاكم وأموال البترول ، لما كان بالإمكان أن يختلف مستقبل العراق عن ماضي لبنان وحاضر سوريا .

3ـ إن "بشائر" الفرقة والحرب الأهلية تلوح فيها اليوم ، خاصة بعد تولي الإمام الخمينى الحكم ، والذي يُعتبر في نظر الشيعة العراقيين زعيمهم الحقيقي وليس الرئيس صدام حسين .

4ـ إن العراق الغنية بالبترول والتي تكثر فيها الفرقة والعداء الداخلي هي المرشح التالي لتحقيق أهداف (إسرائيل) .

5ـ إن تفتيت العراق هو أهم بكثير من تفتيت سوريا وذلك لأن العراق أقوى من سوريا .

6ـ إن في قوة العراق خطورة على دولة (إسرائيل) في المدى القريب أكبر من الخطورة النابعة من قوة أية دولة أخرى .

7ـ وسوف يصبح بالإمكان تقسيم العراق إلى مقاطعات إقليمية طائفية كما حدث في سوريا في العهد العثماني .

8ـ وبذلك يمكن إقامة ثلاث دويلات (أو أكثر) حول المدن العراقية .

سابعاً ـ لبنان :

أما لبنان فإنها مقسمة ومنهارة اقتصاديا لكونها ليس بها سلطة موحدة ، بل خمس سلطات سيادية (مسيحية في الشمال تؤيدها سوريا وتتزعمها أسرة فرنجية ، وفي الشرق منطقة احتلال سوري مباشر، وفي الوسط دولة مسيحية تسيطر عليها الكتائب ، وإلى الجنوب منها وحتى نهر الليطاني دولة لمنظمة التحرير الفلسطينية هي في معظمها من الفلسطينيين ، ثم دولة الرائد سعد حداد من المسيحيين وحوالي نصف مليون من الشيعة .

ثامناً ـ السعودية والخليج

1ـ إن جميع إمارات الخليج وكذلك السعودية قائمة على بناء هش ليس فيه سوى البترول .

2ـ وفى البحرين يشكل الشيعة أقلية السكان ولكن لا نفوذ لهم .

3ـ وفي دولة الإمارات العربية المتحدة يُشكل الشيعة أغلبية السكان .

4ـ وكذلك الحال في عُمان .

5ـ وفي اليمن توجد أقلية شيعية كبيرة .   

6ـ وفي السعودية نصف السكان من الأجانب المصريين واليمنيين وغيرهم ، بينما القوى الحاكمة هي أقلية من السعوديين .

7ـ وأما في الكويت فإن الكويتيين الأصليين يُشكلون ربع السكان فقط .

8ـ إن دول الخليج والسعودية وليبيا تُعد أكبر مستودع للبترول والمال في العالم ، ولكن المستفيد من كل هذه الثروة هي أقليات محدودة لا تستند إلى قاعدة عريضة وأمن داخلي ، وحتى الجيش ليس باستطاعته أن يضمن لها البقاء .

9ـ وإن الجيش السعودي ، بكل ما لديه من عتادٍ ، لا يستطيع تأمين الحكم ضد الأخطار الفعلية من الداخل والخارج . وما حدث في مكة عام 1980 ليس سوى مثال لما قد يحدث .

10ـ إن شبه الجزيرة العربية بكاملها يمكن أن تكون خير مثال للانهيار والتفكك كنتيجة لضغوط من الداخل ومن الخارج ، وهذا الأمر في مجمله ليس بمستحيل على الأخص بالنسبة للسعودية سواء دام الرخاء الاقتصادي المترتب على البترول أو قل في المدى القريب . إن الفوضى والانهيار الداخلي هي أمور حتمية وطبيعية على ضوء تكوين الدول القائمة على غير أساس .

تاسعاً ـ المغرب العربي :

1ـ ففي الجزائر هناك حرب أهلية في المناطق الجبلية بين الشعبين الذين يُكونان سكان هذا البلد .

2ـ كما أن المغرب والجزائر بينهما حرب بسبب المستعمرة الصحراوية الإسبانية بالإضافة إلى الصراعات الداخلية التي تعانى منها كل منهما .

ـ كما أن التطرف الإسلامي يهدد وحدة تونس .

عاشراً ـ إيران وتركيا وباكستان وأفغانستان :

1ـ فإيران تتكون من النصف المتحدث بالفارسية والنصف الآخر تركي من الناحية العرقية واللغوية ، وفي طباعه أيضاً .

2ـ وأما تركيا فمنقسمة إلى النصف من المسلمين السنية أتراك الأصل واللغة ، والنصف الثاني أقليات كبيرة من 12 مليون شيعي علوي و 6 مليون كردي سني .

3ـ وفي أفغانستان خمسة ملايين من الشيعة يُشكلون حوالي ثلث عدد السكان .

4ـ وفي باكستان السنية حوالي 15 مليون شيعي يُهددون كيان هذه الدولة .

حادي عشر - الأردن وفلسطين :

1ـ والأردن هي في الواقع فلسطينية ، حيث الأقلية البدوية من الأردنيين هي المسيطرة ، ولكن غالبية الجيش من الفلسطينيين وكذلك الجهاز الإداري . وفي الواقع تُعد عمان فلسطينية مثلها مثل نابلس .

ـ وهي هدف استراتيجي وعاجل للمدى القريب وليس للمدى البعيد وذلك لأنها لن تشكل أي تهديد حقيقي على المدى البعيد بعد تفتيتها .

ـ ومن غير الممكن أن يبقى الأردن على حالته وتركيبته الحالية لفترة طويلة . إن سياسة دولة (إسرائيل)  ـ إما بالحرب أو بالسلم ـ يجب أن تؤدي إلى تصفية الحكم الأردني الحالي ونقل السلطة إلى الأغلبية الفلسطينية .

ـ إن تغيير السلطة شرقي نهر الأردن سوف يؤدي أيضاً إلى حل مشكلة المناطق المكتظة بالسكان العرب غربي النهر سواء بالحرب أو في ظروف السلم .

ـ إن زيادة معدلات الهجرة من المناطق وتجميد النمو الاقتصادي والسكاني فيها هو الضمان لإحداث التغير المنتظر على ضفتي نهر الأردن .

ـ ويجب أيضاً عدم الموافقة على مشروع الحكم الذاتي أو أي تسوية أو تقسيم للمناطق ...

ـ وأنه لم يعد بالإمكان العيش في هذه البلاد في الظروف الراهنة دون الفصل بين الشعبين بحيث يكون العرب في الأردن واليهود في المناطق الواقعة غربي النهر.

ـ إن التعايش والسلام الحقيقي سوف يسودان البلاد فقط إذا فهم العرب بأنه لن يكون لهم وجود ولا أمن دون التسليم بوجود سيطرة يهودية على المناطق الممتدة من النهر إلى البحر، وأن أمنهم وكيانهم سوف يكونان في الأردن فقط .   

ـ إن التميز في دولة (إسرائيل) بين حدود عام 1967 وحدود عام 1948 لم يكن له أي مغزى .

10 ـ وفي أي وضع سياسي أو عسكري مستقبلي يجب أن يكون واضحاً بأن حل مشكلة عرب فلسطين 48 سوف يأتي فقط عن طريق قبولهم لوجود (إسرائيل) ضمن حدود آمنة حتى نهر الأردن وما بعده .

11 ـ تبعاً لمتطلبات وجودنا في هذا العصر الصعب ( العصر الذري الذي ينتظرنا قريباً) ، فليس بالإمكان الاستمرار بوجود ثلاثة أرباع السكان اليهود على الشريط الساحلي الضيق والمكتظ بالسكان في هذا العصر الذري.

12 ـ إن إعادة توزيع السكان هو إذن هدف استراتيجي داخلي من الدرجة الأولى ، وبدون ذلك لن نستطيع البقاء في المستقبل في إطار أي نوع من الحدود . إن مناطق (يهودا والسامرة) والجليل هي الضمان الوحيد لبقاء الدولة .   

13ـ وإذا لم نشكل أغلبية في المنطقة الجبلية فإننا لن نستطيع السيطرة على البلاد . وسوف نصبح مثل الصليبيين الذين فقدوا هذه البلاد التي لم تكن ملكاً لهم بالأصل وعاشوا غرباء فيها منذ البداية.

14 ـ إن إعادة التوازن السكاني الاستراتيجي والاقتصادي لسكان البلاد هو الهدف الرئيسي والأسمى لدولة (إسرائيل) اليوم .

15ـ إن السيطرة على المصادر المائية من بئر السبع وحتى الجليل الأعلى ، هي بمثابة الهدف القومي المنبثق من الهدف الاستراتيجي الأساسي ، والذي يقضى باستيطان المناطق الجبلية التي تخلو من اليهود اليوم .

 

انتهت الوثيقة .