لم يعد أحد من الذين ينتمون الى الصف الوطني سواء في سوريا أو خارجها يصدّق أن ما يحدث هـناك ثورة شعـبـيـة حقـيقـية الا الأغـبـيـاء .. وهو الوصف الوحـيد الذي يـبـقـيهم داخل الدائرة الوطنية الضيـقـة الآن بعـد أن هـرولت كل القـوى الـرجـعـية أحـزابـا وحكومات ، وراء أسيادهم من أعداء الامة الذين فاجأتهم الاحداث المزلـزلة لعـروش الطغـاة في تونس و في مصر ، ليجعـلوا منها خـريفا عـربيا هـنا ، فشتاء قارسا هـناك ، ألبسوهما أثـوابا مستوردة حـتى تكون زيا للـرّبـيع العـربي الذي صُـنع على هوى الحاقديــن ..
فأي ربيع هذا الذي تهبّ رياحه محمّلة بالحقد والكـراهـية ، فلا يخـلـّـف الا الدماء والهـدم والدمار ..؟
وأي ربـيع هذا الذي يأتي متـنـكّـرا لكل ما هو جميـل وأصيـل ..؟
ان كان الربيع هو التعـبيـر عن الفوضى واغـتـيال القيم الحضارية وقلب المفاهـيم ، فان ذلك أغـرب ما يكون عن منطق الثـورات ، فلا علاقة اذن لهذا الربـيع بالثـورة ...
وهل يعـقـل أن تكون الثورات بقـيادة أقطاب الرجعـية في قطر والمملكة العـربية السعودية ؟
ولماذا تصرف كل دولة منهما المليارات في سبيل هذه الثورة أو تلك ؟
ثم لماذا تنكّـرا للثورة في تونس ومصر حتى في زمن صعود الحلفاء من الاخوان ؟
ولماذا لا يشدّون الرحال نحو فلسطين ان كانوا صادقين ؟
ألا يهاجمون الجيش العـربي السوري من القـنيطرة المحاذية للجولان المحتل ؟
لقد كانت الساحة العـربية مهيأة فعلا لاحتضان ربـيع عـربي حقـيقي يمكن أن يغـيّـر كل ما هو موجود ليس باسقاط الانظمة الديكتاتورية فحسب ، بل باعادة رسم الخريطة العـربية من جديد ، لولا عاملين مهمّين تسبّـبا في تحويله الى خـريف مرعـب وشتاء مفـزع ..
- أوّلا بسبب تدخل الأيادي القذرة للقوى المتربّـصة التي تملك كل الامكانيات للعـب في الخفاء وفي الوقت المناسب بتلك المنجزات الثورية كما تشاء ..
- ثانيا بسبب تخلف القوى الثورية عن تلك اللحظة التاريخية التي كانت قادرة على صنعها حين تهــيّـأت ظـروفها الموضوعـية لكـنها في الوقت نفسه كانت غـيـر مؤهّـلة ذاتيا لتطويرها في الاتجاه الذي يؤدّي الى المحافـظـة على مكـتسباتها .. وهو ما يفسّر انـتـكاس تـلك الثـورات في مهدها الأصلي الذي انطـلقـت منه .. كما يضع الثـوريـيـن من جديد أمام حقـيـقة صارت الآن مؤكّـدة :
الثـورة تحـتـاج الى تـنـظـيـم ثـوري ...
( نشرية القدس العدد 124 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق